وفي مصر وادي سيليكون أيضاً

  • ومضةbronzeبواسطة: ومضة تاريخ النشر: الأربعاء، 09 ديسمبر 2015 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
وفي مصر وادي سيليكون أيضاً

لطالما بحثت منطقة الشرق الأوسط عن وادي السيلكون الخاص بها، ولكنّها كانت تبحث عن البيئة الحاضنة الخاطئة وتحت الاسم الخاطئ.

قد تصبح ‘صن سيتي‘ Sun City في مصر، في ضاحية مصر الجديدة في القاهرة، بمثابة مدينة بالو ألتو الخاصّة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ باتت مركزاً لصناعة الموصلات الجزئية semiconductor، بعدما تمّ بناؤها بهدوءٍ على مدار 10 سنوات. 

والأهمّ من ذلك أنّ الفاعلين في هذا القطاع لا يريدون تقليد ما يجري في بالو ألتو، بل يريدون تأسيس قطاعٍ للإلكترونيات عالية التقنية خاصٍّ لمصر بأنفسهم.

وإذا نجحوا في ذلك، سيكون له تأثيرٌ كبيرٌ على البيئات الحاضنة لروّاد الأعمال والشركات الناشئة، كما سيغري الكثير من المهندسين المغتربين من بُناة قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة بالعودة إلى الوطن.


أرباح هادئة

يمكن القول إنّ صناعة الموصلات الجزئية هي القطاع الأكثر تماسكاً في مصر والأقدر على المنافسة عالمياً في مجال الشركات الناشئة.

بدأ الأمر مع أبِي القطاع، هشام هدارة، الذي أجرى محادثاتٍ مع شركة "أناكاد" Anacad الفرنسية لافتتاح مكتبٍ لها في القاهرة حيث بقيت كشركةٍ صغيرةٍ بإدارةٍ أجنبية لتصميم الرقاقات الإلكترونية حتّى عام 2004. وبعد ذلك، تمكّنت شركتان مصريتان من الانتشار بسرعةٍ في السوق، هما "سي-وير" Si-Ware، والشركة المنافسة "سيناريو كونسلتنتس"Scenario Consultants التي تعود إلى سامح شاهين.

وبعد 11 عاماً، بات يوجد 17 شركةً تأسّست محلياً، تعمل في صناعة الموصلات الجزئية في مصر وتقدّم خدماتها ومنتجاتها لعملاء من الولايات المتّحدة وأوروبا وآسيا. وهذه الشركات بمجملها لا تمتلك ورش تصنيع، ما يعني أنّها تصمّم المكوّنات وتبيع التصميم للزبائن أو تصنّعه لهم في مكانٍ آخر، بدلاً من تصنيع الأجزاء داخل الشركة.

ويقول هدارة في حديثٍ مع "ومضة"، إنّ "ما يثير الاهتمام حالياً، هو وجود دمٍ جديد. [فالمؤسِّسون] في الثلاثينات من العمر، يؤسِّسون الشركات الناشئة وتكون شركاتٍ ناجحة، ثمّ يتمّ الاستحواذ عليها من قبل شركاتٍ أميركية؛ يوجد مجتمعٌ لهذا القطاع، إنّه مجتمع حيويّ جدّاً."

ويتابع قائلاً: "لطالما كنتُ مقتنعاً بأنّ صناعة الإلكترونيات ستكون طريق دولٍ مثل مصر نحو الازدهار، وهذا ما خصل مع كثيرٍ من البلدان حول العالم."

وفي مصر وادي سيليكون أيضاً

في الوقت الحالي، ما لا يقلّ عن 7 شركاتٍ عالمية لتصنيع الموصلات الجزئية باتت تمتلك مكاتب لها في مصر، معظمها في مصر الجديدة.

سحر سليم، الشريكة المؤسّسة لـ"بوست فالي" Boost Valley ورئيستها التنفيذية، تثول لـ"ومضة" إنّ هذا القطاع ما زال صغيراً مقارنةً مع أسواق أخرى مثل تايوان وسنغافورة، ولكنّه كان "ينمو ببطءٍ وبثبات".

وتضيف أنّ مصر "بدأ يكون لها بصمتها في السوق العالمية، وبالرغم من أنّ السوق المصرية ليست بحجم تلك الأميركية، غير أنّنا بدأنا نحقّق سمعةٌ جيدة تُفيد بأنّنا نمتلك مهندسين جيدين."

 بالإضافة إلى ذلك، فإنّ القطاع يولّد بالفعل شركاتٍ جديدة عالية التقنية.

ومن الأمثلة على ذلك، الشركة الناشئة "كزونبي" Xonebee التي تطوّر شبكات اتّصالاتٍ لا تحتاج إلى شرائح سيم SIM cards، ويمكنها نقل البيانات عبر خطوط الهاتف الثابت. أمّا مؤسّسها محمد عمارة، فهو من المخضرمين في صناعة الموصلات الجزئية بين مصر والولايات المتحدة.


