كونوسوكي ماتسوشيتا.. الرجل الذي أسس إمبراطورية باناسونيك

من شاب عاش في ظروف صعبة إلى رمز للصناعة الحديثة، ومؤسس واحدة من أكبر شركات الإلكترونيات في العالم، إنه رجل الأعمال الياباني كونوسوكي ماتسوشيتا، مؤسس شركة باناسونيك، الذي واجه الكثير من التحديات والظروف الصعبة، حتى أصبح أهم رجل أعمال في بلده، تعرف أكثر على مسيرته وقصة نجاحه.

من هو كونوسوكي ماتسوشيتا؟

هو رجل أعمال ياباني، ومؤسس شركة باناسونيك للإلكترونيات ولد في 27 نوفمبر عام 1894 في واكاياما باليابان، وهو واحد من أشهر رجال الأعمال في اليابان والعالم، ويُلقب في بلده بـ"إله الإدارة".

عاش ماتسوشيتا في أسرة فقيرة، واضطر لترك المدرسة في سن مبكرة للعمل في وظائف مختلفة لدعم عائلته، وفي العشرينات أسس شركته الخاصة، والتي كانت ورشة صغيرة لإنتاج مقابس المصابيح، ورغم صغر المشروع، إلا أنه أظهر حسًا عميقًا بالابتكار والجودة.

تطورت شركته بمرور الوقت، وأصبحت واحدة من أشهر شركات الكهرباء في اليابان، وعرفت لاحقًا باسم "باناسونيك"، وقد قاد ماتسوشيتا هذه الشركة بأسلوب إداري فريد يعتمد فيه على تمكين الموظفين، وخلق بيئة عمل محفزة.

على مر العقود، قاد كونوسوكي ماتسوشيتا العديد من الابتكارات التي ساهمت في ثورة صناعة الإلكترونيات، مثل الأجهزة المنزلية والمعدات الكهربائية عالية الجودة. أصبحت باناسونيك رمزًا للجودة اليابانية، ودخلت الأسواق العالمية لتصبح واحدة من أكبر الشركات في العالم.

قصة كونوسوكي ماتسوشيتا

ولد كونوسوكي ماتسوشيتا في أسرة يابانية شديدة الثراء، فقد كان والده مالكًا للأراضي الزراعية في قرية واسا، وأحد أغنى الرجال في مجتمعه، لذا نشأ ماتسوشيتا طفلًا مدللًا، يعيش في بيت ضخم، وحوله كل ما يريده.

إلا أن هذا الوضع لم يستمر طويلًا، فقد خسر والده كل ثروته فجأة، وأصبح مثقلًا بالديون بسبب الأخطاء العملية التي كلفته تجارته وأراضيه وثروته ومدخراته كلها، فتحول ماتسوشيتا من طفل مدلل إلى ولد فقير ومشرد لا يجد قوت يومه، وكان كل ذلك وهو لم يبلغ الخامسة من عمره.

لم يتحمل والده صدمة خسارة كل أمواله، فرحل للعمل في مدينة أخرى، وترك أسرة تعاني من الفقر والعوز، وانتقل ماتسوشيتا من قصره الضخم إلى شقة ضيقة مع أشقائه الثلاثة، وعاشوا معًا في ظروف صعبة، وبالكاد يجدون الطعام.

اضطر ماتسوشيتا العمل في سن مبكرة ليجد قوت يومه، ولمساعدة أسرته، فخرج من المدرسة، وبدأ بالعمل منذ سن التاسعة في تنظيف الأحذية، وغسل الملابس، ومحل للدراجات.

توفي أشقاء ماتسوشيتا الثلاثة بسبب المرض، وقد خلّف ذلك له صدمة، وشعر بأنه سيلحق إخوته، ويلقى نفس المصير، ألا وهو الموت، وهو ما جعله ينجز أعماله سريعًا قبل وفاته.

في سنوات المراهقة، حصل ماتسوشيتا على وظيفة مساعد لحام في إحدى شركات الكهرباء في اليابان، وفي هذه الشركة، تعلم الكثير من المهارات، كما كان ينجز عمله بسرعة، وقد نجح خلال عامين من الترقي في المناصب، وفي سن الثانية والعشرين، تمت ترقيته إلى منصب مفتش كهرباء.

خلال تلك الفترة، اخترع ماتشوسيتا مقبس إضاءة جديد أتقنه وصنعه خلال وقت فراغه، وكان هذا المنتج بداية تأسيس واحدة من أكبر شركات الإلكترونيات في العالم.

زوجة كونوسوكي ماتسوشيتا

تعرف كونوسوكي ماتسوشيتاغللا زوجته خلال عمله في شركة أوساكا للكهرباء، وهي إحدى صديقات أخته، واسمها مومينو إيوي، وقد ساعدته زوجته على بدأ شركته الجديدة، ووقفت بجانبه حتى حقق ثروته الضخمة، وأنجب منها ابنان.

قبو المنزل بداية عملاق الإلكترونيات في العالم

في عام 1917، قرر كونوسوكي ماتسوشيتا الاستقالة من شركة أوساكا للكهرباء لتأسيس شركته الخاصة لتصنع وبيع مقابس الإضاءة التي اخترعها. ورغم أنه لم يكن يملك رأس المال، ولا التعليم الرسمي أو الخبرة الكافية للتصنيع، أصر ماتسوشيتا على الاستمرار في مشروعه، وخاصة أنه أصبح رب أسرة، وعليه أن يحسن من وضعه المادي للإنفاق على أسرته.

كان قبو المنزل هو المقر الرئيسي لمتجره أو شركته، وقد تلقى مساعدة من زوجته وصهره وعدد من المساعدين، وعموا معًا على صناعة عينات من المنتجات، إلا أنه لم ينجح في بيعها للتجار في البداية.

ترك مساعدوه في النهاية شركته، ولم يقف بجانبه في تلك المحنة سوى زوجته وصهره تشويو إيوي، والذي أصبت مهاراته في البيع والإدارة، وساعد ماتسوشيتا في مواصلة العمل.

كان ماتسوشيتا في تلك الفترة على وشك الإفلاس، فلم يكن قادرًا على بيع منتجاته، إلا أنه الحظ فتح له أبوابه، حينما حصل على طلب غير متوقع لبيع ألف لوح عازل للمراوح الكهربائية، وبسبب هذه الطلبية،  تمكن من مواصلة إنتاج مقابس الإضاءة الخاصة به، والتي أصبحت مشهورة بين التجار بمرور الوقت بسب بجودتها وتكلفتها القليلة مقارنة بالمنتجات المماثلة في السوق.

مصابيح الدراجات بداية النجاح

ورغم ذلك النجاح، واجه ماتسوشيتا في البداية صعوبات مادية كبيرة، وقد اضطر إلى رهن كيمونو زوجته، حتى يحصل على الأموال الكافية للشركة.

كان أحد أفضل منتجات ماتسوشيتا هو اختراعه لمصباح دراجة يعمل بالبطارية وبشكل أكثر كفاءة. كانت مصابيح الدراجات في ذلك الوقت تعمل بالزيت، أو يتم استخدام الشموع، لذا كان منتج ماتسوشيتا ثوريًا في ذلك الوقت، وسوّق ماتسوشيتا هذا المنتج بنفسه لمحلات بيع الدراجات بالتجزئة.

خلال فترة تسويقه للمنتج، اكتشف كونوسوكي ماتسوشيتا درسًا مهمًا فيما يتعلق بالتسويق والإدارة، فقد أدرك أنه حتى إذا كان يملك المنتج الأفضل في السوق، لن ينجح في بيعه إذا لم يسوّق إليه جيدًا.

لذا، ابتكر ماتسوشيتا طرقًا جديدة لبيع المنتج، فأنشأ قنوات مبيعات للمنتج، وشبكة متاجر تجزئة، ونجحت هذه الاستراتيجية في جعل شركته على خريطة الصناعة والتجزئة الكهربائية في اليابان.

في عام 1929، أنشأ ماتسوشيتا هيكلًا جديدًا للشركة، وأسس فروعاً وأقسام متخصصة في منتجات معينة، وكانت شركته في ذلك الوقت متخصصة في تصنيع 2 منتجات رئيسية، وهم مصابيع الدراجات والبطاريات، وقسم الراديو، وقسم المقابس الكهربائية.

أنشأ ماتسوشيتا قسمًا للمبيعات لكل منتج مع مكاتب إقليمية في مواقع استراتيجية، وكانت مهمة تلك المكاتب تنسيق المبيعات والتصنيع، واعتمد ماتسوشيتا على استراتيجية التصنيع بناء على الطلب والمبيعات.

أزمة فترة ما بعد الحرب

بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال الاحتلال الأمريكي، واجه مؤسس شركة باناسونيك أزمة تفكيك تكتلات الأعمال التجارية في اليابان، وهو القرار الذي اتخذه الجنرال دوغلاس ماك آرثر، حيث كان كونوسوكي ماتسوشيتا مهددًا بالإطاحة به في منصبه كرئيس لشركته الخاصة، إلا أنه نجا بعدما وقع 15 ألف موظف في شركته على عريضة لرفض هذا القرار.

في الفترة من عام 1950 إلى عام 1973، أصبحت شركة ماتسوشيتا أكبر الشركات المصنعة للسلع الكهربائية في العالم، والتي تم بيعه منتجاتها تحت علامات تجارية معروفة، مثل باناسونيك، وتكنيكس.

أنتجت شركته الأجهزة المنزلية، وأجهزة التلفزيون والراديو والتسجيل، ووصلت منتجاته إلى أوروبا وأمريكا والكثير من الدول حول العالم.

تنحيه عن منصب المدير

في عام 1961، تنحى كونوسوكي ماتسوشيتا عن منصبه كرئيس شركة باناسونيك، وخلفه في منصب الرئيس صهره ماساهارو ماتسوشيتا، إلا أنه ظل نشطًا في عمليات باناسونيك حتى تقاعده الكامل عام 1973.

خلال تلك الفترة، ركز ماتسوشيتا على تطوير وشرح فلسفاته الاجتماعية، وألف 44 كتابًا، منها كتاب "تطوير طريق إلى السلام والسعادة من أجل الرخاء، والذي بيع منه أكثر من 4 ملايين نسخة.

وفي عام 1979، وحينما كان يبلغ من العمر 84 عامًا، كان يعمل في تدريب السياسيين ورجال الأعمال في اليابان، كما أسس مدرسة باسمه للحكومة والإدارة.

وفاة كونوسوكي ماتسوشيتا

في 27 أبريل عام 1989، توفي رجل الأعمال كونوسوكي ماتسوشيتا عن عمر يناهز 94 عامًا بسبب مشكلات مزمنة في الرئة، حيث توفي بالالتهاب الرئوي. كانت ثروته وقت وفاته تقدر ب3 مليارات دولار أمريكي، وترك شركة تبلغ إيراداتها السنوية 42 مليار دولار أمريكي.