تخصص الشاعر العراقي شفيق الكمالي في الأدب العربي القديم، وقد عرف بقصائده الرائعة والتي بدأ في نظمها في سن مبكرة. ارتبط اسم الكمالي بالرئيس الراحل صدام حسين، وقد كان له دور سياسي بارز في العراق كونه من أوائل البعثيين ولكن حياته مليئة بالمأساة والمعاناة، تعرف أكثر على مسيرته الأدبية وحياته.
من هو شفيق الكمالي؟
شفيق عبد الجبار قدوري الكمالي هو شاعر عراقي ولد في عام 1929 في مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، وتعود أصوله إلى مدينة عانة التابعة لمحافظة الأنبار في العراق
عمل الكمالي في مهنة التدريس لسنوات وقد عرف بنشاطه السياسي المناهض للنظام الملكي وكان هذا سببًا في فصله من عمله، كما أنه يعتبر من أوائل البعثيين في العراق حيث انضم إلى حزب البعث خلال الأربعينيات.
بدأ الكمالي في كتابة الشعر في سن مبكرة، وقد عمل شاعرًا وصحفيًا وطوّع كتاباته ومؤلفاته من أجل نشر أفكاره السياسية ودعم حزب البعث، وقد تعرض لمحاولة اغتيال أكثر من مرة بسبب ذلك.
ارتبط اسم الكمالي باسم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وقد عرف بمدحه الشديد لصدام لدرجة وصلت إلى التأليه وقد تعرض لانتقادات شديدة بسبب ذلك.
من أي بلد الشاعر شفيق الكمالي؟
تعود أصول إلى مدينة عانة التابعة لمحافظة الأنبار في العراق، ولكنه ولد في بلدة بوكمال في سوريا.
نشأته وتعليمه
ولد شفيق الكمالي في مدينة البوكمال السورية، وقد اختار لنفسه مع شقيقه عبد اللطيف لقب الكمالي نسبة إلى هذه البلدة. درس الكمالي الابتدائية في سوريا وبعدها عاد إلى بغداد وحصل على الثانوية في مدينة الكرخ.
التحق بعدها بكلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة بغداد وتخرج فيها عام 1955، ثم بدأ مسيرته المهنية في التدريس حيث عمل في متوسطة الموصل بداية من عام 1956 إلا أنه سرعان ما لبث أن منع من مزاولة مهنته بسبب مناهضته للنظام الملكي في العراق.
عاد الكمالي إلى سوريا وعمل مدرسًا في بلدة البوكمال في الفترة ما بين 1957 إلى 1958 ثم عاد إلى العراق مرة أخرى وعمل في مهنة التدريس في عدة مدارس ثانوية في بغداد.
انتقل الكمالي إلى مصر في فترة توتر سياسي شهدتها العراق والتحق هناك بكلية الآداب جامعة القاهرة حيث حصل على شهادة الماجستير في عام 1962.
في عام 1966 حصل على درجة الدكتوراه في جامعة القاهرة وكانت أطروحته عن "الحس القومي في الشعر الجاهلي"، وقد كتب جزءًا من هذه الرسالة ولم يكملها.
زوجة شفيق الكمالي
تزوج الكمالي من ابنة عمه سامية ياسين قدوري، وشقيقها هو فخري قدوري الذي كان أحد أهم قيادات البعث ورزق منها بعدة أبناء منهم ابنه يعرب الذي اعتقله القوات العراقية في الثمانينات.
مسيرته السياسية
عُرف شفيق الكمالي بآرائه السياسية المناهضة للنظام الملكي، وقد طوّع موهبته في كتابة الشعر من أجل التعبير عن آرائه السياسية المناهضة والرافضة للحكم الحالي آنذاك.
عندما كان طالبًا في الثانوية كان الكمالي يلقي القصائد الوطنية، ومن القصائد السياسية التي كتبها في ذلك الوقت قصيدة استنكر فيها معاهدة بورتسموث، لذا تردد اسمه في الوسط السياسي الطلابي.
انضم الكمالي بعدها إلى حزب البعث في العراق في أواخر الأربعينيات وقد كان من أوائل البعثيين في العراق، وبسبب انضمامه إلى حزب البعث تم اعتقاله من مقهى الباب المعظم في بغداد إلا أن المحكمة أفرجت عنه لعدم كفاية الأدلة.
كان الكمالي من أوائل الشعراء الذين أيدوا ثورة 14 تموز عام 1958، وقد نشر العديد من القصائد والمقالات في جريدة الجمهورية التابعة لحزب البعث من أجل دعم الثورة، لذا اعتقل للمرة الثانية في نوفمبر من العام نفسه وأغلقت الجريدة التي كان نشطًا فيها.
في العام التالي اضطر الكمالي إلى الهرب إلى سوريا بعد المحاولة الفاشلة لاختيال الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء آنذاك، وبعد انتقاله إلى سوريا أخذ يتردد بين بيروت ودمشق وينشر قصائده الوطنية والسياسية.
اعتقل للمرة الثالثة في العراق عام 1966 وبعد الإفراج عنه غادر بغداد إلى القاهرة حيث حصل على درجة الدكتوراه، ثم عاد إلى بغداد بعد انقلاب يوليو عام 1968.
