يعد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني من أهم علماء الحديث في العصر الحديث، فقد كان ماهرًا وعمل طوال حياته على هدف أساسي ألا وهو تقريب السنة من عقول الناس وجعلها جزءًا من عاداتهم اليومية، في السطور التالية تعرف على مسيرته وقصة حياته.
من هو محمد ناصر الدين الألباني؟
هو أبو عبد الرحمن محمد بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني الأرنؤوطي هو عالم حديث ولد في عام 1914 في مدينة إشقودرة عاصمة ألبانيا، ويعد من أشهر علماء الحديث في العصر الحديث.
ألف الألباني عشرات الكتب والمصنفات والمجلدات في علم الحديث، ولعل أهم هذه الكتب سلسلة الأحاديث الصحيحة، وسلسلة الأحاديث الضعيفة، وقد زار رحمه الله الكثير من الدول العربية والأجنبية من أجل التدريس.
تتلمذ على يده الكثير من الطلاب من كل أنحاء العالم، وقد وصلت عدد مؤلفاته إلى 300 كتاب بين تأليف وتحقيق وتعليق، ورغم ما قدمه من أجل الدين وتطور علم الحديث إلا أنه واجه محنة الاعتقال مرتين.
نشأته وتعليمه
نشأ الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في أسرة ألبانية فقيرة ومسلمة تهتم بالعلم والتعلم، وكان والده من أبرز المعلمين له، فقد درس في المعاهد الشرعية في إسطنبول، التي كانت عاصمة الدولة العثمانية، ثم عاد إلى بلاده وخدم الدين وعلم الناس ما تلقاه من علوم الدين هناك. أصبح والده فيما بعد مرجعًا لأهل مدينته يتوافدون على بيته للتعلم منه.
ومع سقوط الخلافة العثمانية عام 1922 وتولى الملك أحمد زوغو حكم ألبانيا سارت البلاد إلى طريق العلمانية، فأجبرت النساء على خلع الحجاب، وألزم الرجال على ارتداء الملابس الأوروبية، فاضطر الراغبون في التمسك بدينهم الهجرة من البلد تجنب سوء العاقبة.
وكان من ضمن هؤلاء الشيخ نوح الألباني وأسرته، فسافر إلى بلاد الشام خوفًا على أولاده من الفتنة، واختار مدينة دمشق التي مرّ عليها أكثر من مرة خلال رحلته إلى الحج.
وفي دمشق أتم العلامة الألبانية دراسته الابتدائية في مدرسة الإسعاف الخيري في دمشق، وكان طالبًا نابغًا ومتوفقًا، إلا أن والده لم يرضَ بالتعليم النظامي من الناحية الدينية، فقرر أن يُخرج ابنه من المدرسة ووضع له منهجًا علميًا دينيًا.
ركز والد الألباني في خطته لتعليم ابنه على القرآن الكريم والنحو والصرف والتجويد وتدريسه المذهب الحنفي، وقد تمكن الألباني من حفظ القرآن كاملًا على يد والده برواية حفص عن عاصم.
تلقى الألباني أيضًا دروسًا دينية مع الشيخ سعيد البرهاني في الفقه الحنفي، وقد درس على يديه كذلك بعض من كتب اللغة والبلاغة، كما حرص على حضور دروس العلامة الشيخ بهجة البيطار.
بجانب تلقيه العلم أخذ الألباني عن والده إصلاح الساعات، وهي المهنة التي راح يتكسب منها طوال حياته، كما أنه ساعدته على توفير وقت للمطالعة والدراسة، وقد ساعدته هجرته إلى الشام إلى إتقان اللغة العربية والاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها.
ما هو مذهب الشيخ الألباني؟
مذهب الشيخ الألباني هو المذهب الحنفي.
دراسته علم الحديث
اهتم محمد ناصر الدين الألباني بعلم الحديث رغم توجيه والده بعدم فعل ذلك، وقد بدأ دراسة علم الحديث في العشرين من عمره تقريبًا وقد تأثر حينها ببعض الأبحاث التي نشرت في مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا.
قدم الألباني أول أعماله في علم الحديث بالتعليق على كتاب "المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار" للحافظ العراقي، وكان هذا الكتاب فاتحة خير عليه في علم الحديث، فقد عُرف في كل أقطار دمشق وتم تخصيص غرفة له للقيام بأبحاثه في المكتبة الظاهرية في دمشق، كما حصل على نسخة مفتاح المكتبة ليدخلها وقتما يشاء.
توالت بعدها كتب الألباني في علم الحديث، ولعل أهم وأول مؤلفاته المنهجية في علم الحديث كتاب "الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير".
