عرف المفكر الإسلامي التركي فتح الله كولن بدعوته إلى الحوار وتعزيز التفاهم والسلام العالمي، وقد امتد تأثيره ليشمل مجالات مختلفة، منها مجال السياسة والإعلام، واكتسب شهرة واسعة داخل وخارج تركي، كما أنه زعيم حركة كولن الشهيرة، ورغم شهرته، إلا أن مسيرته تحاط حولها الكثير من الجدل والشبهات، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.
من هو فتح الله كولن؟
محمد فتح الله كولن هو مفكر وواعظ وزعيم إسلامي تركي، ولد في 27 أبريل عام 1941 في أرضروم في تركيا، وهو واحد من أشهر المفكرين الإسلاميين في العالم الإسلامي.
يعد كولن كذلك شخصية سياسية وسطية في تركيا، وقد بدأ مسيرته المهنية بالعمل كإمام محلي حتى الثمانينات، واشتهر بانتقاداته الاجتماعية التي تركز على أخلاق الأفراد.
تأثر كولن بأفكار الإصلاح الديني والاجتماعي، وقد بدأ في إلقاء الخطب والدروس الدينية التي تركز على ذلك. عُرف كولن بعلاقته الوطيدة مع رجب طيب أردوغان، حيث قدم دعمه إلى حزب العدالة والتنمية في بداية الألفينات، ووفر للحزب الدعم السياسي والإداري الذي يحتاجه.
إلا أن علاقة كولن مع الحزب ساءت بمرور الوقت، وذلك بعد اتهام الحزب بأن كولن وراء التحريض على محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وقد سحبت منه الجنسية التركية، وطلبت تركيا من الولايات المتحدة تسليمه.
نشأته وحياته
ولد المفكر فتح الله كولن في كرية كورجوك في أرضروم، وقد نشأ في عائلة متدينة، فقد كان والده إمامًا، أما والدته فكانت معلمة قرآن كريم في القرية، وذلك رغم حظر الحكومة آنذاك التعليم الديني غير الرسمي.
درس كولن في مدارس الدولة العلمانية، كما أنه درس في بعض المدارس الدينية في أرضروم، وقد تأثر بفكر عالم الدين الإسلامي السني سعيد نورسي، وبدأ كولن في إلقاء الخطب كخطيب مرخص للدولة بداية من عام 1958.
مسيرته المهنية
بدأ فتح الله كولن مسيرته المهنية بالعمل كإمام مرخص من الدولة التركية بداية من عام 1958، وكان وقتها لا يزال في سن المراهقة، وفي عام 1959، تم تعيينه إمامًا مساعدًا في مسجد Üç Şerefeli في مدينة أدرنة، وقد ظل يمارس مهامه كواعظ وخطيب في المسجد حتى عام 1981.
في عام 1971، بدأ كولن بالتدريس في مدرسة قرآنية في إزمير، وخلال هذا العام، تم اعتقاله بتهمة تنظيم جماعة دينية سرية، وسجن لمدة 7 أشهر، وذلك بعدما استولى الجيش التركي على السلطة.
بعد خروجه من السجن، نمت شعبية كولن بشكل كبير في تركيا، وزاد عدد أتباعه خلال الثمانينات والتسعينيات، وقد ألقى عشرات الخطب في المساجد الشهيرة في المدن التركية الكبرى.
زاد الضغط على كولن بسبب القانون التركي العلماني آنذاك، والذي كان يتعمد حظر المساعي الدينية غير المعتمدة من قبل الدعوة، وقد تم التحقيق مع كولن أكثر من مرة؛ بسبب مساعيه لإنشاء جمعيات إسلامية في تركيا.
الهجرة إلى الولايات المتحدة
في نهاية التسعينات، انتقل فتح الله كولن إلى الولايات المتحدة من أجل العلاج، وظل هناك منذ ذلك الوقت، إلا أنه واجه ملاحقات قانونية في تركيا، فقد حكم عليه غيابيًا عام 2000 بتهمة دمج أنصاره في الخدمة المدنية التركية للإطاحة بالحكومة، كما نُشرت له بعض التصريحات في التلفزيون التركي، التي صرح بأنها أخرجت من سياقها، وتم التلاعب به.
في عام 2008، حصل غولن على البطاقة الخضراء في الولايات المتحدة، وذلك بعد تحريات دقيقة من الحكومة الأمريكية، وظل كولن مقيمًا في الولايات المتحدة منذ عام 1999 حتى وفاته عام 2024.
تأسيس حركة "الخدمة"
أسس فتح الله كولن حركة الخدمة خلال منتصف الستينات، وهي حركة مدنية تربوية ومجتمعية، هدفت إلى خدمة الإنسانية في مجال التربية والتعليم، وقد أسس أول مؤسسة لهذه الحركة في مدينة إزمير في منتصف السبعينات، وبعدها استقبلت مئات وآلاف الطلاب من جميع أنحاء تركيا عبر مؤسسات ومنشآت ومدارس في مختلف المدن التركية.
أصبحت حركة الخدمة واحدة من أكثر الحركات المدنية انتشارًا في تركيا وخارج تركيا، وامتدت أنشطتها التعليمية والثقافية في في 170 دولة حول العالم.
قامت الحركة على أفكار فتح الله كولن، التي نشرها عبر مؤلفاته ودروسه والمؤتمرات التي عقدها، وتهدف إلى بناء الإنسان وإعداده تربويًا وتعليميًا وفكريًا، وقد عمل على نشر تلك الأفكار عبر بناء المدارس والجامعات، وإنشاء دور نشر وإصدار الصحف والمجلات وتأسيس القنوات.
انتشرت حركته كذلك بفضل العمل الإنساني والإغاثي، وذلك من خلال جمعية "كيمسه يوكمو" التي تنتشر جهودها في عدد من الدول الآسيوية والأفريقية، وفي أمريكا الجنوبية.
أسست حركة فتح الله غولن حتى الآن حوالي 3 آلاف مدرسة داخل وخارج تركيا، وما يصل إلى 30 جامعة في عدد من الدول. يقوم المنهج الفكري لجماعة الخدمة على أفكار كتب النوري وكتب غولن، وقد تعرضت الحركة لانتقادات بسبب ضعف التركيز على القرآن الكريم وعلومه.
العلاقة بين فتح الله كولن وأردوغان
شهدت العلاقة بين المفكر الإسلامي فتح الله كولن وأردوغان تطورات كبيرة خلال السنوات، بداية من التحالف الوثيق وصولًا إلى الخصومة الشديدة، وهو ما جعل هذه العلاقة من أهم التحولات السياسية في تركيا خلال العقود الأخيرة.
بدأ العلاقة بين كولن وأردوغان في بداية الألفية الثالثة، وذلك مع ظهور حزب العدالة والتنمية، ورفع العوائق البنيوية أمام مشاركة الإسلاميين في الحياة المدنية تدريجيًا.
في ذلك الوقت، تقاطعت أهداف أردوغان وكولن في تعزيز الإسلام المعتدل، والحد من سيطرة الجيش على السلطة والسياسة، وقد كان لحركة "الخدمة" التي أسسها كولن لها دور كبير في دعم أردوغان وحزبه، وخاصة في السنوات الأولى من حكم أردوغان.
اتفق الطرفان على تقليص النفوذ العلماني في الدولة، وقد قدم كولن دعمًا غير مباشر لأردوغان عبر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية لحركته، رغم تأكيد بعدم اهتمامه بالسياسة.
ورغم العلاقة الجيدة بين الطرفين، إلا أنها لم تستمر طويلًا، فبدأت الخلافات تدب بينهما بسبب التبيان في الرؤية السياسية، وتزايد قوة حركة الخدمة، فرغم أن كولن يعيش في الولايات المتحدة، إلا أن تأثيره داخل تركيا ظل قويًا، بفضل شبكة المدارس والمؤسسات الإعلامية التي أسسها.
