يعد الفيلسوف الألماني لودفيج فيورباخ واحد من أهم الفلاسفة في القرن التاسع عشر ورائدًا للفلسفة المادية والإنسانية في ألمانيا، حيث تركزت فلسفته على نقد الميتافيزيقا واللاهوت ويعد من أهم أنصار الملاحظة والتجربة العلمية من أجل فهم العالم، وقد أثرت أفكاره على الفلاسفة والمفكرين من بعده بما فيهم كارل ماركس، تعرف أكثر على حياته وفلسفته في هذا المقال.
من هو لودفيج فيورباخ؟
لودفيج أندريسا فون فيورباخ هو عالم أنثروبولوجيا وفيلسوف ألماني ولد في 28 يوليو عام 1804 في لاندزهوت ناخبي بافاريات ويعد من أهم المفكريين والفلاسفة الألمان خلال القرن التاسع عشر.
اشتهر فيورباخ بنقده للمسيحية والميتافيزيقا وقد أثرت أفكاره على المفكرين اللاحقين منهم ريتشارد فاغنر وسيغموند فرويد وكارل ماركس وتشارلز داروين ومفكرين آخرين.
قدم فيورباخ في كتاباته الفلسفية تحليلات نقدية للدين، وقد كان لفكره التأثير الكبير في تطور المادية التاريخية، وقد نظر إليه بشكل واسع بأنه جسر فكري بين هيغل وماركس.
كانت انتقاداته للدين واللاهوت سببًافي تعرضه لغضب من رجال الدين والمثقفين الهيجليين في ذلك الوقت، إلا أن أفكار تم استقباله بحماس من قبل الحركات الثورية واليسارية وقتها منهم الشيوعيين والأشتراكيين وغيرهم.
نشأته وتعليمه
ولد لودفيج فيورباخ في مدينة لاندزهوت في ألمانيا الجنوبية، وقد تم تعميده على المذهب الكاثوليكية إلا أنه تربى على المذهب البروتستانتي. أهتم فيورباخ منذ صغره بالدين والفقه وهذا دفعه للالتحاق بجامعة هايدلبرج من أجل دراسة العلوم الدينية والفقة البروتستانتي ولكنه لم يكمل تعليمه في الجامعة.
تأثر فيورباخ بشكل كبير بأفكار كارل داوب لذا قرر دراسة الفلسفة في برلين وقد درس تحت إشراف الفيلسوف هيجل لمدة عامين حيث درس عليه علم المنطق. انتقل فيورباخ بعدها إلى جامعة أيرانجن يث درس الأدب والتاريخ ثم تخرج من الجامعة في اختصاص الفلسفة عام 1828 ثم حصل على درجة الدكتوراه في العام نفسه.
زوجته
تزوج الفيلسوف الألماني لودفيج فيورباخ من برتا لوف عام 1837 وكانت مالكة مصنع وقد سكن معها في جناح فوق المصنع التي تملكه في مدينة أنزباخ. تمكن فيورباخ بعد الزواج من التفرغ للكتابة وتدريس الفلسفة والبحث العلمي في موضوع العلوم الطبيعية.
تعرض فيورباخ وزوجته إلى ضائقة مالية بسبب تراجع المبيعات في المصنع وأدى هذا إلى طرده من المنزل الذي كان يعيش فيه وقد عاش في فقر مدقع، وقد تمكن من الحصول على أموال تكفيه هو وزوجته وابنته لبقية حياته بفضل التبرعات التي كانت تجمع له والتي تم الإعلان عنها على صحفات جريدة حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الذي انضم إليه خلال فترة من فترات حياته.
مسيرته المهنية
بدأ لودفيج فيورباخ مسيرته المهنية في جامعة أيرلانجن حيث عمل في التدريس، وخلال عمله نشر العديد من الكتب الفلسفة وأولها كتاب "خواطر حول الموت والخولد" والتي تعتبر باكورة إنتاجه الفكري خلال مسيرته الأكاديمية.
احتوى الكتاب على العديد من النصوص المنتقدة للأديان لذا حظر الكتاب من النشر فورًا وتعرض فيورباخ لملاحقة قانونية، فتوقف عن التدريس في الجامعة، فكانت آخر محاضرة يلقيها في الجامعة في العام الدراسي 1835.
