ناظم الغزالي.. أول مطرب عراقي يغني مع فرقة موسيقية

لم يكن الفنان العراقي ناظم الغزالي مجرد فنان عشق الجمهور صوته، بل كان قامة فنية صاحب عبقرية فنية تمكن من خلالها أن يسطر اسمه بين أهم وأبرز نجوم الغناء في العراق والوطن العربي، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا زاخرًا وأعمالًا فنية قل نظيرها في هذا الوقت، في السطور التالية تعرف أكثر على حياته.

من هو ناظم الغزالي؟

اسمه بالكامل ناظم أحمد ناصر خضير الجبوري هو مغني عراقي ولد في مدينة بغداد عام 1921 ويعد من أبرز نجوم الغناء في العراق والوطن العربي.

دخل الغزالي تعلم الغناء من خلال المسرح، فقد كان ممثلًا مسرحيًا قدم الكثير من المسرحيات الناجحة كان صاحب حضور قوي وصوت صادح عشقه الجمهور، إلا أنه قرر مغادرة المسرح بعدها بفترة وقرر أن يبدأ مشروعه الغنائي.

تعاون الغزالي خلال مسيرته المهنية مع أهم الملحنين والعازفين والشعراء، وقد اشتهر بقدرته على الانتقال من المقامات المختلفة بمهارة وبراعة عالية، وكان هذا أحد أسباب نجاحه وشهرته العالية.

لم يعتمد الغزالي في نجاحه على صوته فقط، بل استعان بأمور أخرى منها العناية بأغنيته أشد عناية من ناحية اللحن والكلمات والتوزيع، فقد كان فنانًا ذكيًا يختار الأغنيات التي يعرف أنها ستلفت نظر الجمهور وترضيهم كما أنه اعتنى بكل الأذواق العراقية.

لم يحقق الغزالي شهرة في بلده العراق فقط، بل تمكن من الخروج بالأغنية العراقية إلى الوطن العربي كله، وجعل المقام العراقي شهيرًا حدًا حتى أصبح كلمة "المقام العراقي" كلمة تدل على الغزالي حتى من بين الجمهور الذي لا يفهم في المقامات.

اعتنى الغزالي في مسيرته الفنية بالاستفادة من كل ما هو جديد في عالم الفن، فعندما بدأت الأسطوانات الحجرية في منتصف الخمسينيات كان من أوائل النجوم الذين قدموا أغانيهم في الأسطوانات، وكانت هذه المرحلة نقلة نوعية في شهرته حيث تعاون مع كبار الملحنين في الوطن العربية بعدها.

نشأته وحياته

ولد ناظر الغزالي في العاصمة العراقية بغداد عام 1921 في عائلة تعود أصلها إلى مدينة سامراء، ونسبه يرجع إلى عشيرة الجبور.

حصل الغزالي على لقبه نسبة إلى جده لأمه، حيث كان رجلًا طويلًا وسريع الخطى لذا كان الناس ينادونه بجهاد الغزال، وبعدها أصبح لقبه "الغزالي".

ولد الغزالي في منطقة الحيدر خانة في بغداد وكان طفلًا يتيما بينما والدته كانت ضريرة، وقد عاش ظروفًا مادية قاسية في طفولته وشبابه، حيث لحقت والدته جاهدة بوالده عندما كان يبلغ من العمر 4 سنوات وتولت تربيته خالته مسعودة.

لم تكن ظروف خالته المادية جيدة أيضًا لذا عاش في بيئة فقيرة، إلا أن خالته تعرفت على أسرة ثرية تبنت ناظم ومهدت له الطريق لإكمال دراسته، وخاصة أن تلك الأسرة كانت تحب الفن.

كان كاظم كذلك تحت رعاية عمه محمد الذي كان يصحبه إلى المجالس الدينية وفيها فرق موسيقية عراقية تقليدية، وكانت هذه الطقوس سببًا في تعرف على فن الموسيقى ونضجه الفني منذ نعومة أظافره.

درس الغزالي في مدرسة المأمونية الابتدائية والمتوسطة، وفي المدرسة كان يغني في الفرقة المدرسية وعرف بصوته الجميل، وتلقى دعمًا من معلمه في المدرس الذين لحن له الكثير من الأغنيات التي غناها في المعسكرات في الفرقة الكشفية في المدرسة.

