يعد الشاعر السوداني عبدالله شابو واحد من أبرز الشعراء السودانيين الذين تركوا بصمة في الأدب السوداني المعاصر، وقد تميز شعره بتجسيد مشاعر الغربة والحنين، وتناول في قصائده معاناة السودانيين في الداخل والخارج، وعكس رؤى فكرية وإنسانية حول الهوية والوطن والانتماء، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.
من هو الشاعر عبدالله شابو؟
عبد الله موسى إبراهيم، الشهير بعبد الله شابو، هو شاعر ومهندس سوداني، ولد في عام 1938 في مدينة الكوة في ولاية النيل الأبيض في السودان، وهو واحد من أبرز شعراء السودان.
نشأ شابو في بيئة ثقافية تأثرت بالتحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها البلاد، وقد بدأ في كتابة الشعر في سن مبكرة، وعبر في قصائده عن هموم الشعب السوداني وتطلعاته للمستقبل.
خلال مسيرته، مزج شابو بين المشاعر الخاصة والعامة في قصائده، وأصبح شعره صوتًا للمغتربين والمهمشين، وعبر عن مشاعر الحنين للوطن والضياع في الغربة، واستخدم لغة شعرية بسيطة وعميقة في آن واحد لامست الوجدان السوداني، وعكست القضايا الإنسانية العالمية، مثل الهوية والاغتراب.
ساهم شابو في إثراء الأدب السوداني المعاصر، وشارك في فعاليات أدبية محلية ودولية، وكان له حضور مميز في المشهد الثقافي في السودان، وهو ما جعله أحد الأصوات الأدبية البارزة ورائد الشعر في السودان.
نشأته وتعليمه
ولد الشاعر عبدالله شابو في مدينة الكوة في ولاية النيل الأبيض، وقد درس المرحلتين المتوسطة والثانوية في كوتسي، وبعدها سافر إلى مصر، ودرس في المعهد الفني في الفترة من عام 1957 حتى عام 1960، وتخرج فيها ليصبح مهندسًا في هندسة التبريد.
انتقل بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعاش فيها لمدة 3 سنوات، وقد عمل مدرسًا في الكلية المهنية وللمرحلة الثانوية. أحب شابو الكتابة منذ صغره، وقد وكان ينشر كتاباته منذ أن كان عمره 15 عامًا، حيث كان يراسل صحيفة الصراحة.
تعلم شابو اللغة الإسبانية في المرحلة الثانوية، وقد كانت رحلته مع الإسبانية عن طريقة الصدفة، فقد علم أن هناك مدرسًا في مدرسته يتقن اللغتين الإسبانية والإنجليزية، فطلب منه تعليمه الإسبانية مقابل أن يعلمه اللغة العربية والتراث الإسلامي، فتعلم الإسبانية ولم يتعلم هو العربية.
مسيرته الأدبية
يعد الشاعر السوداني عبدالله شابو من رواد التفعيلة الواحدة في السودان، وقد أصدر خلال حياته 5 دواوين شعرية كما عمل بالترجمة، وترجم أشعارًا باللغتين الإسبانية والإنجليزية، وله ترجمات مهمة لأبرز الشعراء الإسبان، مثل لوركا، وبابلو نيرودا، وريتشارد باريد وغيرهم.
ديوان شابو الأول بعنوان "أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين" والتي صدرت عن دار الهنا في القاهرة عام 1968. ثم أصدر مجموعته الشعرية الثانية بعنوان "حاطب ليل" عن دار جامعة الخرطوم عام 1988.
وتبعهما ديوانان آخران، وهما شجر الحب الطيب "، وديوان "أزمنة الشاعر الثلاثة" عن دار عزة عام 2004، وآخر دواوينه بعنوان "إنسان يحدث الناس" عن المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون عام 2011.
اعتمد الشاعر شابو على أبعاد فلسفية وفكرية في حياته، وذلك بسبب عيشه تحولات عالم السياسية والفكرية بعد الحرب العالمية الثانية، فضلًا عن تجربة العيش في الولايات المتحدة.
كتب شابو الشعر مبكرًا، فقد كان ينشر قصائده في صحيفة الصراحة منذ أن كان عمره 15 عامًا، وكانت أول قصائده بعنوان "وجدانيات صرفة" وهي القصيدة التي قدمته إلى المجتمع الأدبي في بلده.
