لطالما كانت العراق موطنًا للعظماء والمبدعين في كل أنواع الفنون، وتعد الفنانة التشكيلية العراقية نزيهة سليم من أبناء هذا البلد العريق التي تعد أول امرأة عراقية ترسخ ركائز الفن العراقي المعاصر، فما هي إنجازاتها؟
لم تكن السيدة نزيهة مجرد فنانة عراقية، وإنما رائدة في من رائدات الفن العراقي المعاصر التي رسمت الطريق لغيرها من السيدات اللاتي يطمحن بتحقيق لأكثر من ما وصلت إليه، وساعدها على ذلك أشقاؤها الذين كانوا من أكبر الداعمين لها، في السطور التالية تعرف على حياتها ومسيرتها المهنية.
نزيهة محمد سليم عبد القادر الخالدي الموصلي هي فنانة تشكيلية ولدت لأبوين عراقيين في مدينة إسطنبول في تركيا في عام 1927، وكان والدها ضابطًا في الجيش، ونشأت نزيهة في أسرة مليئة بالفنانين المشهورين ووسط عائلي يهتم بالفن والثقافة والمعرفة.
تعد نزيهة البنت الوحيدة بينت سبعة أخوة توفي ثلاثة منهم وهم صغار، واسمها المركب هو فاطمة نزيهة محمد، وترتيبها الخامسة بين أربعة أخوة وأسمائهم كلها مركبة، وهم: محمد رشاد، علي سعاد، أحمد جواد، مصطفى نزار.
بجانب عمل والدها محمد سليم الموصلي في الجيش، فهو كان رسامًا ومديرًا عامًا، وهو أول أستاذ رسم للأمير غازي، كما أن إخوانها أيضًا فنانون، فسعاد سليم، ونزار سليم من الفنانين المشهورين، كما أن شقيقها جواد سليم كان له دور في عمل نصب الحرية في مدينة بغداد.
كان والدها مهتمًا بالفنون والثقافة بشكل كبير، وكان بيته في منطقة الفضل في مدينة بغداد ملتقى الفنانين من كل مكان، سواء عراقيون أو أجانب، فكان يأتي لبيته فنانون مثل باريما، وماتوشالك، ومدام ستنوليد، وكننت وود، وحابسكي وغيرهم من الفنانين في زمانهم.
كان والدها يتذوق المقامات العراقية ويقرأها، كما كان يجود القرآن الكريم، فضلًا عن اهتمامه بسماع الموسيقى الكلاسيكية؛ ولهذا السبب تأثرت نزيهة بوالدها الذي حرص على تعليمها أصول فن الرسم هي وأشقاؤها.
علّمها والدها تكبير الصور بالمربعات، وقياس الأحجام وتظليلها، وسحب القلم من اليسار إلى اليمين وغيرها من أساسيات فن الرسم، وبعد وفاة والدها وهي بعمر السابعة استكمل أشقاءها رعايتها.
درست نزيهة في معهد الفنون الجميلة في بغداد وتخرجت فيه سنة 1947، وبسبب تفوقها حصلت على بعثة رسمية لاستكمال دراستها في باريس، وكانت أول امرأة عراقية تسافر خارج العراق لدراسة الفن.
في فرنسا تخرجت في المعهد العالي للفنون الجميلة "البوزار" سنة 1951، وتخصصت في رسم الجداريات ودرسّها الفنان الفرنسي فرناند ليجيه، والفنان الفرنسي سوفربي.
وبعدها أُرسلت إلى ألمانيا الشرقية زمالة لمدة عام واحد، وهناك تخصصت في رسوم الأطفال ورسم المسرح، كما تمرنت على التطعيم بالأنامل، والمزججات.
- ركزت أعمال نزيهة سليم الفنية على النساء العراقيات في الأرياف، وألقت الضوء على حياة الفلاحين، واستخدمت في ذلك ألوانًا زاهية.
- كانت نزيهة من أوائل النساء العراقيات التي يسافرن خارج القطر العراقي للدراسة، حيث درست في فرنسا، ومنها إلى ألمانيا وتخصصت في رسوم الأطفال وفي الجداريات.
- عاصرت نزيهة كبار الفنانين التشكيليين في فرنسا، فمنهم فردناند ليجيه، وسوفربي.
- أسست جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، وعملت أيضًا أستاذة جامعية حتى عام 1982.
- أسست مؤسسة الروادة التي جمعت عددًا كبيرًا من الفنانين العراقيين ومزجوا بين تقنيات الفن الأوروبي والجماليات العراقية الرائعة.
- شاركت في نشاطات فنية مختلفة، ولعل أهمها إسهاماتها مع الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد، والفنان محمد فني حكمت والفنان جواد سليم شقيقها في تشكيل جمعية الفن الحديث وذلك في عام 1953.
- يحتفل جوجل بذكراها في يوم 23 أبريل، وذلك بطلب من مؤسسة بارجيل للفنون التي تسلط الضوء على مجموعة من الفنانات.
لها العديد من الأعمال الفنية لعل أهمها:
- شباك بنت الجلبي.
- ليلة عرس.
- أفراح المرأة.
- صانع اللحف.
- الدخلة.
تركز أعمال نزيهة على قضايا مجتمعية مختلفة مثل قضايا المرأة والطفل والعمل، كما تظهر في أعمالها تعاطفًا واضحًا مع المرأة العراقية فتجدها ترصد أنماطًا من حياة المرأة العراقية ومعاناتها في البيت والسوق والعمل.
ومن أشهر أعمالها لوحة بعنوان "بغداديات" وهي لوحة استلهمتها من حال المرأة في العراق، حيث رسمت وجوه بعض النساء، منهم أم تحتضن وليدها وفي عينيها الشوق، وفي أعلى اللوحة صبية تتجمل أمام مرآة وتجد في عينيها ملامح الأمل.
ولكن سُرقت معظم هذه الأعمال من المتحف العراقي في مركز صدام للفنون وذلك أثناء الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، والتي تعد أسوأ عملية تخريب تعرضت لها المتاحف في العراق.
لم يبقَ من أعمالها إلا ست لوحات فقط، وهم:
- امرأة مستلقية.
- بائع البطيخ.
- الجدة.
- بورتريه لفتاة.
- الحرب.
- الأهوار.
ولوحة الجدة تصور امرأة عجوز في حجرها كرة صوف، وتحمل في كفها الأيمن إبرتا الحياكة، وتعرضت هذه اللوحة إلى التلف والتخريب المتعمد.
لوحتان من الست لوحات المتبقية معروضتان في قاعة عرض في دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة العراقية، واللوحات الأربعة المتبعية تم حفظها.
عاشت نزيهة في عزلة بعد وفاة أشقائها، وتوفيت بسبب مرض عضال في 15 شباط عام 2008 عن عمر ناهز 81 عامًا.
أقيم لها تشييع كبير بدأ من دارها في منطقة الوزيرية بالقرب من كلية الفنون الجميلة في بغداد، وهذا المنزل يعود لشقيقها الراحل الفنان جواد سليم.
دُفنت نزيهة في مقبرة الشيخ معروف في جانب منطقة الكرخ في بغداد، وأعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقية عن إيفاد ممثل عنها لحضور مراسم تشييعها، كما تبنت الوزارة مراسم الدفن والعزاء.
نعاها الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، حيث قال:
"ودع العراق الفنانة التشكيلية الرائدة نزيهة سليم، أول امرأة أسهمت في إرساء ركائز الفن العراقي المعاصر، وعملت مع شقيقها الفنان العراقي الأبرز في القرن العشرين جواد سليم وشقيقها الآخر نزار سليم وكوكبة من الرسامين والنحاتين الرواد على التأسيس لمدرسة فنية منفتحة على الحداثة وليست منقطعة عن التراث، إن رحيلها خسارة كبرى للفن والثقافة في العراق، بيد أن أعمالها ستبقى جزءاً أصيلاً من ثروة العراق الفنية"