الدراسة في معهد الفنون الجميلة

قرر ناظم الغزالي الالتحاق معهد الفنون الجميلة قسم المسرح وهناك تبنى موهبته الفنان العراقي حقي الشبلي وشارك في العديد من المسرحيات الناجحة.

إلا أن الظروف القاسية أجبرته على مغادرة المعهد، فاضطر الغزالي العمل كمراقب في مشروع الطحين في أمانة بغداد، كما عمل مشرفًا في الملاهي والكازينوهات والسينمات، وخلال هذه الفترة تعرف على عازف القانون سالم الحسين

ورغم ذلك لم يتوقف الغزالي عن التعلم فعلّم نفسه أصول الموسيقى والغناء كما عكف على قراءة والاستماع إلى كبار نجوم الغناء حتى تمكن من العودة إلى المعهد من جديد، ولكن هذه المرة تسلحًا بالثقافة والعلم الموسيقي التي أهلته أن يصبح من كبار نجوم الغناء.

ما هو أصل الفنان ناظم الغزالي؟

تعود أصول عائلة الفنان ناظم الغزالي إلى مدينة سامراء.

مذهب ناظم الغزالي

الفنان ناظم الغزالي كان سني المذهب.

مشواره كممثل مسرحي

شارك ناظم الغزالي في الكثير من المسرحيات، وأول مسرحية قدمها كانت عام 1947 على مسرح قاعة الشعب في معهد الفنون الجميلة، وقد شاركه في هذه المسرحية فخري الزبيدي وانجي الراوي وحامد الأطرقجي وخليل شوقي ومحمود قطان.

من المسرحيات التي قدمها الغزالي كذلك مسرحية "مجنون ليلى" للشاعر أحمد شوقي وغنى فيها الغزالي أغنية "هلا هلا هيا نطوي الفلا طيا"، وقد عرضت هذه الأغنية في الإذاعة العراقية ومهدت له الطريق إلى الغناء.

كانت دراسة الغزالي للتمثيل في معهد الفنون الجميلة أثرًا كبيرًا في تشكيل شخصيته الغنائية، حيث حصل على علم ومعرفة كبيرة باللغة والصوت وهذا ساهم في تطوير أدائه للغناء بطريقة دقيقة وسليمة مع التركيز على توضيح المعاني.

بداية مشواره الغنائي

كان حلم ناظم الغزالي الغنائي لا يزال يراوده خلال عمله في المسرح، لذا قرر أن يحقق هدفه بالغناء وأولى خطوات تحقيق هذا الهدف هو الانضمام إلى فرقة الموشحات تحت الإشراف الفنان السوري الشيخ علي الدرويش ليترك المسرح ويتفرغ للغناء.

أصبح الغزالي بسرعة عضوًا مهمًا في هذه الفرقة وكان يقدم وصلات غنائية منفردة وتميز على باقي أعضاء فرقته، وقد تعلم الموشح الأندلسي والأنغام العراقي والبستات القديمة.

ومع هذه الفرقة سافر الغزالي إلى عدة رحلات للخارج، وكانت أول محطاته خارج العراق في فلسطين عام 1948 حيث قدم عددًا من الحفلات لدعم الجيش العراقي والجيوش العربية في فلسطين لشحذ الهمم.

خلال تواجده في فلسطين تعرف على الضابط عبد السلام  عارف، الذي أصبح رئيسًا للعراق فيما بعد، وقد أعجب به وتكون بينهما علاقة صداقة وطيدة. بعد عودته إلى العراق تعرف على الفنان سمير بغدادي الذي لحن له أول أغنياته "وين الكاه الراح مني" التي لم تحقق نجاحًا كبيرًا لذا عاد إلى المقام مرة أخرى.

أشهر أغاني ناظم الغزالي

في عام 1955 قدم أغنية ناظم الغزالي "فوك النا خال فوك" أغنية "وشبان مني ذنب" من ألحان جميل بشير وكانت هاتان الأغنيتان سببًا في شهرة ناظم الغزالي في العراق كله وذاع صيته في المدن والقرى والبادية.