خلال مسيرته، حصل شابو على جائزة "الطيب صالح" عام 2015، وذلك تكريمًا وتقديرًا لدوره المهم في الإبداع السوداني، ولكونه واحد من أهم رواد الجيل الثاني من قصيدة التفعيلة في السودان.
شغل شابو خلال حياته العديد من المناصب الأدبية، منها أنه كان رئيس رابطة الكتاب السودانيين، ورئيس نادي الشعر السوداني في اليونسكو، وقد كان يكتب في عدة صحف سودانية، منها جريدة الأيام.
تأسيس حركة أبادماك
بدأ الشاعر السوداني عبدالله شابو يساريًا، وهو من الشعراء المؤسسين لتيار "أبادماك" الأدبي، واقتبس الاسم من اسم الآلهة السودانية القديم، وقد كان تيارًا شارك فيه عدد من الشعراء والكتاب أرادو من خلاله المساهمة في التنوير.
شغلت هذه الحركة الناس خلال فترة الستينات، ويقول عنها شابو بأنه لم تكن تيارًا بالمصطلح الثقافي، ولكن كانت تنظيمًا أدبيًا تهدف إلى تغيير العالم سياسيًا، ولكن لم تستمر الحركة كثيرًا بسبب تمرد الكثيرين عليها.
ترك شابو الحركة، وعن تركه اليسار قال: "أنا عبد الله شابو الشاعر فقط، دخلت اليسار وخرجت منه. الإنسان كلما كبر وازدادت معارفه نضج. هذا النضوج يجعله مراجعًا لمواقفه السابقة وأكثر انفتاحًا على لإنسانية. أما الأيدولوجيا، فقد يخاصمها أو يستمر فيها".
دوره في حركة "الغابة والصحراء"
كان الشاعر السوداني عبدالله شابو من الشعراء السودانيين المؤسسين لحركة "الغابة والصحراء" الأدبية، بجانب شعراء آخرين، منهم محمد المكي إبراهيم، ويوسف عيدابي، ومحمد عبد الحي، والنور عثمان أبكر وغيرهم.
هدفت الحركة إلى الجمع بين الثقافة العربية والأفريقية، ورأت أن السودان دول هجينة، وقد رمزت الحركة إلى الثقافة العربية بالصحراء، والثقافة الأفريقية في الغابة.
قصائد عبدالله شابو
لدى الشاعر عبدالله شابو العديد من القصائد، ومنها:
أحبابي
لو كان الحزن دموع
لو أنّا بالعين نحس
ما يبست في شفة الشعر الغنوة
لو كان الحزن يشم
نزفت رئتاي الدم
وطلعت عليكم
جمر الحرقة يشوي كَفيّ
لكني أخجل أن تفضحني أنّة
والدرب طويل
والصبر على المكروه سلامة.
من قصائده أيضًا قصيدة "الزمن الأول آفاق السعد"، وفيها يقول:
مْن ثُقبْ الشُبّاك تَداعَى صَوْتْ
شَهقةُ موسيقى
والصمتُ يُعِّرشُ في أرجاءِ البيتْ
ما أقسى أن تعرفَ لكنْ لا تَقوى أن تفعلْ
أن تُدركَ أنّ الوقتَ يَمرُّ ولا توقِفُهْ
فارغةٌ فارغةٌ كأسي والليلُ طويلْ
بالأمسِ دخلتُ السوقَ على غرة
وأضبِعة وجهِ الحكمةِ في طابورِ الزيف
يا مطر الصيفْ
غضِبتْ آلهةُ الدنيا لا تُمطر
ضَحَكَ الشاعرُ
يا أحبابَ القهوةِ يا أحباب
قلبي صحراء تمتدُ وتمتد
وصخورٌ ناتئةٌ سوداء
ضَحِكَ الشاعر
قالوا أسعدُ مِنْ وطأت قَدماهُ الأرض
وفاته
توفي الشاعر السوداني عبدالله شابو في 30 أكتوبر عام 2022 عن عمر يناهز 80 عامًا في العاصمة السودانية الخرطوم بعد صراع مع المرض.