يعد نجيب سرور واحد من أشهر شعراء مصر في السبعينات صاحب الإبداع الأدبي المتنوع والوفير برع في الشعر الحر ومزج بين الفصحى والعامية واستخدم شعره وكلماته للتعبير عن كل أشكال المعاناة.
اشتهر نجيب سرور بأعماله الأدبية الثورية وقد عُرف ببذاءة مصطلحاته أحيانًا في أعماله، ورغم ذلك حققت أعماله الأدبية نجاحًا كبيرًا، وعلى عكس غيره من الشعراء فقد كانت نهايته تعيسة ومؤلمة، في السطور التالية تعرف على مسيرته الأدبية وحياته.
من هو نجيب سرور؟
محمد نجيب محمد هجرس والشهير بنجيب سرور هو شاعر وكاتب مسرحي ومؤلف وناقد مصري ولد في قرية إخطاب في محافظة الدقهلية في مصر في 1 يونيو عام 1932 ويعد من أبرز الشعراء في مصر خلال السبعينات.
اعتبر نجيب أحد رموز حركة الشعر الحر في العالم العربي، وقد استخدم الشعر والمسرح للتعبير عن كل أشكال المعاناة في المجتمع فكانت أعماله ذات أسلوب نقدي لاذع لكل جوانب المجتمع خاصة السياسي منها.
تعرض سرور لمضايقات عدة من السلطات المصرية، ليضطر السفر إلى الاتحاد السوفيتي لفترة، ثم يعود ويستهل أعماله الأدبية التي لم يتوقف فيها عن أسلوبه النقدي الجريء الذي انتقد من خلاله الظلم الاجتماعي والاستبداد والقمع الفكري ليحصل على لقب "الشاعر الثائر".
تنوعت الأعمال الأدبية لسرور بين الشعر وكتابة المسرح وقد أخرج ومثّل في العديد من المسرحيات التي ألّفها، وقد استخدم المسرح والتمثيل من أجل التعبير عن أفكاره.
نشأته وتعليمه
نشأ نجيب سرور في قرية إخطاب في محافظة الدقهلية، ودفن فيها أيضًا، وقد عاش في بيئة زراعية شهد خلالها ظلم اجتماعي شديد بسبب الحرمان واضطهاد مالكي الأراضي على الفلاحين البسطاء.
كانت هذه النشأة سببًا في زراعة أول بذرة من بذور الثورية في قلب نجيب سرور، الذي امتلأ قلبه حقدًا على السلوك غير الإنساني الذي يتبعه الإقطاعيون وملاك الأراضي على الفلاحين البسطاء.
درس نجيب في كلية الحقوق، ولكن حبه للحرية والعدل والنضال من أجل المساواة جعلته يترك دراسته قبل التخرج بقليل ويلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية والذي تخرج فيه عام 1956 وكان في الرابعة عشرة من عمره.
بدأت علاقة سرور بالشعر مبكرًا وقد بدأت بوادر أعماله الأدبية خلال دراسته، حيث كتب قصائد وأشعار تتحدث عن الظلم الذي عاشه وشاهده في طفولته، وبتركه كلية الحقوق والتحاقه بمعهد الفنون المسرحية زادت علاقة نجيب أكثر بالشعر والأدب وصادق المفكرين والمناضلين والفنانين.
زوجات نجيب سرور
تزوج نجيب سرور مرتين، المرة الأولى من سيدة روسية اسمها ساشا كورساكوفا تعرف عليها خلال بعثته الدراسية لدراسة الإخراج المسرحي في موسكو عام 1958، وأنجب منها ولدا ابنه الأولى اسمه شهدي وابنه الثاني فريد.
تزوج أيضًا من الممثلة المصرية سميرة محسن، والتي كانت ممثلة في إحدى المسرحيات التي أخرجها وأعجب بها وتزوجها، وقد رزق منها بولدين أيضًا ولكن سميرة محسن أبعدتهم تمامًا عن الصحافة والإعلام.
أولاد نجيب سرور
لدى الشاعر نجيب سرور 4 أبناء، ولدان من زوجته الروسية، أولهم ابنه الأكبر شهدي نجيب سرور الذي توفي في الهند عام 2019 بسبب مرض السرطان وقد تم حرق جثته تبعًا للعادات الهندية.
ابنه الثاني من زوجته الروسية اسمه فريد، والذي تحدث عن والدته ساشا في ندوة عقدت في القاهرة عام 2019 ذكر أن والدته لا تتذكر إلا أحداث مرت من 40 عامًا فقط.
قصة زوجة نجيب سرور الروسية
تعرف نجيب سرور على زوجته الأولى الروسية ساشا كورساكوفا خلال دراسته في روسيا، وكانت علاقتها به وثيقة جدًا إذ تحملت تلقبات ظروف زوجها ثم اضطرت للعودة إلى روسيا لتعليم أبنائها في المدارس الروسية، وكانت تزور مصر كل فترة.
وبعد وفاة زوجها نجيب سرور عام 1978 عاشت متنقلة بين مصر وروسيا، وكانت حريصة على زيارة قبر زوجها وتضع عليه الورود وتظل جواره بالساعات تتحدث معه بالروسية، حيث كانت مخلصة له جدًا.
عادت ساشا إلى مصر عام 2022 وقضت أيامها الأخيرة في أحد مستشفيات القاهرة، وقد أوصت بأن يتم دفنها بجانب نجيب سرور في قرية إخطاب بعد وفاتها.