الصفقات الكبيرة تكمن في الإلكترونيات

يساهم هذا القطاع أيضاً في الوصول إلى صفقاتٍ كبيرةٍ ضمن البيئة الحاضنة للشركات الناشئة.

ففي شهر تموز/يوليو، تمّ الاستحواذ على "سيلكون فيجن" Silicon Vision التي تأسّسَت عام 2007، وهي من أقدم الشركات في القطاع، من قِبل عملاق الإلكترونيات الأميركي "سينوبسيس" Synopsys. وبعدما أصبحت الشركة المصرية الآن مركزاً حصرياً للتصميم تابعاً للشركة الأميركية التي تقدّر قيمتها بـ7.5 مليارات دولار، ما تزال تتمركز خارج مدينة القاهرة.

وفي عام 2011، بيعَت "يسي دي سوفت" SysDSoft  لشركة "إنتل" Intel، فحصل مؤسّسها خالد إسماعيل (الصورة أدناه) على ما يكفي من المال لتأسيس صندوقه الخاص للاستثمار التأسيسي "كاي آي أنجلز" KI Angels.

كما أنّه وفي العام الماضي، تمكّنت "سي-وير" من إتمام أكبر صفقة استثمارٍ في قطاع التكنولوجيا المصري، بعد الحصول على استثمارٍ بقيمة 9.5 ملايين دولار من "صندوق تنمية التكنولوجيا" Technology Development Fund (TDF) المدعوم من الحكومة المصرية، و"تقنية" Tqnia السعودية.

وفي مصر وادي سيليكون أيضاً

من جهةٍ ثانية، بدأ كذلك المستثمرون المصريون على قلّتهم بإدراك القيمة الكامنة في الشركات العاملة في هذا القطاع.

فشركة "كزونبي" تمّ احتضانها في "فلات6لابز" Flat6Labs عام 2013، كما سمَّت مؤسِّس "سواري فينتشرز" أحمد الألفي كعضو مجلس إدارة.

وسليم التي أطلقت "بوست فالي" عام 2012 مع الشريكتَين المؤسِّستَين رندا هاشم وامرأة أخرى رفضت الكشف عن اسمها، تقول إنّهم حصلوا على تمويلٍ من مستثمرٍ مُخاطِرٍ مصري رفضت الإفصاح عنه هو الآخر.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ صندوق الاستثمار المخاطر "إنو فينتشيرز" Innoventures انخرط في هذا القطاع مع استثمارٍ في "سيناريو كونسلتنتس".


السوق العالمية

تُعدّ الموصلات الجزئية من أساسيات الإلكترونيات الحديثة إذ تَستخدم المواد شبه الموصلة مثل السيلكون لصناعة داراتٍ ومُعالجاتٍ مدمجة، كما أنّها بمثابة حجر الأساس للدارات الإلكترونية عالية التقنية.

في غضون ذلك، قدّرَت "غارتنر" Gartner أن يصل حجم صناعة الموصلات الجزئية إلى 348 مليار دولار هذا العام، وهي بحدّ ذاتها ليست إلا جزءاً من قطاع الإلكترونيات الذي يساوي تريليونات الدولارات.

وفي حين تصبح الرقاقات الإلكترونية أكثر تعقيداً وكلفة، فإنّ التحقّق والاختبار - وهو ما تتخصّص به "بوست فالي" وغيرها من الشركات المصرية - بالإضافة إلى التصميم الرقمي المفصّل، هو ما بات مطلوباً أكثر، بحسب شركة "ماكينزي" McKinsey.

"لقد تخطّت أعمال التصميم المعقّد للدارات المتكاملة 100 مليون دولار، في حين يحوز التصميم بحدّ ذاته على ما يتراوح بين 20 ملويناً و50 مليون دولار وأصبح أكثر شيوعاً كمكوّنٍ أساسيّ أو قياسيّ. وبطبيعة الحال، فإنّ هذه التكاليف المتزايدة أثّرَت على بنية القطاع والمشاركين فيه وسلسلة القيمة،" وفقاً لما يقوله رون كوليت ودوريان بايل في تقرير "ماكينزي".

وبمعنى آخر، يعني هذا أنّ المهندسين من الطراز العالمي في أمكان أرخص، مثل مصر، يستفيدون من الصعود الاقتصادي في مواجهة منافسيهم الذين يتمركزون في مناطق جغرافيةٍ أعلى تكلفة.


التحدّيات

على الرغم من أنّ المردود يمكن أن يكون كبيراً، إلّا أنّ تأسيس شركةٍ تُعنى بالموصلات الجزئية في مصر ليس أمراً سهلاً.

فحقيقة أنّ البلاد غير معروفةٍ بكونها مركزاً للتكنولوجيا المتقدّمة كانت ولا تزال تتشكّل عائقاً.

