يعد الخبير الاقتصادي والأديب السعودي عبدالرحمن منيف أحد أعمدة السرد العربي في العصر الحديث، وعرف برواياته وكتاباته الصحفية المتنوعة ما بين السياسة والأدب والفن وغيرها، تعرف على حياته ومسيرته الأدبية في السطور التالية.
حياة عبدالرحمن منيف ونشأته
عبد الرحمن بن إبراهيم المنيف هو أديب وخبير اقتصادي وناقد سعودي ولد في 29 مايو عام 1933 في عمان الأردن، وعاش فترة في طفولته في إمارة شرق الأردن ثم انتقل للعيش بعد ذلك في المملكة العربية السعودية.
غادر والده إبراهيم بن علي المنيف مع إحدى القوافل التجارية من بلدته قصيبا في عيون الجواء شمال مدينة بريدة حوالي عام 1883 وظل يتنقل بين مناطق العراق والشام حتى استقر في الأردن.
كان والده يعمل في تجارة المواشي والمواد الغذائية، وتزوج أكثر من مرة من مكة وخارجها، ثم تزوج من نورة الجمعان عام 1931، وكان والدها سليمان بن محمد الجمعان أحد أبناء قرية الروض بعيون الجواء في منطقة القصيم، ويعد أفراد العقيلات من أهالي المنطقة المقيمين في العراق.
بعد ولادة عبد الرحمن بثلاث سنوات توفي والده فنشأ يتيم الأب ترعاه أمه وجدته لأمه وهي من أصل عراقي.
أتم عبد الرحمن دراسته الأولى في الأردن، وحصل على الشهادة الثانوية هناك سنة 1952، وتعد الفترة التي عاش فيها في الأردن من أكثر المراحل أهمية في حياته، ففترة الأربعينيات في الأردن كانت لها تأثير كبير على تكوينه على الصعيد الشخصي، وقد كتب ذلك في كتابه "سيرة مدينة".
وبعدها انتقل إلى العراق ودرس الحقوق في جامعة بغداد حتى عام 1955، حيث تم إبعاده عن الجامعة بقرار سياسي مع مجموعة من الطلاب العرب.
لذا قرر عبد الرحمن السفر إلى مصر لإكمال دراسته هناك، وبعدها ارتحل إلى يوغسلافيا عام 1958 لإتمام دراسته العليا في جامعة بلغراد، وحصل عليها بالفعل عام 1961، حيث حصل على الدكتوراه في الاقتصاد في مجال اقتصاديات النفط والأسواق والأسعار.
وفاته وتخريب قبره
توفي عبدالرحمن منيف في 24 يناير عام 2004 عن عمر ناهز سبعين عامًا بسبب أزمة قلبية، ودفن في مقبرة الدحداح في العاصمة السورية دمشق.
وفي أواخر مايو عام 2007 تم تخريب قبره دون التعرض إلى رفاته، وقد أدت هذه الحادثة إلى نشوء العديد من التكهنات عن أهداف هذا التخريب.
حياته الأدبية
بدأ عبدالرحمن منيف حياته الأدبية في الصحافة عام 1973 عندما غادر دمشق إلى بيروت، حيث عمل في مجلة "البلاغ" وهي مجلة سياسية لبنانية وأصدر فيها باكورة أعماله وهي رواية بعنوان "الأشجار واغتيال مرزوق" وذلك عام 1973.
عاد عبد الرحمن بعد ذلك للإقامة في بغداد، وهناك تولى رئاسة تحرير مجلة "النفط والتنمية" وهي مجلة اقتصادية وظل في هذه المهنة حتى عام 1981، وبعدها اتجه لكتابة المقالات فقط.
غادر عبد الرحمن بعد ذلك إلى فرنسا، وهناك تفرق لكتابة أعماله الأدبية في الرواية ومؤلفات أخرى في عدة مجالات منها الاقتصاد والسياسة والسير الذاتية والثقافة وغيرها.
اتجه عبد الرحمن إلى العمل الأدبي بعد أن بلغ الأربعين من عمره، وقد ركز في كتاباته الأدبية على حرية الإنسان، ويُلاحظ اهتمامه بالسياسية العربية الذي تناولها في العديد من الكتب الذي ألفها.
لوحظ في رواياته قدرته على استيعاب الألفاظ والتعابير التي أحدثتها الثقافة العربية المعاصرة، وخاصة ما ترتبط بالمصطلحات العلمية الحديثة، ويختار منها ما ينسجم مع الثقافة العربية.
ساهم عبد الرحمن في إثراء المكتبة العربية بما يزيد عن 30 كتابًا، والتي شملت أعمالاً روائية ومؤلفات فكرية ونقدية في فنون الرواية والفن التشكيلي، والسير الذاتية وغيرها، وأدرجت أعماله ضمن برامج التعليم في جامعات أوروبية وأمريكية.
ترجمت رواياته وأعماله الأدبية إلى ما يقارب من 20 لغة حية وذلك تحت رعاية منظمة اليونسكو، ويرى العديد من النقاد أن مسار السرد الروائي لا بد أن يمر على منيف بعد نجيب محفوظ مباشرة.
استطاعت أعماله الأدبية أن تحكي بنية المجتمع العربي والمصري بكل تحولاته من ناحية، ورصد التحولات الحضارية العربية من ناحية أخرى، وظهر ذلك جليًا في باكورة أعماله الأدبية رواية "الأشجار".
ففي رواياته استطاع أن يعكس الواقع السياسي والاجتماعي في الوطن العربي، ويعكس كذلك النقلات الثقافية العنيفة التي شهدتها المنطقة العربية وخاصة الخليجية، ولكن الجانب الأهم هو معايشته التحولات التي أحدثتها الثروات الطبيعية من تحولات في بنية المجتمع السعودي والعربي.
تنقل عبد الرحمن إلى العديد من العواصم والمدن العربية والعالمية بداية من عمان إلى بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت وبلغراد وباريس، وكل هذه التنقلات جعلته مطلعا على الثقافات العربية والعالمية.
أهم مؤلفاته
كما ذكرنا سابقًا كتب عبدالرحمن منيف ما يقرب من 30 كتابًا في مجالات متنوعة، وإليك أهم الكتب التي ألفها:
رواية "مدن التاريخ"
تعد واحدة من أهم الروايات التي كتبت بالعربية، وتتألف من 5 أجزاء وحوالي 2500 صفحة، وتتناول الرواية اكتشاف البترول والتحولات الهائلة على المجتمع السعودي منذ مطلع القرن العشرين.
منعت الرواية من النشر في السعودية في البداية ثم سُمح بنشرها في معرض الرياض للكتاب، وتم إدراجها ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية.
رواية "شرق المتوسط"
تعد من أكثر الروايات التي أحدثت ضجة في العالم العربي، وهي رواية تتحدث عن القمع السياسي ووصفت التعذيب في السجون، وجمعت الرواية بين العمق الفني والغموض والبعد الفلسفي ووضوح الدلالة.
كتاب "سيرة مدينة"
هو عمل تاريخي رصد فيه عبد الرحمن جوانب المكان الذي عاش فيه في طفولته، حيث رصد الأجواء الثقافية والسياسية لعمان في الأربعينيات ووثق الأماكن والشخصيات، وتعد من روايات السيرة الذاتية حيث تلقى ضوءًا رفيعًا على حياة عبد الرحمن ومن حوله وخاصة جدته.
كتاب "عالم بلا خرائط"
وهي من الكتب التي توجت عمق الصداقة مع الأديب العربي جبرا إبراهيم جبرا، وهي من الأعمال الأدبية النادرة الذي شارك شخصين في كتابتها، حيث يستحيل التصديق بأن هذا العمل مؤلف من قبل شخصين، بسبب التناسق والتشباك الفني في الرواية.
كتاب "عروة الزمان الباهي"
هو عمل روائي ذو طابع بيوغرافي رثائي وتناول فيه عبد الرحمن حياة صديقه محمد الباهي وهو صحفي من أصل موريتاني. قارن منيف شخصية باهي المرحة بشخصية زوربا اليوناني في رواية الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكس العالمية.