مطرب وملحن كبير، صاحب صوت مميز قالوا عنه صوت الجبل وقديس الطرب قدم عددا كبيرا من الأغاني والألحان المميزة على مدار مسيرة فنية امتدت لعقود طويلة وما زال صداها يتردد في البيوت العربية حتى الآن، إنه النجم اللبناني الراحل وديع الصافي.
قال عنه النقاد إنه أحد المساهمين في صياغة قواعد الغناء اللبناني وأحد أهم أسباب شهرة مطربي لبنان في العالم العربي، وكان يمتلك لونا مميزا في الغناء والتلحين ولديه عدد كبير من أشهر الأغاني العربية كما حصل على جوائز وتكريمات كثيرة من بلدان مختلفة. مسيرته الفنية وأبرز المعلومات عن حياته في السطور التالية..
ولد وديع بشارة يوسف فرنسيس في يوم 1 نوفمبر من عام 1921 في قرية نيحا بقضاء الشوف في محافظة جبل لبنان، وكان الابن الثاني في عائلة المكونة من 8 أولاد، وعمل والده رقيباً في الدرك اللبناني.
في عام 1930 انتقلت عائلة وديع إلى العاصمة بيروت وهناك التحق بمدرسة دير المخلص الكاثوليكية، وكان هو الطفل الماروني الوحيد في جوقة المدرسة وبسبب صوته المميز أصبح منشدها الأول، وبسبب حبه للموسيقى قرر عدم استكمال دراسته واحتراف الفن.
في عمر الـ17 فاز وديع بالمركز الأول في التلحين والغناء بين 40 متنافسا في مسابقة للإذاعة اللبنانية، وقام بأداء أغنية "يا مرسل النغم الحنون" للشاعر نعمة الله حبيقة، وفي إذاعة الشرق الأدنى درس وديع على يد ميشال خياط وسليم الحلو.
كان للشاعر أسعد السبعلي دورا كبيرا في مسيرة صوت الجبل الفنية حيث تعاون معه في أغنية "طل الصباح وتكتك العصفور" في عام 1940، وحصل على شهرة جيدة في ذلك الوقت ليبدأ مسيرة كبيرة ساهمت في تغيير شكل الغناء اللبناني.
ولأن مصر كانت بوابة الشهرة والنجومية في العالم العربي سافر وديع إلى القاهرة وكان أول لقاء له مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في عام 1944، وفيما بعد قال عنه عبد الوهاب عندما سمعه يغني أغنية "ولو" المأخوذة من أحد أفلامه السينمائية: "من غير المعقول أن يملك أحد صوتاً كهذا".
في عام 1947 سافر صوت الجبل مع فرقة فنية إلى البرازيل وعاش هناك لمدة 3 سنوات، ثم عاد إلى لبنان وأصدر أغنية "عاللوما" التي حققت نجاحا كبيرا وأصبحت من أكثر الأغاني انتشارا في لبنان بذلك الوقت.
امتلك صوت الجبل مشروعا لتطوير الأغنية اللبنانية مع عدد من كبار الموسيقيين من خلال مهرجانات "بعلبك" التي شهدت تعاونا بين وديع والأخوين رحباني وفيلمون وهبي ووليد غلمية وتوفيق الباشا وعفيف رضوان وسامي الصيداوي.
وكانت الحرب الأهلية اللبنانية أحد العوامل المؤثرة في مسيرة صوت الجبل حيث قرر السفر إلى القاهرة في عام 1976 وبعدها إلى بريطانيا ثم سافر إلى باريس في عام 1978 وهناك أعلن اعتراضه على الحرب اللبنانية، وفي الثمانينات اشتهر بتأليف الألحان القومية ضد الحرب.
خضع صوت الجبل لعملية قلب مفتوح في عام 1990، ولم يمنعه المرض من استكمال مسيرته الفنية وعندما بلغ 80 عاما أقنعه المنتج اللبناني ميشال الفترياديس بإحياء حفلات غنائية داخل وخارج لبنان مع المطرب خوسيه فرنانديز والمطربة حنين وحققت تلك الحفلات نجاحا جماهيريا كبيرا.
قدم صوت الجبل عددا كبيرا من الأغاني المميزة خلال مسيرته الفنية الطويلة منها "على رمش عيونها" و"دار يا دار" و"الليل يا ليلى" و"عندك بحرية" و"ويلي لو يدرون" و"لبنان يا قطعة سما" و"بالساحة تلاقينا" و"الله يرضى عليك" و"جارو الحبايب".
كما قدم الصافي عددا من الألبومات الفنية الشهيرة منها "دار يا دار" و"القنطرة" و"oriental evening" و"ترانيم وديع الصافي" و"أجمل ما غني وديع الصافي".
وتعاون قديس الطرب مع أشهر الشعراء والملحنين العرب ومنهم محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأسعد السبعلي ومارون كرم والأخوين رحباني وزكي ناصيف وفيلمون وهبي وعفيف رضوان، كما لحن عددا كبيرا من أغانيه الخاصة.
كما شارك الصافي في عدد كبير من المهرجانات والفعاليات الفنية منها "العرس في القرية" في بعلبك عام 1959، و"موسم العز" و"مهرجان جبيل" في عام 1960، و"مهرجانات فرقة الأنوار"، و"مهرجان الأرز" في 1963، و"أرضنا إلى الأبد" في بعلبك عام 1964، و"مهرجان مزيارة" في 1969، و"مهرجان بيت الدين".
وشارك صوت الجبل في عدد من الأفلام السينمائية منها فيلم "غزل البنات" و"الخمسة جنيه" و"اللحن الأول" عام 1958، و"أنت عمري" في 1964، و"ليالي الشرق" في عام 1965، و"نار الشوق" في عام 1970، وفيلم "الاستعراض الكبير" عام 1975.
حصل صوت الجبل على عدد كبير من الجوائز خلال مسيرته الفنية الطويلة منها 5 أوسمة لبنانية وأكبرها وسام الأرز برتبة فارس، كما منحته سلطنة عمان وسام التكريم من الدرجة الأولى في عام 2007.
ومنحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في عام 1991، وتم تكريمه عام 1989 في المعهد العربي في باريس بمناسبة اليوبيل الذهبي لبدايته الفنية.
تزوج قديس الطرب في عام 1962 من أحد أقاربه وهي السيدة ملفينا طانيوس فرنسيس، ولديه 6 أبناء هم دنيا ومارلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد، واستكمل أنطوان مسيرة والده في الغناء، كما يحمل وديع 3 جنسيات أخرى غير جنسيته اللبنانية هي المصرية والفرنسية والبرازيلية.
وحصل وديع على عدة ألقاب فنية منها صوت الجبل والصوت الصافي وقديس الطرب ومطرب الأرز وعملاق لبنان، وقدم عددا كبير من الحفلات في عدد من البلدان بلغات مختلفة منها الفرنسية والبرتغالية والإيطالية بجانب اللغات السورية القديمة.
في 11 أكتوبر من عام 2013 توفي صوت الجبل بعد تعرضه لأزمة صحية خلال تواجده في لبنان، وشيع في كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت، ودفن في قريته نيحا بقضاء الشوف.
وتم إقامة مأتم رسمي وشعبي حضره عدد كبير من الشخصيات الفنية والسياسية والاجتماعية، حيث انطلق موكب العزاء من منزل نجله في منطقة الحازمية بالعاصمة اللبنانية بيروت حتى وصل للكاتدرائية.