صيادو مصر – مغامرات في أعالي بحار السياسة

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: الإثنين، 02 مارس 2020
صيادو مصر – مغامرات في أعالي بحار السياسة

نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، خرج 32 بحارا على متن مركبي "وان تو" و"المصطفى الهادي" من "عزبة البرج" إحدى أشهر قرى الصيد بمصر، في طريقهم للبحر الأحمر. لكن رحلة "البحث عن الرزق" أخذت منحى آخر بعد أن أمسك بهم الحوثيون باليمن.

في مقهى شهير يجمع صيادي قرية عزبة البرج، تحدث علاء خليل قبطان مركب "وان تو"، لـ"DW عربية" عن رحلته من سواحل دمياط حتى البحر الأحمر، إذ قطعوا أكثر من 2000 كيلو متر في غضون أربعة أيام: "جهزنا عدتنا من غزل للصيد وطُعم من السردين، وطعام يكفي أكثر من 30 يوما وانطلقت ومعي طاقم من 15 بحارا أصغرهم 18 عاما".

غير أنه في يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول، "كنا نصارع الرياح وارتفاع الأمواج في تلك الليلة حتى تعطلت مركب (المصطفى الهادي) التي كانت بصحبتنا فاضطررنا لسحبها حتى فوجئنا بقارب مسلحين يستوقفنا"، يقول خليل.

ظن خليل ورفاقه أن الأمر سيمر كالمعتاد في دفع غرامة ثم يتركوهم، لكنهم وجدوا أنفسهم بقبضة الحوثيين "عندها شعرنا بالخوف والقلق. اقتادونا إلى ميناء الحديدة وخضعنا للاستجواب ثم وجدنا أنفسنا متهمين باختراق المياه الإقليمية (أي الدخول في نطاق 12 ميلا من الساحل اليمني) دون تصريح رغم أننا كنا نبعد ب ـ25 ميلا".

في الحجز، فوجئ البحارة بمعاملة طيبة. "لم نلمس أي عدوانية منهم عكس ما كنا نخشاه. فقد وضعونا في حجز منفصل عن السجن وأتاحوا لنا حريات كثيرة، وسمحوا لنا بالتواصل مع أسرنا التي أبلغت الأجهزة المصرية باحتجازنا"، يقول خليل.

جدير بالتذكير أنّ الصراع لا زال محتدما باليمن منذ نهاية عام 2014 حين سيطر الحوثيون على صنعاء وفرت الحكومة اليمنية إلى السعودية لتقود تحالفاً يدعمها بدأ حملته في آذار/ مارس 2015.

لقرابة شهرين، ظل خليل وزملاؤه يترقبون مصيرهم حتى فوجئوا بإبلاغهم بإعادتهم إلى بلادهم عبر طائرة مصرية خاصة هبطت في مطار صنعاء الدولي قبل أن تنقلهم إلى القاهرة.

وكشفت وزيرة الهجرة والمصريين بالخارج في مصر نبيلة مكرم أن "الحكومة المصرية خاضت مفاوضات شاقة لاستعادة الصيادين بالتنسيق الأشقاء في السعودية واليمن"، مضيفة في تصريحات للتليفزيون المصري يوم عودة البحارة في 4 شباط/فبراير 2020: "كنا نتواصل معهم لطمأنتهم بأن الدولة تتحرك لاستعادتهم".


يعترف خليل، بأن مخاطر رحلات الصيد في السنوات القليلة الماضية باتت بالنسبة للصياد أشبه "بمنّ يحفر قبره بيده،" مثلما حدث مع الصيادين المصريين الستة الذين غرق مركبهم يوم 7 فبراير/شباط، إثر انفجار لغم بحري بالبحر الأحمر؛ فقُتل ثلاثة وأصيب الباقون.

ليبيا- منطقة خطر أخرى

لم يقتصر الأمر على اليمن فقط، بل يواجه البحارة المصريون أخطارا أشد بالبحر المتوسط، ومثال ذلك، بحارة مركب "الحاج ناصر" الذين وقعوا في يناير/ كانون الثاني 2018، بقبضة ميليشيا مسلحة في ليبيا المضطربة أيضا منذ سنوات. احتجزوهم أكثر من أسبوع وطلبوا فدية (400 ألف جنيه - 23.7 ألف يورو) مقابل إطلاق سراحهم ونهبوا الأسماك وأجبروهم على مغادرة سواحل ليبيا إلى أن اصطدموا بالرياح وغرق المركب ونجا خمسة فقط من بين 15 صيادا.

قرى الصيادين، مليئة بالحكايات عن مراكب غرقت وصيادين ابتلعهم البحر، منها مركب "زينة البحرين" التي غادرت سواحل مصر مطلع عام 2016 قبل أن تغرق قرب ساحل السودان على البحر الأحمر وعلى متنها 14 بحارا.

تلك الحادثة نجا اثنين فقط وعثر على جثتي اثنين، فيما تنتظر أسر بقية البحارة عودة ذويهم، بينهم أميمة زوجة حسن العفيفي (قبطان المركب) التي تعيش على أمل عودة زوجها فتقول لـ"DW عربية"، "تركني ومعي 4 فتيات منذ 4 سنوات، ولم يعد منذ ذلك الحين".

رغم تأكيدها أن السفينة غرقت بعد تعرضها لرياح شديدة، وعدم عثور السلطات المصرية أو السودانية على جثته وبقية طاقمه، إلا أن السيدة الأربعينية لا تستطيع تصديق أنه غرق: "إذا كان قد غرق فأين جثته؟ وأين بقية البحارة؟ كان معهم سترات نجاة".

تعتقد أميمة، أن زوجها ربما وقع في قبضة القراصنة الأفارقة على سواحل البحر الأحمر: "كل يوم يجي لي في الحلم وأشوفه يقولي: أنا لم أمت.. أنا محبوس حد يخلصني"، مطالبة السلطات بتحديد مصير زوجها وبقية المفقودين.

يعلق عضو جمعية الصيادين المصريين بمحافظة دمياط (منظمة مجتمع مدني)، مجدي موافي، لـ"DW عربية"، بأن عزبة البرج تعج وحدها ب60 في المئة من أسطول الصيد المصري وتوارثت المهنة منذ مئات السنين واعتادت على مخاطرها.

تلك المخاطر لم تعد قاصرة على أهوال البحر فقط بل تفاقمت مع اتساع النزاعات بالشرق الأوسط، يقول موافي الذي مر بتجارب مريره بينها فقدان ابن عمه على شواطئ دكار بالسنغال قبل 20 عاما.

لكن لدى الصيادين مبرراتهم، وقد اتفق خمسة منهم التقتهم "DW عربية"، في جولة بقرية عزبة البرج على أن "شواطئ مصر ليست غنية بالأسماك كالدول المجاورة، وتنتشر بها (مصر) ظاهرة الصيد الجائر للسمك الصغير (الزريعة كما يطلق عليه). كما أن ارتفاع أسعار السولار قبل 4 أعوام لعب دورا هو الآخر في لجوء البحارة للمغامرة من أجل تحقيق مزيد من الربح.

وطالب موافي، الحكومة بإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم عمل الصيادين والسعي لإبرام اتفاقيات صيد مع الدول المجاورة تسمح لهم بالصيد أمام سواحلها مقابل رسوم معينة.

وفي العام الماضي أعلنت الحكومة المصرية، تقديم مشروع قانون للبرلمان بهدف تطوير الثروة السمكية في مصر، ولا يزال قيد المناقشة.

غير أن عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا حسن، قال إن: كل دولة لها قوانينها المنظمة للصيد، فهناك دول توافق على إبرام اتفاقيات تسمح بالصيد في مياهها مثل الاتفاقية التي وقعتها مصر مع موريتانيا في 2017، وهناك دول ترفض حفاظا على رصيدها السمكي.

يتابع حسن، لـ"DW عربية"، أن بعض مراكب الصيد المصرية الصغيرة تخرج دون تصريح فتتعرض لمضايقات قانونية وتوقيف، زادت حدتها مع اضطراب الأوضاع في ليبيا واليمن وسط غياب سلطة موحدة لتلك الدول.

ويرى حسن أنّ على اتحادات الصيادين الاستعانة بخبراء قانونيين لتوضيح مناطق الصيد التي تروم الصيد فيها وطريقة الحصول على ترخيص لتسهيل مهاهم.

رغم مرور أسبوعين على عودته، لايزال البحار الأربعيني يعاني من تداعيات الحادث فقد عاد دون مركبه "وان تو" (تقدر بنحو ثلاثة ملايين جنيه) التي صادرها الحوثيون: "لا أعلم هل تعود أم لا، أتمنى أن تتدخل السلطات لاستعادتها".

القاهرة - محمد مجدي

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة