ويليام هيرشل.. العالم الفلكي مكتشف كوكب أورانوس

يعتبر ويليام هيرشل أحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في تطوير علم الفلك، فبفضل شغفه بالفضاء وبراعته في صناعة التلسكوبات، تمكن من اكتشافات مذهلة غيرت فهمنا للكون. يُعرف هيرشل بشكل خاص باكتشافه لكوكب أورانوس، وهو الإنجاز الذي جعله شخصية بارزة في تاريخ العلم، تعرف أكثر على مسيرته وإنجازاته في هذا المقال.

من هو ويليام هيرشل؟

فريدريك ويليام هيرشل هو عالم فلك وملحن ألماني بريطاني، ولد في 15 نوفمبر عام 1738 في هانوفر بألمانيا، ويعتبر من الشخصيات البارزة في تاريخ علم الفلك، وله إسهامات كبيرة في هذا المال.

اختم هيرشل بدراسة السماء وتصنيع التلسكوبات في وقت فراغه، وهو ما قاده في النهاية إلى اكتشاف كوكب جديد أطلق عليه كوكب أورانوس، ليصبح أول كوكب يُكتشف في العصور الحديثة باستخدام التلسكوب، وكان هذا الاكتشاف حدثًا كبيرًا ووسع حدود النظام الشمسي المعروف.

ساهم هيرشل في المزيد من الاكتشافات الفلكية، فقد اكتشف عدد من أقمار كوكب أورانوس، وأقمار كوكب زحل، كما درس تكوين السدم والعناقيد النجمية، وأجرى مسحًا شاملًا للسماء الجنوبية والشمالية، وسجل آلاف الأجرام السماوية.

أبدع هيرشل كذلك في تصميم وصنع التلسكوبات، وقد صنع أكبر تسكلوب في العالم في ذلك الوقت بقطر 40 قدمًا، وأسس مدرسة لتصنيع التلسكوبات في إنجلترا.

وبجانب إسهاماته في علم الفلك، عُرف هيرشل بأنه ملحن وعازف أرغن، حيث بدأ مسيرته كعازف موسيقى ومدرس، واستمر في نشاطه الموسيقي، وألف عددًا من السيمفونيات والكوتشيرتوهات وأعمال أخرى.

قصة ويليام هيرشل مع الموسيقى

نشأ فريدريك ويليام هيرشل في هانوفر بألمانيا، والتي كانت حينها جزءًا من الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وقد نشأ في عائلة كبيرة مكونة من 11 ابنًا. كان والده عازفًا للبيانو في فرقة هانوفر العسكرية، وقد انتقل إلى إنجلترا للعمل هناك، حينما كانت هانوفر وبريطانيا العظمى متحدين تحت قيادة الملك جورج الثاني.

عندما انتقل هيرشل على إنجلترا، كان يبلغ من العمر 19 عامًا، وقد كان سريع التعلم للغة الإنجليزية، وهناك ألف العديد من الأعمال الموسيقية، حيث كان قادرًا على العزف على المزمار، والكمان، والأرغن، وقد شارك في العزف على الكنيسة.

في عام 1760 عمل هيرشل كرئيس فرقة دورهام ميليتيا، وبعدها انتقل إلى سندرلاند، وأصبح عازف كمان وعازفا منفرداً في أوركسترا نيوكاسل لمدة عام واحد، وخلال هذه الفترة كتب سمفونيته الثامنة، وواصل تقديم العروض بنفسه.

انتقل هيرشل بعدها إلى ليدز، وأصبح أول عازف أرغن في كنيسة القديس يوحنا، وف يعام 1766 أصبح عازف أرغن في كنيسة أوكتاجون، كما كان يدير الحفلات الموسيقية العامة في نفس الوقت.

برز هيرشل كعازف موسيقيي متنوع قادر على استخدام وعزف آلات مختلفة، وفي عام 1780 تم تعيين هيرشل مديرًا لأوركسترا باث، وقد شاركت أخته كارولين معه كعازفة سوبرانو منفردة.

حياته الشخصية

تزوج عالم الفلك ويليام هيرشل في عام 1788 من الأرملة ماري بيت، وأنجبت له طفلًا واحدة اسمه جون، الذي أصبح عالم رياضيات وفلك وكيميائي ومخترع إنجليزي شهير.

قيل إن زواجه كان سببًا في توتر العلاقة بينه وبين شقيقته كارولين، التي كانت سيدة غيورة ومرتبطة به للغاية، وقد انتقلت كارولين للعيش بمفردها بعد زواجه، ولكنها استمرت في العمل معه كمساعدة.