شكّل الغزالي مع جميل بشير والفنان ناظم نعيم والشاعر جبوري النجار تعاونات ناجحة، ومن الأغنيات التي قدمها الغزالي لهم "طالعة من بيت أبوها"، و"ما أريده الغلوبي"، و"أحبك وأحب كل من يحبك"، و"فوك ألنا خل"، و"يم العيون السود مروا على الحلوين".

نجح الغزالي من خلال هذه الأغنيات أن يخرج عن طريق الأداء والموسيقى والغناء السائد في العراق وقتها وحقق شهرة واسعة وانتشرت أغنياته انتشارًا واسعًا في العراق بعدما كان يلقى معارضة من بعض المتشبثين بالنظام التقليدي في الغناء.

محطة مهمة في حياة الفنان ناظم الغزالي كانت خلال الخمسينيات بعد انضمامه إلى الإذاعة العراقية قدم فيها أغنيات على الهواء مباشرة، ومن الأغنيات التي قدمها "يا صاح جف الدمع هب لي دمع جاري"، وأغنية "على جسر المسيب"، وواصل تقديم حفلاته الأسبوعية في الإذاعة التي حققت شهرة ومستويات نجاح عالية.

من أشهر القصائد التي غناها الغزالي قصدية "قل للمليحة"، وقد غنى لكبار شعراء العرب منهم إيليا أبو ماضي قصيدة "أي شيء العيد أهدي إليك يا ملاكي"، وأحمد شوقي قصيدة "شيعت أحلامي بقلب باك، وأبو فراس الحمداني قصيدة "أقول وقد ناحت بقربي حمامة" وشعراء آخرون.

الغزالي المهتم بالتراث

اهتم ناظم الغزالي بالتراث الموسيقي بشكل كبير، وهذا دفعه إلى كتابة سلسلة من المقالات في مجلة "النديم" عن التراث الموسيقي ومن أشهر هذه المقالات سلسلة مقالات تحت عنوان "أشهر المغنين العرب".

في هذه المقالات دوّن الغزالي العديد من أغنيات المطربات العراقيات من الفترة ما بين 1910 إلى 1950، كما اهتم بمسيرة أستاذه محمد القبانجي ووضع فهرسًا لأغانيه ودون أشهر المخطوطات العربية في علم الموسيقى.

ومن كتاباته عن التراث فقد كتب الغزالي معلومات عن أغنيات التراث التي أداها الفنان الجالغي البغدادي على مدى 70 عامًا من عام 1870 إلى عام 1940 كما قدم معلومات عن النجوم الذين أدوا أغنياته وأشار إلى الأغنيات التي تم تسجيلها على الأسطوانات.

أول مطرب عراقي يغني مع فرقة موسيقية

يُعتبر ناظم الغزالي أول مطرب عراقي يغني مع فرقة موسيقية خاصة به، ويأتي هذا بفضل وعيه الفني الموسيقي العميق والرفيع.

يتمتع بقدرة فريدة على إبراز التفاصيل النغمية في الألحان، وقد جمع بين الآلات التقليدية والهوائية، مثل الساكسفون والكلارينيت، بالإضافة إلى الآلات الوترية الغليظة مثل التشيلو والكونترباص، والإيقاعية مثل البانغوز والكونغا.

فرقته الموسيقية الملازمة له ضمت أفضل الموسيقيين العراقيين، مثل جميل بشير، ومنير بشير، وغانم حداد، وسالم حسين، وخضر الياس، وروحي الخماش، بالإضافة إلى الملحن ناظم نعيم الذي وضع ألحاناً لعدد من أغانيه.

أسلوب ناظم الغزالي الفني

نجح الغزالي نجح في تطوير أسلوبه الفني من خلال تعبير شخصيته الفريدة واستخدام حنجرته بشكل مميز، مع تقديمه لتفسيرات مبتكرة للتراث برؤية رصينة وكلاسيكية.

في ذات الوقت، سعى الغزالي إلى إضافة لمسات من الحداثة وتجسيد صورة جديدة للتراث بشكل عام، وهذا يميزه عن القراء الذين يلتزمون بالشكل التقليدي للمقام، ويحافظون على استخدام نفس الآلات التقليدية.

في أول ظهور له، قدّم ناظم الغزالي نفسه بإطلالة جديدة تميزت بمرافقة فرقة موسيقية عربية تتماشى مع الأسلوب المعاصر، مع تميز واضح بالهوية العراقية.

ابتكر الغزالي استخدام التوزيع الهارموني في أغانيه التي تتبع المقام، كما قام بحذف الأجزاء التي اعتبرها دخيلة على الأسلوب الموسيقي العربي، مما جعل الأغاني تناسب أكثر مع الذوق العربي التقليدي، بالإضافة إلى ذلك، استطاع جذب النساء والشباب لاهتمامهم بالمقام، الذي كان في السابق يعتبر حصرا للرجال الكبار.

ينتمي صوت الغزالي إلى خانة الأصوات الرجولية الحادة والتي تعرف باسم "التينور"، وقد اشتهر بمجال صوته القوي الذي يتراوح بين أوكتاف ونصف إلى أوكتافين، وهذا يعني أن مساحة صوته تزيد عن 14 درجة في السلم الموسيقي.

ما هو آخر فيلم شارك فيه ناظم الغزالي؟

شارك ناظم الغزالي في فيلم سينمائي وحيد وهو فيلم "بيروت في الليل" عام 1963 وقدم فيه أغنيتين. أما مشاركاته السينمائية الأخرى كانت بظهوره كمغني، فقد غنى في الفيلم الاستعراضي "يم العيون السود".

قصة ناظم الغزالي وسليمة مراد

تعرف الفنان ناظم الغزالي بالفنانة العراقية سليمة مراد عام 1952 حيث قدما حفلًا معًا في منزل إحدى العائلات البغدادية، وقد أعجبت سليمة بصوته القوي وبراعته في الأداء، وأعجب بها ناظم أيضًا.

أهدى ناظم لسلمية أغنية "قولي يا حلو منين الله جابك" وبعد عام واحد من قصة الحب بينهما تكللت بالزواج عام 1953، وقد حضر الزفاف الفنان محمد القبانجي، وقد اشترك الزوجان في تقديم حفلات غنائية داخل وخارج العراق.

عاشت سليمة مع الغزالي لمدة 7 سنوات، وقد وصف معظم النقاد أن زواج سليمة والغزالي كان زواجًا فنيًا ناجحًا. وقد قال بعض النقاد أن ناظم رغب في الزواج من سليمة قبل أن يقابلها في الحقيقة حبًا في صوتها.

ويرى النقاد أن هناك الكثير من الأسباب التي دفعت ناظم إلى الزواج من سليمة رغم الاختلافات بينهما، فهي يهودية وهو مسلم، كما أنها تكبره ب10 سنوات، ورأى النقاد أن ناظم أراد تعلم أسرار الغناء وكانت سليمة تملك الكثير منه، كما أنها ستكون سببًا في غنائه في الصالونات الكبرى.

هل أنجب ناظم الغزالي؟

لا، لم ينجب الفنان العراقي ناظم الغزالي على الإطلاق، وقد عاشت زوجته سليمة مراد في عزلة شديدة في بيتها المتواضع حتى وفاتها عام 1974.

ما هو سبب موت ناظم الغزالي؟

قبل وفاته قدم ناظم الغزالي حفلًا غنائيًا في بيروت وغنى مع سميرة توفيق وفهد بلان، ثم عاد إلى بيته في العراق في 21 أكتوبر عام 1963 وبينما كان يحلق ذقنه سقط على الأرض ثم توفي بعدها بنصف ساعة.

كانت زوجته سليمة عائدة من بيروت وعندما توجهت إلى البيت وجدت حشدًا عند الباب لتكتشف أن زوجها توفي فأغمي عليها عند مدخل البيت، وخلال دفن الغزالي كانت الشرطة تستجوبها في وفاة زوجها.

بعد وفاة الغزالي توقفت الإذاعة في بغداد عن بثها الاعتيادي لإذاعة نبأ رحيل ناظم، وكان هذا الأمر سابقة، حيث كانت الإذاعة لا تقطع بثها إلا في الانقلابات العسكرية فقط.