فيليب ك. ديك.. الأمريكي رائد أدب الخيال العلمي

واحد من أهم رواد الخيال العلمي في القرن العشرين، وأشهر الكتّاب في تاريخ الأدب الأمريكي، إنه الروائي الأمريكي فيليب ك. ديك الذي تسابق السينمائيون للحصول على حقوق أعماله الأدبية لتحويلها إلى أفلام، وترجمت أعماله لأكثر من 40 لغة حول العالم، تعرف أكثر على مسيرته الأدبية، وأهم أعماله في هذا المقال.

من هو فيليب ك. ديك؟

هو كاتب وروائي أمريكي في مجال الخيال العلمي، ولد في 16 ديسمبر عام 1928 في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعد من أهم وأشهر رواد الخيال العلمي في التاريخ، وأشهر الكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية.

ألهمت الأعمال الأدبية التي كتبها عشرات الأفلام والبرامج التلفزيونية، وقد تميزت أعماله بتناول موضوعات مختلفة، منها الوعي، والهوية، والواقع في إطار الخيال العلمي، واستكشفت أعماله الآثار النفسية والفلسفية للتكنولوجيا والمستقبل.

لم تكن رؤى ديك الفريدة التي طرحها في رواياته منفصلة عن حياته الشخصية؛ فقد عانى من مشاكل أسرية وصحية عديدة، كما تأثر بدراسته لأفكار حركة التنوير الألمانية، والفلسفة الشرقية، والغنوصية، والبوذية. أسلوبه الأدبي وموضوعاته المعقدة جعلاه شخصية متميزة وفريدة في عالم الأدب، وترك إرثًا أدبيًا لا يزال يؤثر في الكُتّاب والقُرّاء حتى اليوم.

كتب فيليب خلال حياته 44 رواية، وحوالي 121 قصة قصيرة، وقد نالت هذه الأعمال والمؤلفات العديد من الجوائز، منها جائزة هوغو لأفضل رواية، وقد امتد تأثيره إلى ما أبعد من عالم الرواية، وأصبح اسمه حاضرًا بقوة في صناعة الأفلام في هوليوود.

نشأته وتعليمه

ولد فيليب ك. ديك في شيكاغو، ولديه أخت توأم اسمها جين شارلوت ديك، وقد ولدا قبل موعد ولادتهما بستة أسابيع، وقد توفيت أخته التوأم بعد ستة أسابيع من ولادتها، وقد أثرت وفاة أخته التوأم على حياته، عندما علم بوفاتها بدأ يتحدث معها بشكل متكرر على أنها "التوأم الشبح".

في سن الخامسة انتقلت عائلة فيليب إلى خليج سان فرانسيسكو، وقد انفصلت والدته عن والده لعدم رغبتها في الانتقال، وحاربا من أجل حضانة فيليب، وحصلت الأم في النهاية على الحضانة وربته بمفردها.

انتقلت والدته، دوروثي، إلى واشنطن وحصلت على وظيفة، فيما التحق ابنها بمدرسة جون إيتون الابتدائية، وفي المدرسة ظهرت موهبته في الكتابة، فقد أظهر اهتمامًا وقدرة رائعة على سرد القصص، حتى إنه موهبته تلك لفتت انتباه المدرسين في المدرسة.

عاد فيليب مع والدته دوروثي إلى كاليفورنيا في عام 1938، وفي هذا الوقت أصبح مهتمًا بالخيال العلمي، وبدأ بقراءة مجلات الخيال العلمي بكثافة. في كاليفورنيا التحق بمدرسة بيركلي الثانوية، ثم التحق بجامعة كاليفورنيا في عام 1949، وحصل على دروس في التاريخ، وعلم النفس، والفلسفة وعلم الحيوان، إلا أنه قرر ترك الدراسة الإلزامية بسبب معاناته من القلق المستمر.

ما هي فلسفة فيليب ك. ديك؟

أظهر فيليب ك. ديك اهتمامًا كبيرًا بالفلسفة بداية من المرحلة الثانوية، ومن خلالها آمن أن الوجود يعتمد على الإدراك البشري الداخلي، والذي قد لا يتوافق بالضرورة مع الواقع الخارجي.

أدرك فيليب أن كل المساحة لها نفس الحكم، وإنما المواد المحيطة داخل هذه المساحة هي التي تختلف، وحينها أدرك أن السببية ما هي إلا تصور لدى الشخص، وليست مرجعًا للواقع الخارجي.

تزايد اهتمامه بالفلسفة خلال الجامعة، حيث قرأ أعمال أفلاطون، وحينها أدرك احتمال وجود عالم ميتافيزيقي، وأن العقل البشري قادر على تصور عالم تجريبي، وبمرور الوقت آمن أن العالم التجريبي ليس حقيقيًا، وهو ما أصابه باليأس، إلا أنه مع كتابة الروايات أصبح يؤمن بوجود الوجود، وهي الحقيقة التي اهتدى لها بعد سنوات من الشك.

لم يكن مرجع فيليب ك. ديك في الفلسفة هم الفلاسفة، بل الشعراء، فقد قرأ للعديد من الشعراء الميتافيزيقيين في القرن السابع عشر، مثل غوته، ولكنه في الوقت نفسه تأثر بأفكار بعض الفلاسفة منها سبينوزا، وفلسفة أفلاطون، التي كانت لها تأثير كبير عليه.

بمرور الوقت انتقل اهتمامه بالفلسفة إلى اللاهوت، وأصبح يؤمن بالروحية، وبعد سنوات من الدراسة أصبح يؤمن بالتوحيد، وأن هناك إلهاواحدا لا يشبه الإنسان، وهو بصير ومحيط وسميع بكل شيء في العالم.

بعد قراءة أعمال أفلاطون والتأمل في إمكانية وجود العوالم الميتافيزيقية، توصل فيليب ك. ديك إلى قناعة بأن العالم ليس حقيقيًا بشكل كامل، ولا يمكن التأكد من وجوده الفعلي. هذه الشكوك حول طبيعة الواقع كانت موضوعًا مركزيًا في العديد من رواياته.

ما هي ديانة فيليب ك. ديك؟

خلال الجامعة انتقل اهتمام فيليب ك. ديك من الفلسفة إلى اللاهوت، حيث درسها لفترة، وكوّن لنفسه فكرًا روحيًا وعقيدة مستقلة بذاتها، فقد كانت فلسفة سبينوزا هي الأقرب إليه، وخاصة قوله المأثور:  "الإله ليس كيانا منفصلا عن الكون، بل هو الكون، والمنطق والحقيقة التي تتجلى في قوانين الطبيعة".

درس فيليب، وتفكر في ازدواجية الإله في المسيحية واليهودية لسنوات، وتوصل في النهاية إلى أن فكرة ازدواجية الإله فكرة غير مقبولة، لذا آمن في النهاية بالوحدانية، فلا يوجد إلا إله واحد فقط.

ويقول فيليب عن هذا الأمر: "أنا لا أعتقد أن الكون موجود. أؤمن أن الشيء الوحيد الموجود هو الله وهو أكثر من الكون، والكون ما هو إلا امتداد لله في المكان والزمان، وهذه هي الفرضية التي أبدأ منها عملي".

زوجاته وحياته الشخصية

تزوج الروائي الأمريكي فيليب ك. ديك 5 مرات، المرة الأولى من جانيت مارلين، وكليو أبوستوليدس، وآن يليامز روبنتشاين، ونانسي هاكيت، وليزلي بوسبي.

لدى ديك 3 أطفال، طفلته الأولى لورا آرتشر ديك من زوجته الثالثة آن ويليامز، وابنته الثانية إيزولد فريا ديك من زوجته الرابعة نانسي هاكيت، وقد أصبحت ابنته منتجة وكاتبة. ابنه الثالث كريستوفر كينيث ديك، من زوجته الخامسة ليزلي بوسبي.

خلال زواجه الثالث تشاجر فيليب مع زوجته آن ويليامز، وخاضا عراكًا عنيفًا بالأيدي، وقد اتهم ديك زوجته بمحاولتها قتله وإوداعه قسرًا إلى مؤسسة نفسية لمدة أسبوعين، وبعد انفصالهما عام 1964، حاول ديك الانتحار خلال قيادته السيارة.

مسيرته الأدبية

كتب فيليب ك. ديك قصته الأولى في عام 1951، عندما كان يبلغ من العمر 22 عامًا، وكانت القصة بعنوان "روج"، وبعدها بدأ العمل ككاتب بدوام كامل، وفي العام  التالي نشر مجموعة من القصص في مجلات الخيال العلمي.

في عام 1955 نشر فيليب أول رواية خيال علمي له بعنوان Solar Lottery، إلا أنها لم تحقق نجاحًا، وعانى ماديًا من أجل دفع رسوم التأخير لدار النشر، وخلال الخمسينات أنتج سلسلة من الروايات التقليدية وغير المرتبطة بنوع أدبي معين.

في عام 1963 حقق نجاحًا ضخمًا حينما نشر رواية Confessions of a Crap Artist، وفي العام نفسه فاز بجائزة هوغو عن روايته "الرجل في القلعة العالية"، وتم الإشادة به كونه عبقريًا في عالم الخيال العالمي.

في الفترة من عام 1948 إلى 1960، كان فيليب قد كتب 12 رواية خيال علمي، وفي الفترة من عام 1960 إلى عام 1970 أصدر 21 رواية، وبداية من السبعينات عانى من إدمان المخدرات، وهو ما أثر على أسلوبه في الكتابة بشكل واضح، واستمر يعاني من الهلوسات والأفكار غير المنطقية حتى وفاته، وقد نشرت آخر رواية له "تهجير تيموثي آرتشر" بعد، وقد قصير من وفاته عام 1982.

إدمان المخدرات والأمراض النفسية

عانى الكاتب الأمريكي فيليب ك. ديك من صراع طويل ومعقد مع المخدرات خلال حياته. بدأ استخدامه للمخدرات في السبعينيات، وهو ما أثر بشكل كبير على صحته العقلية والجسدية، وكذلك على إنتاجه الأدبي.

كانت المخدرات جزءًا من محاولة ديك للتعامل مع ضغوط الحياة والمشاكل النفسية التي واجهها، بما في ذلك الاكتئاب والقلق.

في عام 1972 حاول ديك الانتحار بجرعة زائدة من المهدئات، وبعدها دخل في برنامج تعافي لفترة من الزمن، إلا أنه واصل التعاطي، وفي عام 1974 بدأ برنامج تعافي من المخدرات.

بدأ فيليب في هذه الفترة في رؤية أشياء غير حقيقية، فقد كان يرى دائمًا خيال فتاة جميلة ذات شعر داكن ترتدي قلادة ذهبية، وكانت تتحدث معه، كما كان يرى شعاعًا ورديًا في بعض المناسبات، وقيل له أن الشعاع الوردي يعني أن ابنه الرضيع مريض، وعندما سارع لنقل ابنه إلى المستشفى تم تأكيد مرضه فعلًا.

بعد رحيل المرأة بدأ يعاني من هلوسات غريبة، وقد أرجع الأطباء معظمها إلى الآثار الجانبية للأدوية، وقد وصف فيليب هذه الهلوسة بأنها أنماط هندسية، وفي بعض الأحيان كان يرى صوراً موجزة لليسوع وروما القديمة.

بدأت حدة الهلوسات تتزايد، وادعى بأنه يعيش حياتين متوازيتين، الأولى اسمه فيها فيليب، والثانية اسمه توماس، وهو مسيحي اضطهد من قبل الرمان في القرن الأول الميلادي، وقد كتب عن هلاوسه تلك في العديد من رواياته.

في عام 1974 أرسل فيليب رسالة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي اتهم عدة أشخاص بأنهم عملاء لقوى حلف وارسو، وفي مرحلة ما شعر بأن روح النبي إيليا سيطرت عليه، وقد ناقش تجاربه في كتاب نشر لاحقًا اسمه "تفسير فيليب ك. ديك".

أشهر روايات فيليب ك. ديك

كتب فيليب ك. ديك مجموعة من أعمال الخيال العلمي الناجحة، هذه الروايات تُظهر العمق الفلسفي والخيال الواسع الذي كان يتمتع به فيليب، مما جعله واحدًا من أعظم كتّاب الخيال العلمي في التاريخ.

من رواياته الشهيرة رواية "الرجل في القلعة العالية" عام 1962، والتي فازت بجائزة هوغو، وقد تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني من إنتاج أمازون عام 2015.

 رواياته الناجحة أيضًا "البصمات الثلاثة لبالمر إلدريتش"، وهي واحدة من رواياته التي استكشفت موضوعات دينية، وتدور أحداثها في القرن الحادي والعشرين.

أما روايته "هل يحلم الروبوتات بالأغنام الكهربائية" عام 1968، فتتحدث عن صائد جوائز يراقب السكان المحليين من الروبوتات، وتدور أحداث الرواية على كوكب الأرض الذي خلا من جميع الحيوانات تقريبًا، وقد كان هذه الرواية إلهامًا لفيلم "بليد رانر" عام 1982.

في عام 1969 أصدر رواية "أوبيك"، وقد أدرجتها مجلة تايم ضمن أعظم 100 رواية على الإطلاق نشرت منذ عام 1923. من رواياته الشهيرة رواية "تتدفق دموعي كما قال الشرطي"، وهي رواية بوليسية خيالية في المستقبل القريب، وحصلت الرواية على جائزة جون دبليو كامبل لأفضل رواية خيال علمي.

في عام 1977 أصدر رواية "ماسح ضوئي مظلم" وهي رواية بوليسية خيال علمي تتحدث عن محقق سري في قسم مكافحة المخدرات يقع ضحية لمادة تغير العقل بشكل دائم، وتسبب الإدمان على الفور، وقد تحولت الرواية إلى فيلم يحمل الاسم نفسه عام 2006.

روبوت فيليب ك. ديك

صنعت شركة هانسون روبوتيكس رجلًا آليًا للكاتب الأمريكي فيليب ك. ديك، تم تصميم هذا الروبوت ليبدو ويتصرف مثل فيليب، ويستطيع إجراء محادثات مع الأشخاص بناءً على نصوص وأفكار مأخوذة من كتابات ديك ومقابلاته.

تم تزويد الروبوت بقاعدة بيانات من أعمال ديك، مما يسمح له بإجراء محادثات تتعلق بأفكار الكاتب وموضوعاته الفلسفية.

يمكن للروبوت التفاعل مع البشر من خلال التعرف على الصوت وإجراء محادثات عميقة حول مواضيع مختلفة تتعلق بالخيال العلمي والفلسفة، وكان الهدف من تصميم الروبوت تكريم الكاتب وأعماله من خلال إظهار إمكانية الذكاء الاصطناعي في محاكاة الشخصيات الأدبية والتفاعل معها. كما يعكس الروبوت اهتمام ديك الشخصي بالواقع المتغير والهوية، وهي مواضيع تتكرر في رواياته.

وفاة فيليب ك. ديك

توفي الكاتب الأمريكي فيليب ك. ديك في 2 مارس عام 1982 بعد معاناة مع المرض، حيث كان يعاني من ضعف البصر، ثم تم العثور عليه فاقدًا للوعي في منزله، حيث أصيب بسكتة دماغية، ومكث في المستشفى لفترة؛ مما أدى إلى موت دماغي، وقد تم فصله عن أجهزة دعم الحياة بعد 5 أيام.

تم حرق جثمان ديك، وتم دفن رماده في مقبرة ريفرسايد، ودفن بجوار أخته التوأم جين، ونقش على شاهد قبرهما اسميهما وقت وفاتها، أي قبل 53 عامًا من وفاته.