ويقول أحمد شلش، الشريك المؤسّس لـ"فاركون" للموصلات الجزئية Varkon Semiconductors، والتي أصبحَت الآن "وسيلة" Wasiela، عام 2008، إنّ التمويل "كان مشكلةً من المشاكل؛ في البداية يتوجّب عليك الاعتماد على أموال المستثمِرين، وعندما تتوجّه إليهم يقولون لك إنّ ‘هذا الأمر لا تشتهر مصر به، كما أنّنا لا نريد أن نضع مالنا فيه‘."

"في البدايات عندما كنّا نقول إنّنا من مصر كانوا لا يصدّقون ذلك ويظنّون أنّنا من الهند."

يقولها شلش، مضيفاً أنّ النقص في المهندسين ذوي الخبرة من المشاكل الأخرى أيضاً.

 تُخرِّج مصر عدداً كبيراً من المهندسين في كلّ عام ومن مختلف الاختصاصات، ويقول كلٌّ من هدارة وسليم إنّ هؤلاء ماهرون جدّاً من الناحية التقنية. هذا، بالإضافة إلى عودة الكثيرين من الولايات المتحدة وأوروبا إلى مصر، لا يوجد في القطاع محلياً ما يكفي من مهندسين ذوي خبرة.

وعن كيفية مواجهة "وسيلة" للأمر، يقول شلش إنّها تقوم بضمّ الخرّيجين الجدد ومن ثمّ تدرّبهم مع الوقت، غير أنّ من شأن ذلك أن يحدّ من سرعة نموّ الشركة مقارنةً بإمكانية الحصول على بعض المواهب فوراً ومباشرةً من السوق.

 من جهةٍ ثانية، تشكّل كلفة أدوات التصميم مشكلةً إضافيةً للشركات الجديدة، حيث يشير هدارة إلى أنّ عدد الشركات الناشئة التي يمكنها شراء برامج التصميم الرقمي التي تكلّف عشرات آلاف الدولارات ليس كبيراً.


لدعم هذا القطاع الناشئ

هذه المشاكل ليست أبدية، ويتمّ العمل على معالجتها ولكن ببطء.

فقطاع الموصلات الجزئية يتميّز عن غيره من القطاعات التي تعمل فيها الشركات الناشئة، كونه يعتمد على التصنيع.

وجمعية "إتصال" EITESAL المصرية، للمعلومات والاتّصالات والإلكترونيات والبرمجيات، تمتلك ما يكفي من النفوذ ليس فقط لحثّ الحكومة على تبنّي استراتيجيةٍ لنموّ هذا القطاع، بل أيضاً لتمويله جزئياً.

من جهةٍ أخرى، فإنّ الدراسة الاستراتيجية الرسمية لعام 2014، والتي ترأسها هدارة، تريد أن يبلغ قطاع الإلكترونيات في مصر 80 مليار دولار بحلول عام 2030، وأن يتواجد نحو 200 شركة إلكترونيات من دون ورش تصنيع.

ولتنفيذ ذلك، يقول هدارة في تصريحٍ لـ"ومضة"، إنّهم يحتاجون إلى 125 مليون دولار من الدعم المالي في السنة ولمدّة سبع سنوات، غير أنّ ما حصلوا عليه من الحكومة لم يبلغ سوى 12.5 مليون دولار، جرّاء الضغط الكبير على الميزانية.

لم يكن الأمر بهذا السوء، فحتّى هذه البادرة الصغيرة شكّلت فارقاً إيجابياً. ويشرح هدارة أنّ 7 شركاتٍ صغيرة استفادَت من برنامجٍ لدعم شراء أدوات التصميم المكلفة، ومن مبادرة "ابني" EBNI ("مبادرة إتصال لتنشئة الأعمال" EITESAL Business Nurturing Initiative) التي انطلقت عام 2012.

لا تقدّم حاضنة الأعمال هذه الأموال، بل تساعد روّاد الأعمال على إنجاح شركاتهم الناشئة خلال سنواتها الثلاث الأولى.

ومن المنظّمات الداعة الأخرى، أكاديمية التدريب "كوربست" CORPST، و"جامعة النيل" Nile University التي تُعنى بالإلكترونيات، وأكاديمية "في ال اس اي" VLSI التي تبني شراكاتٍ مع الجامعات لتعزيز التدريبات التي تتناول الإلكترونيات.

يشير شلش إلى معرفته بالكثير من المهندسين الشباب الذين يريدون إطلاق أعمالٍ خاصّةٍ بهم، ولكنّ التمويل يقف عقبةً في طريقهم. ويقول إنّ البرامج والمنح التي تقدّمها "إتّصال" ووزارة الاتّصالات وسواهما، قد تأخذ وقتاً لتؤتي ثمارها.

"في البداية كانت الأمور صعبة جدّاً، ولكن بعد فترة بات فترةٍ بات عددٌ أكبر من الناس يتشجّعون لإطلاق شركاتهم الخاصّة،" على حدّ قول شلش الذي يضيف أنّ "معظم الذين أعرفهم يعتمدون على التمويل الذاتي؛ ولكن بعدما تتطوّر البيئة الحاضنة أتصوّر أنّ المزيد من الناس ستشجّعون."

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة