يعد الشاعر الفلسطيني سميح القاسم أحد أهم وأشهر الشعراء العرب المعاصرين، وقد ارتبط اسمه بالثورة والمقاومة في فلسطين، حيث نظم العديد من القصائد والأشعار التي تتغنى بالمقاومة والمدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني، وقد واجه تحديات وصعاب كثيرة بسبب ذلك منها السجن والتهديد بالقتل، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.
من هو سميح القاسم؟
هو شاعر فلسطيني ولد في مدينة الزرقاء الأردنية في عام 1929 لعائلة درزية فلسطينية، ويعد من أبرز شعراء فلسطين المعاصرين، ويشتهر بشعره الذي يناقش قضايا الثورة والمقاومة داخل أراضي فلسطين المحتلة منذ عام 1948.
يعبر في قصائده عن صمود الشعب الفلسطيني ومعاناته، وقد نشر ست مجموعات شعرية تمتاز بشهرة واسعة في الوطن العربي.
تعرّض القاسم للاعتقال عدة مرات، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية والاعتقال المنزلي، وطُرِدَ من عمله مرارًا بسبب نشاطه الشعري والسياسي. كما تعرّض لتهديدات بالقتل في الوطن وخارجه، إلا أنه استمر في النضال والتعبير عن قضية شعبه من خلال شعره الصادق والمؤثر.
أسس القسام في حياته عددًا من الصحف منها "كل الحرب"، كما عمل محررًا في عدد من الصحف منها "الغد"، و"التحرير"، و"الجديد". صدرت له أكثر من 60 كتابًا في الشعر والمسرح والمقالة والترجمة والقصة، وصدرت أعماله الكاملة في 7 مجلدات، وترجمت العديد من قصائده إلى لغات أجنبية.
نشأته وتعليمه
نشأ سميح القاسم في عائلة من الموحدين الدروز، وكان والده يعمل ضابطًا برتبة رئيس في قوة حدود شرق الأردن حيث كان يقيم هناك مع أسرته.
انتقلت العائلة من الأردن إلى فلسطين، ويقال إن والد الشاعر سميح القاسم كان ضابطًا في قوة حدود شرق الأردن. في إحدى رحلات العودة إلى فلسطين على متن القطار خلال فترة الحرب العالمية الثانية ونظام التعتيم، بدأ الطفل سميح في البكاء، ما أثار الذعر بين الركاب الذين خافوا من أن يكتشفهم الطائرات الألمانية. ووصلت حدّ الذعر إلى درجة التهديد بقتل الطفل، حتى اضطر والد سميح إلى إظهار سلاحه لردعهم.
عندما رويت هذه الحكاية لسميح القاسم لاحقًا، أعرب عن قناعته بقوله: "حسنًا... لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة. سأظل أتكلم عندما أشاء وبصوت مرتفع، لن يستطيع أحد إسكاتي".
درس في مدرسة اللاتين في الرامة من عام 1948 إلى عام 1953 المرحلة الابتدائية، ثم درس في كلية تيرسانطا في مدينة الناصرة وحصل على الشهادة الثانوية في عام 1957. سافر بعدها إلى الاتحاد السوفييتي ودرس لمدة سنة الفلسفة والاقتصاد اللغة الروسية.
زوجة سميح القاسم
تزوج من السيدة نوال سلمان حسين ولديه منها محمد ووضاح وعمر وياسر.
مسيرته المهنية
عمل القاسم معلمًا لعدة سنوات ثم انتقل إلى النشاط السياسي وانضم إلى الحزب الشيوعي، ثم بدأ العمل الصحفي وتفرغ للكتابة الأدبية، وقد اعتقلته قوات الاحتلال أكثر من مرة بسبب كتاباته كما فرضوا عليه الإقامة الجبرية بسبب مواقفه الوطنية.
ساهم الشاعر سميح القاسم في تحرير مجلتي "الغد" و"الاتحاد"، ثم تولى منصب رئيس تحرير جريدة "هذا العالم" التي أسسها أوري أفنيري في عام 1966. بعد ذلك، عاد ليعمل كمحرر أدبي في جريدة "الاتحاد"، وأصبح أميناً عاماً لتحرير جريدة "الجديد"، ثم تولى منصب رئيس تحريرها.
كما شارك في تأسيس منشورات "عربسك" في مدينة حيفا عام 1973 بالتعاون مع الكاتب عصام خوري، وفيما بعد أدار "المؤسسة الشعبية للفنون" في نفس المدينة.
قصائد سميح القاسم
صدر للقاسم عدد من القصائد الوطنية والثورية والقومية وقد ترجمت هذه القصائد إلى عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية والتركية واليابانية والعبرية والفارسية والإيطالية والإسبانية ولغات أخرى.
صدر للقاسم أكثر من 70 كتابًا في أقسام أدبية مختلفة منها الشعر والمسرح والقصة والمقالة والترجمة، كما صدرت أعماله الكاملة في سبعة مجلدات عن دور النشر في القدس وبيروت والقاهرة.
كانت قصيدة سميح القاسم تقدموا من أهم القصائد التي كتبها في حياتها، ويقول فيها:
تقدّموا
تقدّموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدّموا
يموت منا الطفل والشيخ
ولا يستسلم
وتسقط الأم على أبنائها القتلى
ولا تستسلم
من قصائده الشهيرة أيضًا قصيدة منتصب القامة التي غناها الفنان اللبناني مارسيل خليفة، ويقول فيها:
منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي
قلبي قمر أحمر قلبي بستان
فيه فيه العوسج فيه الريحان
شفتاي سماء تمطر ناراً حيناً حباً أحيان
في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي
خصائص شعر سميح القاسم
تميزت قصيدة مسيح القاسم بالتجديد الدائم، فقد تمكن من استيعاب كل التغييرات والتجديدات التي طرأت على القصيدة العربية متأثرة بالأحداث السياسية والاجتماعية والأدب في الغرب، فضلًا عن اطلاه على الأدب العبري والأدب العالمي وخاصة الروسي.
اهتم سميح في شعره بالرمز، والذي كان الخطوة الأساسية في بداية القصيدة، فاختار رموز أسطورية ودينية وأدبية وتراثية وتاريخية واحتلت مكانة هامة في قصائده.
وبالنظر إلى شعره نجد أنه يميل إلى القصيدة المركبة متعددة الأصوات، فيجعل قصائده تحملدلالات رمزية تشجع القارئ على إعمال فكره وثقافته ليصل إلى المقصد الأساسي من القصيدة.
عمل سميح في قصيدته أيضًا على إحياء التراث الشهبية واستخدام الصورة الشعرية فيه في قصائده، فمثلًا نقجد في قصيدة "ريبورتاج عن حزيران عابر" نجده يقول:
بين أنقاض حزيران التقينا
أنا والموت، تَداخلنا، اشتعلنا وأضأنا
وعلى أرصفة النكسة قابلتُ كثيرين -
اعذروني
فالعدد،
صار شيئا ونقيضه
من الملاحظ أنه اتبع الأسلوب السردي في القصص واستخدم الراوي فيها. استخدم أيضًا أساليب فنية كثيرة منها الحوار والتكرار وازدواجية اللغة واستعمال الأرقام والكلمات غير العربية، وضمّن النثر في شعره.
أتقن سميح أيضًا فن العروض، وقد تعامل معها بشكل مبدع واستخدمها بشكل جديد في تركيبات حديثة، فهو يرى أن إتقان العروض من أهم معايير كتابة الشعر، ولكنه ليس قيدًا على الشاعر. جدد سميح أيضًا في إيقاع القصيدة
يعد القاسم يظاهرةً مميزةً في الشعر العربي عموماً، والشعر الفلسطيني خصوصاً، حيث يجمع بين شكلي القصيدة التقليدي والتجديدي بشكل استثنائي. يولي اهتماماً كبيراً بالحفاظ على جوهر التراث العربي في قصائده، حيث يظل ملتزماً بسمات القصيدة التقليدية مثل العمودية ووحدة الوزن وجمالية القافية، حتى فيما يكتب من قصائد مبتكرة وحديثة.
حافظ القاسم على قصيدته، سواء التقليدية أو التجديدية، بأسلوب يتيح للقارئ تجربة متنوعة وغنية. فعلى الرغم من اهتمامه بتجديد الشكل والمضمون في قصائده التجديدية، إلا أنه يحافظ في الوقت نفسه على العناصر التقليدية التي تميز الشعر العربي، مما يجعل إنتاجه الشعري يحمل الروح الجديدة مع الروح التقليدية، ويجسّد توازناً متميّزاً بين الحداثة والتراث.
كيف توفي سميح القاسم؟
توفي الشاعر سميح القاسم يوم الثلاثاء الموافق 19 أغسطس عام 2014 عن عمر ناهز 74 عامًا بعد صراع مع مرض سرطان الكبد الذي عانى منه لمدة 3 سنوات حتى تدهورت حالته الصحية في أيامه الأخيرة.
وقد نعى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس الشاعر الراحل ووصفه بأنه صاحب الصوت الوطني الشامخ وأنه كرس حياته مدافعًا عن الحق والأرض والعدل.
في آخر أيام حياته كتب سميح سطورًا قصيرة يتحدث فيها عن الموت ويقول فيها: "ما عندي حب لك أيها الموت ولا أخافك، وأنا أعلم أنك تصنع سريرًا من جسدي وبطانية من روحي".
في عام 2018 تم إحياء ذكراه بإقامة متحف ومؤسسة ومركز ثقافي يحملان اسمه في نفس المنطقة التي اختار أين يدفن فيها في قرية الرامة في الجليل.