من أسرة فقيرة في مدينة سلا قرب العاصمة المغربية الرباط ولد، ونشأ الكاتب المغربي عبد الله الطايع، الذي قدم عدة أعمال أدبية ناجحة، وكسر الحواجز بسبب جرأته في طرح موضوعات تعتبر محرمة في مجتمعنا العربي والشرقي وهو ما عرضه لانتقادات حادة في الشرق وإشادات كبيرة في الغرب، تعرف أكثر على مسيرته وحياته في هذا المقال.
من هو عبد الله الطايع؟
هو كاتب ومخرج سينمائي مغربي يكتب باللغة الفرنسية، ولد في عام 1973 في مدينة سلا في المغرب، ويقيم حاليًا في باريس، ويعد من أكثر الكتاب المغاربة جدلًا؛ بسبب صراحته واعترافه علنًا بميوله الجنسية.
يعد الطايع أول كاتب مغربي يعلن عن مثليته الجنسية، وقد واجه انتقادات حادة في بلده المغرب بسبب ذلك، إلا أن أعماله الأدبية لاقت رواجًا كبيرًا، وترجمت إلى العديد من اللغات الأجنبية.
بدأ الطايع مسيرته الأدبية بكاتبة المقالات والقصص القصيرة، وبعدها اتجه إلى الرواية، وقدم تجارب شخصية واجتماعية عميقة، وخلال تلك الروايات، وضم تلميحات عن حياته الشخصية، منها روايته الأولى "جيش الإنقاذ" التي روى فيها جزءًا من مذكراته الشخصية.
ورغم ما تعرض له من انتقادات بسبب حديثه صراحة عن ميوله الجنسية رغم أصوله ومجتمع المحافظ، إلا أنه واصل إبداعه الأدبي، وجذبت أعماله اهتمامًا عالميًا بفضل الموضوعات التي طرحها في قصصه، وحصل على عدة جوائز.
نشأته وحياته في المغرب
ولد الكاتب المغربي عبد الله الطايع في مدينة سلا المغربية في أسرة فقيرة عاشت ظروفًا مادية صعبة، فقد كان والده يعمل عامل نظافة في المكتبة العامة في الرباط، وبسبب عمل والده، نشا الطايع بين أحضان الكتب.
الطايع هو الابن الثامن بين 9 أطفال، وقد في منزل صغير جدًا مكون من 3 غرف غرفة لوالده، وغرفة لشقيقه الكبير عبد الكبير، وغرفة لإخوته الثمانية ووالدته.
أطلق على الطايع لقب "الصبي المعجزة" فعندما كان صبيًا لمس مولدًا كهربائيًا عالي الجهد، واعتقد الجميع أنه ميت لمدة ساعة، إلا أنه استيقظ بعد ذلك، وقد أثرت هذه التجربة عليه لاحقًا، فخلال الساعة التي فقد فيها الوعي وجد نفسه في عالم لا يعرف ماهيته.
كان الطايع طفلًا مختلفًا عن بقية أقرانه، فقد كان صبيًا أنثويًا يحب الحديث مثل النساء وتقليدهن، وكان يتعرض لانتقادات وإساءة وسخرية كبيرة من الحي بسبب ذلك.
وعن طفولته يقول الطايع إنه يعتقد إن عائلته كانت تعلم بالفعل عن مثليته الجنسية، ولكنهم رفضوا الحديث عن ذلك خوفًا من مواجهة الحقيقة، وقد تعرض للعديد من المواقف المسيئة من رجال الحي بسبب شخصيته الأنثوية.
وبسبب تلك المواقف، قرر الطايع أن يخفي شخصيته الأنثوية، ويعيش بشخصية أخرى جادة ومختلفة عن شخصيته الحقيقية، حتى يتمكن من العيش بشكل آمن في المجتمع.
وجد الطايع متنفسه في السينما والموسيقى، وقد عشق السينما المصرية، وتعلم فيها عن الحب والمجتمع، وتعلم فيها عن نفسه أيضًا، وكانت السينما المصرية سببًا في رغبته الهروب إلى عالم آخر.
اهتمت أسرة الطايع بتعليم أولادها رغم ظروفهم المادية الصعبة، فقد درس 5 من 9 أطفال إلى الجامعة، وقد درس الطايع الأدب الفرنسي في الرباط، وكانت أعينه موجهة نحو باريس للعيش والعمل فيها.
خلال سنوات دراسته الجامعية، أدرك عبد الله الطايع أن لغته الفرنسية ضعيفة جدًا، ولكي يتقنها قرر كتابة مذكراته باللغة الفرنسية، وقد تحسنت لغته بشكل كبير بسب ذلك، وفاز بمنحة دراسة لدراسة الأدب الفرنسي في جنيف، وسافر إلى سويسرا عام 1998.
درس الطايع لفصل دراسي واحد في جنيف، ثم اتجه إلى جامعة السوربون عام 1999 بمنحة دراسة أخرى للعمل على أطروحته للدكتوراه في باريس.
كتب عبد الله الطايع
بدأ الكاتب عبد الله الطايع مسيرته المهنية بكتابة المقالات والقصص القصيرة، ثم اتجه بعد ذلك إلى كتابة الروايات وكتب السيرة الذاتية، وقد تناولت كتبه في البداية خلفية عن سيرته الذاتية والتجارب الاجتماعي التي عاشها في الثمانينات والتسعينات.
أصدر الطايع 5 روايات كلها مكوبة باللغة الفرنسية، وقد تعرض لانتقادات حادة بسبب هذه الكتب، حيث أعلن صراحة من خلالها عن مثليته الجنسية، ليصبح الطايع أول كاتب مغربي مثلي الجنس.
كتاب عبد الله الطايع الأول كان بعنوان "مغربي" وفي هذا الكتاب يروي الطايع قصة حياته في المغرب وذكرياته في البلد التي عاش فيها 25 عامًا. كتابه الثاني كان بعنوان "حمرة الطربوش" وهو مجموعة من القصص القصيرة التي روى فيها التحديات التي واجهها في مجتمع مناهض للمثليين في المغرب.
حقق كتابه الثاني نجاحًا كبيرًا، وأصبح من بين أكثر الكتب مبيعًا، وقد تلقى الطايع اهتمامًا إعلاميًا في المغرب وفرنسا، ذلك بعدما أرسلت قناة تلفزيونية مغربية طاقمها لإنتاج فيلم وثائقي يتحدث عن الفنانين المغاربة الذين يعيشون في الخارج، وكان من بينهم الطايع.
اختلفت علاقة الطايع مع عائلته بعد إعلان مثليته الجنسية، فقد واجه خلافات كثيرة مع عائلته، وتعرض لإدانة واسعة النطاق في المغرب، إلا أن هذا الإعلان تبعه نقاش في الصحف والبرامج التلفزيونية المغربي حول حقوق المثليين في المغرب.
كتاب الطايع الثالث بعنوان "جيش الخلاص" وهي رواية تعليمية تدور أحدثها في مدن الرباط وطنجة وجنيف، ويحكي فيها الطايع لمسات عن حياته، حيث يكشف بطلها عن طفولته المقيدة بنظام الأسرة والتوترات الجنسية الكامنة في مدينة سلا الفقيرة، ومن ثم رحلته إلى جنيف للدراسة، وما تبع ذلك من رحلة لاكتشاف الذات.
صدرت الرواية عام 2009، وقد صنفت بأنها واحدة من أفضل "الكتب المثلية" لعام 2009، فيما وصفتها مجلة فاريتي بأنها مواجهة مباشرة للتوقعات العربية. ألف الطايع بعد ذلك رواية "الكآبة العربية" وهي رواية سيرة ذاتية عن اكتشاف الذات، وتحكي قصته كرجل مثلي عاش بين مصر وفرنسا والمغرب.
في عام 2010، أصدر رواية "يوم الملك" والتي حظرت من النشر في المغرب في البداية، ثم تم رفع الحظر عنها بعدما فازت بجائزة Prix de Flore العربية. ألف بعد ذلك كتاباً بعنوان "رسائل إلى شاب مغربي".
ألف بعد ذلك رواية "عش في نورك" والتي تروي قصة سيدة قوية اسمها مليكة، وقد استوحى الطايع الكتابة من والدته التي توفيت عام 2010، وقد تم ترشيح الكتاب لجائزة غونكور المرموقة عام 2022.
أصدر حديثًا رواية "لوي استيون دي لارم" والتي تطرق فيها إلى العنف ضد الأطفال والتمييز تجاه المثليين في بلده، كما تحدث عن شخصيات نسائية حرة، واستحوى قصصهن من قصص شقيقاته الثماني.
مشاريع عبد الله الطايع الأخرى
بجانب الكتب التي ألفها عبد الله الطايع، كتب مقالات رأي في عدد من الصحف المغربية والأجنبية، منها صحيفة الغارديان ومجلة "تيل كيل" المغربية".
أخرج طايع فيلمًا مقتبسًا عن كتابه "جيش الخلاص" وهو إنتاج فرنسي مغربي سويسري مشترك، وعرض الفيلم في مهرجان البندقية وتورنتو، كما عرض في المهرجان الوطني للسينما في طنجة، وفاز بالجائزة الكبرى ف يمهرجة أنجيه السينمائي في فرنسا.
جوائز وتكريمات
خلال مسيرته، حصل عبد الله الطايع على عدد من الجوائز والتكريمات، منها جائزة Vivre à ta lumière عن رواية يوم الملك، كما حصل على جائزة مهرجان ديربان السينمائي الدولي عن فيلمه جيش الخلاص.
في عام 2006 اختاره وزير الثقافة الفرنسي عضوًا في لجنة دعم المشاريع التابعة للمركز الوطني الفرنسي للسينما، كما حصل على جائزة ديسمبر عن رواية لو باستيون دي لارم.