أجرى الشيخ الألباني ومحادثات ومقابلات مع الكثير من مشايخ دمشق حول التوحيد والبدع والاتباع المذهبي، وقد تلقى دعمًا كبيرًا من الكثير من شيوخ دمشق، ومنهم الشيخ عبد التفاح الإمام رئيس جمعية الشبان المسلمين في سوريا، والشيخ بهجت البيطار، والشيخ توفيق البزرة وغيرهم من الشيوخ.
وفي المقابل واجه الشيخ الألباني معارضة شديدة من بعض متعصبي المذاهب وبعض مشايخ الصوفية الذين وصفوه بأنه وهابي وحذروا الناس من مذهبه وكتبه ومؤلفاته في علم الحديث.
أهم إنجازاته
اختارت كلية الشريعة في جامعة دمشق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني لتخريج أحاديث البيوع الخاصة في موسوعة الفقه الإسلامي، وقد صدرت عام 1955، وقد تم اختياره عضوًا في لجنة الحديث التي تشكلت خلال الوحدة بين مصر وسوريا.
كان الشيخ الألباني مطلوبًا للتدريس في أكثر من جامعة حول العالم، ومنها جامعة السلفية في بنارس الهند لكي يتولى مشيخة الحديث، إلا أنه اعتذر بسبب صعوبة إحضار أسرته معه إلى هناك بسبب الحرب بين باكستان والهند في هذا الوقت.
تلقى الشيخ الألباني دعوات من مؤسسات رسمية دينية حول العالم، ومنها دعوة من الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ، وزير المعارف في السعودية آنذاك، لكي يشرف على قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة مكة، إلا أنه لم يتمكن من قبول هذه الدعوة أيضًا.
تلقى الشيخ الألباني دعوات من عدة دول لإلقاء محاضرات فيها، ومنها دعوة من قبل اتحاد الطلبة المسلمين في إسبانيا وألقى فيها محاضرة بعنوان "الحديث حجة بذاته في العقائد والأحكام".
كان الألباني عضوًا في المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وقد زار العديد من الدول وألقى فيها عددًا من المحاضرات، ومنها قطر التي ألقى فيها محاضرة بعنوان "منزلة السنة في الإسلام".
انتدبه الشيخ بن باز رحمه الله للقيام بدعوات ومحاضرات في عدد من الدول حول العالم منها مصر وبريطانيا والمغرب، وقد ألقى فيها محاضرات دعا فيها إلى التوحيد والاعتصام بالقرآن والسنة.
خلال حياته التقى الألباني بالجاليات الإسلامية حول العالم وألقى دروسًا علمية مفيدة للطلاب المسلمين، كما زار العديد من الدول منها الإمارات والكويت لإلقاء دروس ومحاضرات فيها.
مؤلفات الشيخ الألباني
كتب الشيخ الألباني عدد كبير من المؤلفات وألقى المحاضرات والدروس طوال حياته، ومن مؤلفاته "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ولعله من أنفع كتبه"، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة"، و"سلسلة الأحاديث الضعيفة"، و"تلخيص أحكام الجنائز"، و"صفة صلاة النبي"، و"حجة النبي صلى الله عليه وسلم".
كتب كذلك "الحديث حجة بنفسه"، و"ظلال الجنة في تخريج أحاديث السنة لابن أبي عاصم"، و"تحقيق مشكاة المصابيح"، و"تحريم آلات الطرب". خرّج الألباني الكثير من الأحاديث وله أكثر من 100 كتاب في تخريج الأحاديث. اشتهر الألباني كذلك بأنه من المكثرين في التحقيق.
قول العلماء في الشيخ الألباني
أثنى الكثير من العلماء على الشيخ الألباني ومنهم الشيخ ابن باز رحمه الله الذي وصفه بأنه أعلم الناس في علم الحديث، وقال: "ما تحت أديم السماء عالم بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني".
أيضًا أشاد به الشيخ صالح بن عثيمين الذي دافع عنه عندما أساء إليه البعض وقال عنه: "أقلّوا اللوم لا أبا لأبيكم عليه أو سدّوا المكان الذي سدّا"، وقد شهد أن الألباني كان محدثًا وفقيها وقال إنه إمام ليس معصومًا من الخطأ، كما أثنى عليه ابن تيمية وابن القيم.
أيضًا أثنى عليه العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي الذي كان يحترم الشيخ الألباني ويجله، كما أثنى عليه الشيخ مقبل الوادعي.
أشهر فتاوى الشيخ الألباني
قدم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني العديد من الفتاوى أثارت بعضها الكثير من الجدل، ولعل أشهر هذه الفتاوى فتوى جواز إظهار الوجه للمرأة، حيث ذكر أن النقاب سُنة عن النبي، إنما الفرض هو الحجاب.
وقد أثارت هذه الفتوى جدلًا واسعًا في المملكة العربية السعودية وظهرت الكثير من الدعوات المعارضة لهذا الرأي.