مسيرته المهنية بعد انقلاب 1968
عاد الكمالي إلى العراق بعد الانقلاب عام 1968 تم تعيينه وزيرًا للشباب في حكومة 30 تموز، كما أنه صاغ البيان الأول للشعب على راديو بغداد صبيحة الانقلاب.
في العام التالي أصبح عضوًا في مجلس قيادة الثورة لمدة عام واحد، وفي عام 1970 تم تعيينه سفيرًا في إسبانيا، وفي عام 1971 تم اختياره وزيرًا للثقافة والإعلام ولكنه أعفي من هذا المنصب عام 1972.
حينما كان الكمالي وزيرًا للثقافة والإعلام حقق عدة إنجازاته، أولها تأسيس دار للثقافة للأطفال، كما أصدر مجلة "مجلتي"، وأنشأ دار الأزياء العراقية وأمر بتأسيس فرقة قومية للفنون الشعبية في العراق.
أسس شفيق الكمالي أيضًا "دار آفاق عربية"، وأصبح رئيس تحرير مجلتها عام 1976، كما تم تعيينه عضوًا في مكتب الشؤون التربوية التابع لمجلس قيادة الثورة. شغل كذلك منصب أمين عام اتحاد أدباء العرب، وكان رئيسًا لاتحاد أدباء العراق.
إبعاده عن السياسة
رغم جهوده الحزبية ومسؤولياته الرسمية بعد الانقلاب إلا أن شفيق الكمالي واجه حربًا شديدة، حيث شُطب اسمه من حزب البحث، كما طرده صدام من رئاسة الاتحاد فاتجه إلى الكتابة في جريدة الجمهورية.
كان اسم الكمالي على لائحة الإعدامات التي أصدرها صدام حسين، وقد واجه هو وعائلته فترات صعبة خلال حكم صدام وتعرضت الأسرة كلها إلى الاعتقال.
قصائد الشاعر شفيق الكمالي
عُرف الشاعر شفيق الكمالي بشعره الوطني والقومي، وقد استغل موهبته الشعرية من أجل مناصرة القضايا السياسية والوطنية التي يدافع عنها. كان الكمالي أهم وأبرز شعراء حزب البعث في العراق، وقد سببت له أشعاره أزمات عدة أبرزها اعتقاله أكثر من مرة، وإبعاده عن العراق، أو طرده من وظيفته أكثر من مرة.
ومن أشعاره في البعث ما يقول:
آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثانِ
ومن قصائده الأخرى التي وصف فيها الحرب ضد إيران يقول في مطلعها:
إنها الحرب فأقرعي يا طبول
نحن نار الوغى ولحن الفتيل
كم عبرنا مخاضة الموت حتى
أيقن الموت أننا المستحيل
وختم قصيدته بالبيت الآتي:
يا أخا هدلة وأنت الدليل
والمرجى والصارم المسلول.
شفيق الكمالي النشيد الوطني العراقي
كان الرئيس صدام حسين هو الحاكم حينها، وقد رأى أنه يجب أن يختص العراق بنشيد وطني لا يتبع النشيد الوطني المصري فأجريت مسابقة في دائرة الفنون الموسيقية في وزارة الإعلام العراقية لإصدار نشيد وطني. وتم اختيار النشيد من كلمات الكمالي وألحان الملحن اللبناني وليد غليمية.
كان النشيد الوطني من أبرز القصائد التي كتبها الشاعر شفيق الكمالي، وقد أذيع لأول مرة في تلفزيون العراق في يوليو من عام 1981، ومن أبيات القصيدة:
وطن مد على الأفق جناحا
وارتدى مجد الحضارات وشاحا
بوركت أرض الفراتين وطن
عبقري المجد عزما وسماحا
هذه الأرض لهيب وسنا
وشموخ لا تدانيه سما
جبل يسمو على هذه الدنا
وسهول جسدت فينا الإبا
بابل فينا وآشور لنا
وبنا التاريخ يخضل ضياء
نشر الكمالي عدة دواوين، وديوان شفيق الكمالي الأول صدر عام 1972 بعنوان "رحيل الأمطار"، وفي عام 1974 صدر له ديوان بعنوان "هموم مروان وحبيبته الفارعة"، وفي عام 1975 أصدر ديوان بعنوان "تنهدات الأمير العربي".
صدرت له دراسة بعنوان "الشعر عند البدو" عام 1965، كما لديه رواية عبارة عن سيرة ذاتية لم تنشر بعنوان "سيرة دهام".
حمل رسالة صدام إلى الخميني
في عام 1978 تم تكليف شفيق الكمالي بمهمة إرسال رسالة إلى الإمام الخميني، الذي كان في النجف حينها بسبب انتفاضة الشعب الإيراني ضد حكومة الشاه.
وكانت فحوى الرسالة طلب من خميني مغادرة النجف لأن وجوده فيها سيصبح خطرًا على أمن العراق، وذلك للحفاظ على العلاقة بين البلدين، وبالفعل وصّل الكمالي الرسالة وغادر الخميني النجف واتجه إلى العراق ومنها إلى باريس حيث سكن في منزل أحد الإيرانيين المقيمين في ضاحية نوفل لوشاتو في باريس وأقام بها لفترة ثم عاد إلى بلده.
شفيق الكمالي يمدح صدام
وصف الكمالي بأنه "مدّاح صدام حسين" رغم الخلاف السياسي بينهما، ففي عام 1979 كان اسم شفيق الكمالي ضمن لائحة المبعوثين الواحد والعشرين المحكوم عليهم بالإعدام في حكم صدام حسين، وقد تمكن الكمالي من النجاة بأعجوبة من هذه المجزرة.
عانى الكمالي من أعراض صحية خطيرة بسبب هذا الأمر، مثل الضغط والسكري والقلب وقد وجد صعوبة بالغة في ترك التدخين، ولكي ينجو من هذا الأمر قرر أن يمدح صدام حسين في قصيدة بعنوان "حتف العدا صدامها وصدامها".
وصف الكمالي وقتها بأنه "الشاعر المنافق" وقد تعرض لانتقادات حادة حيث أحاط صدام بهالة قدسية ووصفه بصفات إلهية فنجده يقول في قصيدته:
تبارك وجهك القدسي فينا كوجه الله ينضح بالجلال
كتب له قصيدة أيضًا بعنوان "لولاك" ويقول فيها:
لولاكَ ما طلع القمر..
لولاكَ ما هطل المطر..
لولاكَ ما اخضر الشجر..
لولاكَ أيضاً ما رأى أحد ولا عرف النظر..
لولاكَ ما كان العراقيون معدودين في جنس البشر..
بل لم يكونوا في الخلائق..
أو لكانوا دون سمع أو بصر إنا لنحمد حظنا..
إذ كنت حصتنا وجاء بك القدر..
وقد قيل إن الكمالي اضطر إلى كتابة هذه القصائد حتى يرضى عنه صدام ولا يؤذيه ويؤذي عائلته، وقد كانت هذه القصائد سببًا في إنهاء مسيرة الكمالي وانهيار صورته أمام الشعب والأوساط الأدبية والثقافية في العراق.
اعتقال أسرته
في عام 1983 تم اعتقال الابن الأكبر للشاعر شفيق الكاملي واسمه يعرب، وكان حينها طالبًا في كلية العلوم في جامعة بغداد وتم اعتقاله أمام منزله واتهموه بالسخرية من السلطة وبعض رموزها وقد سجلوا له شريطًا وهو يسخر من السلطة مع بعض زملائه.
تعرض يعرب إلى تعذيب شديد لعدة أسابيع ولم تتمكن أسرته من معرفة مكانه بالتحديد، لذا اضطر إلى الاعتراف على والده بأنه كان يشتم الرئيس حتى يتخلص التعذيب.
بعد اعتراف يعرب اتجهت القوات الأمنية في العراق إلى منزل شفيق الكمالي في أغسطس من نفس العام بهدف إلقاء القبض عليه ولكنه لم يكن موجودًا في بيها حينها لذا اعتقلوا زوجته وكل من كان في البيت.
كان الكمالي وقتها في مدينة الموصل واعتقل من قبل المخابرات هناك، وبعدها تم إخلاء سبيل زوجته والمحتجزين الآخرين من منزله ولكن منعت الأجهزة الأمنية العودة إلى منازلهم بعد إصدار قرار بالحجز على كل أملاك الكمالي.
ظل الكمالي معتقلًا لمدة 40 يوم أعلن خلالها الإضراب عن الطعام مطالبًا التحقيق معه، ثم تم الإفراج عنه بعد توسط الملك حسين لدى صدام فأطلق سراحه في شهر نوفمبر من العام نفسه ومنع من الخروج من المنزل وممارسة النشاط الإعلامي.
بعد خروجه من السجن شطبت عضويته في مجلس الوطني وقضى آخر أيام حياته وحيدًا منعزلًا في منزله خائفًا على حياته.
مرضه ووفاته
عانى الشاعر شفيق الكمالي من مرض الابيضاض بعد خروجه من السجن عام 1983، وهو نوع من أنواع السرطان. وبعد خروجه من السجن قال الكمالي لزوجته أنه تلقى حقنة أثناء وجوده في المخابرات على أساس أنها ستساعده في خفض الدم، وقد ظلت هذه الحقنة محل تساؤلات الجميع بعد خروجه خاصة أنها توفي بعد إطلاق سراحه بفترة قصيرة.
في شهر أغسطس عام 1984 تعرض الكمالي إلى نوبة قلبية خلال زيارته لطبيب أمراض القلب ونقل على إثرها إلى مستشفى اليرموك التي توفي فيها الساعة السابعة مساء يوم 14 ديسمبر عام 1984.
فارق الكمالي الحياة بصمت دون تكريم أو عزاء، وبعد وفاته حاولت زوجته سامية ياسين قدوري ماقبلة صدام حسين ولكنه رفض مقابلتها، ولكن تم إعادة الأموال والاملاك الخاصة بشفيق بعد وفاته بعد التوسط لصدام من المقربين، وقد ماتت زوجته عام 2003.