أول مخرجة مصرية في السينما صاحبة لقب "أم السينما المصرية" إنها الفنانة عزيزة أمير التي على مدار ربع قرن عرفت بمسيرتها الفنية الناجحة في الإخراج والتمثيل والكتابة، وبجانب هذا كانت حديث الناس بسبب حياتها الشخصية المليئة بالكثير من الأزواج وعدد من العشاق، تعرف على مسيرتها الفنية في السطور التالية.
حياة عزيزة أمير ونشأتها
مفيدة محمد غنيم هي ممثلة، ومنتجة، ومخرجة ومؤلفة مصرية ولدت في 17 ديسمبر عام 1901 في مدينة الإسكندرية لأسرة فقيرة تعود أصولها من مدينة دمياط. بعد ولادتها بأسبوعين تقريبًا توفي والدها؛ ولهذا السبب انتقلت الأسرة إلى القاهرة.
عاشت أسرتها في شارع خيرت بالقاهرة القريب من حي السيدة زينب أحد أكثر أحياء مصر حيوية، وتأثرت مفيدة بهذه الأجواء الجديدة، وبدأ حبها للفن، فقد كانت تجوب الشوارع لتبحث عن صور فنانينها المفضلين في المتاجر المختلفة.
التحقت مفيدة بالمدرسة في القاهرة، ولكنها لم تكمل تعليمها، وفضلت تعليم نفسها العلوم المعرفية، فتعلمت مبادئ الموسيقى، وتمنت أن تصبح موسيقية، ثم تعلمت اللغة الفرنسية.
كان الغموض هي السمة البارزة في العقدين الأولين من حياة مفيدة، حيث ظهرت شائعات تقربها من أحد رجال الأعمال البارزين، وزواجها من سياسي مصري بارز، ولكنها رفضت تأكيد هذه الأقاويل أو نفيها.
يُقال إن مفيدة تزوجت من رجل أعمال مصري شهير وهي في الرابعة عشرة من عمرها، ورأت فيه الأب الذي حُرمت منه منذ صغرها، ويقال إن رجل الأعمال هذا هو سمسار البورصة الستيني "إيلي درعي" الذي ارتبط اسمه بالعديد من الفنانات الصاعدات، وكان يقدم مفيدة علانية على أنها عشيقته.
يُقال إنه تزوجها لاحقًا ثم تم الانفصال بينهما بسبب فرق السن الكبير بينهما، كما أنه كان متزوجًا وله أولاد من زوجته الأولى. وقد قام هذا الرجل بتثقيفها وتعليمها، واصطحبها معه إلى أوروبا، فأحبت الفن والأدب وترددت على المسارح والسينمات هناك.
رجال في حياتها
تزوجت عزيزة أمير 4 مرات بجانب عدد من العشاق، وأول رجل في حياتها هو سمسار البورصة الستيني إيلي درعي الذي كان يُعرفها على أنها عشيقته، وقد قام بتثقيفها وتعليمها وسافرت معه إلى أوروبا.
بسبب فارق السن الكبير بينهما، وبسبب رفضه لعملها في التمثيل ابتعدت عنه أميرة وغيرت اسمها من مفيدة إلى عزيزة وبدأت التمثيل في المسرح، وقد اعترفت أنها كانت تسرق منه الأموال لكي تعمل في المسرح.
تزوجت أميرة بعد ذلك من أحمد الشريعي في شهر فبراير عام 1927، عمدة سمالوط وأحد أثرياء الصعيد، وقد رفض في البداية عملها في التمثيل، وكان زواج الشريعي منها بمثابة فضيحة للعائلة.
بمرور الوقت خفتت معارضة الشريعي بمهنتها وقدم لها الدعم المادي والعاطفي لها، وساعدها في بدأ مسيرتها السنيمائية وبدأت شركة أفلام اسمها "إيزيس" التي أسسها الزوجان ونتج عنها إنتاج فيلم صامت اسمه "ليلى".
بعد مرور إحدى عشرة سنة على الزواج بدأت الخلافات تدب بين الزوجين، وخصوصًا بعد أن علمت عائلة الشريعي بهذا الزواج وطلبت منه أن ينهيه على الفور، وهو ما فعله، حيث انفصلا عام 1933.
لم تكتفِ عزيزة بالطلاق منه، وإنما قررت الانتقام فتزوجت من أخيه الأصغر مصطفى الشريعي، وهو تصرف متوقع من نجمة جامحة مثلها.
في عام 1939 بدأت عزيزة بالعمل في فيلم "بائعة التفاح" ومن خلال هذا الفيلم تعرفت على زوجها المستقبلة محمود ذي الفقار، التي وقعت في غرامه وقررت الانفصال من زوجها مصطفى.
كان ذو الفقار وقتها ممثل وسيم عمره 23 عامًا، وعُرف عنه سوء معاملته لكل زوجاته، ومنهم عزيزة، ولكن بالرغم من ذلك كانت تقول دائمًا أنه حب حياتها. أسست عزيزة مع ذي الفقار شركة للإنتاج الفني وقدمها معًا عدة أفلام ناجحة.
لم تنجب عزيزة مطلقًا، وقد صرحت أنها شعرت بالحسرة بسبب عدم تجربتها الأمومة، وقد حملت مرة واحدة ومات مولودها بعد دقائق من الولادة.
ربت عزيزة ابنة أختها وكانت تعتبرها بمثابة ابنتها، وفي أيامها الأخير سافرت معها ابنة أختها في رحلة علاجها في الآخر، وكانت تناديها ب"ماما زوزو".
وفاتها
في أوائل الخمسينيات اكتشفت عزيزة أنها تعاني من مرض عضال، فاعتزلت التمثيل واتجهت إلى كتابة السيناريو في فيلم "خدعني أبي"، ثم اتجهت إلى كتابة فيلم "آمن بالله" التي قامت بدور البطولة فيه" وناقشت قضية عدم الإنجاب.
سافرت عزيزة للعلاج في الخارج، وعادت إلى القاهرة وابتعدت عن الوسط الفني لمدة شهرين، وعاشت على المسكنات لتخفيف آلامها المزمنة، وتوفيت في 28 فبراير عام 1952، ولم تتمكن من مشاهدة آخر أعمالها الفنية "آمنت بالله".
حوادث تعرضت لها
تعرضت عزيزة لأكثر من حادث كانت ستموت بسببهم، الأول عندما انحرفت سيارتها على طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي، ولكنها نجت بأعجوبة.
المرة الثانية أثناء جولة في النيل، حيث كاد المركب أن يغرف بسبب موجة عالية ملأ القارب بالماء، وكانت ستغرق لولا إنقاذ الناس لها.
مشوارها الفني
بدأت عزيزة أمير حياتها المهنية في فرقة مسرح "رمسيس المسرحية" التي أسسها يوسف وهبي، وقد بدأت حياتها الفنية بكذبة جريئة، حيث تظاهرت بأنها فتاة ثرية من طبقة أرستقراطية، وذهب لتقديم تجارب الأداء في الفرقة.
بعد قبولها في الفرقة اعترفت عزيزة ليوسف وهبي أنها كانت تسرق المال من الرجل الذي كان يرعاها لكي تمثل دور الفتاة الأرستقراطية، وكان هذا الرجل رافضًا لرغبتها في التمثيل.
أعطاها يوسف وهبي بعد ذلك اسمها الفني "عزيزة أمير" ومنحها دورها المسرحي الأول في 25 ديسمبر عام 1925 في مسرحية "الجاه المزيف" التي فتحت الطريق لعزيزة لعالم النجومية بسبب أهمية هذا الدور.
بعد هذه المسرحية أصبحت عزيزة الممثلة الأعلى أجرًا في مصر، حيث كانت تحصل كل شهر تقريبًا على 30 جنيهًا مصريًا.
شاركت عزيزة بعد ذلك في مسرحية "نابليونيت" وتمكن من جذب انتباه زوجها الأول أحمد الشريعي عمدة سمالوط، وكان يشاهد المسرحية مرارًا وتكرارًا حتى قرر الزواج منها.
مع الشريعي بدأت عزيزة شركة أفلام "إيزيس" وكان أول إنتاجاتها فيلم "ليلى" وهو أول فيلم روائي طويل بتمويل وتنفيذ مصري، وكان بمثابة ميلاد السينما المصرية.
لم تتمكن عزيزة من إنتاج الفيلم بسهولة، ولكنها ثابرت حتى تمكن من إخراج الفيلم للنور، ففي البداية لم يرغب أحد في العمل معها، باستثناء المخرج التركي وداد عرفي الذي انجذب إلى ثروة عزيزة في البداية.
وقعت عزيزة معه عقدًا لكتابة فيلم "نداء الله" ولكن بمرور الوقت تأكدت عزيزة أن عرفي يفتقر للموهبة، فبعد تصوير الفيلم عرضته على مجموعة من الأصدقاء المقربين الذين شعروا بالملل بسبب المشاهدة الطويلة والمملة.
فسخت عزيزة عقدها مع عرفي وبدأت المشروع من جديدة تحت اسم "ليلى" من إخراج سيتفان روستي والمصور الإيطالي توليو تشياريني، وعرض الفيلم لأول مرة في سينما متروبول في 16 نوفمبر عام 1927.
على الرغم من تلقيها العديد من الانتقادات والإحباطات في بادئ الأمر، وتوقعات كبيرة بفشل تجربتها تلك، ولكنها بعد ذلك تلقت تهنئة من العديد من الشخصيات، ومنها طلعت حرب الذي جاء ليهنئها على نجاح الفيلم بعد أن نصحها بالتخلي عن حلمها المستحيل.
منذ هذه اللحظة حصلت عزيزة أمير على لقب "مؤسسة السينما الوطنية"، وجذب النجاح المادي للفيلم اهتمام رجال الأعمال، وفي هذه الفترة زادت شركات الإنتاج، وشُيدت الاستوديوهات، كما سافر الطلاب لدراسة السينما للخارج.
كررت عزيزة تجربتها السينمائية الثانية في فيلم "بنت النيل" عام 1929 بعد تأسيسها مجمع ستويدو هليوبلوليس، وفي هذا الفيلم انتقدت بشجاعة التنميط العنصري بأن النساء المصريات رجعيات.
تم تصوير الفيلم في الإسكندرية وأسوان والأقصر بميزانية تصل إلى 20 ألف جنيه، وتسابقت محلات الأثاث على تقديم الأثاث الذي سيظهر في الفيلم.
قامت عزيزة بعد ذلك بتوسيع تجربتها الفنية بمشاركتها في أفلام أجنبية فشاركت في فيلم فرنسي باسم "الفتاة التونسية" عام 1931، وفيلمين تركيين، وهما "الكاتب المصري"، و"شوارع إسطنبول" عام 1932.
كانت تجربتها في الأفلام الأجنبية تلك مدفوعة بتعثر مالي، فقد رغبت في إنتاج فيلم صامت في وقت زادت فيه هيمنة الأفلام الناطقة.
في الثلاثينيات تعرضت عزيزة للانتقادات بشدة بسبب أفلامها، وهو ما سبب لها خسارة مالية، واضطرت إلى بيع كل ما تملك، ومنه الاستوديو الخاص بها.
في عام 1939 تمكنت عزيزة من العودة إلى مكانتها الفنية مجددًا، حيث أنتجت ولعبت دور البطولة في فيلم "بائعة التفاح" الذي شارك فيها محمود ذو الفقار الممثل الوسيم صاحب الـ23 عامًا.
بعد زواجها من ذي الفقار أسسا معًا شركة أفلام "عزيزة" ونتج عن هذه الشراكة إنتاج عدد من الأفلام التجارية والفنية، وقدما معًا موضوعات حيوية وسياسية وجدلية في أفلامهما، فقد كانت أول من قدمت القضية الفلسطينية في السينما العربية في فيلم "فلسطين" عام 1948، وفيلم "نادية" عام 1949.
بعد أن اكتشفت مرضها في أوائل الخمسينيات اعتزلت عزيزة التمثيل وركزت على كتابة السيناريو، فكتبت سيناريو فيلم "خدعني أبي" وحكت فيه حسرتها على عدم تجربة الأمومة، وكانت هذه الحسرة الدافع في لعب دور البطولة للمرة الأخيرة في فيلم "آمنت بالله" عام 1952 التي توفيت قبل أن ترى نتاج عملها.
إذا نظرنا على إنتاج عزيزة أمير الفني وإرثها السينمائي سنجد أن أعمالها تمحورت حول النساء المصريات في وقت كان يهيمن فيه الرجال على السينما، وجسدت أدوار بينت فيه الصلابة والمعاناة والمثابرة.