تعد العالمة المغربية مريم شديد من أبرز عالمات الفلك في العالم العربي، فقد اشتهرت بكونها أول عالمة فلك مغربية وعربية تصل إلى القطب الجنوبي، وساهمت في أبحاث علمية متعلقة برصد النجوم وتطوير التكنولوجيا الفلكية، واستطاعت أن تحقق نجاحًا عالميًا، وتحدت العقبات التي تعترض النساء في مجالات العلوم، في السطور التالية تعرف على مسيرتها المهنية وإنجازاتها.
من هي مريم شديد؟
هي عالمة فلك ومستشكفة وفيزيائية مغربية فرنسية، ولدت في 11 أكتوبر عام 1969 في الدار البيضاء، وتحمل الجنسيتين الفرنسية والمغربية، وهي من أبرز عالمات الفلك في المغرب والعالم.
ولدت مريم في بيئة متواضعة، لكن حريصة على تعليم أبنائها، ودرست في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، ثم واصلت تعليمها العالي في فرنسا، وتخصصت في دراسة النجوم العملاقة الزرقاء.
في عام 2005، حققت مريم شديد إنجازًا كبيرًا بمشاركتها في بعثة علمية إلى أنتاركتيكا، لتصبح أول امرأة عربية وأفريقية تطأ قدمها القارة القطبية، وساهمت في العديد من الأبحاث الفلكية، وعملت على تطوير أدوات متقدمة لرصد النجوم، ثم واصلت مسيرتها بالتدريس الأكاديمي، ودرّست في جامعات أوروبية مرموقة.
نشأتها وتعليمها
ولدت العالمة المغربية مريم شديد في عائلة مغربية متواضعة في الدار البيضاء، فقد عمل والدها حدادًا، أما والدتها كانت ربة منزل، وهي الابنة الصغرى بين 7 أطفال.
نمى عند مريم حبها لعلوم الفلك منذ سن مبكرة، فعندما كانت في سن الثانية عشر، أهداها شقيقها الأكبر مصطفى كتابًا عن الجاذبية، وهو كتاب "قوانين كيبلر"، وهو الكتاب الذي جعلها تعشق عالم الفلك، وتضع هدف دراسة الفلك نصب أعينها.
درست مريم في المدارس العمومية في الدار البيضاء، وأظهرت تفوقًا في دراستها، على الرغم من عدم إيمان عائلتها بقدراتها العلمية، وبعدها التحقت بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، وحصلت على درجة البكالوريوس في شعبة الرياضيات.
![مريم شديد.. أول عالمة مغربية وعربية تصل إلى القطب الجنوبي]()
كيف حققت مريم شديد حلمها بالدراسة في فرنسا؟
لم يكن مجال الفيزياء الفلكية مجالًا معروفًا في المغرب، لذا قررت مريم شديد تحقيق هدفها بدراسة هذا العلم، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها، وخطت خطواتها الأولى بقرار الدراسة في إحدى الجامعات الفرنسية.
لم يكن قرارًا سهلًا بالنسبة لها، خصوصًا بالنسبة لفتاة ينتظر منها أن تتزوج وتؤسس أسرة بعد التخرج من الجامعة، إلا أن مريم أصرت على تحقيق هدفها، وسافرت إلى فرنسا لدراسة الماجستير في تخصص تصوير علوم الكون.
عانت مريم في البلد الجديد، وواجهت تحديات بالتكيف مع النظام الدراسي الجديد، وخاصة أنه نظام كان حكرًا على الذكور، فضلًا عن جنسيتها المغربية الذي ضاعف الصعوبات.
واجهت مريم كذلك تحديات مالية معقدة، لكنها ثابرت، وفي عام 1993، حصلت على درجة الماجستير في الفيزياء الفلكية في جامعة نيس صوفيا أنتيبوليس. قررت مريم فيما بعد مواصلة دراستها للحصول على درجة الدكتوراه، وتحديدًا حول مرصد هوت بروفانس، وهو مرصد فلكي في جنوب شرق فرنسا.
وبعد 3 سنوات، وتحديدًا في عام 1996، حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة بول ساباتييه في تولوز بفرنسا، ثم حصلت على دكتوراه من جامعة نيس، وواصلت كذلك برامج التعليم التنفيذي من كلية جون ف. كينيدي للحكومة وجامعة هارفارد.
حياتها الشخصية
تزوجت مريم شديد من مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي جان فيرنين عام 2001، ولديها طفلان.
وعلى الرغم من انشغالها في حياتها المهنية، إلا أنها تضع العائلة ضمن أولوياتها، وحرصت على الموازنة بين حياتها المهنية كعالمة فلك وبين حياتها كزوجة وأم.
![مريم شديد.. أول عالمة مغربية وعربية تصل إلى القطب الجنوبي]()
مسيرتها المهنية
بدأت عالمة الفلك مريم شديد مسيرتها المهنية بالعمل في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وواجهت صعوبات شديدة في بيئة عمل ذكورية وتنافسية جدًا.
التحقت فيما بعد بالمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي، وبعدها تولت مهمة تركيب أكبر تلسكوب في صحراء أتاكاما في تشيلي، وبداية من عام 2002، بدأت مسيرتها في تدريس علم الفلك في الجامعات العمومية في فرنسا.
خلال مسيرتها المهنية، قادت مريم شديد الفرق البحثية في أماكن مختلفة حول العالم، ففي الفترة من عام 1998 وحتى 2001، تولت مشروع صحراء أتاكاما في تشيلي، وهي الصحراء الأكثر جفافًا في عالم، وقادت فريقاً لتثبيت أكبر تلسكوب في العالم.
في عام 2002، انضمت مريم إلى مرصد دي لا كوت دازور في مدينة نيس جنوب فرنسا، رغم أنها مغربية الجنسية، وأصبحت عضوة في الرابطة الأمريكية لمراقبي النجوم المتغيرة، وقد كان تطورًا مهمًا في مسيرتها المهنية.
أصبحت مريم فيما بعد عضوة في المرصد الأوروبي الجنوبي، وقد تم اختيارها، على الرغم من أنها تحمل الجنسية المغربية؛ نظرًا لإسهاماتها المهمة في عالم الفلك.
تعمل مريم حاليًا على مشروع جديد مع المرصد الجنوبي الأوروبي في تشيلي على تثبيت تلسكوب كبير، سيكون من أكبر أربع مرات من التلسكوبات الحالية، ومن المقرر افتتاحه في عام 2026.
شاركت مريم في فيلم وثائقي عن علم الفلك اسمه "طريق النجاح" على الجزيرة للأطفال، وفيها بسطت علوم الفلك للأطفال. تنشر مريم أيضًا أبحاثًا في مجلات علمية مختلفة، كما أنها تشارك في مؤتمرات علمية حول العالم.
أول عالم مغربية وأفريقية في القطب الجنوبي
كان عام 2005 العام الذي تم تحقيق فيه أعظم إنجازات مريم شديد خلال مسيرتها المهنية، ففي هذا العام كانت على رأس البعثة العلمية التي وصلت إلى القطب الجنوبي المتجمد لتثبيت أكبر مرصد في القطب الجنوبي، وتم تعيينها رئيسة للبرنامج العلمي الذي يهدف إلى دراسة الموقع في قلب القارة القطبية الجنوبية.
كان ذهابها إلى القطب الجنوبي مخاطرة شديدة، كما أنها تعرضت لضغوطات شديدة كونها رئيسة هذه البعثة، لكنها كانت قادرة على هذا التحدي، وأصبحت أول شخص مغربي وأفريقي وعربية يصل إلى قلب القطب الجنوبي، وأول عالم فلك يطأ قلب القارة على رأس البعثة.
لم تكن رحلتها إلى القطب الجنوبي سهلة، حيث يحيط المكان ظروف مناخية قاسية من البرد القارس والعزلة الشديدة والجفاف الشديد، ولا يوجد حياة حيوانية أو نباتية.
كانت رحلتها الأولى عام 2005، وتمكن الفريق من تثبيت التلسكوبات في ظروف قاسية ودرجة حرارة تصل إلى 80 تحت الصفر.
![مريم شديد.. أول عالمة مغربية وعربية تصل إلى القطب الجنوبي]()
جوائز وتكريمات
حصلت عالمة الفلك مريم شديد على عدة جوائز وتكريمات طوال مسيرتها، فقد تم إدراجها في قائمة فوربس كواحدة من أكثر ثلاثين عالمًا إثارة للاهتمام في العالم، كما حصلت على جائزة المرأة العربية للعام في مجال الإنجازا لعلمي من جامعة ريجنتس لندن عام 2015.
في عام 2013، كرّمها جلالة ملك المغرب بوسام الوسام العلوي من درجة ضابط، كما حصلت على لقب القائد العالمي الشاب في المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2008.