وفي المقابل، رأى أردوغان أن نفوذ كولن في أجهزة الدولة، وخاصة في القضاء والشرطة، يعتبر تهديدًا لسلطته، وقد وصل التوتر بين الطرفين ذروته في عام 2013، حينما اتهم أردوغان كولن وأتباعه بأنهم وراء تحقيقات بالفساد تورط فيها أفراد من دائرة أردوغان، وأن هذه التحقيقات محاولة للإطاحة بحكومته، إلا أن كولن نفى هذه التهم، وأكد عدم تدخله في الشؤون السياسية التركية بشكل مباشر.
في عام 2016، اتهم أردوغان كولن وأتباعه بأنهم وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، ومنذ ذلك الوقت، اعتبرت الحكومة التركية حركة "الخدمة" منظمة إرهابية، وبدأت في حملة تطهير واسعة شملت إقالة وسجن الآلاف من التابعين لهذه الحركة.
وطالت هذه الحملة معلمين وقضاة، وضباط عسكريين، وقد وصل عدد المعتقلين أكثر من 90 ألف مواطن تركي. كما أغلقت الحكومة التركية إمبراطورية غولن الإعلامية والتجارية بالكامل في تركيا.
استمر كولن في نفي هذه التهم، إلا أن الحكومة التركية طالبت الولايات المتحدة بتسليم جولن، ولكن المسؤولين الأمريكيين رأوا أن كولن غير مرتبط بأي نشاط إرهابي، وطلبوا من الحكومة التركية تقديم أدلة تثبت ادعاءاتهم.
ما هو مذهب فتح الله غولن؟
ولد المفكر الإسلامي فتح غولن في أسرة مسلمة سنية، وقد تأثر في سنوات مراهقته بأفكار الداعي الإسلامي الكردي سعيد النورسي صاحب كتاب "رسائل النور" وأصبح من أتباع التصوف.
ورغم مذهبه الصوفي، إلا أنه وضع الإسلام والقومية والليبرالي في كفة واحدة، وهو من دعاة أن الإسلام ليس أيدولوجية سياسية، وليس نظام حكم، كما أنه ليس شكلًا من أشكال السلطة.
كتب فتح الله كولن
ألف المفكر الإسلامي التركي فتح الله كولن العديد من الكتب التي وصل عددها إلى 60 كتابًا، وقد تناول في مؤلفاته مواضيع حول التصوف والتدين والتحديات التي تواجه الإسلام، وتناول كذلك موضوعات فنية وعلمية ورياضية.
ألف كون كتاب عن السيرة الذاتية اسمه "النور الخالد: الدراسة العلمية للسيرة النبوية"، وكتاب "نحو حضارة عالمية المحبة والتسامح"، و"من البذرة إلى الأرز: رعاية الاحتياجات الروحية لدى الأطفال". من مؤلفاته كذلك "الكلام وقوة التعبير" و"تأملات في القرآن الكريم"، و"رسول الله محمد".
جوائز وتكريمات
حصل فتح الله غولن على العديد من الجوائز والتكريمات، ومنها جائزة غاندي كينج إيكيدا للسلام عام 2015، بسبب جهوده لتعزيز السلام وحقوق الإنسان من كنيسة مارتن لوثر كينج جونيور الدولية.
في عام 2013، تم اختياره ضمن قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة، وفقًا لمجلة تايم الأمريكية، كما تم إدراجه ضمن قائمة أكثر 500 مسلم نفوذًا من المركز الملكي للدراسات الإستراتيجية الإسلامية في الأردن.
وفاة فتح الله كولن
توفي فتح الله كولن في 20 أكتوبر عام 2024 عن عمر 83 عامًا في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد توفي بعد صراع مع المرض، حيث كان يعاني من قصور في القلب والكلى.