لم تكن مسيرة المبدع مارلون براندو الفنية عادية، بل تخللتها الكثير من الإنجازات الرائعة التي جعلته واحد من أهم الفنانين في هولييود والممثل الأكثر إلهامًا على الإطلاق، واعتبر أيقونة ثقافية ومرجعًا هامًا لكل الفنانين.
مارلون براندو جونيور هو ممثل ومخرج وناشط أمريكي ولد في 3 أبريل عام 1924 في أوماها نبراسكا الولايات المتحدة، والده مارلون صانع مبيدات الآفات والأعلاف الكيميائية، ووالدته دوروثي.
لدى مارلون شقيقتان كبيرتان وهما جوسلين وفرانسيس، وتعود أصوله إلى ألمانيا وهولندا وإنجلترا وأيرلندا، كما أنه من نسل لويس دوبوا من الهوجوينت الفرنسي الذي وصل إلى نيويورك في عام 1660، أيضًا كان جده الأكبر لأمه مايلز جوزيف مهاجرًا أيرلنديًا خدم كطيبي في الحرب الأهلية الأمريكية.
كانت والدة براندو غير تقليدية حيث كانت تدخن السجائر وترتدي السروال وتقود السيارات، وعملت ممثلة ومديرة مسرح، كما ساعدت الممثل هنري فوندا في بدء مسيرته التمثيلية، ولكنها كانت مدمنة على الكحول.
وهو ما سبب ألمًا كبيرًا في طفولته، حيث كتب في سيرته الذاتية "الألم الذي أحدثه إدمانها أنها فضلت الخمر على الاعتناء بنا"، وبعدها انضم إلى جمعيات دولية لمساعدة المدمنين.
كان براندو يحمل كرهًا كبيرًا لوالده، فقد كان يحبطه دائمًا ويستمتع حينما لا يستطيع ابنه فعل أي شيء بشكل صحيح.
لم تكن الصعوبات في حياته مقتصرة على والديه، ففي عمر الرابعة تعرض للاعتداء الجنسي من قبل مربيته، وبعدها أصبح مرتبطًا بها وأصيب بذهول عندما تركته، وفي عمر 11 عامًا تركه والده وعاش مع جدته.
وبعدها ترك جدته وعاش في مزرعة صغيرة في شيكاغو بين عامي 1939 و1941 وعمل هناك مرشح في دار السينما في المدينة.
كان براندو منذ صغره يحب تقليد الأشخاص، كما كانت له القدرة على استيعاب سلوكيات الأطفال الذين لعب معهم وتقليدها، ولهذا السبب كان يقدم عروضًا أمام جيرانه ، حيث كان يقلد الأبقار والخيول.
وكانت أخته جوسلين هي أول من مارس مهنة التمثيل، ودرست في الأكاديمية الأمريكية للفنون المسرحية في نيويورك ولكنها تركت الدراسة فيما بعد.
درس براندو في أكاديمية شاتوك العسكرية في مينيسوتا وبرع في المسرح كما حقق أداءً جيدًا في المدرسة وفي عامه الأخير في الدراسة عام 1934 وُضع تحت المراقبة بسبب عصيانه لعقيد عسكري، واحتجز في الغرفة، ولكنه هرب وتم القبض عليه.
ولهذا السبب طُرد من مدرسته العسكرية على الرغم من تفوقه، ولكن شعرت المدرسة أن الطرد كان قاسيًا جدًا لذلك دعته للعودة للدراسة في العام القادم، ولكنه قرر ترك المدرسة الثانوية وعمل حفارًا في الصيف، وحاول التجنيد في الجيش ولكن لم يُقبل بسبب إصابة في ركبته.
اشتهر مارلون براندو بحياته الشخصية المضطربة وعلاقاته الكثيرة التي أسفرت عن إنجاب 11 طفلًا تم تبني 3 منهم، كما لم تخلُ حياته من العلاقات الجنسية المضطربة حيث صرح أنه كان مثليًا لفترة.
كان مارلون على علاقة غرامية بمارلين مونرو، وفي أوائل الخمسينيات التقى بالممثلة نيسي ريكو ساتو وكان على علاقة بها لفترة، وبعدها أغرم بالممثلة المكسيكية كاتي جورادو.
وفي عام 1954 التقى بالممثلة ريتا مورينو وكان على علاقة غرامية معها، عندما حملت منه أجبرها على الإجهاض ولكن فشل الإجهاض وحاول الانتحار.
تزوج براندو للمرة الأولى من الممثلة آنا كاشفي عام 1957 وله منها ابنًا اسمه كريستيان براندو، وتطلقا في عام 1959.
وفي عام 1960 تزوج من موفيتا كاستاتنيدا الممثلة المكسيكية الأمريكية وانفصلا عام 1968 وله منها 3 أطفال وهما ميكو وبراندو ريبيكا.
وتزوج للمرة الثالثة من الفرنسية تاريتا تيريبايا وكانت تصغره ب18 عامًا وله منها طفلان وهما سيمو تيهوتو، وتاريتا شايان، وتبنى ابنها تيريبايا وميميتي كما تبنى ابنة أختها راياتوا وتطلقا في عام 1972.
بعد وفاته ادعت ابنة الممثلة سينيثيا لين أن مارلون براندو كان على علاقة قصيرة مع والدته أسفرت عن ولادتها عام 1964، كما كان على علاقة طويلة الأمد مع الممثلة جيل بانر.
أيضًا كان على علاقة مع مدبرة منزله ماريا كريتينا رويد وله منها 3 أطفال وهم نينا، ومايلز، وتيموثي وتبنى ابنة مساعدته مارلوين باريت بيترا كورفا.
قرر مارلون براندو الذهاب إلى شقيقته الممثلة في نيويورك وشاهد إحدى مسرحياتها فاستمتع بها، ولهذا السبب قرر دراسة التمثيل وكان عمره 18 عامًا آنذاك، وفي المدرسة تمت الإشادة بتمثيله، فكانت المرة الأولى في حياته التي يسمع فيها أشياءً جيدة عن نفسه.
أمضى براندو أشهره الأولى في نيويورك ينام في منازل أصدقائه وعاش لبعض الوقت مع صديقه روي سومليو الذي أصبح منتجًا فيما بعد وحاز على جائزة إيمي أربع مرات.
تعلم براندو تقنيات التمثيل وعمل على استكشاف الجوانب الداخلية والخارجية للشخصية ليتمكن من تجسيدها، وكانت له رؤية رائعة وإحساس بالواقعية واضحان في تمثيله في وقت مبكرة، فكان أول من أدخل المقاربة الطبيعية للتمثيل في الفيلم.
بدأ براندو حياته المهنية في التمثيل في عام 1944 حيث شارك في مسرحية I Remember Mama ولعب فيها دور ابن ألفريد لونت، وبعدها حصل على جائزة أفضل ممثل شاب واعد لدوره في المسرحية التي كانت فاشلة تجاريًا.
وفي عام 1946 شارك في مسرحية A Flag is Born التي كانت تدعو إلى حقوق المثليين، كما شارك في مسرحية Candida، وشارك كذلك في مسرحية Antigone، وفي عام 1947 لعب دور ستانلي كوالسكي في مسرحية A Streetcar Named Desire.
وفي عام 1950 كان قدم براندو الدور الأول له في السينما في فيلم The Men، وكان في هذا الوقت يستخدم بطاقات لكي يتذكر سطوره في أثناء التصوير، وهو ما عرضه للانتقادات حيث اتهموه بالكسل وعدم القدرة على حفظ نصوصه.
في عام 1951 لعب براندو دور البطولة في فيلم A Streetcar Named Desire، وفي عام 1952 شارك في فيلم Viva Zapata! ولكي يدرس شخصيته في هذا الفيلم سافر إلى المكسيك ودرس أنماط الكلام لدى الناس وحركاتهم وسلوكهم.
