كان صعيد مصر دائمًا منارة العلماء فيخرج منها قامات إسلامية شكلت وجدان المصريين، وتركوا خلفهم بصمة وتاريخاً طويلاً لا يزال حاضرًا، وكان للإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف نصيب كبير حيث شغل أرفع المناصب وله إنجازات كثيرة لخدمة الإسلام والمسلمين.
ولد أحمد محمد أحمد الطيب الحساني في قرية القرنة التابعة لمحافظة الأقصر في صعيد مصر في يناير عام 1946 لأسرة صوفية ويعود نسبه إلى سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
تعلم في كنف والده وحفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، وحفظ المتون، وبعدها التحق بمعهد إسنا الديني، وبعدها معهد قنا الديني. التحق شيخنا بكلية أصول الدين في القاهرة تخصص العقيدة والفلسفة، وتخرج فيها عان 1969، وتلقى العلم على يد كبار علماء الأزهر الشريف.
كان منذ صغره محبًا للعلم حريصا على تلقيه وحضور مجالس العلماء والصالحين، وشهد منذ صغره مجالس الصلح العرفي التي كان يقودها جده الشيخ أحمد الطيب، ووالده محمد الطيب في ساحة الطيب في قريته.
فورث عن والده وجده هذا، وأصبح مشاركًا في مجالس الصلح وفض النزاعات مع والده وأشقائه لما كان يبلغ من العمر 25 عامًا، ولا يزال حتى الآن يشارك في هذه المهمة النبيلة مع شقيقه.
حصل فضيلة الإمام أحمد الطيب على الليسانس (الإجازة العالية) من جامعة الأزهر الشريف في العقيدة والفسفة بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف.
كان ترتيبه الأول على قسمه عام 1969 فعُين معيدًا في قسمه بعد تخرجه بشهرين، وحصل على الماجستير (درجة التخصص) عام 1971 وعين بعدها مدرس مساعد.
ومن من حصل على درجة الدكتوراه (درجة العالمية) عام 1977 بعد مناقشته دراسته تحت عنوان "موقف أبي البركات البغدادي من الفلسفة المشانية" وعُين بعدها مدرسًا في قسم العقيدة والفلسفة.
في ديسمبر عام 1977 سافر فضيلة الشيخ إلى فرنسا في مهمة علمية لدراسة مناهج العلوم وطرق البحث، وأجاد الفرنسية وحضر دروس لكبار المختصين في الفلسفة.
وبجانب دراسته في فرنسا حضرة فضيلة الإمام أحمد الطيب عدد كبير جدًا من المؤتمرات والندوات العلمية المحلية والدولية.
ومن أهم هذه المؤتمرات المؤتمر الدولي التاسع عشر من أجل السلام في فرنسا، والمؤتمر العالمي لعلماء المسلمين في إندونيسيا، ومؤتمرا الأديان والثقافات في إحدى الجامعات الإيطالية.
أما عن المؤتمرات المحلية فأهمها هو المؤتمر الدولي الأول للفلسفة الإسلامية الذي أقيم في كلية دار العلوم في القاهرة عام 1996، وندوة كلية أصول الدين حول قضية تحريف القرآن سنة 1997.
في عام 1982 ترقى ليكون أستاذ مساعد عام، وفي عام 1988 حصل على الأستاذية، ومن ثم انتدب عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية في محافظة قنا عام 1990، وفي عام 1955 انتدب عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية بنين في محافظة أسوان.
حاضر في العديد من الجامعات خارج جامعة الأزهر، مثل جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياضة، وجامعة قطر، والجامعة الإسلامية في إسلام أباد في باكستان، وغيرها من الدول.
وفي الفترة بين 1999 حتى عام 2000 عُين عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية في دولة باكستان. ومن ثم عُين مفتيًا لجمهورية مصر العربية من فترة مارس 2002 حتى سبتمبر عام 2003، وبعدها عين رئيسًا لجامعة الأزهر حتى عام 2010.
وفي عام 2010 تولى د أحمد الطيب منصب شيخ الأزهر الشريف، بجانب شغله منصب رئاسة هيئة كبار العلماء، والمجلس الأعلى للأزهر. أيضًا يشغل منصب مجلس أمناء بيت الزكاة والصدقات المصري، فضلًا عن عضويات مجامع وجمعيات الإسلامية والمؤسسات واللجان.
لدى شيخنا الفاضل عدد كبير من المؤلفات والترجمات التي تخدم الدين الإسلامي، ومن مؤلفاته:
- الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي وطبع عام 2004.
- مباحث الوجود والماهية عام 1982.
- مفهوم الحركة بين الفلسفة الإسلامية والماركسية.
- التراث والتجديد: مناقشات وردود.
- حديث في العلل والمقاصد.
ولأنه يجيد الفرنسية والإنجليزية أيضًا كانت له العديد من الترجمات التي كان لها عظيم الأثر، ومنها:
- ترجمة المقدمات الفرنسية للمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي.
- ترجمة كتب من الفرنسية إلى العربية، ومنها مؤلفات ابن عربي: تاريخها وتصنيفها، وكتاب الولاية والنبوة عند الشيخ محيي الدين ابن عربي.
وبجانب الكتب والمؤلفات له العديد من الأوراق العلمية والأبحاث، ومنها:
- دراسات الفرنسيين عن ابن عربي، وهو بحث ألقاه في المؤتمر الدولي الأول للفلسفة الإسلامية في القاهرة.
- بحث ابن عربي في أروقة الجامعات المصرية.
- بحث الشيخ مصطفى عبد الرزاق المفترى عليه، وألقاه في ندوة معهد العالم العربي في باريس عن التصوف في مصر.
- بحث "ضرورة التجديد" وألقاه في المؤتمر العالمي للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة عام 2001.
بجانب ذلك لديه العديد من أبحاث التحقيق، ومنها:
- تحقيق رسالة "صحيح أدلة النقل في ماهية العقل" وكتب لها مقدمة باللغة الفرنسية.
- أيضًا كتب تحقيق لرسالة "المستصفى في علم الأصول" لأبي حامد محمد الغزالي، وكذلك "معيار النظر في علم الجدل" لأبي منصور عبد القاهر طاهر البغدادي.
ولفضيلة الشيخ سلسلة من المحاضرات التي ترجمت الكثير منها إلى الإنجليزية والفرنسية، ومنها محاضرة "أهل السنة والجماعة"، و"كلمة في المنهج الأزهري"، و"رأي في حوار الشرق والغرب"، وغيرها من المحاضرات.
تسلم فضيلة الشيخ العديد من التكريمات والأوسمة طوال فترة تقلده للمناصب المختلفة سواء رئيسًا لجامعة الأزهر أو شيخًا للأزهر الشريف، ومن هذه التكريمات التالي:
- جائزة الشخصية الإسلامية عام 2003 من سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي.
- وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من جلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية.
- شخصية العام الإسلامية لخدمة القرآن الكريم من جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عام 2013.
- شخصية العام الثقافية في مهرجان "القرين الثقافي" في دولة الكويت عام 2016.
- وسام دول الكويت ذا الوشاح من الدرجة الممتازة عام 2016 من الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت رحمه الله.
- وسام السجل الأكبر من جامعة بولونيا الإيطالية عام 2018.
- جائزة الأخوة الإنسانية من دار زايد في دولة الإمارات عام 2019 بعد حوار فضيلة الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان.
- حصل على صفة المواطن الفخري لمدينة سمرقند في دولة أوزباكستان تقديرًا لجهوده في نشر السلام والتسامح.
منذ توليه منصب مشيخة الأزهر في عام 2010 حصل على 6 دكتوراه فخرية من أماكن مختلفة، وهي كالتالي:
- الدكتوراه الفخرية من جامعة "الملايا" في كوالالامبور عام 2012 تقديرًا لجهوده في خدمة قضايا الإسلام.
- الدكتوراه الفخرية من جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية في إندونسيسا عام 2016، وفي العام نفسه حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة بني سويف المصرية.
- الدكتوراه الفخرية من جامعة أمير سونجكلا في تايلاند في الآداب والدراسات الإسلامية في عام 2017.
- الدكتوراه الفخرية من أكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية عام 2018، وجامعة أوراسيا الوطنية في كازاخستان في العام نفسه.
منذ توليه منصب مشيخة الأزهر قام شيخنا بالعديد من الجهود الإنسانية والعلمية لخدمة الإسلام، ونشر السلام والتسامح ومنها:
وهو مشروع أطلقه عام 2015 يتم من خلاله إيفاد مجموعات علمية من علماء شباب وفتيات متخصصين في العلوم الشرعية، ويرسلونهم إلى العديد من الدول في العالم لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام ونبذ الفكر الإرهابي والتطرف، ومواجهة الإسلاموفوبيا.
وجابت هذه القوافل العديد من الدول سواء في أوروبا أو آسيا، أو في قارة أفريقيا أو في الأمريكتين.
ولم تقتصر هذه القوافل على وفود علمية ودعوية فقط بل أنشئ قوافل إغاثة ودعوية داخل مصر وخارجها وانطلقت على العديد من المناطق المنكوبة التي تحتاج إلى إغاثة ومساعدات إنسانية.
وجابت هذه القوافل العديد من محافظات مصر، ودول العالم، حيث أرسلت قوافل إلى مخيمات مسلمي الروهينغا، وتشاد والصومال، وقطاع غزو، وأفريقيا الوسطى، وبوركينا فاسو.
إيمانًا من الأزهر بأهمية الانفتاح على الثقافات المختلفة حرص فضيلة الشيخ على إنشاء مركز لتعليم اللغات عام 2008.
ولعل هذا من أهم ما تداولته صحف الأخبار العالمية والمحلية في إطار تقوية الحوار الحضاري بين الأديان والشرق والغرب.
وكان هذا الحوار أول حوار بعد قطيعة وتور استمرت 10 سنوات، وفيها بادر فضيلة الشيخ بزيارة الفاتيكان في 25 كايو 2016 وبحثا سويًا تعديل اتفاق الحوار بين الطرفين الذي أبرمت عام 1989 لملائمة المستجدات.
وتوجت هذه العلاقات بزيارة البابا فرانسيس إلى مقر مشيخة الأزهر الشريف في أبريل عام 2017 في إطار زيارته للقاهرة للمشاركة في مؤتمر السلام العلمي الذي عقده الأزهر الشريف.
وأعقبت هذه الزيارة زيارة أخرى لفضيلة الإمام الأكبر إلى الفاتيكان عام 2017 على هامش زيارته لروما للمشاركة في جلسات حوار الشرق والغرب.
كان لفضيلة الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف العديد من الجهود لخدمة الإسلام والسلام والإنسانية فلم يتوان منذ توليه مشيخة الأزهر في أن يظهر دائمًا لتصحيح الأفكار المغلوطة عن الإسلام والدعوة إلى الوحدة والحوار والتسامح بين الثقافات والحضارات.