ممدوح عدوان.. شاعر المسرح وروائي الفكر العميق

  • تاريخ النشر: الإثنين، 23 ديسمبر 2024
ممدوح عدوان.. شارع المسرح وروائي الفكر العميق

في الثامن عشر من شهر ديسمبر كل عام، نحتفل باليوم العربي للغة العربية، وبمناسبة تلك الذكرى، نحتفل بشخصيات عربية ملهمة أثرت المكتبة العربية بأعمال أدبية خالدة، ونتذكر الأديب والكاتب المسرحي والشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان الذي رحل عن عالمنا في ديسمبر عام 2004 بعد صراع مع مرض السرطان، والذي يعد أحد أهم الكتاب والمثقفين في سوريا والوطن العربي.

في قيرون، إحدى قرى محافظة حماة، ولد الشاعر السوري ممدوح عدوان في نوفمبر عام 1941، وتلقى تعليمه حتى المرحلة الثانوية في قيرون، ثم انتقل إلى دمشق، وحصل على الإجازة في اللغة الإنجليزية من جامعة دمشق عام 1966.

وفي أواسط الستينات، وخلال سنوات دراسته الجامعة، بدأ ممدوح عدوان مسيرته الأدبية، واستخدم قلمه لهجاء المظاهر الاجتماعية وبعض الشخصيات في المجتمع، فكان قلمه أداء للتعبير عن سخطه من الظلم المجتمعي ودفاعه عن الإنسان المضطهد.

كتب عدوان أول مسرحية شعرية له بعنوان "المخاض"، إلا أنه بعد ذلك لم يكتب المسرح الشعري مرة أخرى، ومع ذلك ظل التأثير الشعري واضحًا في مسرحياته اللاحقة، مثل مسرحية "هاملت يستيقظ متأخرًا"، ومسرحية "ليل العبيد"، و"كيف تركت السيف" والتي جعل شخصياتها تعبر عن رأيها بالشعر.

ظل عدوان بعدها يوظف الشعر في مسرحياته بما يخدم البنية الدرامية للنص، ومن مسرحياته التي وظّف فيها الشعر مسرحية "سفر برلك"، وحكي السرايا حكي القرايا"، والتي استخدم فيها الشعر العامي.

"أنا أكتب بسرعة وآكل بسرعة وأقرأ بسرعة لأنني أخاف أن أموت ويبقى شيء لم أكتبه"

بهذه الكلمات، أوضح الشاعر والكاتب السوري ممدوح عدوان سبب غزارة إنتاجه الأدبي، وتنوع الفنون الأدبية التي كتب فيها، فقد كان شاعرًا وصحفيًا ومؤلفًا مسرحيًا وروائيًا ومترجمًا.

ترك عدوان إرثًا أدبيًا وبصمة لا تمحى في ميادين الأدب والصحافة والفكر، وهو ما جعله من أبرز المثقفين العرب منذ الستينات. عمل عدوان في الصحافة الأدبية بجريدة الثورة السورية، وساهمت مقالاته في إثراء صفحات الصحف والمجلات العربية بأعمال شعرية ونقدية ثرية.

خلال مسيرته الأدبية، نشر عدوان 17 ديوانًا، و26 مسرحية، إلى جانب 25 كتابًا مترجمًا، وأبدع في الرواية بعملين بارزين، وهما "الأبتر" عام 1969، و"أعدائي" عام 2000، فضلًا عن كتاب نثري بعنوان "دفاعًا عن الجنون".

كانت له مشاركات أدبية تتجاوز حدود الكتابة، فقد شارك في الندوات والمؤتمرات الأدبية في الوطن العربي وخارجه، وأغنى الساحة الثقافية بمساهمات نقدية عميقة وآراء ثاقبة، وتميز بقدرته على المزج بين الإبداع الأدبي والالتزام بقضايا وطنه، وهو ما جعله أحد أبرز رموز الحراك الثقافي والاجتماعي في سوريا.

امتدت إسهامات ممدوح عدوان إلى الترجمة، وقدم أعمالًا خالدة، منها "مذكرات كازنتزاكيس تقرير إلى غريكو"، وترجمة ملحمة "الإلياذة" لهوميروس، إلى جانب إنجاز جزء من ملحمة "الأوديسة".

وقد تنوعت أعمال عدوان المسرحية بشكل كبير، ومن مسرحياته "ليل العبيد"، و"النول"، و"حكي السريا"، و"حكايا الملوك"، وتميزت مسرحياته بالعمق الفكري والجرأة في تناول قضايا إنسانية واجتماعية. ووصل إسهامه الأدبي إلى مجال التلفزيون، فقد أبدع في كتابة سيناريوهات أعمال شهيرة مثل "الزير سالم"، و"جريمة في الذاكرة"، و"المتنبي"، و"دائرة النار".

"نحن لا نتعوّد إلا إذا مات شيء فينا"

يعد كتاب "حيونة الإنسان" للكاتب السوري ممدوح عدوان واحد من أبرز كتبه وأكثرها عمقًا على الإطلاق، وفي هذا الكتاب تعمق في تحليل ظاهر القمع، مستعرضًا كيف يمكن للإنسان أن يتحول إلى سلعة تحت تأثير القوى القمعية التي تهدف إلى سلب حريته وإرادته.

يناقش عدوان بعمق هيمنة هؤلاء الذين ينصّبون أنفسهم أوصياء على المجتمع، مدّعين الحرص على مصلحة "الشعب والوطن". يكشف الكتاب عن مأساة الإنسان الأعزل الذي يجد نفسه محاصرًا أمام جبروت قوة طاغية لا يملك الوسائل لمقاومتها.

جسدت مسيرة ممدوح عدوان نموذجَا للمثقف الشامل الذي انخرط في الحياة بكل أبعادها، وترك إرثًا أدبيًا لا يزال يلهم الأجيال. حصل عدوان على العديد من الجوائز الثقافية والأدبية، منها جائزة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وتكريمه في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وتكريمه في معرض الكتاب، وتكريمه في دمشق باعتباره رائد من رواد المسرح القومي.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة