يعد الفنان يحيى الواسطي من أحد أعظم الفنانين المسلمين في العصر العباسي، كما أنه يعد من أبرز واد فن المنمنمات في القرن الثالث عشر الميلادي، ولد في العراق، واشتهر برسم المخطوطات المصورة بأسلوب فريد، وهو ما جعله أحد أهم المؤسسين للمدرسة العراقية في الفن الإسلامي، في السطور التالية تعرف على مسيرته الفنية وحياته.
من هو الفنان يحيى بن محمود الواسطي؟
يحيى بن محمود بن يحيى الواسطي هو فنان ورسام وخطاط عربي مسلم ولد في القرن الثالث عشر في مدينة واسط في العراق، وهي واحدة من أشهر المدن في العراق خلال العصور الوسطى.
يعد الواسطي من أهم مؤسسي مدرسة بغداد للتصوير، ويعتقد أنه عمل في البلاط العباسي، وكانت مهمة تزيين وزخرفة المخطوطات العلمية والأدبية. اشتهر الواسطي بشكل خاص بمنمنماته التي زينت مخطوط مقامات الحريري، والتي تعد من أشهر إنجازاته الفنية.
اشتهر يحيى الواسطي بألوانه وأسلوبه السردي، وقد استخدم تقنيات متقدمة في تصوير المناظر الطبيعية والشخصيات والعمارة، وعكست حياته تفاصيل الحياة اليومية للعرب في العصر العباسي، فنجده رسم عن الأسواق والمواكب الاحتفالية والمجالس العلمية وغيرها من المظاهر الاجتماعية في عصره. م
ترك الواسطي بصمة لا تمحى في تاريخ الفن الإسلامي، وأثر أسلوبه على فناني المدارس الفارسية والتركية، وعلى الرغم من أن القيل من أعماله الأصلية وصلت لنا، إلا أن تأثيره لا يزال حاضرًا، وخاصة في فن المنمنمات الإسلامية.
نسب يحيى الواسطي
يعود نسب يحيى الواسطي إلى مدينة واسط جنوب العراق، والتي تعد من أشهر المدن العربية في العصور الوسطى قبل سقوط الخلافة العباسية.
لا يوجد الكثير من المعلومات عن سيرة الواسطي، فقليلة هي المعلومات حول حياته، ولا يمدنا التاريخ بأكثر من اسمه وصفته كواحد من أبرز الرسامين في ذلك العصر، وأحد مصوري مقامات الحريري.
![يحيى الواسطي.. عبقري فن المنمنمات في العصر العباسي]()
منمنمات يحيى الواسطي
يعد الرسام يحيى الواسطي من أعظم رواد فن المنمنمات الإسلامية، ولمن يعرف هذا الفن، فهو عبارة عن لوحات صغيرة على الورق تكون عادة رسومًا توضيحية للكتب والمخططات، وأحيانًا أخرى تكون أعمالًا فنية منفصلة.
استطاع الواسطي أن يؤسس مدرسة فنية خاصة به جعلت من زخرفة الكتب وتصوير المخططات فنًا متكاملًا يعكس روح العصر العباسي. كان الواسطي بجانب إتقانه للرسم خطاطًا متقنًا، فمزج بين موهبة الرسم بالزخرفة وبين الخط العربي، وهو ما أضفى على لأعماله طابعًا فريدًا.
اشتهرت لوحات ومنمنمات يحيى الواسطي بشكل كبير، فقد تمكن من نقل الحياة اليومية في للمجتمع الإسلامي بشكل دقيق، فرسم الأسواق، ودور العبادة، والقصور والبيوت البسيطة، لذا تعد لوحاته نافذة تطل على حياة العرب في العصور الوسطى.
لاقت رسوماته اهتمامًا كبيرًا من ملوك الدولة الموحدية في الأندلس والمغرب العربي، الذين اقتنوا العديد من أعماله، ورأوا فيها إرثًا يعكس روح الحضارة الإسلامية.
مقامات الحريري للفنان يحيى الواسطي
يعتبر كتاب مقامات الحريري، للأديب أبو محمد القاسم بن علي الحريري، من أبرز أعمال يحيى الواسطي في فن المنمنمات. الكتاب، الذي يضم خمسين قصة، ويحمل في طياته نقدًا اجتماعيًا وأخلاقيًا عميقًا، ضم أيضًا أكثر من 99 منمنمة تجسد قصص الكتاب من إبداع الواسطي.
