استطاع الموسيقار السوري مالك جندي إيصال آلام وطنه من خلال نغمات ساحرة، واستطاع من خلال تشربه الموسيقى العربية، ودراسته للموسيقى الكلاسيكية أن يجمع بين موسيقى الشرق والغرب، ويقدم سيمفونيات رائعة روى من خلالها قصة سوريا وشعبها، واستخدم الموسيقى كوسيلة للتعبير عن الآلام، والأحلام. في السطور التالية نسلط الضوء على مسيرته الفنية وأعماله.
من هو مالك جندلي؟
مالك مأمون جندلي هو موسيقار سوري حاصل على الجنسية الأمريكية، ولد في ألمانيا في عام في 25 ديسمبر 1972، ويعد من أبرز الموسيقيين العرب المعاصرين، ويشتهر بأعماله التي يدمج فيها الموسيقى العربية مع الأنماط الموسيقية الكلاسيكية الغربية، وهو ما يمنع أعماله طابعًا فريدًا يمزج فيه بين الأصالة والحداثة.
درس جندلي الموسيقى في معاهد مرموقة، بما فيها معهد لايبزيغ للموسيقى في ألمانيا، وهو مشهور بمؤلفاته التي تعكس التقاليد السورية القديمة، حيث استخدم ألحانًا مأخوذة من التراث الموسيقي للكنائس والموسيقى الشرقية التقليدية.
اشتهر جندلي كذلك بأعماله الوطنية التي عبّر فيها عن آلام وأحزان وطنه سوريا منذ الحرب السورية عام 2011، ومن أشهر أعماله "وطني أنا"، وهي مقطوعة ألفها خلال الانتفاضة السورية تعبيرًا من عن دعمه للشعب السوري وتطلعاته نحو الحرية والديمقراطية.
جندلي ناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان، وحصل على عدة جوائز عالمية لجهوده في هذا المجال، حيث تتميز الموسيقى التي يقدمها بتنوعها وعمقها، وغالبًا ما استخدمها للتعبير عن قضايا سياسية وإنسانية.
نشأته وتعليمه
ولد مالك جندلي في والدبرول في ألمانيا الغربية لأسرة سورية تعود أصولها إلى مدينة حمص السورية، وقد بدأ بعزف البيانو في ألمانيا، وتعلم الموسيقى منذ سن الرابعة، فيما عزف على البيانو لأول مرة على المسرح وهو في الثامنة من عمره.
ابنة عمه هي الروائية ومعلمة اللغة الإنجليزية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس منى سيمبسون، ومن أبناء عمومته رجل الأعمال الراحل ستيف جوبز مؤسس شركة أبل، فهو أخ منى سيمبسون.
عاد جندلي إلى سوريا، ودرس في المعهد العالي للموسيقى في دمشق، وبدأ مسيرته الموسيقية كعازف بيانو كلاسيكي بعد التخرج، وشارك في العديد من المسابقات الموسيقية في سوريا.
في عام 2004، حصل على درجة الماجستير من جامعة نورث كالورينا، وهو يعيش حاليًا في مدينة نيويورك، ومن بعدها تحول من كونه عازفًا إلى مؤلف موسيقي، وحصل على الجنسية الأمريكية.
ديانة مالك جندلي
الفنان مالك جندلي نشأ في عائلة مسيحية.
أين يعيش مالك جندلي؟
يعيش مالك جندلي حاليًا في نيويورك، حيث حصل على الجنسية الأمريكية. في عام 2015، حصل جندلي على لقب "المهاجر العظيم" وذلك بفضل إسهاماته الفنية لإغناء الثقافة الأمريكية، ومنحه هذا اللقب مؤسسة كارنيغي الأمريكي، بجانب 38 شخصية أمريكية مهاجرة.
مسيرته المهنية
بدأ الموسيقار مالك جندلي مسيرته الموسيقية كعازف بيانو كلاسيكي مع الموسيقار فلاديميري زاريتسكي والموسيقار فيكتور بونين من معهد تشايكوفسكي في موسكو، وخلال دراسته في سوريا، فاز بالمركز الأول في مسابقة الفنانين الشباب السوريين الوطنية عام 1988.
حصل بعدها على منحة لدراسة الموسيقى في نورث كارولينا للفنون تحت إشراف إريك لارسن، كما درس الموسيقى في جامعة كوينز تحت إشراف بول نيتش، وحصل على جائزة أبرز عازف موسيقي المدرسة.
عمل خلال تواجده في المدرسة عازفًا مخرجًا للكورال في كنيسة سانت جيمس الكاثوليكية في كونكورد، كما درس التأليف على يد أبرز الموسيقيين، منهم ريتشارد بريور، ولورنس ديلون، وإيدي هورست، وهاري بولو.
كعازف موسيقى، أحيا جندلي حفلات في لندن والقاهرة ودمشق وإسطنبول وباريس وأتلانتا والعديد من المدن حول العالم، كما كان يعزف بشكل منتظم في قاعة ستود هول في هيوستن، وقاعة كونزرتهاوس في فيينا، ومركز كوفمان وكارنيجي في نيويورك، ومسرح المدينة في دبي، والمعهد الملكي للموسيقى في تورنتو، ومسارح عالمية أخرى.
عزف جندلي كذلك مع أوركسترات حول العالم في القاهرة ومصر وروسيا، وأوركسترا الفيلارموني الملكي، وزغرب الفيلارمونية، وأركسترا دمشق.
أطلق جندلي كذلك جولة موسيقية عالمية من أجل الدفاع عن الأطفال الفلسطيين الأحرار، وقدم حفلات خيرية في أوروبا والشرق الأوسط، كما قدم محاضرات، وورش عمل أكاديمية.
أعمال مالك جندلي
ألف الموسيقار العالمي مالك جندلي أعمال موسيقية تراوحت بين قطع آلات منفردة وأعمال كبيرة إلى أعمال أوركسترا وغيرها، وقد اهتم في أعماله بالمزج بين الموسيقى العربية والموسيقى الكلاسيكية الغربية، فمزج بين الأنماط والمقامات العربية ومقطوعات البيانو والأوركسترا الغربية.
لم يهتم جندلي فقط بالموسيقى العربية، بل اهتم كذلك بالتراث السوري القدمي، ففي أعماله دمج الألحان القديمة من حلب ودمشق في مؤلفاته، وقد تلقى دعوة من اليونسكو للحافظ على التراث الثقافي لسوريا من خطر الانقراض.
أصدر جندلي أول ألبوم له من مؤلفات البيانو والأوركسترا بعنوان "صدى من أوغاريت" عام 2009، وحقق الألبوم نجاحًا كبيرًا، واستوحى الموسيقى من إحدى الأغاني الحورية المنقوشة على ألواح الطين المسمارية في أوغاريت بسوريا، ويعتقد أنها تعود إلى 1400 قبل الميلاد، أي تعتبر أقدم موسيقى مكتوب في التاريخ.
موسيقى مالك جندلي من أجل سوريا
في عام 2012، وبعد الحرب السورية، وظّف مالك جندلي الموسيقى الخاصة به من أجل تعبيره عن دعم الشعب السورية في مشواره لنيل الحرية والديمقراطية، وأصدر ألبوم "إيميسيا"، وخصصه للشعب السوري، وخاصة شعب حمص.
تضمن الألبوم سيمفونية "حرية قشوش"، والتي سميت باسم الفنان السوري إبراهيم قشوش، الذي قتل بعدما كتب أغنية انتشرت بشكل كبير بين المتظاهرين السوريين.
في عام 2014، أصدر سيمفونية سورية، وعرضت لأول مرة في كارنيجي هول عام 2015، وتضمن الألبوم 3 أعمال رئيسية، منها "اختلافات للبيانو والأوركسترا"، والتي استند فيها إلى الموضوع السوري "لما بدى يتثنى"،.
في عام 2015 أصدر ألبوم "سوهو"، والذي يحكي قصة رحلته من سوريا إلى سوهو في نيويورك، ويتضمن مؤلفات مستوحاة من أعمال شعراء صوفيين مثل جلال الدين الرومي.
في عام 2018، أصدر ألبوم "شجرة الياسمين"، وضم 7 مؤلفات موسيقية 2021، أطلق ألبومًا جديدًا، وتبرع بريعه للأطفال السوريين. في شهر فبراير 2024 قام بحفلة موسيقية في واشنطن، وقدم فيها أهم المقطوعات الموسيقية التي ألفها من أجل سوريا.
مؤسسة "بيانو للسلام"
أسس الموسيقار السوري مالك جندلي مؤسسة غير ربحية اسمها "بيانو للسلام"، وهدفها استخدام الموسيقى لإثراء المجتمعات. تنظم المؤسسة مهرجانا سنويا للموسيقى، وعدد من البرامج التي تخدم المداري والمنظمات المحلية في أتلانتا.
أيسس كذلك مسابقة "مالك جندلي الدولية للبيانو للشباب" لتشجيع عازفي البيانو من حول العالم. يشارك جندلي كذلك في فعاليات خيرية بالتعاون مع منظمات عالمية مثل اليونيسيف، وأطباء بلا حدود لإنقاذ الأطفال، حيث يحيي حفلات خيرية ويتبرع بها.
قام كذلك بزيارة مخيمات اللاجئين في عدد من الدول، وأطلق جولة عالمية بعنوان "صوت الأطفال السوريين الأحرار" عام 2013.