يعد فن الشعر النبطي والمحاورة من الفنون الشعبية التي لها مكانة كبيرة في قلوب السعوديين، ولهذا السبب يوجد الكثير من المبدعين في هذا اللون الأدبي ومنهم الشارع مطلق الثبيتي الذي يعد من أعلام الشعر النبطي في السعودية.
مطلق بن حميد بن أحمد بن عنيزان الجازي الثبيتي العتيبي هو شاعر نبطي ومحاورة سعودي ولد في 9 سبتمبر عام 1937 في السيل الكبير في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودي، ويعود أصله إلى فرع الثبتة أحد فروع قبيلة عتيبة، ووالده هو الشاعر النبطي المعروف حميد العتيبي.
تعلم مطلق القراءة مبكرًا وكان عاشقًا للأدب والشعر منذ صغره، حيث كان يحرص والده على أن يشتري له الكتب الأدبية، وأول كتاب اشتراه له هو كتاب "الزير سالم"، كما حفظ منذ صغره الكثير من قصائد عمرو بن كلثوم وعنترة والمتنبي.
تلقى مطلق تعليمه الابتدائي في مدرسة العزيزية في سبتة السيل الكبير، وبعدها درس المرحلة المتوسطة والثانوية في مدرسة دار التوحيد في الطائف، وبعد إنهاء المدرس درس الشريعة في كلية الشريعة الإسلامية والدراسات الإسلامية في مكة المكرمة وتخرج فيها عام 1965.
وبعد التخرج سافر إلى المملكة المتحدة ودرس الأدب هناك وحصل على الماجستير والدكتوراه في جامعة مانشستر، وكان موضوع رسالته "التجديد والتقليد في الشعر العربي الحجازي المعاصر".
لفت الثبيتي الاهتمام مبكرًا بسبب ثقافته الواسعة وقدرته على كتابة الشعر الشعبي الفصيح ببراعة،
عمل مطلق الثبيتي كأستاذ بكلية الشريعة في جامعة أم القرى، كما كان يعمل سكرتيرًا في مجلة الدارة التي كانت تصدر عن دارة الملك عبد العزيز في الرياض.
كذلك عملت في الملحق التعليمي في سفارة المملكة العربية السعودية في السودان، وشغل منصب رئيس البحوث العلمية في وزارة التعليم العليم، كما شغل منصب رئيس إدارة البعثات في الوزارة أيضًا.
كما استعانت إدارة الملك عبد العزيز به للعمل سكرتيراً بمجلتها بالرياض حيث كان له دور هام في تحرير المواد المنشورة في المجلة نظرًا لغزارة علمه وفصاحة لسانه.
أما في الشعر فاشتهر الثبيتي بقصائده النبطية والمحاورة التي تعرف عليه الشعب السعودي من خلالها، وظل في ساحات المحاورة لأكثر من 30 عامًا تميز فيها بذكائه المتقد وسرعة بديهته حتى أصبح علمًا من أعلام الشعر النبطي.
اشتهر الثبيتي أيضًا أنه كان ندًا لأقوى شعراء النبطية في زمانه، ومنهم الشاعر صياف الحربي، ومحمد الجبرتي، وعبد الله المسعودي، أحمد الناصر، وراشد السحمي، وسلطان الهاجري، وحبيب العازمي وغيرهم.
وفي شعر المحاورة سبب نقلة نوعية لهذا الفن فجدد في الكلمة والمعنى والبحر المستخدم، فمن ناحية المعنى تناول عدة موضوعات مختلفة في شعره مثل السياسة، والشأن العام واعتمد على الرمز في شعره، فيدفن المعنى الذي يقصده في رموز ويغلفها في غلاف آخر.
ابتعد الثبيتي في شعره عن السائد في المعنى الذي كان وقتها ينحصر في الشخص والمجتمع والقبيلة، وسار على نهجه الشاعرين عبد الله المسعودي وصياف الحربي، ولهذا السبب كانت له الكثير من المحاورات الشعرية معهما.
أما بالنسبة للمفردات الذي استخدمها في شعره فقد التزم الثبيتي بمفردات البيئة البدوية التي كان يستخدمها شعراء المحاورة مثل الزلامي، ومستور، والجبرتي وغيرهم من الشعراء، ولم يتجاوز هذا القاموس لارتباط المحاورة بألفاظ البعير والناقة والبابور والضلع وغيرها، ولكن ظهرت براعته في الألفاظ الجديدة في شعره الفصيح.
أما من ناحية الألحان فقد جدد الثبيتي في الألحان والطواريق غير المسبوقة في شعر المحاورة وذلك بسبب دراسته لموسيقى الأدب ولبراعته في علم اللغة والصوت فأتى بما لم يأتِ به بقية الشعراء في زمانه.
وطوال حياته أصدر عدة دواوين شعرية ولعل أهمها ديوان "جراح الأمس"، وديوان "قصائد ومحاورات شعبية بالشعر النبطي"، كما له ديوان "أندلسيات" وهو شعر مكتوب باللغة العربية الفصحى أمر الملك سلمان بن عبد العزيز بطباعته على نفقته الخاصة.
بعض قصائده
يا ناقش الحنا على صفحة اليد
حبك نقشته في حنايا فـــــــؤادي
على قفا يمناك حاني ومسود
وأنا على عيني سوات السوادي
ويفوح من ردنك كما العود والند
ولا شـــــذا ورد على جــــــال وادي
قض الشعر خله على المتن يمتد
حتى يقيدنــــي… ويحكم قيادي
تمزح وتلعب بي وهمّي على جد
مثل الزمــــان اللي يدور عنادي
وتاخذ مع العشّاق مشـــــوار وترد
مثل الكحيلا في نهار الطرادي
أنا أحسب إن القلب تايب عن الود
وأثره مع العــشّاق تايه … وغادي
قفيت مير الطرف مشــــغول ويلد
يمك مفرقته دمــــــوعٍ جــــدادي
ومن قصائده في الغزل:
غنيت من زين الطواريق طـاروق
قافٍ ليا قلتـه تنشـط طروقـه
لعيون غرو يشطح الشوق من فوق
يا جعل ضدات الدهـر ما تعوقه
اللي ليا منه تمخطر مـع السـوق
يعمى بعينه كـل عيـن سروقـه
ماهو بمن برقا ولا هو بمـن روق
يشدى لغصـن لينـات عروقـه
طبٍ لقلب من هوى البيض محروق
والسعد قدامـه وتحتـه وفوقـه
وفي الحكمة
اختـار سمحـات الــدروب النظيفة
اللـي غسلهـا رايـح المـزن بـرشـاش
يمشونهـا قــوم النـفـوس الشـريـفة
اللـي ضمايرهـم نقيـة كمـا الـشـاش
أبيوتـهـم مـثـل الحـصـون المنيـفـة
ما هـي لطيـر البـوم غيـران وأعشاش
وحلالـهـم للضـيـف دايــم مريـفـه
لو رجلهم يسـرح ويضـوي علـى مـاش
والرجـل منهـم مـا يخـلـي رديـفـه
إن مات مثله مات وإن عـاش لـه عـاش
ومن قصائده بالفصحى
لا تنزع السهم من قلبي ومـن كبـدي
إني صنعت سخافات الهـوى بيـدي
مسترسلا فـي متاهاتـي ويسحقنـي
جهلي وقد أنقل العدوى إلى ولـدي
ويبعث الهم في روحـي وأنسجتـي
حتى انحنيت ودب الضعف في عضدي
فالأمس ولّى وما في الأمس من مرح
وأقبل الخوف من يومي وهم غـدي
- لديه مكتبة ضخمة فيها كتب نادرة وكثيرة، وكان الكتاب دائمًا رفيقه حتى في فترة مرضه الأخيرة لم يترك الكتاب.
- بسبب شهرة القصائد التي كان يكتبها أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان أميرًا لمنطقة الرياض بطباعة ديوانه "أندلسيات" على نفقته الخاصة.
- قامت روتانا خليجية بعمل فيلم وثائقي عن حياته في برنامج "الراحل" وذلك في عام 2021.
- زار مطلق الثبيتي منزل الشاعر الراحل محمد التويم في بيته في جدة عام 1989 م قبل سفره بيوم حيث استضافه التويم وأجرى محاورة شعرية معه حتى وقت متأخرٍ من الليل وذلك وفقًا لكلام قائد القوات الجوية المكلف سابقاً، محمد الثبيتي.
- عُرف بروحه المرحة وعلاقته الجيدة مع الجميع وخاصة الشعراء وهو ما منحه شعبية كبيرة.
- حصل على لقب "راعي باكور" بسبب المنافسات الشعرية التي يشارك فيها، كما حصل على لقب شاعر الحلبتين، وذلك لأنه أجاد الشعر العربي الفصيح وشعر النبطي والمحاورة أيضًا.
- تعلم الفصاحة من والدته التي كانت تلقب بأمر ربيعان أسوة بابن ربيعان أهم الشيوخ في نجد.
توفي مطلق الثبيتي في 31 يوليو عام 1995 بعد معاناة مع المرض في الولايات المتحدة الأمريكية، ودفن في مكة المكرمة.
وبعد وفاته اسم ابنه فيصل في حفظ إرث والده الثقافي والأدبي، وبعد وفاة ابنه أكمل المسيرة ابنه الآخر ياسر.