يعتبر الكاتب المصري يعقوب الشاروني أحد أبرز رواد أدب الأطفال في مصر والوطن العربي، فقد ترك بصمة لا تمحى في عالم أدب الأطفال، وألف عشرات الكتب والمؤلفات المميزة التي مزج فيها بين الخيال والتعليم، ليصبح رمزًا للإبداع الأدبي، وأحد أهم الكتاب الذين عملوا على ترسيخ القيم الإنسانية وإثارة الفضول في عقول الأطفال، تعرف أكثر على مسيرته الأدبية وحياته.
من هو يعقوب الشاروني؟
يعقوب إسحق قليني الشاروني، هو كاتب وأديب مصري، ولد في 10 فبراير عام 1931 في محافظة القاهرة، وهو أحد رواد أدب الأطفال في الوطن العربي.
بدأ الشاروني رحلته مع الكتابة بالعمل في الصحافة، حيث عمل في جريدة الأهرام، حيث كان يكتب بابًا بعنوان "ألف حكاية وحكاية" والذي بدأ في الكتابة فيه منذ بداية الثمانينات، وحقق شهرة واسعة.
عمل الشاروني لسنوات في السلك القضايا، فقد درس في كلية الحقوق جامعة القاهرة، وبعدها تم انتدابه للعمل في الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر منذ الستينات. عرف الشاروني بقدرته على تحويل المفاهيم المعقدة إلى قصص بسيطة تناسب عقول الأطفال.
ألف الشاروني خلال مسيرته أكثر من 400 كتاب للأطفال، وحازت مؤلفاته اهتمام شريحة واسعة من القراء، وقد اهتم في كتاباته بتقديم مواضيع تتعلق بالقيم الأخلاقية مثل الشجاعة والصدق والتعاون.
حصل الشاروني خلال مسيرته على العديد من الجوائز تقديرًا لمؤلفاته المهمة، كما أنه شغل العديد من المناصب الهامة، وكان عضوًا في العديد منا لمجالس واللجان الثقافية في مصر.
نشأته وتعليمه
ولد الصحفي والكاتب المصري يعقوب الشاروني في العاصمة المصرية القاهرة، وقد درس القانون، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1952. حصل بعدها على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسية من الجامعة نفسها عام 1955.
في عام 1958، حصل الشاروني على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد التطبيقي من كلية الحقوق، وقد سافر إلى فرنسا عام 1969 لمدة 10 أشهر في منحة للحكومة الفرنسية لدراسة العمل الثقافي بين الجماهير.
يعقوب الشاروني في عيون أبنائه
لدى الكاتب يعقوب الشاروني عدة أبناء، ومن أبنائه الكاتبة هالة يعقوب الشاروني التي عملت على تسجيل وحماية إرث والدها الأدبي والصحفي. تحدثت هالة عن شخصية والدها في البيت كأب وزوج وجد كذلك، وأوضحت دوره الهام في غرس حب القراءة والثقافة لديهم.
كان الشاروني يشتري لأبنائه كل عام بين 20 و30 كتابًا ومجلة، ويعتبرهم ضمن المقرر الدراسي بجانب مواد المدرسة، كما كان يحرص على ترشيح كتب لأبنائه. أوضحت هالة إنها بعد 3 سنوات من دخولها الجامعة، قرأت 150 كتابًا في علم النفس جمعها والدها لها في المكتبة، ونصحها بقراءتها.
ديانة يعقوب الشاروني
الكاتب يعقوب الشاروني مسيحي الديانة.
مسيرته المهنة في السلك القضائي
درس الكاتب يعقوب الشاروني القانون في جامعة القاهرة، وقد واصل دراسته، وحصل على عدة دبلومات في المجال نفسه، وفي عام 1953، شغل منصب مندوب هيئة قضايا الدولة في مصر، وفي العام التالي بدأ العمل كمحام في هيئة قضايا الدولة. في عام 1959، شغل الشاروني منصب نائب هيئة قضايا الدولة.
كان الشاروني محاميًا بارعًا، كما كان مستشارًا وقاضيًا في هيئة قضايا الدولة، وقد كان يكتب عرائض الدعاوى وحيثيات الأحكام القضائية، وعرف بدفاعه الشرس عن حقوق الدولة.