إنجازات ويليام هيرشل في علم الفلك

اهتم ويليام هيرشل بقراءة الفلسفة الطبيعية خلال سبعينات القرن الثامن عشر، وقد قاده الاهتمام بالموسيقى إلى الاهتمام بالفلك في النهاية، وخاصة بعد قراءة كتب روبرت سميث، الذي تحدث في كتبه عن فلسفة الأصوات الموسيقية، وتقنيات بناء التلسكوب.

قرأ هيرشل للعديد من علماء الفلك والبصريات منهم جيمس فيرجسون، وويليام إيمرسون، وقاده اهتمامه بالفلك والتلسكوب تلقى دروسًا من صانع مرايا لبناء تلسكوبات عاكسة، وقد كان يقضي 16 ساعة يوميًا في صقل وتلميع المرايا الأولية المعدنية، واعتمد على مساعدة أفراد أسرته، وخاصة شقيقته كارولين وشقيقه ألكسندر الذي كان ميكانيكيا ماهرا.

بعد تصنيع التلسكوب الخاص به بدأ استخدامه للنظر إلى الكواكب والنجوم، ثم سجل ملاحظاته التي نشرته في مجلة فلكية، وسرعان ما ركز على البحث عن أزواج من النجوم التي كانت قريبًا جدًا من بعضها، وسرعان ما اكتشف عددًا كبيرًا جدًا من النجوم الثنائية والمتعددة بالتلسكوب الذي صنعه.

جمع هيرشل هذه ا لاكتشافات مع قياسات دقيقة لمواقعها النسبية، وقدم تسجيلاته تلك إلى الجمعية الملكية في لندن عام 1782، وقد نشر له كتالوج ثالث للاكتشافات التي توصل إليها في عام 1783.

في عام 1797 قام هيرشل بقياس العديد من الأنظمة، واكتشف تغييرات في مواقعها النسبية، وقد انتظر حتى عام 1802 للإعلان عن فرضيته القائلة بأن النجمين كانا أنظمة نجمية ثنائية تدور تحت جاذبية متبادلة، وقد كتبت فرضيته تلك في كتابه "حساب التغييرات التي حدثت خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية".

اكتشف هيرشل إجمالًا 800 نظام نجمي مزدوج، ومعظمها أزواج فيزيائية وليست بصرية، وقد قدم عمله النظري والرصدي الأساس لعلم الفلك النجمي الثنائي الحديث.

واصل ويليام هيرشل أبحاثه الفلكية، وكتب ثلاثة فهارس قدم فيها اكتشافاته الفلكية، حيث اكتشف العديد من المجرات والمذنبات والسديم.

تعاون هيرشل كذلك مع شقيقته عالمة الفلك كارولين، وقضيا معًا ساعات في تلميع مرايات التلسكوبات عالية الأداء وتسجيل المزيد من الاكتشافات الفلكية، وقد أصبحت كارولين تسجل اكتشافاتها بنفسها، كما استمرت في العمل كمساعدة لهيرشل، وحصلت على راتب سنوي قدره 50 جنيهًا إسترلينيًا من قبل الملك جورج الثالث، وأصبحت أول امرأة في إنجلترا يتم تكريمها بمنصب حكومي، وأول امرأة تحصل على راتب كعالمة فلك.

تلسكوبات هيرشل

اخترع ويليام هيرشل العديد من التلسكوبات، وأشهرها تلسكوب هيرشل، وهو تلسكوب انكساري يعمل على انكسار الضوء عبر أنبوب باستخدام عدسة زجاجية محدبة، إلا أنه لم يقدم نتائج دقيقة.

قام هيرشل بإدخال تعديل على التلسكوبات العاكسة التي اخترعها إسحاق نيوتن، حيث أزال المرآة القطرية الصغيرة للعاكس النيوتوني القياسي، وقام بإمالة مرآته الأساسية حتى يتمكن من رؤية الصورة المتكونة مباشرة، وأصبح تصميمه يسمه تلسكوب هيرشل.

وخلال حياته يُقال إن هيرشل قام بصب وثقل أكبر من 400 مرآة للتلسكوبات تتراوح أحجامها من 6 إلى 48 بوصة في القطر، وقد قام ببيع العديد من هذه التصاميم. ومن أشهر تلسكوبات هيرشل تلسكوب هاكس بمرآة أساسية قطرها 49 بوصة كان التلسكوب الذي يبلغ قطره 40 قدمًا في ذلك الوقت أكبر أداة علمية تم بناؤها على الإطلاق.