ماذا حدث لنجيب سرور في روسيا؟
سافر نجيب سرور إلى روسيا لدراسة الإخراج المسرحي هناك، وقد كان وقتها منتميًا إلى جماعة حدتو الشيوعية، ولكنه قد أخفى انتماءه هذا عن الحكومة. وخلال تواجده في روسيا أعلن بشكل تدريجي عن ميله للماركسية، وكان هذا سببًا في تحريض الطلاب الموفدين عليه وتلفيق التقارير ضده.
بسبب انتمائه السياسي حرم من المنحة الدراسية بعد وصوله إلى موسكو بثلاثة أشهر فقط، وفي السنة الثانية قطع علاقته بالطلبة المصريين وأسس مجموعة الديمقراطيين المصريين، وانخرط في العمل السياسي وكتب الشعر والمسرحيات التي انتقد فيها سياسات القمع في مصر وسوريا.
هرب سرور بعدها إلى المجر وتحديدًا عام 1963 وعاش في بودابست، وهناك عمل في القسم العربي بإذاعة المجر، ولكنه كان مطاردًا من النظام السياسي المصري والاتحاد السوفيتي.
وبعد ضياع في أوروبا تمكن من العودة إلى مصر بصحبة زوجته وابنه شهدي عام 1964، وذلك بعدما كتب الناقد الفني رجاء النقاش مقالة يطالب فيها بإنقاذ نجيب سرور.
مسيرته الأدبية
تحظى أعمال نجيب سرور بمكانة كبيرة في الأدب العربي، وقد تم طبعها ونشرها في العديد من الدول العربية. كما تم ترجمة أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية.
يعد سرور من أهم شعراء الحداثة في العالم العربي، وقد تميز شعره بالتجديد في الشكل والمضمون. كما كان سرور من أهم المسرحيين العرب، وقد تميزت مسرحياته بالواقعية والقدرة على التعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية.
من مسرحيات نجيب سرور
كانت مسرحيات سرور قريبة من الواقع المصري، وقد تناولت العديد من القضايا التي كانت تشغل بال المجتمع المصري في ذلك الوقت. برع سرور في المسرح ممثلًا وكاتبًا ومخرجًا كذلك، وقد تعاون في المسرح مع أسماء كبيرة منها كرم مطاوع.
من مسرحياته "يا بهية وخبريني"، و"ياسين وبهية"، و"الكلمات المتقاطعة"، و"الشحاذ"، والذباب الأزرق" والتي منعت من العرض لأنها تتحدث عن مذابح أيلول الأسود في الأردن.
كتب كذلك العديد من المسرحيات الشعرية منها "منين أجيب ناس"، و"النجمة أم ديل"، و"آلو يا مصر"، و"ميرامار"، وحققت كل هذه الأعمال صدى واسعاً في السبعينات.
أشعار نجيب سرور
كتب الشاعر نجيب سرور العديد من الدواوين الشعرية ومنها "لزوم ما لا يلزم" و"الأميات" التي كان سببًا في دخوله مستشفى الأمراض العقلية، و"بروتوكولات حكماء ريش"، و"رباعيات نجيب سرور"، و"الطوفان"، و"فارس آخر زمن".
أصدر كذلك العديد من الأغنيات الشعبية منها "ياسين وبهية"، و"آه يا ليل يا قمر"، و"قولوا لعين الشمس" واستطاع من خلال أشعاره وأغنياته أن يعبر عن قضايا العصر وإيقاظ الوعي والحث على الثورة ضد الظلم.
استمر سرور في كتابة أعماله الأدبية حتى وفاته، وقد نشرت الأعمال الكاملة نجيب سرور عام 1997 بفضل ابنه الأكبر شهدي.
قصائد نجيب سرور الممنوعة
منعت الكثير من قصائد نجيب سرور من النشر بسبب انتقادها للأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر، ولعل هذه القصائد قصيدة "أميات نجيب سرور" والتي استخدم فيها لغة بذيئة وإيحاءات فاحشة والكثير من التصريحات الجنسية والسباب.
منعت هذه القصيدة لسنوات ولم تحقق شهرة كبيرة، ولكن ابنه شهدي نشرها على الإنترنت عام 1998 وكانت سببًا في ملاحقته قانونيًا، وقد هرب مع أسرته إلى روسيا بعدما نشر هذه القصيدة على الإنترنت.
بسبب بعض قصائده سجن سرور أكثر من مرة وتعرض للتعذيب مرات عديدة كما أنه نفى إلى سرنديب، كما أنه أودع بمستشفى الخانكة أكثر من 3 أعوام.
قصة نجيب سرور في مستشفى الأمراض العقلية
في عام 1971 كتب سرور مسرحية بعنوان "الذباب الأزرق" التي تحدث فيها عن المجازر في الأردن بحق الفلسطيين، وقد غضبت الحكومة الأردنية من هذه المسرحية وتدخلت لدى السلطات المصرية لإيقافها من العرض.
وبهذه المسرحية بدأت مواجهات جديدة بين الأمن ونجيب سرور والتي تعد الأخيرة أيضًا، حيث تم عزله ومنعه من العمل ومحاصرته ومنع من النشر كما اتهم بالجنون وأدخلته المخابرات المصرية مستشفى الأمراض العقلية في العباسية.
كانت نهاية نجيب سرور مأساوية حيث توفي وحيدًا متهمًا بالجنون في مستشفى الأمراض العقلية في دمنهور في 24 أكتوبر عام 1978 عن عمر 46 عامًا