سودانيات في زمن الحرب .. شهادات مؤلمة ومعاناة منسية

في قلب السودان، حيث تتقاطع آلام الحروب مع آمال السلام، تنكشف مأساة إنسانية غير مسبوقة. شهدت البلاد تصاعدًا مروعًا في الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، لا سيما النساء والفتيات، اللواتي يتحملن وطأة العنف والاعتداءات المروعة.

ومن الشهادات المؤلمة للناجين إلى تقارير المنظمات الحقوقية، تُظهر هذه الأزمات أن الوضع يتجاوز حدود الأرقام والإحصائيات؛ إذ تمس كرامة الإنسان وتستدعي تدخل المجتمع الدولي لتحقيق العدالة وحماية الأبرياء.

شهادات حية لناجيات في دارفور

كانت مَنَار (اسم مستعار) تدرس في القسم الأدبي بجامعة الجنينة بولاية غرب دارفور وتقيم في السكن الجامعي. وتحدثت لـDW قائلة: "تعرضنا لهجوم في السكن، لكنني تمكنت من الهروب مع بعض صديقاتي. بعد فترة، سمعنا أخبارًا مؤلمة عن حالات اغتصاب وقعت في الداخلية. كل ما أتمناه الآن هو الوصول إلى عائلتي".

خلال طريقها مرت مَنَار بموقف صعب وتوضح: "رأيت مجموعة من الفتيات المخطوفات داخل سيارة، ووجوههن كانت مغطاة حتى لا يتمكن أحد من التعرف عليهن، وكان الخوف واضحاً عليهن". وتابعت الشابة السوانية: "في أحد أسواق منطقة بيضة، شاهدت إحدى الفتيات تنزل من السيارة دون إذن السائق. كنت جالسة في مقهى قريب وشاهدت ما حدث. تم نقل الفتيات إلى سيارة أخرى، وتم تبادلهن بعربة."

"هذا المشهد رأيته بعيني بعد أن غادرت الجنينة ووصلت إلى بيضة، حيث كنت أقيم مع أسرة صديقتي. الآن أنا في المعسكر، وأمنيتي الوحيدة هي العودة إلى أمي"، تضيف منار.

"حجم الكارثة أكبر بكثير"

تقول سليمة إسحق، مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، لـ DW بأن ظاهرة الاختطاف ودفع الفدية لا تزال قائمة منذ بداية الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع. وأشارت إسحق إلى أن العديد من النساء تم اختطافهن ونقلهن إلى دارفور، حيث لا تزال بعضهن محتجزات حتى اليوم. وأكدت أن المعلومات المتاحة حاليًا لا تعكس سوى جزء ضئيل من حجم الكارثة، داعيةً إلى إنهاء الحرب سريعًا لتسهيل فهم الوضع وتقديم استجابة إنسانية فعالة تتناسب مع حجم المعاناة المتفاقمة.

كما صرحت ناشطة مدنية لـ DW، منبهة إلى عدم ذكر اسمها، أن العديد من الفتيات تعرضن للاغتصاب، لكن الوصمة والخوف من العائلة يمنعهن من التحدث عن تجاربهن.

وفي إطار عملها، أجرت الناشطة مقابلات مع العديد من النساء، وقالت أشخاصا من الذين خرجوا من مناطق مثل فوربرنقا وسرف عمره أكدوا لها أنه كانت هناك فتيات تم احتجازهن في المنازل، معظمهن أُحضِرن من الخرطوم وتم تبادلهن مقابل المال، وأضافوا أنه كان يتم ببيع الفتيات بمبالغ تصل إلى مليوني جنيه سوداني.

وأوضحت الناشطة المدنية أن عملها وعمل زملائها يركز على دعم الناجيات من الاعتداءات ورصد هذه الحالات، مشيرةً إلى أن الأعداد كبيرة لكنهم يبذلون جهدًا لرصدها.

أما "زينب" (اسم مستعار) فقالت لـDW، "كنا نقيم في سكن الجامعة الذي كان بمثابة دار إيواء. تعرضت أنا شخصيًا للاغتصاب، وكان عدد الفتيات كبيرًا. وعندما بدأت الاشتباكات تزداد، تمكنا من الخروج، لكننا بعد فترة اكتشفنا أن هناك العديد من حالات الاغتصاب التي حدثت، والكثير من الفتيات ما زالوا في عداد المفقودين".

كما تلقت "وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل" في السودان تقارير عن احتجاز 20 امرأة وفتاة، بالإضافة إلى أطفال وكبار سن، في أمبدة الراشدين لأكثر من خمسة أشهر تحت سيطرة "الدعم السريع". عانى المحتجزون من ظروف قاسية، حيث حُرموا من الاحتياجات الأساسية. وتم الإفراج عنهم بعد المعارك الأخيرة، ويحتاج معظمهم إلى رعاية طبية.

معاناة النساء في ولاية الجزيرة

كانت ولاية الجزيرة تبدو هادئة لفترة طويلة، رغم وجود انتهاكات لا يعلم كثيرون عنها. لكن بعد انشقاق القيادي أبوعاقلة كيكل عن الدعم السريع، اشتد العنف ووقعت انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. وشهدت الأيام السبعة الأخيرة أحداثًا مأساوية على يد قوات الدعم السريع. أطلق المواطنون نداءات استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معربين عن مخاوفهم من حملات انتقامية بعد انشقاقات في صفوف القوات المتمردة. وتتوالى التقارير المروعة عن تعذيب كبار السن، بالإضافة إلى مشاهد لجثث ضحايا المجازر، مما دفع الآلاف من سكان القرى في شرق الجزيرة إلى النزوح سيرًا على الأقدام.

في هذه الظروف القاسية، تبرز مأساة النساء والفتيات، اللواتي يواجهن خطرًا متزايدًا من خطف أو اغتصاب. وأكدت سليمة إسحق، مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، لـ DW أن الانتهاكات الجسيمة مثل الاغتصاب ودفع الفدية والزواج القسري لا تزال مستمرة منذ دخول قوات الدعم السريع إلى المنطقة. وقد أشارت إلى أن نقص الخدمات الصحية يعيق رصد الحالات بشكل فوري، مما يعني أن المعلومات المتاحة تعتمد أساسًا على الشهادات التي يدلي بها الناجون الذين يغادرون المنطقة.

وقالت سليمة إسحق إنه منذ بداية الأحداث الأخيرة في الجزيرة، سُجلت 126 حالة اغتصاب، لكن الأعداد تتزايد باستمرار، خاصة في مراكز الإيواء، حيث نسمع عن حالات جديدة لم يتم الإبلاغ عنها مسبقًا.

وتعاني النساء في المنطقة من أوضاع مروعة، وقد تفاقمت الأزمة إلى حد دفع بعضهن إلى الانتحار بسبب الانتهاكات المستمرة.

وتضيف إسحق أنه في إحدى القرى، وقعت 17 حالة اغتصاب، إضافة إلى حادثة اغتصاب جماعي استهدفت جميع الممرضات في مركز صحي. وأوضحت سليمة أن الجهات المختصة تتحفظ عن نشر أسماء القرى لتجنب الوصمة الاجتماعية، مقتصرةً على تقديم الأرقام فقط.

انتحار بعد التعرض للاغتصاب

ومن جهتها، كشفت شبكة نساء القرن الأفريقي "صيحة" عن انتحار نساء بشرق الجزيرة تعرضن للتعذيب والاغتصاب من عناصر الدعم السريع، التي اتهمتها بقتل ألف مدني في الجزيرة وسنار خلال أسبوع. وفقًا للتقارير الواردة من قرية السريحة، فإن النساء والفتيات تعرضن للتعذيب والاغتصاب الجماعي، مما أدى إلى إقدام العديد منهن على الانتحار.

وأشار مراقبون إلى أن انقطاع الاتصالات في ولاية الجزيرةقد ساهم بشكل كبير في تفاقم الانتهاكات بحق المدنيين. ومنذ حوالي شهر ونصف تقريبا، أدى انقطاع الشبكات في العديد من المناطق إلى فقد الأسر القدرة على التواصل مع بعضها البعض أو تلقي المساعدة، مما دفع السكان للاعتماد على أجهزة الأقمار الصناعية لتبادل المعلومات.

وفي هذا السياق، قال أحمد توم، الأمين العام للشبكة الشبابية، في تصريح لـ DW، إنهم قدموا يوم الاثنين (28 أكتوبر/ تشرين الأول) إفادة لمجلس الأمن حول الأوضاع في السودان. كما أشار إلى أن الوضع في ولاية الجزيرة أصبح أكثر سوءًا، خاصة بعد تعرض النساء لانتهاكات جسيمة، حيث سجلت حالات اغتصاب مؤكدة، بما في ذلك حالة اغتصاب لطفلة.

وأعربت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان عن "أشد عبارات الإدانة والاستنكار تجاه الانتهاكات المروعة والممنهجة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين الأبرياء في ولاية الجزيرة". فقد شهدت الولاية تجاوزات جسيمة، حيث تم توثيق 47 حالة اغتصاب بحق نساء لا حول لهن ولا قوة، في وقت سفكت فيه دماء المدنيين بدم بارد، مخلفةً وراءها مشاهد حزينة ومريرة. إن الاستهداف الممنهج للنساء والأطفال، وما يتعرضون له من عنف جسدي واعتداءات بربرية، يمثل انتهاكًا صارخًا لكل القيم الإنسانية وطعنة مؤلمة في مسيرة حماية حقوق الإنسان.

الباشا طبيق: نعمل على التحقيق في الانتهاكات المزعومة

وفي المقابل، رفضت قوات الدعم السريع الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين في ولاية الجزيرة. وصرح مستشار قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، لـ DW بأن هذه الاتهامات هي جزء من "حملة إعلامية يقودها الإسلاميون تهدف إلى تشويه صورة قوات الدعم السريع من خلال نسب أعمال العنف والاغتصابات الجماعية والاعتقالات القسرية بحق النساء إليهم". وأكد طبيق أن لجان تحقيق تابعة لقوات الدعم السريع "تعمل حاليًا للتحقيق في هذه الانتهاكات المزعومة، موضحًا أن النتائج ستظهر في الوقت المناسب لتبيان الحقيقة".

وتسلط هذه الأحداث الضوء على معاناة المدنيين، لا سيما النساء والفتيات، في ظل انعدام الأمن وغياب الرقابة، وتستدعي استجابة عاجلة من الجهات المعنية على المستويين المحلي والدولي لحماية المتضررين وتقديم الدعم اللازم لهم.

إدانات دولية

ومع نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، أصدرت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان تقريرًا يسلط الضوء على الحاجة الملحة لحماية المدنيين، مشيرةً إلى وجود دلائل تدل على أن الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون ترقى إلى "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية". ويشمل التقرير توثيق مجموعة من الانتهاكات الجسيمة، مثل التعذيب، والاغتصاب بالإضافة إلى الاضطهاد العرقي والجنساني.

وعبر محمد شاندي عثمان، رئيس بعثة الأمم المتحدة الدوليةالمستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، عن قلقه العميق إزاء النطاق المهول للعنف الجنسي، وفقا للتقرير: "لقد أذهلنا النطاق المهول للعنف الجنسي الذي نقوم بتوثيقه في السودان. إن وضع المدنيين الأكثر حاجة، ولا سيما النساء والفتيات من جميع الأعمار، يبعث على القلق الشديد ويتطلب معالجة عاجلة".

ومن جانبها، أكدت سامانثا باور، مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أن قوات الدعم السريع قد شنت هجمات على المدنيين في ولاية الجزيرة، مما أسفر عن وقوع أعمال عنف جنسي ضد النساء والفتيات ومقتل المئات. وأضافت باور في تغريدة لها على منصة إكس: "يجب أن تنتهي هذه الهجمات الشنيعة، ويجب محاسبة قوات الدعم السريع على جرائمها".

ويرى المراقبون أن هذه التصريحات تعكس تصاعد القلق الدولي إزاء الانتهاكات المستمرة في السودان، وتعزز من ضرورة التحرك الفوري لحماية المدنيين ودعم جهود التحقيق والمحاسبة.

في ظل الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف تحتاج المجتمعات المحلية، وخاصة النساء والفتيات، إلى الدعم الفوري والرعاية الصحية والنفسية، فضلاً عن ضمان محاسبة الجناة على الجرائم المرتكبة.