عرف الأديب والدبلوماسي السعودي غازي القصيبي بثراء تجاربه الأدبية والفكرية، فقد أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب والدواوين الشعرية، كما شغل العديد من المناصب الدبلوماسية الهامة، وقد تنوعت المجالات التي كتب عنها في الدين والسياسة والتنمية وغيرها، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.
حياة غازي القصيبي ونشأته
غازي بن عبد الرحمن القصيبي هو شاعر وأديب وسفير ودبلوماسي ووزير سعودي ولد في 2 مارس عام 1940 في مدينة الأحساء في السعودية، وقد عاش فترة من طفولته في مدينة الهفوف.
توفيت والدة القصيبية بعد ولادته بفترة قليلة، وقد عاش مع والده الذي وصفه بالقاسي جدًا، ومع جدته لأمه التي كانت تتصف بالحنان المفرط، وكان هذا التباين في التربية لم يكن له تأثير سلبي عليه كما يتوقه، وإنما تمكن من الخروج من ذلك المأزق بمبدأ مهم، ألا وهو: "السلطة بلا حزم تؤدي إلى تسيب خطر، والحزم بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة".
انتقل بعدها مع أسرته إلى العاصمة البحرينية المنامة، ودرس فيها المرحلة المتوسطة والثانوية، ثم سافر إلى مصر وهناك درس الحقوق وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة القاهرة.
حصل القصيبي بعدها على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا، ثم أكمل درجة الدكتوراه في نفس التخصص من جامعة لندن، وذلك في عام 1967.
مسيرته المهنية
بدأ الدكتور غازي القصيبي مسيرته المهنية بعمله أستاذًا مساعدًا في كلية التجارة في جامعة الملك سعود في الرياض، وذلك في عام 1965، وفي عام 1971 تم تعيينه عميدًا لكلية التجارة في الجامعة نفسها.
عمل القصيبي أيضًا مستشارًا قانونية في عدة مكاتب استشارية، كما عمل في وزارتي الدفاع والطيران والمالية وفي معهد الإدارة العامة كذلك. في أوائل عام 1966 اختاره الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز عضوًا في لجنة السلام السعودية اليمنية، وذلك لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن.
في عام 1973 تم تعيينه مديرًا للمؤسسة العامة للسكك الحديدية، وفي عام 1975 تم اختياره وزيرًا للصناعة، وفي العام التالي شغل منصب وزير الكهرباء، وفي عام 1982 تم تعيينه وزيرًا للصحة، وأعفي من هذا المنصب بعد عامين بسبب خلافات شخصية وفقًا لما قاله.
بعد شهر من قرار إعفائه من وزارة الصحة تم تعيينه سفيرًا للسعودية في البحرين، وفي عام 1992 تم تعيينه سفيرًا في لندن، وعاد إلى السعودية عام 2003، وعين وزيرًا للمياه والكهرباء، ثم وزيرًا للعمل في عام 2005، وقد ظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته عام 2010.
مسيرته الأدبية والفكرية
أثرى غازي القصيبي المكتبة العربية بالعديد من الكتب والمؤلفات والدواوين، ويعد القصيبي من رواد المدرسة الرومانسية في الخليج، وقد سببت بعض رواياته مشكلات عدة وانتقادات حادة بسبب اتهام البعض بمخالفة الدين.
انفتح القصيبي أيضًا على الحداثة في أعماله الأدبية، وقد ناقش قضايا وطنية واجتماعية في العديد من مؤلفاته، واشتهر بمساندة القضايا العربية، وقد حظيت العديد من المؤلفات بالمنع من الهيئات الرقابية في المملكة.
ألف القصيبي حوالي 60 مؤلفًا في عدة مجالات، واشتهرت دواوينه بشكل خاص الذي كتب فيها عن القضايا العربية والوطنية، كما له مؤلفات في الفكر والدين والسياسة وعدة روايات.
روايات غازي القصيبي
كتب القصيبي العديد من المؤلفات في فن الرواية والقصة، ومنها "شقة الحرية" والتي منعت من التداول لفترة في السعودية، وتحدثت عن مجموعة من الشبان يعيشون في السعودية وتفصل التيارات الفكرية لدى الشباب العربي في الفترة ما بين عام 1948 حتى عام 1967.
من رواياته أيضًا "دنسكو" وتتحدث الرواية عن قصة مرشحين من عدة قارات يتنافسون للفوز برئاسة منظمة دنسكو، وقد أصدر الرواية بعد خوضه هذه التجربة عام 1999.
أصدر أيضًا كتاب "أو شلاخ البرمائي" ومزج فيها بين الخيال الواقع، وتتحدث الرواية عن شخص عربي يقول الأكاذيب، وفي روايته إسقاطات على الواقع العربي. ومن رواياته الهامة أيضًا رواية "العصفورية" التي تم تصنيفها في المرتبة 35 في قائمة أفضل 100 رواية عربية.
وصلت عدد روايات غازي القصيبي إلى 12 رواية تقريبًا، منها "بيت"، و"حكاية حب"، و"رجل جاء وذهب"، و"هما"، و"سعادة السفير"، و"الجنية"، كما كانت له كتب عن سيرته الذاتية، ومنها "حياة في الإدارة"، و"الوزير المرافق"، و"العودة سائحًا إلى كاليفورنيا".
أشهر كتب غازي القصيبي
وكان كتاب "حياة في الإدارة" للكاتب غازي القصيبي واحدة من أشهر كتبه على الإطلاق، وهي ترجمة ذاتية تناول فيها سيرته بداية من التعليم الأولي حتى تم تعيينه سفيرًا في لندن عام 1992، وقد بلغ عدد طبعات الكتاب أكثر من 19 طبعة.
تم إدراج كتابه كمقرر ضمن مناهج التعليم الثانوي عام 2018 بهدف إطلاع الطلاب على علم الإدارة، وتناول القصيبي في كتابه تجربته وطريقته في إدارته المناصب المختلفة التي تولاها، كما حكى واقف وطرائف واجهته خلال رحلته.
ومن مقولات غازي القصيبي في هذا الكتاب: "أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو في حقيقته هزيمة ترتدي ثياب النصر".
"يمكن تلخيص أسلوبي في التدريس على النحو التالي: لا يمكن للمادة أن تكون مفيدة ما لم تكن مشوقة، ولا يمكن أن تكون مشوقة ما لم تكن مبسطة، ولا يمكن أن تكون مفيدة ومشوّقة ومبسطة ما لم يبذل المعلم أضعاف الجهد الذي يبذله الطالب".
قصائد غازي القصيبي
أبدع غازي القصيبي في فن شعر والقصيدة، وقد نشر أول قصيدة له عندما كان سفيرًا سعوديًا في لندن، ونشرها في صحيفة الحياة وكانت بعنوان "الشهداء" وفي هذه القصيدة أثنى على آيات الأخرس، التي نفذت عملية استشهادية عام 2002 في سوق بالقدس الغربية.
وجاء في هذه القصيدة:
قل لآيات يا عروس العوالي
كل حسن لمقلتيك الفداء
حين يخصى الفحول.. صفوة قومي
تتصدى للمجرم الحسناء
تلثم الموت وهي تضحك بشرا
ومن الموت يهرب الزعماء..
كان يُطلق على القصيبي لقب "سندباد الشعر السعودي الحديث" فقد تمكن من ترجمة بعض أشعاره إلى اللغة الإنجليزية، ومنها ديوان "الشرق والصحراء".
كتب القصيبي العديد من القصائد المغناة، ومنها "لورا تلك لورا"، و"أجل نحن الحجاز ونحن نجد"، و"كالحلم جئت"، و"مشرق النور"، و"مغرورة"، و"سلمت يداك"، وكلها قصائد غناها الفنان محمد عبده.
ديوان غازي القصيبي
أصدر القصيبي العديد من الدواوين، ولعل أشهرها ديوان له "معركة بلا راية" عام 1970، وقد سبب له هذا الديوان انتقادات عادة من علماء ودعاة مسلمين، وطالبوا فيها بتأديب القصيبي، وقد طالب الملك فيصل بن عبد العزيز بتشكيل لجنة للنظر في مدى مخالفة الديوان للدين، وتمت تبرئته من هذه التهمة.
أصدر أيضًا ديوان "أشعار من جزائر اللؤلؤ"، و"ديوان الشرق والصحراء" الذي ترجمه إلى اللغة الإنجليزية، ونجح في الوصول إلى قراء الإنجليزية.
وفاة غازي القصيبي
توفي الدكتور غازي القصيبي يوم الأحد 5 رمضان عام 1431 الموافق 15 أغسطس عام 2010 عن عمر 70 عامًا في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، وذلك بعد معاناة مع المرض.