محمد عبد الباري هو شاعر سوداني برع في نظم الشعر في مجالات الفلسفة والفكر تحديدًا ويعتبر من مجددي القصيدة العربية وحصل على جائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية للشعر العربي عام 2019، وحققت قصائده شهرة عربية، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.
من هو محمد عبد الباري؟
محمد عبد الله عبد الباري هو شاعر سوداني ولد في 12 يناير عام 1958 في مدينة المناقل في ولاية الجزيرة ثاني كبرى ولايات السودان من حيث الكثافة، وانتقلت أسرته حينما كان في عامه الأولى إلى المملكة العربية السعودية واستقرت في الرياض حيث نشأ وترعرع.
عاش عبد الباري في حي الجرادية وهو أحد الأحياء الشعبية في قلب العاصمة السعودية الرياض، وقد أثرت البيئة التي عاش فيها على نشأته وحبه للشعر وتعرف على البدو والعادات البدوية والقبلية كذلك.
درس عبد الباري حتى المرحلة الجامعية في السعودية، حيث حصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، ثم انتقل إلى الأردن، وهناك حصل على درجة الماجستير في العاصمة الأردنية عمان وكانت أطروحته عن الشعر في تراث فلاسفة الإسلام ومناطقته وعلماء الكلام.
بداية الشاعر محمد عبد الباري
يقول الشاعر محمد عبد الباري أنه تعلم الشعر تعلمًا، وهو يرى دائمًا أن الشاعر يجتهد كثيرًا حتى يكون شاعرًا، والموهبة وحدها ليست كافية لتنشئة شاعر. أحب عبد الباري الشعر منذ صغره، وقد برع فيه خلال المرحلة الجامعية حينما كان في أوائل العشرين من عمره.
نظم عبد الباري قصيدة له أعجب بها الدكتور حسين علي محمد، وضمها في كتابه "في الأدب السعودي الحديث" وأصبح أقرانه في الجامعة يدرسون القصيدة التي ألفها بنفسه، وقد تم تدريس هذه القصيدة في عدة جامعة سعودية، منها جامعة الإمام محمد بن سعود.
ومنذ ذلك الحين بدأت أعمال محمد عبد الباري يتم استقبالها استقبالًا حارًا، كما انتشرت أمسياته الشعرية وقصائده إعلامية وصحفيًا كذلك، وتم نشر قصائده في موقع "القصيدة كوم" وأصبحت قصائده أعلى نسب قراءة منذ تأسيس الموقع.
أصبحت أعماله الشعرية فيما بعد تتلقى مراجعات نقدية وأكاديمية من خلال مقالات ورسائل ماجستير ودكتوراه، وتم تقديمها في جامعات عربية مختلفة في السودان وفلسطين والجزائر والسعودية، كما أصبحت بعض قصائده من ضمن المناهج الجامعية ومناهج التعليم العام في عدة دول عربية.
تجاوز تأثير قصائده العالم العربي ووصل إلى بلدان مجاورة منها تركيا والصين والسنغال، حيث تم التفاعل مع قصائده بأشكال مختلفة.
قصائد الشاعر محمد عبد الباري
أصدر الشاعر محمد عبد الباري عددًا من المجموعات الشعرية، أولها قصيدة "مرثية النار الأولى" عام 2013، وفي العام التالي أصدر قصدية "كأنك لم"، وفي عام 2016 أصدر قصيدة "الأهلة"، وفي عام 2020 أصدر قصيدة "لم يعد أزرقًا"، وفي عام 2022 أصدر قصيدة "أغنية لعبور النهر مرتين".
تضمنت هذه الدواوين عدة قصائده حققت شهرة واسعة، ومنها قصيدة "خاتمة لفاتحة الطريق"، و"بكائية الحجر والريح"، و"الحمامة"، و"تناص مع سماء سابعة"، و"إلى الضد من وجهة الريح"، و"الأصدقاء".
تمكن الشاعر السوداني محمد عبد الباري من أن يحجز لنفسه مكانًا بين مصاف الشعراء الكبار بعدما أصدر قصيدته "ما لم تقله زرقاء اليمامة" وهي قصيدة تنبئت بحركة الربيع العربي، وقد رأى النقاد أن هذه القصيدة تعبر عن روح اللحظة الراهن من التاريخ العربية. أصبحت هذه القصيدة مؤخرًا جزء من المنهج الأدبي الفلسطيني لطلاب مرحلة التوجيهي.
ديوان محمد عبد الباري "مرثية النار الأولى"
يتكون هذا الديوان الذي كتبه الشاعر السوداني محمد عبد الباري من 27 قصيدة اختلفت موضوعاتها ولكنها اتفقت على الجماليات فيها، وتناول خلالها الثورة السورية والشام حمص في أكثر من قصيدة، كما كتب قصيدة للناشط غياث مطر الذي قتل عام 2011.
وفي هذا الديوان قدم عبد الباري قصيدة حملت اسم "سبع سنابل إلى غياث مطر" ويقول فيها: "يا مطر الآيات الأولى، من سمّاك غياث؟ ها أنت تقيم نبوءته من مرقدها، ها أنت على اسمك يكتمل التاريخ، وتنتفض الأجداث".
أما في قصيدة "نافذة لقمر أسمر" امتدح فيها عبد الباري سمار لونه، وقد غلب على هذه القصيدة "التناص" وهو مصطلح أدبي يعني وجود تشابه أو تقاطع بين نصين. وقد فاز هذا الديوان بجائزة الشارقة في الشعر عام 2013.
قصيدة كأنك لم محمد عبد الباري
فاز ديوان "كأنك لم" لمحمد عبد الباري بجائزة السنوني الشعرية عام 2016، ويقول في أحد أبياتها: "
وباسمكَ يجري بريدُ العزاء
وتجري المراثي
على كل فمْ
لأنك في الشمس ما لا يُرى
لأنك في الوردِ ما لا يُشمّ
لأنك كنتَ
كأن لم تكُنْ
ونازَع فيكَ الوجودَ العدمْ
أيا
حارس الوحي والانتظار
تأهب فميقاتك الآن تمْ
ستُبعثُ
من موتكَ المستحيل
لتصعدَ وحدكَ هذا الألمْ
ستصعد تصعدُ حتى تغيبَ
وتهبطُ حتى
كأنك لم
قصيدة "ما لم تقله زرقاء اليمامة"
شكلت هذه القصدية منعطفًا في حياة الشاعر محمد عبد الباري الشعرية، وحققت له صيت أدبي مبكر، لأنه فيها تنبأ بالأوضاع السياسية والاجتماعية في العالم العربي بعد موجة الربيع العربي، وأبرز أبيات هذه القصيدة تقول:
شَيءٌ يُطلُّ الآنَ مِنْ هذي الذُّرى أَحتاجُ دَمعَ الأنبِياءِ لِكَيْ أَرَى
النصُّ للعرَّافِ والتّأويلُ لِيْ يَتَشَاكَسَانِ هُنَاكَ قَالَ ، وفَسّرَا
مَا قُلْتُ للنجمِ المُعلّقِ دُلّنِيْ مَا نمتُ كي أصطادَ رُؤيا في الكَرَى
شَجَرٌ من الحدسِ القَدِيْمِ هَزَزتُهُ حَتّى قَبضتُ المَاءَ حينَ تبخّرَا
لا سِرّ .. فانُوسُ النُبوة قالَ لِيْ ماذا سيجري حينَ طالعَ مَا جَرَى
فِيْ الموسمِ الآتي سيأكُلُ آدمٌ تفاحَتَيْنِ وَذنبهُ لن يُغْفَرَا
الأرْضُ سَوفَ تشيخُ قبل أوانِهَا الموتُ سوفَ يكونُ فينا أنهُرَا
وَسَيعبُرُ الطوفانُ مِن أوطانِنَا مَنْ يُقنع الطُّوفان ألا يَعْبُرَا
ستقولُ ألْسِنةُ الذّبَابِ قَصيْدَةً وسيرتقي ذئبُ الجبالِ المِنْبَرَا
فَوضى وتنبئ كل من مرّت بهم سيعود سيفُ القرمطيّ ليثأرا
وسيسقط المعنى على أنقاضِنَا حَتّى الأمامُ سيستَدِيْرُ إِلَى الوَرَا
في الموسم الآتي ستشتبكُ الرؤى ستزيدُ أشجارُ الضّبابِ تَجَذُرَا
وَسَيُنكرُ الأعمَى عَصَاهُ ويَرتَدِيْ نظّارتينِ من السّرَابِ لِيبصِرَا
سيرَى القَبِيْلَةَ وهي تَصلُبُ عبْدَها فالأزْدُ لا زالت تخافُ الشّنفرَا