وتلقى فيلمه التالي Julius Caesar تقييمات إيجابية حيث قدم براندو أداءً مثيرًا للإعجاب، وفي عام 1953 لعب دور البطولة في فيلم The Wild One وتم انتقاد الفيلم بسبب العنف غير المبرر.
وفي عام 1954 شارك في فيلم الدراما الجريمة On the Waterfront وفاز بجائزة الأوسكار عن دوره في هذا الفيلم وحقق هذا الفيلم نجاحًا تجاريًا حيث حصل على إيرادات تزيد عن 4 ملايين دولار أمريكي.
وفي العام نفسه شارك في فيلم Désirée، وبعدها شارك في فيلم Guys and Dolls عام 1955 ، وفي العام التالي لعب مارلون براندو دور ساكيني المترجم الياباني للجيش الأمريكي في اليابان ما بعد الحرب في فيلم The Teahouse of the August Moon.
وفي عام 1957 لعب دور ضابط في سلاح الجوي الأمريكي في فيلم Sayonara وكان الفيلم جدليًا بسبب مناقشته العلنية للزواج بين الأعراق، وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا حيث حصل على 10 ترشيحات لجوائز الأوسكار فاز بأربعة منها، ورُشح براندو لجائزة أفضل ممثل.
وفي عام 1958 صبغ شعره باللون الأشقر ليشارك في فيلم The Young Lions، وبعدها بعام شارك في فيلم The Fugitive Kind ولكنه لم يحقق نجاحًا كافيًا.
وفي عام 1961 كانت له تجربة أولى في الإخراج حيث أخرج فيلم One-Eyed Jacks ولكنه لم ينجح في تجربته الأولى وتسبب في مشكلة مالية لشركة الإنتاج، وفي عام 1962 شارك في فيلم Mutiny on the Bounty وبعدها تراجعت شعبية في السينما ولم تعد أفلامه تحقق نجاحًا كبيرًا حتى عام 1971.
وفي عام 1972 تمكن من استعادة مجده مرة أخرى حينما شارك في بطولة فيلم The Godfather حيث كان هذا الفيلم نقطة تحول في حياته المهنية وفاز بجائزة أوسكار أفضل ممثل للمرة الثانية في حياته.
وتبع هذا الفيلم مشاركته في فيلم Last Tango عام 1972 وفي هذا الفيلم رفض حفظ نصوصه وبدلًا من ذلك كتب سطوره بطريقة جدلية، وتميز هذا الفيلم بالكثير من المشاهد الجرافيكية الشديد.
وفي أواخر السبعينات شارك براندو في فيلم Missouri Breaks، كما شارك في فيلم Raoni، كما تألق في دور العقيد والتر في ملحمة فيتنام فرانسيس Apocalypse Now، وحصل الفيلم على إشادة من النقاد وحصل براندو على 9 ملايين دولار.
وفي عام 1980 ظهر في فيلم The Formula، وفي عام 1990 شارك في فيلم The Freshman، وفي عام 1995 شارك في فيلم Don Juan DeMarco، وفي عام 1997 شارك في فيلم The Brave.
وفي عام 2001 لعب دور البطولة في في فيديو موسيقي مدته 13 دقيقة لأغنية You Rock My World.
بحول أوائل التسعينات عانى مارلون براندو من السمنة المفرطة، كما عانى من مرض السكري من النوع الثاني، وكان لديه تاريخ من تقلبات الوزن طوال حياته المهنية، وفي أيامه الأخير واجه صعوبة في التنفس ولذا كان يعتمد على الأكسجين معظم الوقت.
وفي أبريل عام 2001 دخل المستشفى بسبب الالتهاب الرئوي، وفي يوليو عام 2004 توفي براندو بسبب فشل في الجهاز التنفسي وتليف رئوي، وقصور القلب الاحتقاني في المركز الطبي بجامعة كاليفورنيا.
تم حرق جثة براندو ووضع رماده بجانب رماد صديقه المقرب والي كوكس وصديقه القديم سام جيلمان، وفي عام 2007 صدر فيلم سيرة ذاتية عنه مدته 165 دقيقة.