التحول من القضاء إلى الأدب والكتابة
كان يعقوب الشاروني قارئًا نهمًا ومحبًا للكتابة، وبعد سنوات من العمل في السلك القضائي، أدرب أن الأدب والكتابة هو المجال الذي يرغب في الاستمرار فيه، لذا قدم طلبًا ليتم انتدابه للعمل في الهيئة العامة لقصور الثقافة.
كان الشاروني حكاء ممتازاً، استطاع بحكاياته وطريقته في الإلقاء أن يجذب الأطفال إليه، وكان يعقد ندوات للكبار على مدار الأسبوع، ويخصص جلسة مدتها ساعتين يوم الجمعة للأطفال، يعرض لهم الأفلام، ويقرأ لهم القصص، ويتناقش معهم في موضوعات مختلفة.
في عام 1967، شغل الشاروني منصب مشرف على مديرية الثقافة وقصر الثقافة في محافظة بني سويف في صعيد مصر، وفي العام التالي، عمل مديرًا للهيئة العامة لقصور الثقافة، ليترك عمله نهائيًا بوزارة العدل.
أراد الشاروني تعميق دراسته وفهمه لمجال الثقافة، فسافر إلى فرنسا، ودرس العمل الثقافي بين الجماهير، وفي عام 1970، تم اختياره مديرًا عامًا لثقافة الطفل وقصر ثقافة الطفل.
في عام 1973، شغل منصب مستشار وزير الثقافة لشؤون ثقافة الطفل، وفي عام 1975، أصبح مسؤولًا عن شؤون التدريب بوزارة الثقافة، وقد واصل عمله في وزارة الثقافة حتى التقاعد عام 1991، ولكنه ظل متعاقدًا مع الوزارة للعمل كمستشار لشؤون ثقافة الطفل.
عمل الشاروني أستاذًا زائرًا لأدب وقصص مسرح الأطفال في كليات التربية في جامعة مصرية مختلفة في الفترة من عام 1982 إلى عام 2008، كما كان يقيم برامج الأطفال في قناة ART الفضائية، وعمل كذلك مستشارًا لنشر كتب الأطفال في عدة دور نشر، مثل دار المعارف، الشركة المصرية العالمية للنشر، ووزارة البيئة المصرية.
وخلال مسيرته الأدبية، كان يعقوب الشاروني عضوًا في العديد من الجمعيات والمجالس الثقافية في مصر، منها اتحاد كتاب مصر، والمجلس الأعلى للثقافة، وجمعية الرعاية التكاملية. كان عضوًا في لجان تحكيم جائزة سوزان مبارك لأدب الأطفال، وجائزة الدولة التقديرية لأدب الأطفال في الأردن، وغيرها من اللجان والمجالس.
مؤلفات يعقوب الشاروني
بدأ يعقوب الشاروني الكتابة في الستينات، حيث كتب "أبطال بلدنا"، وحصل على جائزة سلمها له الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بنفسه، وكان وقتها يبلغ من العمر 33 عامًا، ليواصل بعدها إسهاماته المهمة والبارزة في عالم أدب الأطفال.
عُرف الشاروني بغزارة إنتاجه، فخلال مسيرته الأدبية، ألف أكثر من 400 كتابًا، ومنها "سر الاختفاء العجيب"، و"الجائزة وأنياب النمر"، و"حكاية رادوبيس"، و"صراع في بيت الطالبات"، و"الرحلة العجيبة لعروس النيل"، و"معروف في بلاد الفلوس"، و"ثروة تحت الأرض"، و"الأعمى وكنز الصحراء".
ألف كذلك" أحسن شيء أني حرة"، و"شجرة تنمو في قارب"، و"البداية مع قطعة شيكولاتة"، و"أبناء في العاصفة"، و"حكاية طارق وعلاء"، و"رجل السيرك"، و"تائه في القناة"، و"الكسلان وتاج السلطان"، و"الصياد ودينار السلطان". وأول مسرحيات يعقوب الشاروني كانت بعنوان "جنينة المحطة"، وكتب بعدها العديد من المسرحيات.