استطاع الواسطي من خلال رسوماته تصوير هذه المقامات وهو ما أحدث نقلة نوعية في الفن الإسلامي. برع الواسطي في رسم الشخصيات البشرية والمخلوقات الأخرى بتفاصيل غنية وألوان حيوية، وهو أمر كان نادرا في الفن الإسلامي التقليدي، الذي ركز غالبًا على الزخرفة النباتية والهندسية.
ولم يكن الواسطي يعتمد على الألوان الجاهزة، فمن أبرز صفات رسومات يحيى بن محمود الواسطي أنه كانه يجهز الألوان للوحاته بنفسه، فكان يستخرج الحبر الأسود من خلال خلط بقايا حرق ألياف الكافور، فيما استخلص بقية الألوان من نباتات طبيعية وأحجار كريمة كان يطحنها ويمزجها بالصمغ العربي، فأضفى إلى لوحاته الألوان الزاهية التي صدمت أمام الزمن.
وبجانب إتقانه لتجهيز الألوان، أتقن كذلك في تفاصيل لوحاته التي عندما تراها تشعر أنها تنبض بالحياة، وتعبر عن روح العصر الذي عاش فيه. يوجد نسخة لكتاب مقامات الحريري متواجدة في مكتبة سان بطرسبورغ في روسيا.
![يحيى الواسطي.. عبقري فن المنمنمات في العصر العباسي]()
أسلوب لوحات يحيى الواسطي
عاصر الفنان يحيى بن محمود الواسطي العديد من الفنانين، إلا أنه تميز عليهم بأسلوبه الخاص الذي جمع فيه بين الابتكار والتجديد. لم يتميز الواسطي في أسلوب الرسم فحسب، بل تميز كذلك في موضوعاته، فاعتمد على تنوع الموضوعات والاهتمام بالبعد النفسي والاجتماعي في رسم شخصياته.
تميز الواسطي كذلك فيما يعرف باسم "الفراغ التنزيهي" أي أنه لم يقيد أعماله لتصوير وقت معين، فنجد لوحاته تخلو من تعابير لليل والنهار أو فصول السنة، وهو ما منحه أعماله طابعًا خالدًا يتجاوز حدود الزمن.
ابتكر الواسطي مفاهيم فنية أخرى، ومنها "نسق الصور المتزامنة"، وفيها يدمج عدة مشاهد داخل لوحة واحدة، ويقسم المشهد إلى أجزاء متكاملة تعكس تسلسلًا بصريًا للأحداث، وهو أسلوب لم يكن مألوفًا في ذلك الوقت، وأضفى ديناميكية خاصة على أعماله، وهو ما جعلها تبدو كأنها تحكي قصة متكاملة بمجرد النظر إليها.
ومن أبرز أساليب يحيى الواسطي الفنية أنه لم يقدم نفسه بقواعد التلوين المستخدمة في عصره، واعتمد أسلوبًا فنيًا اعتمد على التناغم العاطفي على التلوين، وهو ما أضفى للوحاته بعد روحاني عميق.
ابتكر الواسطي كذلك منظور "وحدة الوجود" أو "عين الطائر"، وفيها يصور المشهد كما لو كان يُرى من الأعلى، فتبدو جميع زوايا واضحة في الوقت نفسه، وكانت تلك اللوحات كأنها نافذة مفتوحة على العالم الإسلامي.
![يحيى الواسطي.. عبقري فن المنمنمات في العصر العباسي]()
بفضل أسلوبه الفريد وابتكاراته التي تخطت حدود زمانه، يعتبر يحيى الواسطي من أعظم فناني العالم الإسلامية، فقد أسس لرؤية جديدة في فن المنمنمات جعلت من أعماله تخلد كإحدى أهم الكنوز في التراث الإسلامي.
كانت لوحات الواسطي سجلًا مرئيًا يوثق تفاصيل المجتمع الإسلامي في أوج ازدهاره قبل سقوط الخلافة العباسية، وحتى اليوم لا يزال تأثيره حاضرًا في مدارس الفنون الإسلامية.