جارة القمر "فيروز" الصوت العزب في الوطن العربي والعالم أجمع، أثرت الحياة الغنائية بإرث غنائي يزيد عن 800 أغنية والعديد من المسرحيات والأوبريتات الغنائية.
حينما يشدو صوت فيروز يصمت الجميع إجلالا لهذا الصوت الجميل، نهاد وفقا لاسمها الحقيقي ابنة الأسرة اللبنانية الفقيرة التي كانت تستمع لأصوات مطربيها من خلال الشباك لعدم امتلاكها راديو، أصبحت يتهافت الجماهير على الذهاب لحفلاتها، وتقف الطوابير بالساعات انتظرا لرؤية إطلالاتها وسماع صوتها. مسيرتها الفنية وأبرز المعلومات عن حياتها في السطور التالية...
اسمها الحقيقي نهاد حداد، في 12 نوفمبر 1935، ولدت في قضاء الشوف بجبال لبنان، لأسرة فقيرة، كانت "فيروز" أول أبناء العائلة ولديها ثلاث أخوات هم "جوزيف، هدى، وآمال".
ثم انتقلت عائلتها إلى منزل جديد يقع في حارة زقاق البلاط في الحي القديم القريب من العاصمة اللبنانية بيروت كان يتكون من غرفة واحدة، وفي هذا المكان نشأت وتربت فيروز، وكان والدها يعمل في مطبعة الجريدة اللبنانية لوريون لوجور.
لم تكن أسرة فيروز لديها راديو، إلا أن كانت تجلس في الشباك لتسمع صوت الراديو وأغاني مطربيها المفضلين من الشارع، فكانت تنظر سماع صوت ليلى مراد، أسمهان، أم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب.
ورغم فقر الأسرة إلا أن والدها كان مصر على تعليم أبنائه، وفي إحدى الحفلات المدرسية كانت تشارك بها الطفلة "نهاد" وعمرها أربعة عشر عاما، سمع صوتها الملحن اللبناني محمد فليفل وكان يعمل مدرساً في المعهد الموسيقي اللبناني في ذلك الوقت، فأعجب بصوتها، وأقنع والدها على اشتراكها للغناء في محطة الإذاعة الوطنية.
وضمها إلى معهد الموسيقي متكفلا بنفاقتها، ولكن وديع صبرا رئيس المعهد رفض الحصول منها على أي نفقات لأنه أعجب بصوتها هو الآخر وآمن بموهبتها.
بعد إنهاء دراستها بالمعهد تم قبولها من لجنة فحص الأصوات التي كانت تتكون من حليم الرومي ونقولا المني وخالد أبو النصر، بدأت "فيروز" تحقق انتشر مع أول الأغاني التي قدمها لها حليم الرومي سنة 1950، وكانت أغنية "تركت قلبي وطاوعت حبك".
كان حليم الرومي رئيس القسم الموسيقي بالإذاعة اللبنانية آنذاك هو من اقترح على "نهاد" تغير اسمها إلى فيروز لان صوتها يستحضر لديه الفيروز الثمين، في البداية لم تقتنع إلا أنها بعد فترة نفذت نصيحته.
كان عاصي الرحباني ملحناً مبتدئاً، طلب منه حليم الرومي تلحين عدد من الأغاني لها عام 1950، في البداية وصف "عاصي" صوت فيروز حينما استمع إليها بأنه لا بأس، في حين كان أخوه "منصور" له رأي مخالف بأنها لا تصلح، بدأ "عاصي" يدربها.
وبدأ مع الوقت يعجب بها إلا أن "فيروز" كان فتاة متحفظة ترفض فكرة الارتباط والزواج، كما أنها كانت تحلم بأن تكون معلمة وليس مغنية، بعد فترة من التعاون بينهما طلب "عاصي" منها الزواج فرفضت، وفي عام 1953 كرر طلبه ولكن هذه المرة وافقت، وتم إعلان زواج فيروز وعاصي الرحباني 1954، وهو الأمر الذي وصفته "فيروز" بنهاية طبيعية لعلاقة امتدت لسنوات بين تلميذة وأستاذها.
كان الزواج بداية لتألق كل منهما فمع أول الأغاني التي لحنها لها، (حبذا يا غروب)، أغنية (عتاب) وأغنية (يابا لالا)، بدأت نجاحاتهم سويا وبدأت أغاني فيروز تذاع على ثلاث إذاعات هي اللبنانية والسورية والشرق الأردني، ورغم أن "فيروز" والأخوين الرحباني كانوا يواجهون انتقاد الأغاني الصغيرة التي يقدمونها.
إلا أن نجاحها تخطي حدود لبنان وأصبح صوت فيروز يشدو في كل دول الوطن العربي، فقرروا استثمار هذا النجاح بتأسيس المؤسسة الرحبانية الفيروزية لإنتاج الأفلام السينمائية، لتكون شاهدة على نجاحاتهم التي انطلقت عبر من خلال صوت فيروز العذب إلى جانب المزج الجديد الذي قدمه الأخوان في الموسيقى من المزج بين الأنماط الغربية والشرقية والألوان اللبنانية في الموسيقى والغناء.
كان المعتاد في ذلك الوقت هو التسجيلات، إلا أنه ولأول مرة في عام 1957 خرجت فيروز لتقدم استعراضا غنائيا اسمه "أيام الحصاد" أمام حشد جماهيري في معبد جوبيتر الأثري في بعلبك، ليكون ذلك هو الظهور الأول لها في مهرجان بعلبك الدولي.
وفي هذا الحفل كرمها الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون ومنحها وسام فارس وهو أعلى وسام يمنح لفنان لبناني نظرا لإسهاماتها الفنية.
ومع بداية عام 1962 بدأ الأخوان رحباني وفيروز بتقديم الأعمال المسرحية الغنائية وكان أولى مسرحياتها هم مسرحية (جسر القمر)، ثم مسرحية (الليل والقنديل)، ومسرحية (أيام فخر الدين). وأصبحت مسرحيات فيروز الغنائية علامة مميزة لمهرجان بعلبك الدولي.
أما عن أول ظهور لها على شاشة التليفزيون فكان عام 1962 من خلال أوبريت "حكاية الإسوارة"، لتكرر هذه الأوبريتات في الأعياد والمناسبات في عامي 1963 وعام 1964.
كان بداية دخول فيروز السينما حينما استوى يوسف شاهين فكرة الأفلام الغنائية الاستعراضية، وعرض على الأخوين تحويل مسرحية "بياع الخواتم" الغنائية إلى فيلم، عرض في المهرجان السينمائي الدولي في لبنان عام 1965، وفي العام التالي 1966 عرض لها فيلم "سفر برلك"، وفي عام 1967 فيلم "بنت الحارس"
توقف عاصي الرحباني عن التلحين عام 1972 بعدما أصيب بنزيف دماغي حاد، وأجريت له عملية جراحية، كانت تجهز "فيروز" لمسرحية "المحطة" في ذلك الوقت، وكتب لها أخوه منصور "أغنية" سألوني الناس" للتعبير عن غياب "عاصي" ولحنها نجلها "زياد".
ورغم قصة الحب الشديدة والنجاحات المشتركة وإنجاب 4 أبناء فإن الخلافات بدأت تدب بين "عاصي" و"فيروز" وقررت "فيروز" الانفصال عام 1978، ليتوقف علاقتها بالأخوين ويكمل المسيرة من بعدهم نجلها "زياد".
وفي 21 يونيو عام 1986، توفي "عاصي" بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 66 عاما، وصرحت فيروز بعد وفاته بأنها كانت تخاف منه وأن كل ما غنت كان من اختياره هو لأنها لم تقدر يوما أن تعترض على ألحانه، ورغم ذلك كانت تحبه.
وبدأ الانتشار والتوسع لفيروز وبدأت في حفلات عالمية على كبرى المسارح، منها حفلها في لاس فيجاس 1999، وسافر لحضور الحفل أكثر من 10 آلاف معجب من أنحاء العالم لمشاهدتها على مسرح MGM Grand Arena.
واصطف الناس لساعات من أجل حضور الحفل الذي تحدثت عنه كافة وكالات الأنباء العالمية.
بعد وفاة منصور الرحباني في مارس 2009، دعاوى قضائية لحقوق الملكية لإرث الأخوين رحباني، وطالبوا بعدم غناء فيروز الأغاني المشتركة حتى تدفع تعويض مالياً للورثة، وفي عام 2010 حكمت المحكمة اللبنانية بمنع فيروز من الغناء بناء على دعاوى ورثة منصور.
لتبدأ المظاهرات في عدد من عواصم العالم اعتراضا على منع فيروز من الغناء، وتتألق فيروز في نفس العام عدد من الأغاني الرائعة مع نجلها زياد الرحباني وتحقق انتشارا ونجاحا واسعا.
في كل دول العالم التي زارتها فيروز كانت تحصل على تكريم، فحملت العديد من الأوسمة والميداليات، من كل دول العالم، ومن التكريمات كان إصدار الحكومة اللبنانية عام 1969 طابعاً يُخلد اسمه "فيروز". كما تم إصدار 8 أفلام وثائقية عن قصة حياتها ونجاحها.
وفي عام 2020 زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فيروز في منزلها بلبنان ومنحها وسام جوقة الشرف الفرنسي، وهذا الوسام أرفع تكريم رسمي في فرنسا الذي يحمل شعار الشرف والوطن".
