محمد الشارخ Mohammed AlSharekh مؤسس أول حاسب آلي عربي

كان لرجل الأعمال الكويتي محمد الشارخ الفضل في إدخال اللغة العربية إلى الحاسب الآلي لأول مرة في التاريخ منذ الثمانينيات ليحدث ثورة في عالم الحوسبة في الوطن العربي ولهذا يلقب ب "أبي اللغة العربية في الحاسوب، فضلا عن دوره البارز في العديد من المشاريع الثقافية واللغوية البارزة، في السطور التالية تعرف على مسيرته المهنية وكيف حقق هذا الإنجاز العظيم.

مَن هو محمد الشارخ؟

هو رجل أعمال كويتي ولد في عام 1942 في الكويت وهو مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة صخر لبرامج الحاسوب التي تأسست عام 1982.

يعد الراحل من أبرز رجال الأعمال العرب الذين عنوا باللغة العربية أشد عناية وقد كان له الفضل في إنشاء العديد من القواميس وبرامج الترجمة والتصحيح الآلية، كما أنا العديد من مراكز التدريب في الوطن العربي.

أسس الراحل الكثير من المشاريع الثقافة واللغوية ولعل أهمها مشروعا" أرشيف الشارخ "الذي يضم آلاف المقالات العربية التي وصل عددها إلى أكثر من 300 ألف مقالة وما يعادل مليوني صفحة وتضم مقالات لأكثر من 52 ألف كاتب.

الشارخ وش يرجعون؟

تعود أصول عائلة رجل الأعمال محمد الشارخ من منطقة الزبير الذين قدموا في سدير بنجد في مطلع القرن التاسع عشر، وقد سكنت قديما عائلة الشارخ في منطقة اسمها المرقاب وكان لهم ديوان في منطقة الروضة.

تصاهرن عائلة الشارخ مع عائلات كويتية شهيرة منها النامي والنقيب والفوزان والصالح والجار الله والمشري وغيرهم.

نشأته وتعليمه

أتم محمد الشارخ تعليمه في مدارس الكويت حتى المرحلة الثانوية ثم انتقل إلى مصر لإتمام تعليمه الجامعي ودرس الاقتصاد في جامعة القاهرة.

لم يكتف الراحل بما وصله من تعليم فقرر إتمام دراسته العليا في الولايات المتحدة وحصل على درجة الماجستير في التنمية الاقتصادية من كلية وليامز في ولاية ماساتشوستس في ستينيات القرن الماضي.

أبناء محمد الشارخ

رزق الراحل بأربعة أبناء وهم فهد، وبه يكنى، والعنود وعبد الله ومناير.

مسيرته المهنية

بعد أن أنهى تعليمه في الولايات المتحدة عاد رجل الأعمال محمد الشارخ إلى الكويت وشغل عددا من المناصب الإدارية البارزة في الستينيات والسبعينيات، ولعل أهم هذه المناصب شغله منصب نائب مدير صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية في الفترة ما بين 1969 و1973.

أيضا شغل منصب نائب المدير التنفيذي للبنك الدولي في واشنطن وذلك في الفترة ما بين 1973 و1975. انتقل بعدها إلى الكويت مجددا وشغل منصب رئيس مجلس إدارة البنك الصناع الكويتي حتى عام 1979 وفي بداية الثمانينيات قرر الراحل دخول القطاع الخاص.

محمد الشارخ وتأسيس شركة صخر

أحب محمد الشارخ -رحمه الله- اللغة العربية كثيرا وكان من أشد المدافعين عن اللغة العربية الفصحى لذا؛ شعر بضرورة خدمة اللغة العربية وخدمة الناطقين بها لا سيما عدم اهتمام الحكومات العربية بأمور اللغة العربية.

كان الراحل يحرص على حضور العديد من المؤتمرات والندوات المتعلقة باللغة العربية، وارتأى له أن يؤسس شركة عربية كويتية لبرامج الحاسوب واختار لها كلمة" صخر "وتولى رئاسة مجلس الشركة.

قرر الصارخ أن يختار اسم شركته" صخر " تيمنا بالمثل العربي الشهير" العلم في الصغر كالنقش على الحجر "فقد هدف بشركته أن يلهم الأجيال العربية ويساعدها على التعلم والتثقيف.

بدأت شركة صخر في الاستثمار في ألعاب الأطفال الشهيرة في الثمانينيات المعروفة باسم" أتاري ". اتجهت الشركة بعدها إلى إصدار برامج لألعاب الأطفال على الكمبيوتر وحملت اسم" صخر MSX "وقد حقق هذا البرنامج صدى واسعا في الوطن العربي. أدى هذا النجاح الكبير إلى تشجيع الشارخ لتطوير البرنامج ليصبح" صخر PC ".

إنشاء كمبيوتر صخر

لم يكتف الراحل بما وصل إليه من نجاح مع برامج ألعاب الأطفال بل قرر أن يكون له الريادة في تعريب الحاسوب في الثمانينيات، وبالاستعانة بالعالم المصري نبيل علي، الذي وضع أسس وقواعد اللغة العربية، وبالتعاون مع شركة ياماها اليابانية أصدرت شركته كمبيوتر صخر الذي يعد أول جهاز كمبيوتر معرب وأكثرها شهرة على الإطلاق.

بيع مئات الآلاف من هذا الكمبيوتر كما تمكنت الشركة من بيع آلاف البرامج والتطبيقات العربية عليه أنتجتها الشركة بنفسها أو شركات أرى منها شركة" برق "للبرمجيات، وهي شركة فلسطينية، أو شركة كونامي اليابانية.

تمكنت الشركة أيضا في تطوير تقنيات معالجة طبيعية على كمبيوتر صخر باللغة العربية وعرفت باسم NLP، وتفوقت على تقنية المعلومات الإنجليزية وصارت رائدة في المنتجات باللغة العربية.

أيضا لديه عدد من براءات الاختراع منها" OCR التعرف الضوئي على الحروف "، والنطق العربي والترجمة الآلية من العربية إلى الإنجليزية.

أزمات وتحديات

خلال غزو العراق للكويت في أغسطس من عام 1990 واجهت الشركة العديد من التحديات باستمرار عملها في الكويت، فقرر محمد الشارخ -رحمه الله- نقل مقر الشركة من الجابرية في الكويت إلى منطقة هليوبوليس في القاهرة.

جمع الشارخ ما يقرب من 150 خبيرا في تقنية المعلومات في مجالات البحث والقراءة الآلية والترجمة الآلية وغيرها وتمكن من افتتاح مكاتب له في عدد من الدول العربية.

وفي مقر الشركة في مصر نجح الشارخ في إنتاج المزيد من البرامج الآلية المميزة، ومنها برنامج" القارئ الآلي "، و"أراب دوكس"، و "النطق الآلي للنصوص"، و "صخر ألو"، و "أدوات تحليل النصوص"، و"الإدريسي "، و"البوابة التعليمية "وغيرها.

محمد الشارخ وبيل غيتس

كان من أشد التحديات التي واجه الشارخ في مسيرة شركته هو أزمته مع شركة مايكروسوفت التي شنت حربا شعواء عليها حيث قدمت عروضا للعقول العربية والخبراء في شركة صخر التي كانت وراء تعريب" برامج "مايكروسوفت".

عقدت شركة صخر في التسعينيات اتفاقا مع مايكروسوفت بأن تعرب الويندوز وكان لديها بالفعل النسخة العربية وكان الاتفاق على أن يكون هناك سرية للمعلومات.

إلا أن شركة مايكروسوفت أخلت بهذا الاتفاق خلال أزمة حرب الكويت قرر بيل غيتس تعيين الخبراء في شركة صخر لتعريب الويندوز الأمر الذي دفع صخرا لمواجهة الشركة في المحاكم.

