شفيق الحوت واحد من أهم وأبرز وجوه القضية الفلسطينية، ومدافع صلب عن حقوق شعبه، وشاهد على تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهو ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه، وانخرط بسببها في النضال من أجل تحرير فلسطين، تعرف أكثر على مسيرته المهنية وإنجازاته في هذا المقال.
من هو شفيق الحوت؟
شفيق الحوت أبو هادر هو سياسي ومناضل وكاتب فلسطيني ولد في 13 يناير عام 1932 في يافا، وقد نشأ في كنف عائلة فلسطينية ثرية، وعايش نكبة 1948 عن كثب، وكان شاهدًا على تهجير الفلطسيين من أرضهم، حيث هُجر مع عائلته إلى لبنان، وهذا جعله ينخرط في النضال من أجل تحرير فلسطين.
التحق الحوت بحركة القوميين العرب في سن مبكرة، وشارك في العديد من النشاطات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي. تم اعتقاله من قبل السلطات الإسرائيلية عدة مرات، ونفي في النهاية من فلسطين عام 1967.
بعد نفيه، استقر الحوت في لبنان، حيث واصل نضاله من أجل فلسطين. انضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) عام 1968، وعُين عضوًا في اللجنة التنفيذية للمنظمة عام 1974. شغل الحوت العديد من المناصب القيادية في منظمة التحرير، بما في ذلك رئاسة دائرة الشؤون الخارجية ووزير الخارجية.
كان الحوت دبلوماسيًا محنكا وسياسيًا مخضرمًا، لعب دورًا هامًا في تعزيز القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي. شارك في العديد من المؤتمرات والمحافل الدولية، وسعى جاهدًا لكسب التأييد الدولي للقضية الفلسطينية.
تميز الحوت بشخصيته القوية وشخصيته الجذابة، وكان يتمتع بقدرة فائقة على التواصل مع مختلف الفئات. كان الحوت مفكرًا استراتيجيًا ورجل دولة مُحنّكًا، ساهم بشكل كبير في رسم مستقبل فلسطين، وتوفي عام 2009، تاركًا وراءه إرثًا نضاليًا حافلًا.
عاصر حركات المقاومة منذ الصغر
ولد شفيق الحوت في يافا عام 1932، وولد لعائلة لبنانية مهاجرة إلى فلسطين خلال فترة الدولة العثمانية، وحصل جده على لقب "البيروتي". عاش الحوت في يافا شاهدًا على العديد من الثورات، فقد عاصر الثورة العربية الكبرى التي اندلعت بين أعوام 1936 و1939.
ورغم صغر سنه، إلا أنه كان واعيًا لما يدور حوله، كما كان لآل الحوت دور عام في هذه الثورة، وخاصة شقيقه الأكبر جمال، الذي وصف الحوت بأنه "من الشباب الطليعيين".
في سن السابعة عاصر الحوت أيضًا الانتداب البريطاني وما قام به من قمع للفلسطينيين مع المنظمات الصهيونية، وقد كانت هذه الحادثة دافعًا مهمًا له للانفتاح على أزمات البلاد، وخاصة عندما اقتحم الجنود البريطانيون بيت العائلة بحثًا عن السلاح، فيما منعت والدته مجندة يهودية من تفتيشها؛ لأنها كانت تخبئ قنبلة يدوية في صدرها.
استشهد شقيقه جمال عام 1948، وبعد وفاته تعرف الحوت على الكفاح المسلح، وعرف تفاصيل الصراع الفلسطيني اليهودي.
تبلور وعيه السياسي، وإيمانه بالقضية الفلسطينية خلال دراسته في المرحلة الثانوية في كلية "العامرية"، والتي تعد أشهر مدارس يافا، وخلال دراسته ساهم في تأسيس "اتحاد الطلاب العام للفلسطينيين"، كما تعرف على الشيوعية عبر مجموعة من الحركات النضالية، والتي وصفها الحوت بأنها "مقاومة شعبية بلا قيادة مركزية".
النزوح من يافا والنضال في لبنان
في نيسان\ أبريل عام 1948 نزحت العائلة من يافا متجهة إلى بيروت، حيث استقرت في منزل العائلة الصيفي الذين اعتادوا زيارته كل صيف، وتواصلت العائلة من الفرع اللبناني من آل الحوت.
كانت الزيارة قصيرة في البداية على أمل انتهاء الأزمة والعودة إلى الديار، ولكن العائلة لم تعلم أن هذه الزيارة ستطول وتتحول إلى لجوء، ومن هذا اليوم لم يعد شفيق الحوت إلى يافا مطلقًا، كما أنه رفض زيارتها سائحًا بعد اتفاق أوسلو، حيث منحت له إسرائيل رقما وطنيًا مع بعض القيادات الفلسطينية؛ لحضور المجلس الوطني.
التحق الحوت في الجامعة الأمريكي في بيروت، وخلال دراسته كان قريبًا من الشيوعيين وتأثر بفكرهم، وبعدها تحول إلى القومية العربية أثناء حكم عبد الناصر.
إلا أن نضاله واتجاهه الفكري كان سببًا في فصل من الجامعة لمدة عام بقرار من رئيس الجمهورية اللبناني آنذاك بشارة الخوري، ورئيس الوزراء عبد الله اليافي، وسجن لمدة 3 أشهر أيضًا.
حاول الحوت إبطال حكم السجن من خلال استرداد الجنسية اللبنانية، وبالفعل تمكن من الحصول على الجنسية، وعاد إلى الجامعة مرة أخرى، وتخرج فيها عام 1953.
زوجة شفيق الحوت
تزوج المناضل والسياسي شفيق الحوت من بيان نويهض، وهي أكاديمية وأستاذة جامعية فلسطينية عاشت بين فلسطين ولبنان، وقد ولدت في القدس عام 1937.
والدها هو عجاج نويهض، وهو مؤرخ، وأديب ومترجم لبناني تعود أصوله من لبنان، أما والدتها هي الروائية جمال سليم، وخالها هو الثائر اللبناني فؤاد سليم.
لدى بيان العديد من المؤلفات منها "صبرا وشاتيلا"، و"مذكرات عجاج نويهض: ستون عامًا مع القافلة العربية"، و"الشيخ المجاهد عز الدين القسام في تاريخ فلسطين" ومؤلفات أخرى.
مسيرته المهنية
بعد التخرج بدأ الحوت مسيرته المهنية بالعمل في التدريس في مدارس القاصد الثانوية، وكان من تلامذته في هذه الفترة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.
ورغم مهنته المستقرة، إلا أنه أبى التوقف عن النضال، فقد كان يحرض التلاميذ في المدرسة على التظاهر، ولهذا السبب نقل إلى مدرسة أطفال، وفي عام 1956 قررت المدرسة الاستغناء عن خدماته أيضًا.
انتقل شفيق الحوت إلى الكويت للعمل في التدريس لمدة سنتين، ثم عاد إلى لبنان مرة أخرى، وعمل في الصحافة، حيث بدأ بالكتابة في مجلة "الحوادث"، وسرعان ما أصبح مديرًا لتحرير المجلة بعد هرب المدير السابق سليم اللوزي إلى دمشق.
تأسيس جبهة التحرير الفلسطينية
لم تشغله مهنته في الجريدة عن النضال من أجل فلسطين، ففي عام 1963 ساهم في تأسيس جبهة التحرير الفلسطينية، بعدما تعرف على الرئيس ياسر عرفات عام 1961، ورغم أنه كان قريبًا من عرفات، إلا أنه كان منتقدًا ومعارضًا لحركة فتح بشكل كبير.
ومع تأسيس جبهة التحرير كانت بداية شفيق الحوت الحقيقية والرسمية في النضال الفلسطيني، حيث شارك في مؤتمر ولادة منظمة التحرير عام 1964 في مدينة القدس، التي لم تكن محتلة في ذلك الوقت، وبعدها تم تعيينه ممثلًا لمنظمة التحرير في لبنان.
بسبب عمله النضالي تعرض الحوت لعشرات محاولات الاغتيال، كما أن الخلافات بدأت تدب داخل المنظمة، وخاصة بسبب تفرد رئيس المنظمة آنذاك أحمد الشقيري بالقرار، حتى أصبح عرفات رئيسًا لها عان 1969.
الانتقال إلى العمل الإعلامي
بعد معارك عام 1970 في الأردن، انتقلت المنظمة إلى لبنان، لذا لم يعد هناك حاجة إلى ممثل للمنظمة في لبنان، فانتقل شفيق الحوت للعمل الإعلامي بهدف التحدث عن القضية الفلسطينية والترويج لها.
وفي لبنان عاصر الحوت الحرب اللبنانية، وكان له وجهة نظر خاصة به، حيث انتقد الطرفان الفلسطيني واللبناني، وعندما انضمت منظمة التحرير بشكل رسمي كطرف في الحرب الأهلية عام 1976، ورغم مشاركته في اجتماع إعلان الانضمام، إلا أنه كان معارضًا لفترة الحرب بشكل كبير.
في عام 1993 كان الحوت رافضًا اتفاقية أوسلو بشكل كبير، لذا قرر الاستقالة من منصبه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بعد خلاف كبير مع عرفات خلال اجتماع المجلس المركزي.
من ضمن مشاركات شفيق الحوت النضالية، كانت مشاركته في الوفد الفلسطيني إلى اجتماع الأمم المتحدة في جنيف عام 1994 كمسؤول إعلامي.
وقد ظهر شفيق الحوت في العديد من المؤتمرات والندوات عن القضية الفلسطينية، كما ألقى محاضرات في العديد من دول العالم منها الهند، ومانيلا، والولايات المتحدة، واليابان، وكندا، وماليزيا، ودول أخرى، فضلًا عن محاضرات في كل الدول العربية تقريبًا.