كان الشاروني يستحوي قصصه أحيانًا من أحداث عاصرها أو سمعها، منها رواية "مغامرة في بيت الطالبات" والتي كتبها بعد استمع لقصة إحدى الطالبات التي كانت ابنته هالة تدرسها في جامعة جنوب الوادي في صعيد مصر، حيث كانت تتعمد أن ترسب في الامتحانات رغم أنها متفوقة، وحينما سألتها هالة عن السبب، أوضحت أنها تتعمد ألا تجيب في الامتحانات حتى لا تكمل تعليمها، وتجبر على الزواج من ابن عمها. ألف الشاروني الرواية بناء على قصة هذه الطالبة، وبعدما أنهاها، أرسلتها ابنته إلى الطالبة التي قرأتها بدورها على والدها، فقرر والدها العدول عن قراره، ولم يزوّجها لابن عمها.
قصص يعقوب الشاروني للأطفال وأعماله الأدبية أصبحت مواد للدراسة للعديد من النقاد وطلاب الأدبف ي الجامعات المصرية والعربية، وقد تم نشر العديد من الدراسات التي ناقشت أعماله الأدبية في رسائل الدكتوراه والماجستير.
ألف الشاروني كذلك عدة كتب تربوية، منها "تنمية عادة القراءة عند الأطفال"، و"القيم التربوية في قصص الأطفال"، و"كيف نلعب مع أطفالنا"، و"تنمية عقل وذكاء الطفل"، و"كيف نحكي قصة"، و"كيف نقرأ لأطفالنا"، وغيرها من الكتب المهمة.
ألف حكاية وحكاية يعقوب الشاروني
اشتهر يعقوب الشاروني بكتابة باب خاص به في جريدة الأهرام بعنوان "ألف حكاية وحكاية" وقدم هذا الباب من عام 1981 حتى عام 2008، وخلال تلك الفترة، كان مشرفًا على صفحة الأطفال اليومية في الجريدة.
جوائز وتكريمات
حصل الأديب والكاتب المصري يعقوب الشاروني العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الأدبية، منها الجائزة الأولى من المجلس الأعلى للفنون والآداب عن مسرحية "أبطال بلدنا" عام 1960.
في عام 1962، صل على الجائزة الأولى للتأليف المسرحي عن مسرحية "جنينة المحطة"، وفي عام 1981، حصل على جائزة أحسن كاتب أطفال عن روايته "سر الاختفاء العجيب".
من الجوائز الأخرى التي حصل عليها جائزة أفضل كاتب أطفال عن مجمل أعماله عام 1998 من المجلس الأعلى للثقافة، كما حصل على جائزة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة في العام نفسه، وجائزة السندباد من مهرجان القاهرة الدولي لسينما الطفل.
في عام 2002، حصل على جائزة في مسابقة سوزان مبارك لأدب الأطفال عن كتاب "أحكم الحكايات الشعبية"، كما حصل على جائزة الآفاق الجديدة من معرض بولونيا الدولي في إيطاليا عن الكتاب نفسه.
في عام 2005، حصل على جائزة التميز في مسابقة سوزان مبارك لأدب الأطفال عن 3 روايات، "الفرس المسحور"، و"أحلام حسن"، و"حكاية رادوبيس"، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب.
وفاة يعقوب الشاروني
توفي الأديب يعقوب الشاروني في 23 نوفمبر عام 2023 عن عمر 92 عامًا، وبعد وفاته نعته وزيرة الثقافة في مصر نيفين الكيلاني، ونشرت الوزارة بيانًا جاء فيه: "فقد أدب الطفل في الوطن العربي أحد أبرز رواده، كاتبًا مبدعًا أثرى المكتبة العربية بالمئات من الأعمال الأدبية الخاصة بالطفل، ليرحل تاركًا أثرًا سيبقى حاضرًا في وجدان كل مصري وعربي من خلال كتاباته الفريدة".
جنازة يعقوب الشاروني كانت في يوم السبت الموافق 25 نوفمبر في كنيسة مارجرجس في مطرانية الجيزة في شارع مراد.