استغرق بناء التلسكوب 5 سنوات، وحصل على إعانة مالية من الملك جورج لتغطية تكلفة بناء التلسكوب، وبعد تشغيل التلسكوب، اكتشف هيرشل عدة اكتشافات فلكية، منها قمرًا جديدًا لزحل وهو "ميماس"، كما اكتشف قمر آخر اسمه إنسيلادوس. من ضمن اكتشافاته الفلكية أيضًا اكتشاف قمرين لأورانوس وهما تيتانيا وأوبيرون.

من هو أول من اكتشف كوكب أورانوس؟

كان عالم الفلك الألماني البريطاني ويليام هيرشل هو من اكتشف كوكب أورانوس عام 1781، فخلال بحثه عن النجوم المزدوجة، لاحظ هيرشل جسمًا يظهر على شكل قرص، وقد اعتقد في البداية أنه مذنب أو قرص نجمي، وأبلغ اكتشافه إلى عالم الفلك نيفيل ماسكيلين.

أجرى هيرشل المزيد من الملاحظات، ورأى في النهاية أنه ربما يكون كوكبًا خارج مدار زحل، وأطلق على الكوكب الجديد اسم "النجم الجورجي" على اسم الملك جورج الثالث، كما عُرف الكوكب باسم "كوكب هيرشل"، ثم أصبح اسمه كوكب أورانوس تماشيًا مع تقليد تسمية الكواكب بأسماء آلهة الميثولوجيا الكلاسيكية في الثقافة اليونانية.

كان اكتشاف كوكب أورانوس أول توسع رئيسي للنظام الشمسي المعروف منذ العصور القديمة، حيث كان يُعتقد أن زحل هو آخر الكواكب.

شجع اكتشاف هيرشل علماء الفلك الآخرين على البحث عن كواكب جديدة، ما أدى لاحقًا إلى اكتشاف نبتون والكواكب القزمة والأجرام الأخرى في النظام الشمسي الخارجي، وأدى إنجاحه إلى تحسين تصميم التلسكوبات وأدوات الرصد، مما ساهم في تقدم الفلك كعلم دقيق.

اكتشافات علمية أخرى

كان لدى ويليام هيرشل الفضل في اكتشاف الأشعة تحت الحمراء في ضوء الشمس، ففي عام 1800 كان يجري اختبارات مرشحات مختلفة لتمرير ضوء الشمس من خلالها، وخلال هذه التجارب لاحظ أن المرشحات ذات الألوان المختلفة، بدت كأنها تولد كميات متفاوتة من الحرارة.

قرر هيرشل تمرير الضوء من خلال منشور لقياس الألوان المختلفة للضوء باستخدام مقياس الحرارة، وفي هذه العملة اكتشف درجة حرارة أعلى بدرجة واحدة من درجة الضوء الأحمر، وقد أدت المزيد من التجارب إلى أن هناك شكلاً غير مرئي من الضوء خارج الطيف المرئي، ونشر تجاربه تلك في عام 1800.

اهتم هيرشل كذلك بعلم الأحياء، وقد استخدم المجهر لإثبات أن المرجان ليس نباتًا، لأنه يفتقر إلى جدران الخلايا المميزة للنباتات، ورأى أنه في الوقاع حيوان ينتمي إلى اللافقاريات البحرية.

وفاة ويليام هيرشل

توفي ويليام هيرشل في 25 أغسطس عام 1822 بعد صراع طويل مع المرض عن عمر 83 عامًا، وقد نقش على شاهد قبره "لقد اخترق حواجز السماء".

جوائز وتكريمات

خلال حياته تم تكريم ويليام هيرشل، فقد انتهب عضوًا فخريًا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، كما تم تعيينه فارسًا من وسام الغويلفي الملكي من قبل الأمير ريجنت، كما حصل على اللقب الفخري "سيد" وهو لقب معادلًا للقب فارس بريطاني.

ساعد هيرشل في تأسيس الجمعية الفلكية في لندن عام 1820، التي حصلت على ميثاق ملكي عام 1831 وأصبحت الجمعية الفلكية المكلية. في عام 1813 تم انتخابه عضوًا في الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم.

بعد وفاته تم بناء العديد من النصب التذكارية له ولاكتشافاته العلمية في بلدة سلاو في إنجلترا، وهي البلدة التي عاش فيها، كما يوجد له نصب تذكاري في دير وستمنستر.