واجه فيورباخ رفضًا تامًا من الجامعات لإلقاء المحاضرات فيها بضغط من رجال الكنيسة، لذا كان يقدم محاضراته في في قاعة البلدية في مدينة هايلدربج.
فلسفة لودفيج فيورباخ
اشتهر لودفيج فيورباخ بالفلسفة المادية الأنثروبولوجية، حيث كان يبحث عن فلسفة بعيدة عن الادعاءات المثالية، وعرف بعدائه للكنيسة وانتقاده للدين.
بالنسبة ليفورباخ فإن الدين ليس سوى انعكاس لرغبات البشر وتصوراتهم، ويسعى لتحقيق منفعة حقيقية للإنسانية، لذا كرس أبحاثه لمناقشة مفهوم "النوع الإنساني" للبشر بدلاً من الإله، حيث يرى الإنسان نفسه كوحدة متكاملة.
أراد فويرباخ من خلال هذا النهج أن يكشف جوهر الدين المظلم بواسطة شعلة العقل، ليتحرر الإنسان من كونه ضحية أو لعبة في أيدي القوى المعادية للإنسانية، التي لا تزال تستغل ظلمات الدين في اضطهاد الناس.
يتميز نهج فويرباخ بالإيجابية والتأكيد، حيث يمنح الطبيعة والإنسان كلاهما المعنى والكرامة، وبهذا تزدهر الطبيعة وينمو الإنسان، وعلى النقيض من الفلسفة المثالية التي حجبت هذه الحقيقة عن أتباعها وسلبتهم حيويتهم وقوتهم.
ورغم أن علم اللاهوت يعتمد في تكوينه على الأخلاق والعدل، فإن رجال الدين لا يتوقفون عن تبرير أكبر المظالم وأشد الشرور المرتكبة ضد الإنسان والطبيعة باسم الدين.
يرى فيورباخ أن الإنسان هو مقياس لكل الأشياء من حوله وهو مقياس الحقيقة، كما يرى أن ضمير الإله هو الضمير الشخصي للإنسان، ويمكن معرفة الإله من خلال معرفة الإنسان لذاته وأن الإنسان هو الذي ابتدع فكرة الإله.
كان للفيلسوف لودفيج فيورباخ العديد من الكتب التي رسخ فيها فلسفته الإنسانية والمادية، ومن أهم هذه الكتب كتاب "جوهر المسيحية" والذي يعد الكتاب المثالي لشرح فلسفة فيورباخ بشكل أكثر دقة.
تأثر فيورباخ في هذا الكتاب بأفكار الفلاسفة التنويريين الالمان منهم كانت وهيجل، وفي هذا الكتب أكد أن الدين هو محاولة بدائية بائسة لإضفاء الصفقة المطلقية على سلوك البشر، وبهذا يتحول الدين إلى انعكاس ذاتي لكيان البشر وأن الرب هو مرآة للإنسان.
دعمه للحراك النسوي
كان الفيلسوف الألماني لودفيج فيورباخ من أشهر الفلاسفة الذين دعموا الحراك النسوي في القرن التاسع عشر، حيث كتب آمن بفكرة المساواة بين الرجل والمرأة وانتقد بشدة وضع المراة المتدني في المجتمع الألماني.
وقال عن هذا الأمر: " يختلف الرجل والمرأة من الناحية الجسدية والعقلية، وقد أدى هذا الاختلاف إلى هيمنة الرجل على المرأة وعزلها عن الأنشطة الفكرية بشكل عام، مما حصرها داخل جدران المنزل. أنا على يقين من أنه إذا أتيحت للمرأة الفرصة لممارسة السياسة، فإنها ستثبت كفاءتها مثل الرجل. بل وربما تبتكر نهجاً سياسياً مختلفاً، قد يكون أفضل من السياسات التي يضعها الرجال".
وفاة لودفيج فيورباخ
توفي الفيلسوف الألماني لودفيج فيورباخ في 13 سبتمبر عام 1872 في مدينة نورنبرج الألمانية عن عمر 68 عامًا إثر نوبة رئوية حادة وقد توفي في فقر شديد ودفن في مقبرة يوهان في مدنية نورنبرج. نشرت الصحف الألمانية خبر وفاته ووصفته بأنه أشعل شعلة التحرر من قوى الظلام الفكري.