أبو الموسيقى المصرية الحديثة لما أدخله من تطورات في أسلوب التلحين والغناء وحتى موضوعات الغناء، تنوعت أعمال سيد درويش الفنية فلحن الموشحات والأغاني الوطنية والطقاطيق، وعلى الرغم من بدايته الفنية التي كانت محض الصدفة إلى أن إرثه الفني أثّر على تطور الموسيقى في مصر بشكل كبير.
السيد درويش البحر هو ملحن ومغنٍ مصري ولد في كوم الدكة في الإسكندرية في 17 مارس 1892، ويعتبر مجدد الموسيقى المصرية وباعث النهضة الموسيقية في مصر والوطن العربي.
عاش طفولة فقيرة، حيث لم تتحمل أسرته تحمل تكاليف تعليمه لذا التحق بمعهد ديني في مسجد المرسي أبو العباس، وفيها حفظ القرآن الكريم وتعلم التجويد، وبعد تخرجه من المدرسة الدينية حصل على لقب الشيخ، كما درّس لمدة في الأزهر الشريف.
بدأت موهبة الشيخ سيد الفنية تتضح في المدرسة، حيث كان ينشد مع أصدقائه ألحان الشيخ سلامة حجازي، والشيخ حسن الأزهري كما عمل بالغناء في المقاهي.
تزوج الشيخ سيد حينما كان عمره 16 عامًا وبسبب تحمله مسؤولية أسرته اضطر العمل في البناء لأن الفرق الموسيقية لم تكن تساعده على الإنفاق على عائلته، وخلال عمله في مجال البناء كان يُغني فيثير إعجاب زملائه وأصحاب العمل.
وكانت الصدفة هي السبب في شهرته، فحينما كان يُغني في أثناء العمل تصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله في مقهى قريب من موقع البناء الذي يعمل فيه، فسمعاه وأعجبا بصوته واتفقا معه أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام، وكانت تلك بداية مسيرته الفنية.
تزوج السيد درويش أربع مرات، المرة الأولى حينما كان عمره 16 عامًا، وأنجب منها ابنًا وُلد حينما كان في رحلته في الشام للغناء، والزوجة الأولى هي جدة الفنان إيمان البحر.
أما السيدة الثاني هي "حياة" وهي سيدة تعرف عليها في فرقة عكاشة وأحبها لدرجة العشق، وكانت ملهمته في العديد من الأغنيات المميزة، وهو من اختار لها اسمًا فنيًا وهو "حياة صبري" بدلًا من اسمها الحقيقي عائشة عبد العال وتزوجها عرفيًا.
كما تزوج من ابنة عمه تلبيةً لرغبات أسرته ولكن لم يحدث وفاق بينهما وتم الطلاق بعد شهرين من الزواج، وبعدها ماتت ابنة عمه فلحن لها أغنية "مظلومة وياك يا ابن عمي"، وبعد ذلك ضغطت عليه أسرته مرة أخرى للزواج فقبل دون أن يرى العروس.
ولكن حينما رأى وجهها ترك البيت واختفى وانتقل للعيش في القاهرة في حي روض الفرج، وهناك رأى زوجته الرابعة وآخر زوجاته "جليلة" وأنجب منها 3 أبناء مات أحدهم وهو طفل، والآخران هم يحي، وحسن.
أولاد سيد درويش
رزق درويش بثلاثة أبناء، أولهم محمد البحر درويش الذي ولد عام 1909، وهو والد الفنان إيمان البحر درويش. رزق من زوجته الأخيرة جليلة 3 أبناء توفي أحدهم وهو طفل، والآخران هم يحيى وحسن.
حفيد سيد درويش
حفيد سيد درويش هو الفنان إيمان البحر درويش، الذي ولد عام 1955، وهو مغني مصري ويعد واحد من أشهر المغنيين في مصر، وقد عمل على إحياء العديد من أعمال جده سيد درويش وقدمها بطريقة عصرية لاقت إعجابًا كبيرًا في الوطن العربي.
سيد درويش والمخدرات
ظهرت العديد من الروايات عن تعاطي سيد درويش للمخدرات وأنه توفى بسبب المخدرات، إلا أن أحفاده نفوا وفاة جدهم بالمخدرات وأكدوا أنه أقلع عن السهر والتعاطي قبل وفاته بفترة.
عندما بدأ سيد درويش العمل في البناء سمعه الأخوان أمين وسليم عطا وهما من أشهر المشتغلين بالفن حينها، وأعجبا بصوته فطلبا منه السفر معهم في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1908.
وبعدها عاد إلى الشام مرة أخرى في عام 1912 وبقي هناك عامان وهناك تعلم أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية، وبدأت موهبته الفنية تتفجر ولحّن أول أدواره "يا فؤادي ليه بتعشق".
وحينما عاد إلى مصر قرر الانتقال إلى القاهرة في عام 1917 وسكن في حي روض الفرج وهو حي كان يتوسط مسارح روض الفرج وعماد الدين التي كانت مقاصد الفن والفنانين، وفي القاهرة زاد إنتاجه الفني ولحّن لكافة الفرق المسرحية في عماد الدين.
فلحّن لفرقة نجيب الريحاني، وفرقة جورج أبيض، وفرقة علي الكسار، وحينما قامت ثورة 1919 لحن أغنية "قوم يا مصري" ولهذا لُقب بأيقونة ثروة 1919.
كانت له بصمة فنية متميزة، وأدخل في الموسيقى العربي لأول مرة الغناء "البوليفوني" وذلك في أوبريت العشرة الطيبة، وأوبريت البروكة، وأوبريت شهرزاد.
وعلى الرغم من حياته القصيرة ولكن بلغ إنتاجه الفني 40 موشحًا، و100 طقطوقة، و30 رواية مسرحية وأوبريت، فضلًا عن الأعمال الأخرى التي لم تصدر والتي زادت عن 400 عمل.
أول أغنية لحنها الشيخ سيد هي أغنية "زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة" وكان السبب في تلحينها هو حبه لامرأة كان يحبها قالت له "ابقى زورنا يا شيخ سيد ولو كل سنة مرة" فلحن هذه الأغنية.
وكانت علاقاته مع النساء وحيًا للعديد من ألحانه، حيث كان يعشق سيدة اسمها "جليلة" وكانت ملهمته في النظم والتلحين والغناء ولكنها هجرته وكانت تتردد على صائغ في الإسكندرية صنع لها خلخالًا وحينما علم الشيخ سيد ذلك غضب كثيرًا وفكر في الانتقام من خلال الموسيقى.
أما عن حفلاته فكانت أول حفلة أقامها الشيخ سيد في مقهى الكونوكورديا في القاهرة وحضرها الكثير من الفنانين والمطربين وقتها، ومنهم إبراهيم سهالون، وإلياس نشاطي وغيرهم.
وفي هذه الحفلة قدم أغنية "الحبيب للهجر مايل" من مقام السازكار وخرج عن الطريقة المألوفة في تلحين الأدوار وكانت غريبة عن المألوف لذا انسحب الكثير من الحاضرين لاعتقادهم أن الموسيقى أجنبية وأن الفن العربي الأصيل في خطر.
وبعدها عمل في فرقة سليم عطا الله وسافر معهم إلى سوريا ولبنان وفلسطين وكانت لهذه الرحلات أثرًا في اكتشافه الموسيقى العربية.
كما سافر مرة أخرى إلى الشام مع جورج أبيض واكتسب ما افتقر إليه من ألوان الفن والمعرفة وحينما عاد رسم لنفسه خطة جديدة ولحن أعظم الأغاني والموشحات.
وكان أهم إنتاجاته من هذه الرحلة أغنية "يا فؤادي ليه بتعشق" وهو لحن مقتبس من موشح حلبي قديم من مقام العجم أخذه عن الشيخ عثمان الموصلي.
لحّن الشيخ سيد أشهر ألحانه في مناسبة غرامية، فقصة لحن أغنية "يا ناس أنا مت في حبي وجم الملائكة يحاسبوني".
وقصة هذه الأغنية أن الشيخ سيد كان يحب غانيتين واحدة اسمها فردوس والثانية اسمها رضوان، فكان إذا تخاصم مع واحدة ذهب إلى الثانية والعكس، ولكن صدف أن هجرته الاثنتين معًا وظل فترة يتلوى من ألم الشوق والهجران.
وفي ليلة تذكر فردوس واشتاق إليها فقصد بيتها وطلب منها الصفح، ولكنها أبت بسبب معرفتها بعلاقته مع عشيقته الثانية "رضوان" فأقسم لها أنها صاحبة المقام الأول ولكنها أرادت البرهان.
فغنى لها الشيخ سيد في الحال أغنية "يا ناس أنا مت في حبي وجم الملائكة يحاسبوني" وختم أغنيته ببيت "قالوا أهو جنة رضوان واخترت أنا جنة فردوس" وكانت هذه الأغنية شفيعة له لدخول البيت، وكان الأغنية من مقام حجاز كار.
أما اللحن الذي حقق شهرة كبيرة هو لحنه لرواية "فيروز شاه" لفرقة جورج أبيض في عام 1917، حينما عرض عليه سلامة حجازي أن يلحن للفرقة، وبعدها لحْنه ذلك بدأت معظم الفرق المسرحية ترغب أن يلحن لها الشيخ السيد وتفوق على ملحنين مخضرمين أمثال كامل الخلعي، وداوود حسني، وهو من أهم أعمال الفنان سيد درويش.
ولحن في حياته 10 أدوار، وهم:
- "يا فؤادي ليه بتعشق" على مقام العجم.
- ياللي قوامك يعجبني على مقام التكريز.
- في شرع مين على مقام الزنجران.
- الحبيب للهجر مايل على مقام سازكار.
- ضيعت مستقبل حياتي على مقام الشورى.
- أنا عشقت على مقام الحجاز كار.
- أنا هويته وانتهيت على مقام الكرد.
- عشقت حسنك على مقام ألبسته نكار.
- يوم تركب الحب على مقام الهزام
- عواطفك دي أشهر من نار على مقام نو أثر.
كما لحن 15 موشحًا، ومنها:
- يا ترى بعد البعاد على مقام الراست.
- يا صحاب السحر الحلال على مقام الحجاز كار.
- يا حمام الأيك على مقام النوا أثر.
واشتهرت هذه الموشحات في كل البلاد العربية وأصبح قياس المعرفة الموسيقية هو حفظ ألحان الشيخ سيد وموشحاته وأدواره.
كما لحن النشط الوطني وجعل من أقوال الزعيم مصطفى كامل مطلعًا للنشيد الوطني، وهي:
بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي
ولحن أيضًا نشيدًا وطنيًا من قصيدة لمصطفى صادق الرافعي، ومطلع القصيدة:
بني مصر مكانكم تهيأ فهيا مهد للملك هيا خذوا شمس النهار حليا
وأنشد ضد الإنجليزي أناشيد لتحميس المتظاهرين، ومنها:
دقت طبول الحرب يا خيالة
وآدي الساعة دي ساعة الرجالة
انظروا لأهلكم نظرة وداه
نظرة ما فيش بعدها إلا الدفاع
توفي الشيخ سيد درويش في 10 سبتمبر عام 1923 عن عمر ناهز 31 عامًا، وكثرت الروايات حول سبب وفاته، فقيل إنه توفي بسبب جرعة زائدة من المخدرات ولكن نفى أحفاده ذلك.
واستندوا على خطاب بخط يده يقول فيه لصديقه عن إقلاعه عن السهر والشرب وكل ما يصاحبه، وينصح صديقه أيضًا أن يتخلى عن السهر والمخدرات.
كما ذُكر في مذكرات بدي خيري أن الشيخ سيد أقلع عن المخدرات وظهر ذلك جليًا في أغانيه التي تنصح بالابتعاد عن المخدرات.
والرواية الأخرى وهي الرواية المؤكدة هو أن سبب الوفاة تسمم مدبراً من الإنجليزي أو الملك فؤاد بسبب أغانيه التي تحث الشعب على الثورة.
كما تنتشر رواية أخرى أن أحد أصدقاء الشيخ سيد كان يعشق غانية ويرغب أن تغني، فقال لها أن تذهب إلى الشيخ سيد ليعلمها الغناء ولكن حينما سمعها الشيخ سيد لم يجد لديها الموهبة فرفضها، وحينها غضب وقررا تسميم الشيخ سيد وقتله.
قبر سيد درويش موجود في مقابر المنارة في الإسكندرية في منطقة كوم الدكة، ومكتوب على شاهد قبره: "يا زائري لا تنسني من دعوة لي صالحة وارفع يداك إلى لسماء واقرأ لروحي الفاتحة. توفي المرحوم الشيخ سيد درويش البحر في صفر 1343 له الفاتحة".