شغل الحوت أيضًا مناصب إعلامية هامة، فقد كان نائب الأمين العام لاتحاد الصحفيين العربين، وشغل كذلك منصب أمين شؤون فلسطين في الاتحاد. كان الراحل عضوًا مؤسسًا في اتحاد الكتاب الفلسطيني عام 1966، كما أنه كان عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة الصحافة العالمية.
وفي عام 1971 حصل الحوت على ميدالية الشرف من منظمة الصحافة العالمية بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها.
وقد سبق أن حمل راية النضال في عام 1967 إلى مؤتمر القمة العربي في الخرطوم، مشاركا المرحوم أحمد الشقيري، رئيس منظمة التحرير آنذاك، وسعيد السبع، ممثل المنظمة في السودان.
وخلال هذا المؤتمر التاريخي، وقف الحوت صامدا كالجبال، مرددا شعار "لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف"، معبرا عن إصرار الشعب الفلسطيني على تحرير أرضه وحقوقه المغتصبة.
ولم يقتصر نضال الحوت على ساحات المؤتمرات العربية، بل اتجه صوب المنبر العالمي، ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1974.
وبصفته ناطقا رسميا باسم المنظمة حتى عام 1992، أبدع الحوت في إيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم، مدافعا عن قضيته بكل ما أوتي من مهارات دبلوماسية وبلاغية فائقة.
مؤلفات شفيق الحوت
ألف شفيق الحوت عددًا من الكتب عن القضية الفلسطينية، وتعكس مؤلفات الراحل شفيق الحوت مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني بكل جوانبها، وقدم الحوت سلسلة من الكتب التي تناولت قضايا اليسار والقومية العربية، حيث أصدر في القاهرة عام 1959 كتابه "اليسار والقومية العربية" عن الدار القومية للطباعة والنشر.
كما أضاف إلى رصيده العلمي كتاب "حقائق على طريق التحرير" (سلسلة أبحاث فلسطينية) الذي صدر في بيروت عن مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، و"الفلسطيني بين التيه والدولة" الذي صدر في بيروت عام 1977.
ومن بين أعماله الأخرى، "يوميات ابن البلد" الذي صدر عن دار المحرر في بيروت عام 1979، و"لكي نحرث في الأرض، أحاديث مستقبلية" و"عشرون عاماً في منظمة التحرير الفلسطينية: أحاديث الذكريات"، وكلاهما صدرا عن دار الاستقلال في بيروت.
كما أصدر في جدة عام 1986 كتابه "لحظات لها تاريخ" عن الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، بالإضافة إلى كتاب "اتفاقية غزة — أريحا أولاً: الحل المرفوض" (أوراق الاستقلال) الذي صدر في بيروت عن دار الاستقلال.
لم تقتصر إسهامات الحوت على الكتب فقط، بل امتدت إلى البحوث التي نشرت في مجلات مثل "المستقبل العربي" و"دراسات فلسطينية" و"أبعاد" و"شؤون الأوسط"، وغيرها.
كتب الحوت العديد من المقالات في صحف عربية ولبنانية لأعوام، ومنها "الأنباء"، و"الشرق الأوسط"، و"الاتحاد"، و"المحرر"، و"الوطن العربي"، وصحف أخرى.
وفاة شفيق الحوت
توفي شفيق الحوت، المدير السابق لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في 2 أغسطس عام 2009 عن عمر 77 عامًا، في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد صراع طويل مع مرض السرطان. وكان الحوت قد نُقل إلى المستشفى قبل وفاته إثر تدهور حالته الصحية.
وأعلنت سفارة فلسطين في بيروت ومنظمة التحرير الفلسطينية عن وفاة "أبو هادر"، الذي سيتم تشييعه ظهر اليوم في مقبرة شهداء فلسطين ببيروت، بعد الصلاة عليه في مسجد الإمام علي.
وتدفقت بيانات النعي والتعازي من مختلف الجهات فور الإعلان عن رحيل الحوت، حيث نعى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الحوت، مؤكداً أن وفاته تُعد "خسارة وطنية وقومية كبرى"، ووصفه بأنه "أحد أبرز المدافعين عن وحدة التمثيل الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية".
كما عبرت التنظيمات والأحزاب الفلسطينية عن حزنها لفقدان الحوت، إذ أصدرت حركة "حماس" بياناً مقتضباً أشادت فيه بنضاله المستمر من أجل تحرير فلسطين، وذكرت مواقفه الصلبة في تبني خيار المقاومة ورفضه لاتفاق أوسلو ومسار التسوية.
وشهدت جنازة شفيق الحوت حضورًا مكثفًا من شخصيات لبنانية وفلسطينية بارزة، وممثلين للفصائل الفلسطينية، فضلًا عن شخصيات سياسية وإعلامية واجتماعية بارزة، وقد دفن في مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية في شاتيلا.
من جانبها، أصدرت "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" بياناً نعت فيه الحوت "ببالغ الحزن والأسى"، واصفة إياه بأنه "مناضل ومفكر ومؤرخ وقائد وطني بارز"، مشيرة إلى استقالته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 احتجاجاً على اتفاق أوسلو.