ومن الفتاوى التي قالها وسببت له الكثير من المشكلات، ومنها أنها سُئل فيها عن أحوال المسلمين الذين يعيشون في بلاد لا يمكنهم ممارسة شعائرهم الدينية فيها فأفتى بوجوب الهجرة لهم.
وقد استدل الألباني في هذه الفتوى على آية "قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" ولما سئل الشيخ عن فلسطين قال إن الآية تنطبق على كل بلاد الدنيا وقال إن مكة أعظم عند الله من فلسطين إلا أن الرسول هاجر منها. وهنا تعالت الأصوات المعارضة التي اتهمت الشيخ بأنه أفتى بوجوب هجرة المسلمين من أرضهم.
خلاف الألباني وابن باز
اختلف الشيخ الألباني وابن باز في بعض المسائل الفقهية، وخاصة فيما يتعلق بفقه الصلاة، إلا أن هذا لم يمنع الشيخ ابن باز أن يختار الألباني للسفر لإلقاء دروس دينية في عدد من الدول العربية والأوروبية حينما كان ابن باز رئيس إدارة البحوث العلماء والإفتاء في المملكة.
إلا أن الشيخ ابن باز أنهى التعاقد مع الشيخ الألباني للتدريس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وذلك بعد أن تعالت الأصوات ضده بسبب آرائه التي أغضبت بعض الفئات في المجتمع السعودي.
أهم صفات الشيخ الألباني
عُرف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بجرأته في الحق وصراحته الشديدة وردع على كل المعارضين له بالدليل من الكتاب والسنة، إلا أنه كان متواضعًا طيب الأخلاق وحسن السمعة.
عُرف عنه أيضًا كرهه للمدح وخاصة في وجهه، كما أنه لم يكن يكتب لقب "الشيخ" قبل اسمه في أي كتاب يؤلف، وكان يبكي إذا مدحه الناس وينكر هذا المدح.
كان الشيخ الألباني يخاف من الرياء بشدة، حتى إنه كان يرفض الحضور في بعض المحاضرات والندوات ويرفض بعض الدعوات خوفًا على نفسه من الرياء.
وأحد المواقف التي تدل على ذلك أنه رفض دعوة من أهل الحديث في بنغلاديش بعدما علم أنه سيلقي محاضرة في ملعب ويحضر فيه الآلاف الأشخاص، وقد رفض الألباني الدعوة أكثر من مرة، وعندما سُئل عن ذلك قال: "تصور أني أحاضر بمثل هذا العدد فهل آمن على نفسي من الرياء".
كان الشيخ أيضًا متواضعًا مع كل الناس خاصة مع تلاميذه ويخصهم بالاهتمام والرعاية والسؤال، وقد كان يقدم الكثير من الكتب إلى تلاميذ وجيرانه والأشخاص المقربين له.
كان الألباني كذلك رقيق القلق كثير البكاء، وكان يبكي في الكثير من محاضراته ودروسه، وكان يبكي كثيرًا عندما يخبره أحد طلابه أنه رآه في المنام.
اعتقال الألباني
في عام 1960 عمل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني مراقبًا في الحكومة السورية، ورغم أنه كان بعيدًا عن السياسة إلا أنه تعرض للاعتقال مرتين، المرة الأولى عام 1967 لمدة شهر في قلعة دمشق، وهي القلعة التي اعتقل فيها ابن تيمية، وقد تم الإفراج عنه عندما قامت الحرب.
إلا أنه اعتقل مرة ثانية مع اشتداد الحرب واعتقل هذه المرة في سجن الحسكة شمال شرق سوريا وقضى فيها 8 أشهر، خلال هذه الفترة حقق مختصر صحيح مسلم كما اجتمع مع الكثير من الشخصيات في المعتقل، وبعد خروجه من السجن سافر إلى الأردن وعاش فيها حتى وفاته.
عدد زوجات الألباني
تزوج الشيخ الألباني من 4 سيدات وأنجب منهم 13 ابنًا، وقد رزق من زوجته الأولى بعبد الرحمن وعبد اللطيف وبعد الرزاق، ومن زوجته الثانية عبد المصور وعبد الأعلى ومحمد وعبد المهيمن وأنيسة وآسيا وسلامة حسانة وسكينة، ومن زوجته الثالثة هبة الله ولكنه لم ينجب من زوجته الرابعة.
سبب وفاة الشيخ الألباني
توفي الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في 2 أكتوبر عام 1999 عن عمر 88 عامًا، وقد توفي بعد صراع مع المرض حيث نزل وزنه بسبب المرض حتى أصبح وزنه 30 كيلو فقط.
حضر جنازته العديد من تلاميذه منهم إبراهيم شقرة، ووصل عدد المشاركين في جنازته إلى 5 آلاف شخص أو أكثر، وقبر الشيخ الألباني في العاصمة عمان على جبل الهملان بجانب بيته.