يعتبر محمد الماغوط من رواد الأدب السياسي الساخر، ومن أبرز شعراء قصيدة النثر أو القصيدة الحرة، وداوم في أعماله الأدبية على انتقاد الفساد والفقر وقمع الحريات، وعلى الرغم من ذلك أحب وطنه على رغم كل مآسيه، ومال إلى الحزن في أعماله، تعرف على مسيرته الأدبية في السطور التالية.
حياة محمد الماغوط ونشأته
محمد أحمد عيسى الماغوط هو شاعر وأديب سوري ولد في مدينة السلمية التابعة لمحافظة حماة السورية في 12 ديسمبر عام 1934. نشأ الماغوط في أسرة شديدة الفقر، وكان والده فلاحًا بسيطًا يعمل أجيرًا في أراضي الآحرين طوال حياته.
درس الماغوط في البداية في الكُتاب ثم انتسب إلى المدرسة الزراعية في مدينته، وأتم دراسته الإعدادية، وانتقل إلى دمشق ودرس فيها الثانوية الزراعية في ثانوية خرابو في الغوطة، ولكنه لم يكمل دراسته الثانوية وعاد إلى مدينته.
بعد عودته إلى السلمية التحق بالحزب السوري القومي الاجتماعي ولم يكن يعرف مبادئ الحزب ولم يقرأها، ولكن فسر انضمامه لهذا الحزب أنه كان الأقرب لبيته، وفيه مدفأة أغرته بالدفء فانضم إليها.
لم يدم انتماؤه الحزب طويلًا، حيث سحب عضويتها في الستينيات بعد أن سُجن ولوحق بسبب انتمائه الحزبي، وبعدها عمل فلاحًا وبدأت موهبته الشعرية تظهر فنشر قصيدة بعنوان "غادة يافا" ونشرها في مجلة الآداب البيروتية.
التحق الماغوط بعد ذلك بالجيش، ونشر أول قصيدة نثرية له بعنوان "لاجئة بين الرمال" ونشرت في مجالة الجندي، كما نشر في عدة مجلات أخرى حتى انتهاء خدمته العسكرية.
زوجته
تعرف محمد الماغوط على زوجته الشاعرة سنية صالح، وهي شقيقة الكاتبة والناقدة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وكان تعارفهما بسبب التنافس على جائزة جريدة النهار لأحسن قصيدة نثر.
بعد قدومها إلى دمشق توطدت العلاقة بينه وبين سنية وفي عام 1961 اعتقل الماغوط للمرة الثانية فوقفت بجانبه خلال فترة السجن، وعقب خروجه من السجن تزوج منها.
أنجب منها طفلتين وهما شام وأصبحت طبيبة وتزوجت واستقرت في الولايات المتحدة الأمريكية، وابنته الثانية سلافة التي تزوجت وعاشت في دمشق.
في عام 1985 توفيت زوجته بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وتلقت العلاج على حساب القصر الجمهوري في مشفى بضواحي باريس، وتوفيت زوجته بنفس المرض الذي أودى بحياة والدتها في العمر نفسه.
وفاته
توفي محمد الماغوط في منزله يوم الاثنين بتاريخ 3 أبريل عام 2006 عن عمر يناهز 73 عامًا بعد تعرضه لجلطة دماغية في منزله بدمشق وسبق وفاته صراع طويل مع المرض.
مشواره الأدبي
بدأ محمد الماغوط بكتابة الشعر حينما كان يعمل فلاحًا، وكتب أول قصيدة له بعنوان "غادة يافا" ونشرها في مجلة الآداب اللبنانية، وبعد التحق بالجيش لإتمام خدمته العسكرية الإلزماية، وفيها كتب أول قصيدة نثرية بعنوان "لاجئة بين الرمال" نشرت في دورية الجندي الأدبية.
بعد انتهاء هدته العسكرية بعدة سنوات اغتيل العسكري السوري عدنان المالكي عام 1955، وكانت هذه نقطة تحول في حياة الماغوط، حيث اتهم الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتيال المالكي في هذا الوقت.
