صاحب المصحف المعلم، وقبلة التلاميذ الراغبين في تعلم تلاوة القرآن بأدق الأحكام، شيخ عموم المقارئ المصرية الشيخ محمود خليل الحصري أحد أركان دولة التلاوة المصرية، صاحب العديد من المصاحف المسجلة بروايات مختلفة، حيث أجاد قراءة القرآن الكريم بالقراءات العشر. مسيرته وأبرز المعلومات عن حياته في السطور التالية...
ولد الشيخ الحصري يوم 17 سبتمبر من عام 1917 في قرية شبرا النملة بمحافظة الغربية في دلتا مصر وتوفي يوم 24 نوفمبر عام 1980، التحق بالكُتاب لحفظ القرآن في سن 4 سنوات وأتم الحفظ في الثامنة.
وكان يذهب إلى المسجد الأحمدي في مدينة طنطا لحفظ القرآن، ثم التحق بالمعهد الديني في طنطا، وانتقل بعد ذلك إلى الأزهر الشريف حيث تعلم القراءات العشر، واشتهر بالحصري حيث كان والده يتصدق بحصير المصليات والمساجد.
حصل الشيخ الحصري علي شهادة في علم القراءات، ودرس علوم القرآن، وتقدم للالتحاق بالإذاعة المصرية عام 1944 وجاء في المركز الأول، وفي عام 1950 أصبح قارئا للمسجد الأحمدي بمدينة طنطا وبعد 5 سنوات انتقل إلى مسجد الإمام الحسين في القاهرة.
امتلك الشخ الحصري موهبة مميزة في قراءة القرآن، وأصبحت تلاواته مرجعا في تعلم قراءة القرآن بطريقة صحيحة، كما كان أول من سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم.
كما ساهم في إنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، وطالب إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى، وقام بتشييد مسجد ومكتب للتحفيظ بالقاهرة.
وقال الشيخ الراحل عن تجويد القرآن، إن القراءة لها علم وأصول وترتيل القرآن يجسد المفردات القرآنية تجسيدًا حيًا ويجسد مدلولها الذي ترمي إليه تلك المفردات.
تزوج الشيخ الحصري عام 1938 من السيدة سعاد محمد الشربيني، التي تولت تربية أبنائه بسبب سفره المستمر وانشغاله بعمله، وقال أحد أبنائه: "كان الشيخ الحصري يعطي كل من حفظ سطراً من القرآن قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي".
وتابع: "وإذا أراد زيادة يسأل ماذا تحفظ من القرآن فإن حفظ وتأكد هو من ذلك أعطاه وقد كانت له فلسفة في ذلك فهو يؤكد دائماً علي حفظ القرآن الكريم حتى نحظى برضا الله علينا ثم رضا الوالدين فنكافأ بزيادة في المصروف".
وتابع: "وكانت النتيجة أن ألتزم كل أبنائه بالحفظ وفي عام 1960 كان يعطينا عن كل سطر نحفظه 15 قرشاً و10 جنيهات عن كل جزء من القرآن نحفظه".
بجانب عمله في تلاوة وتسجيل القرآن، تولي الشيخ الحصري عددا من المناصب الرسمية، ففي عام 1957 تم تعيينه مفتشا للمقارئ المصرية، ثم وكيلا لمشيخة المقارئ المصرية، وفي عام 1959 تم تعيينه مراجعا ومصححا للمصاحف بقرار مشيخة الأزهر الشريف.
وكان الشيخ الحصري أول من تمت بعثته لزيارة المسلمين في الهند وباكستان وقراءة القرآن الكريم في المؤتمر الإسلامي الأول بالهند في حضور الرئيس الأول بالهند عام 1960 في حضور الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس جواهر لال نهرو وزعيم المسلمين بالهند، وفي العام التالي تم تعيينه شيخا لعموم المقارئ المصرية بقرار جمهوري.
كما تم تعيينه نائبا لرئيس لجنة مراجعة المصاحف وتصحيحها بالأزهر الشريف ثم رئيسا لها بعد ذلك، وعين مستشارا فنيا لشؤون القرآن الكريم بوزارة الأوقاف.
وفي 1966 اختاره اتحاد قراء العالم الإسلامي رئيسا لقراء العالم الإسلامي بمؤتمر اقرأ بكراتشي في باكستان، وانضم إلى مجمع البحوث الإسلامية لشؤون القرآن الكريم بالأزهر الشريف، وفي عام 1967 حصل علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عيد العلم، وأصبح رئيس اتحاد قراء العالم.
وفي عام 1977 أصبح الشيخ الحصري أول من رتل القرآن الكريم في الأمم المتحدة أثناء زيارته لها بناء علي طلب جميع الوفود العربية والإسلامية.
وفي العام التالي كان أول من رتل القرآن الكريم في القاعة الملكية وقاعة هايوارت المطلة علي نهر التايمز في لندن، وأول قارئ يقرأ القرآن في البيت الأبيض، وقاعة الكونجرس الأمريكي.
مؤلفاته وتسجيل القرآن
كان الشيخ الحصري رائدا في تسجيل القرآن، حيث أصبح في عام 1961 أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية حفص عن عاصم وظلت إذاعة القرآن الكريم تقتصر علي إذاعة صوته منفردا حوالي عشر سنوات، كما أصبح أول من سجل المصحف المرتل برواية ورش عن نافع في عام 1964.
وفي 1968 أصبح أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية قالون ورواية الدوري، وأول من سجل المصحف المعلم في عام 1969، وفي 1975 كان أول من رتل القرآن الكريم في العالم بطريقة المصحف المفسر.
وبالإضافة إلى ذلك له عدة مؤلفات هامة في علوم القرآن الكريم، منها كتاب "أحكام قراءة القرآن الكريم"، و"القراءات العشر من الشاطبية والدرة"، و"معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء".
وبالإضافة إلى "الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير"، و"أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر"، و"مع القرآن الكريم"، و"نور القلوب في قراءة الإمام يعقوب "، و"السبيل الميسر في قراءة الإمام أبي جعفر"، و"النهج الجديد في علم التجويد"، و"رحلاتي في الإسلام".
لقب عنقود العنب
كان الشيخ الحصري ملقبا بـ"عنقود العنب"، وقالت ابنته ياسمين الحصري، إن جدها والد الشيخ الراحل رأي رؤية في المنام عبارة عن عنقود عنب يتدلى من سلسلة العمود الفقري في ظهره ويأتي الناس لقطف العنب ويقولون: الله، ولا تنقص حبات العنقود، وفسر أحد المختصين الرؤية بأنه سيكون له ابناً يقرأ القرآن ويستمتع الناس بصوته".
كانت ابنة الشيخ الحصري تحترف الغناء وكانت تشتهر بـ"ياسمين الخيام"، وتوجد قصة شهيرة أنه عندما ذهب الشيخ إلى الرئيس الراحل أنور السادات في منزله ليطلب منه تخفيض الضرائب علي مقرئي القرآن.
طلبت منه زوجته جيهان السادات الموافقة علي احتراف ابنته للغناء إلا أنه رفض، وأصرت ابنته علي احتراف الغناء بمساعدة من زوجها، وأثار ذلك غضب الشيخ الحصري، وبعد وفاته ووصيته بتخصيص ثلث تركته للأعمال الخيرية قررت ابنته ياسمين اعتزال الغناء والتفرغ لإدارة أعمال والدها الراحل الخيرية.
كان الشيخ الراحل حريصا علي القيام بالأعمال الخيرية حيث قام بإنشاء مسجد ومعهد ديني ومدرسة تحفيظ قرآن في قريته بمحافظة الغربية، كما أوصى بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحفاظه وكافة وجوه البر، وتوفي يوم 24 نوفمبر في عام 1980.