وقد أوضح الشارخ أن شركة مايكروسوفت في هذا الوقت كانت خبيرا في القرصنة وسرقة أفكار الشركات الصغيرة ونسبها بنفسها

أهم مشاريع محمد الشارخ

بالإضافة إلى كمبيوتر الصخر وعشرات البرامج التقنية والآلية فإن لديه العديد من المشاريع الأخرى المميزة ولعل أهمها مشروعا "أرشيف الشارخ" الذي ضم مئات المجلات العربية.

يضم الأرشيف نسخا من 272 مجلة عربية وأجنبية وما يصل إلى 15 ألف عدد منها، ويضم الأرشيف مليوني صفحة وأكثر من 300 ألف مقالة لأكثر من 50 ألف كاتب.

وقد كتب في الصفحة الرئيسي للأرشيف: "لا يعرف قيمة أرشيف صخر للمجلات العربية إلا من صرف الوقت والجهد للبحث عن مقال نشر في مجلة صدرت في القرن ال19".

من مشاريعه البارزة أيضا المعجم العربي المعاصر "معجمي" الذي طرح عام 2019 ويحتوي على أكثر من 120 ألف معنى وتركيب لغوي، و35 ألف مترادف ومتضاد ويضم الموقع 3 من أشهر المعاجم العربية التراثية وهي لسان العرب وتاج العروس والقاموس المحيط.

من المشاريع البارزة التي أنشأتها الشركة أيضا "قاموس صخر إنجليزي\ عربي"، وبرنامج "صححلي" لمراجعة النصوص وتدقيقها لغويا وإملائيا. أسس أيضا معهدا لتدريب المعلمين سنويا وأسس مركزا لإعداد التقنيات الخاصة بتعليم اللغة العربية، ومراكز تدريب لتعليم برمجة الحاسوب.

محمد الشارخ ناقد وأديبا

لم يكن رجل الأعمال الراحل محمد الشارخ محبا ومهتما بالبرمجة والحاسوب فحسب بل كان قارئا نهما محبا للغة العربية وعاشقا فيها وكاتبا فكانت له إسهامات عديدة في القصص والمقالات.

اهتم الراحل كذلك بالفنون التشكيلية ويملك مجموعة من الأعمال التشكيلية لكبار الفنانين المصريين الذي كانت تربطه بهم علاقة صداقة قوية.

كتب الراحل العديد من المقالات العربية في مجلات عربية عدة منها مجلة "العربي" الكويتية التي كتب فيها مقالا بعنوان "غرابة النظرة"، ومجلة الفيصل السعودية التي كتب فيها مقالة بعنوان "جاسم الكوفي رجل خشن ذو وجه أنهكه الزمن".

نشر كذلك أول قصصه "قبس وليلي" في مجلة "غاليري 68" المصرية، كما لديه مجموعة قصصية كاملة بعنوان "عشر قصص من القاهرة"، ومجموعة أخرى اسمها "العائلة"، ثم أصدر "الساحة"، ومجموعة "أسرار" القصصية.

وفاة محمد الشارخ

توفي رجل الأعمال الكويتي محمد الشارخ في السادس من شهر مارس 2024 عن عمر ناهز 82 عاما، وقد نعاه عدد كبير من الشخصيات البارزة وعلى رأسهم سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي.

وقد كتب سموه تغريدة على حسابه على منصة إكس قال فيها: "خالص التعازي في وفاة رائد قطاع البرمجة في الوطن العربي، رجل الأعمال الكويتي محمد الشارخ".

وأضاف سموه: "تأسيس شركة" صخر "للحاسب الآلي في العام 1982، كان بداية لثورة تكنولوجية وبرمجية نجني ثمارها اليوم، وسيظل إرثه في مجال البرمجة ودعمه للغة العربية محركا أساسيا لمستقبل هذا القطاع... رحم الله محمد الشارخ، وأسكنه فسيح جناته".