ونتيجة لذلك تم اعتقال العديد من أعضاء الحزب، وكان الماغوط من ضمنهم، حيث سجن في سجن المزة، وخلف القضبان بدأت حياته الأدبية الحقيقية، حيث تعرف في السجن على الشاعر أحمد سعيد المقلب بأدونيس وكان في الزنزانة المجاورة له.
خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان الماغوط مطلوبًا في دمشق، فهرب إلى بيروت في أواخر الخمسينيات بعد خروجه من السجن، واستقر بطريقة غير شرعية في لبنان حيث هرب إليها سيرًا على الأقدام.
في بيروت انضم إلى جماعة مجلة شعر، وتعرف على الشاعر يوسف الخال الذي ضمه إلى مجلة شعر. نشأت في بيروت أيضًا صداقة قوية بينه وبين الشاعر بدر شاكر السياب، وتعرف على الشاعرة سنية صالح التي أصبحت زوجته فيما بعد.
في بيروت ألف الماغوط العديد من المؤلفات الشعرية والأدبية وحصل على شهرة كبيرة، وغدا اسمه اسمًا كبير، فعاد إلى دمشق وأصدر مجموعته الأولى "حزن في ضوء القمر" عن دار مجلة شعر عام 1959، وبعدها بعام واحد أصدر مجموعته الثانية "غرفة بملايين الجدران".
في السبعينيات عمل الماغوط في دمشق رئيسًا لتحرير مجلة "الشرطة" ونشر فيها الكثير من المقالات الناقدة تحت عنوان "الورقة الأخيرة". اتجه الماغوط أيضًا إلى كتابة المسرحيات كطريقة لإيجاد وسيلة أخرى للتعير عن أفكاره.
كتب الماغوط العديد من المسرحيات منها "ضيعة تشرين"، و"غربة" واعتمد على استخدام لغة سهلة لمخاطبة العامة ببساطة دون تعقيد. كانت لإسهامات الماغوط الأدبية دور هام في تحديد هوية وتوجه جريدة تشرين السورية التي نشأت في منتصف السبعينيات.
تناوب الماغوط مع زميله القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية في المجلة، كذلك كتبة زاوية "أليس في بلاد العجائب" في مجلة المستقبل الإسبوعية، وكانت لكتاباته في مجلة المستقبل دور كبير في انتشار المجلة في سوريا.
في الثمانينيات سافر الماغوط إلى الإمارات وتحديدًا في إمارة الشارقة، وكتب في جريدة الخليج، وأسس مع الشاعر السوداني يوسف عيدابي القسم الثقافي في الجريدة، وعمل كذلك مع الكاتب السوري نواف يونس.
كانت فترة الثمانينيات فترة صعبة بالنسبة له، حيث توفيت شقيقته ليلى إثر نفاس بعد الولادة عام 1984، وتوفي والده أحمد عيسى في عام 1985 نتيجة توقف القلب، وأصعب ضربة تلقاها هي وفاة زوجته سنية بعد صراع طويل مع مرض السرطان.
في عام 1987 توفيت والدته ناهدة بنزيف حاد في المخ، كما غادرت ابنته مع زوجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأقامت ابنته الثانية في بريطانيا.
تركت كل هذه المآسي أثر كبير على أعماله وكتاباته اللاحقة، وامتاز أسلوبه الأدبي بالبساطة وبميله إلى الحزن. أبدع الماغوط في ألوان أدبية مختلفة أهمها القصيدة النثرية، وكتب الخاطرة، والرواية، والمسرحية والمسلسلات والأفلام.
كان الماغوط منحازًا دائًا إلى الحرية والأحرار، ودافع دائمًا عن العدالة، وكتب الكثير من الأعمال الأدبية التي تعبر عن وجهة نظره وتوجهه الفكري.
من أشعاره
لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن
أعطونا الأحذية وأخذوا الطرقات
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية
أعطونا العطر والخوات وأخذوا الحب
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد
أعطونا الحليب المجفف وأخذوا الطفولة
أعطونا السماد الكيماوي وأخذوا الربيع
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان
أعطونا الحراس والأقفال وأخذوا الأمان
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة