كان للسياسي والشاعر السوداني محمد أحمد محجوب دور هام في النهضة الأدبية والفكرية في السودان، فهو من أبرز الشعراء الذين عملوا على إحياء الهوية السودانية والأدب القومي السوداني والوعي القومي، فضلًا عن دوره السياسي البارز، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.
من هو محمد أحمد محجوب؟
هو شاعر وسياسي ومؤلف وقاض ومهندس ومحام سوداني ولد في 17 مايو عام 1908 في مدينة الدويم في ولاية النيل الأبيض، وهو من أبرز الشخصيات السياسية والأدبية في السودان وتوفي في 23 يونيو عام 1976.
شغل محجوب عدة مناصب حكومية سودانية منها رئيس وزراء السودان، وقد كان من دعاة الوحدة العربية بجانب الاهتمام بالهوية والسوداني، كما كان له دور فعال في تأسيس جامعة الدول العربية.
لأكثر من 20 عامًا برز محجوب كشخصية سودانية هامة وكان خطيبًا مفوهًا وسياسيًا ماهرًا، بجانب أنه كان شاعرًا فذًا وأبرز رواد النهضة الفكرية والأدبية في السودان.
نشأته وتعليمه
عاش محمد أحمد محجوب في كنف خاله محمد عبد الحليم، والد الرياضي السوداني عبد الحليم محمد أول رئيس لاتحاد كرة القدم السوداني ومن مؤسسي الاتحاد الأفريقي لكرة القدم. كان جده لوالدته عبد الحليم مساعد وهو أحد مساعدي قائد المهدية عبد الرحمن النجومي.
تلقى محجوب تعليمه الأولي في الخلوة ثم الكتاب بالدويم وبعدها درس في مدرسة أم درمان الوسطى. التحق محجوب بعدها بكلية الهندسة عام 1929 وعمل لفترة كمهندس ثم التحق بكلية القانون وحصل على الإجازة في الحقوق عام 1938 وعمل في مجال القضاء لفترة ثم عمله كمحامٍ.
مسيرته المهنية وعمله السياسي
بعد تخرج الشاعر والسياسي السوداني محمد أحمد محجوب من كلية الهندسة عمل لفترة مهندسًا في مصلحة الأشغال، وبعد أن تخرج من كلية القانون عمل في مجال القضاء منذ عام 1938 حتى استقالته عام 1946، وبعدها بدأ عمله كمحامٍ ومنها بدأ عمله السياسي.
في عام 1947 تم انتخاب محجو عضوًا في الجمعية التشريعية ولكنه استقال منها في العام التالي، وانضم بعدها إلى حزب الأمة الذي كان أحد قادتها وسطع نجمه السياسي بفضل قيادة هذا الحزب.
كان محجوب من المناضلين من أجل استقلال السوداني والداعين إليها، وقد عاش حياته تحت شعار "السودان للسودانين" وكانت هدفه ذلك سببًا في تدرجه عدداً من المناصب القيادية في الحكومية وأولها منصب وزير الخارجية عام 1957 .
في عام 1964 وبعد ثورة أكتوبر تولى محجوب منصب وزارة الخارجية مرة أخرى وقد ناقش عدة قضايا هامة كوزير للخارجية منها القضية الفلسطينية، حيث خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد العدوان الإسرائيلي عام 1956 وبعد نكسة 1967.
في عام 1967 تولى محجوب منصب رئيس وزراء السودان، وتولى المنصب مرة أخرى عام 1968 إلى جانب توليه مهام وزير الخارجية.
إنجازات محمد أحمد محجوب السياسية
كان من دعاة الوحدة العربية وكان له دور فعال في تأسيس جامعة الدول العربية، كان أيضًا من المؤيدين لحركة عدم الانحياز وشارك في مؤتمر باندونغ عام 1955، وشارك في صياغة مبادئ عدم الانحياز، ولعب دورًا هامًا في نشر حركة عدم الانحياز في إفريقيا.
شغل منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية عام 1952 إلى عام 1956، واكتسب احترامًا كبيرًا من القادة الدوليين.
ساعد محجوب في التفاوض على اتفاقية استقلال السودان من المملكة المتحدة عام 1956، وكان أول وزير خارجية للسودان بعد الاستقلال، وقد مثل السودان في العديد من المحافل الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
مسيرته الأدبية
لم يكن محمد أحمد محجوب سياسيَا ودبلوماسيًا فقط بل كان أيضًا شاعرًا وكاتبًا بارزًا له دور هام في النهضة الأدبية في السودانية ومن الداعين إلى أهمية إحياء الهوية السودانية في الأدب والشعر.
بدأ محجوب مسيرته الأدبية في سن مبكرة، وقد نشر قصائده ومقالاته الأدبية والنقدية في العديد من الصحف والمجلات في السودان، وتميزت كتاباته بأسلوبها الواضح ولغتها السهلة وقد تناول عدة موضوعات منها الحب والوطنية والسياسة.
عمل محجوب محررًا صحفيًا في مجلة النهضة ثم صحفي في مجلة الفجر وكتب العديد من المقالات النثرية والنقدية فيها.
ترك محجوب إرثًا أدبيًا لا يزال يقرأ حتى الآن، كما كان مترجمًا موهوبًا ترجم العديد من الأعمال الأدبية الإنجليزية إلى العربية ومنها مسرحيات شكسبير وروايات تشارلز ديكنز.
صدرت له 3 دواوين شعرية وهم "قصة قلب"، و"قلب وتجارب"، و"مسبحتي ودني"، كما نشر عدة كتب منها كتاب "معركة الوحدة العربية" عام 1955 وكتاب "مذكرات سياسية" عام 1967.
ومن أهم قصائد محمد أحمد المحجوب قصيدة "مسبحتي ودني" وهي القصيدة الأولى في ديوانه الثالث التي تحمل نفسه الاسم، ويقول فيها:
أنا ما ابتعدتُ عــنْ القصيـدِ وعـــــنْ أهازيجِــي وفنِّــي
وعــــنْ الحـــــياةِ وعـــن هـــواىَ وعــــن تباريحي وظنِّي
وعــنْ الجــــمــالِ يهــــــــزني ويهــــــــزُّ أوتــاري ولحــــنــــِي
أنا مــــا ابتــعـــــدتُ وإنَّـمـــا دنياي تسـرفُ في التجـنِي
أنا يــا أُمــَيـَّـةُ شـــــــاعـــــــــرٌ والشــِّعرُ مِســـــبَحتي ودنِّـي
و”هُدَى” النفوسِ قصيدةٌ روتْ الهوى والشِّعْرَ عنِّي
الفردوس المفقود محمد أحمد المحجوب
وتعد قصيدة الفردوس المفقود من أجود وأشهر وأفضل قصائد الشاعر محمد أحمد محجوب، وقد كتب هذه القصيدة خلال زيارته إلى إسبانيا التي رأى فيها آثار حضار الأندلس والحضارة العربية الإسلامية البائدة.
وقد أثارت هذه الزيارة أشجانه وحزنه على الفردوس المفقود فكتب هذه القصيدة التي تجلت فيها مشاعر الغضب والحزن، ولهذا تعد من أهم قصائده، ويقول في بدايتها:
نزلت شطك بعد البين ولهانا
فذقت فيك من التبريح ألوانا
وسرت فيك غريبا ظل سامره
داراً وشوقاٍ وأحباباً واخواناً
فلا اللسان لسان العرب نعرفه
ولا الزمان كما كنا وما كانا
ولا الخمائل تشجينا بلابلها
ولا النسيم سقاه الطل يلقانا
ولا المساجد يسعى في ماذنها
مع العشيات صوت الله ريانا
كم فارس فيك أوفى المجد شرعته
وأورد الخيل وجداناً وشطآنا
وشاد للعرب أمجاداً مؤثلة
دانت لسطوته الدنيا وما دانا
وهلهل الشعر زفزافاً مقاطعه
وفجّر الروض أطيافاً وألحانا
يسعى إلى الله في محرابه ورعاً
وللجمال يمد الروح قربانا
لم يبق منك سوى ذكرى تؤرقنا
وغير دار هوىً أصغت لنجوانا