تعد العالمة الإنجليزية روزاليند فرانكلين من العالمات اللاتي اكتشفن تركيب بنية الحمض النووي DNA وكانت لاكتشافاتها تلك أساسًا لعلماء جاءوا من بعدها أكملوا دراساتهم بناءً على ما توصلت إليه من أبحاث إلا أن العالم خذلها ولم يقدر مجهوداتها، في السطور التالية تعرف أكثر على مسيرتها وقصة نجاحها واكتشفاتها.
من هي روزاليند فرانكلين؟
روزاليند إلسي فرانكلين هي عالمة كيميائية بريطانية وعالمة بلورات بالأشعة السينية وواحدة من أهم العلماء الذين اكتشفوا بنية الحمض النووي ولدت روزاليند في 25 يوليو عام 1920 في لندن.
تعد روزاليند من أشهر العالمات اللاتي تعرضن للخذلان كونها امرأة، حيث لم يتم تقدير إنجازاتها العلمية في حياتها لهذا تم الإشارة إليها كونها "البطلة المظلومة"، أو "البطلة المنسية".
خلال حياتها واجهت روزاليند معارضة من الرجال في بيئة العمل وخلافات بسبب اختلافات في التفكير ووجهات النظر وقد اضطرت للانتقال للعمل والدراسة في جامعات أخرى بسبب ذلك.
لم تلقَ مشاريع وأبحاث روزاليند الحماس والدعم المطلوب وقتها كونها عالمة امرأة ولهذا فضلت العمل في أبحاثها لوحدها وقد تمكنت من اكتشاف بنية الحمض النووي، وهو الاكتشاف الذي حصل عليه عالمان آخران على جائزة نوبل بعد عدة سنوات.
نشأتها وطفولتها
ولدت روزاليند فرانكلين في نوتنج هيل في لندن لعائلة يهودية بريطانية ثرية جدًا. والدها إليس آرثر فرانكلين كان مصرفيًا وسياسيًا إنجليزيًا كما كان يُدرس في كلية الرجال العاملين، أما والدتها فهي موريل فرانسيس ويلي من سيدة من الطبقة الثرية.
روزاليند هي الابنة الثانية في عائلة مكونة من 5 أطفال وهم ديفيد وكولن ورولاند وجينيفر. كان عمها هربرت صموئيل وزيرًا للداخلية عام 1916 وكان أول يهودي ممارس يخدم في مجلس الوزراء البريطاني أما عمتها كانت زوجة المدعي العام في الانتداب البريطاني على فلسطين.
ديانة روزاليند فرانكلين
نشأت روزاليند في عائلة يهودية ثرية، إلا أنها كانت "لا أدري" فقد افتقرت للإيمان الديني منذ صغرها ولم تتبع دينًا بعينه بل كونت تفكيرًا خاصًا بها، ولم تؤمن بوجود حياة بعد الموت.
وقد نشرت رسالة كتبتها إلى والدها عام 1940 قالت فيها: "لا يمكن ولا ينبغي فصل العلم عن الحياة اليومية. العلم بالنسبة لي يعطي تفسيرا جزئيا للحياة... أنا لا أقبل تعريفك للإيمان أي الإيمان بالحياة بعد الموت... إيمانك يعتمد على مستقبل نفسك والآخرين كأفراد، أنا في المستقبل والمصير من خلفائنا".
رغم إيمانها الخاص إلا أنها لم تتخلَ عن تقاليدها اليهودية، فقد تلقت دروسًا في اللغة العبرية وكانت الطالبة الوحيدة اليهودية في مدرستها، كما انضمت إلى الجمعية اليهودية خلال دراستها في كامبريدج.
حياتها الشخصية وعلاقاتها
طوال حياتها لم تقم فرانكلين علاقة حميمة مع أي شخص، وكانت تحتفظ بمشاعرها العميقة لنفسها، وفي أيام شبابها تجنبت الصداقة مع الرجالة، ولكنها كانت مفتونة بمعلمها الفرنسي ميرينغ الذي كان لديه زوجة وعشيقة وقد اعترفت بمشاعرها تجاهه خلال عمليتها الجراحية الثانية.
طوال حياتها كانت العلاقة الأقرب لها من الجنسي الآخر هو العام دونالد كاسبار وقد وصفته بأنه "التطابق المثالي" وكانت تقول دائما أنه شخص "ربما تحبه وربما تتزوجه".
تعليم روزاليند فرانكلين
كانت روزاليند فرانكلين طفلة ذكية وأظهرت قدرات دراسية استثنائية في مراحل مبكرة من طفووتها، ففي سن السادسة انضمت إلى شقيقها لأكبر رولاند للدراسة في مدرسة نهارية خاصة.
ورغم ذكائها إلا أن عائلتها كانت تخاف من هذا الأمر حتى إن عمتها وصفت ذكاءها بأنه "مثير للقلق" حيث كانت تقضي وقتها كله في إجراء العمليات الحسابية من أجل الاستمتاع.
في سن التاسعة التحقت روزاليند بمدرسة ليندوريس للسيدات وهي مدرسة داخلية قريبة من البحر، حيث كانت العائلة تريد لابنتها أن تسمتع ببيئة جيدة وصحية، حيث كانت طفلة مريضة ودائمًا ما تعاني من أمراض في الجهاز التنفسي.
في سن الحادية عشر انتقلت مجددًا إلى مدرسة سانت بول للبنات، وهي من المدارس القليلة التي تدرس الفيزياء والكيمياء للبنات وفي هذه المدرسة أظهرت تفوقًا شديدًا وبرعت في اللاتينية والرياضية والألمانية والفرنسية وكانت الأولى على الفصول دائمًا إلا أنها لم تكن جيدة في الموسيقى.
في عام 1938 حصلت فرانكلين على شهادة في الثانوية العامة كما حصلت على منحة دراسية للجامعية بقيمة 30 جنيهًا إسترلينيًا لمدة 3 سنوات و5 جنيهات من جدها، إلا أن والدها طلب منها أن تمنح المنحة إلى طالب فقير يستحقها.
الدراسة في كامبريدج
التحقت روزاليند فرانكلين بجامعة كامبريدج ودرست الكيمياء والعلوم الطبيعية وفي عام 1941 حصلت على مرتبة الشرف الثانية في الامتحانات النهائية، ووقتها تم قبول الامتياز على أنها درجة بكالوريوس في مؤهلات التوظيف.
اتجهت بعدها فرانكلين للحصول على زمالة بحثية في كلية نيونهام وعملت في مختبر الكيمياء الفيزياء في جامعة كامبريج تحت إشراف العالم رونالد جورج وريفورد نوريش الذي حصل لاحقًا على جائزة نوبل في الكيمياء، والذي كان متغطرسًا وحساسًا تجاه النقد وكان عنيدًا للغاية ولا يريد تكليفها بالعمل رغم أحقيتها.
استقال نوريس من المختبر بسبب الإفراط في شرب الخمر وتولت روزاليند متطلبات العمل في المختبر ثم انتقلت للعمل في الجمعية البريطانية لأبحاث استخدام الفحم وتطوعت لمساعدة اللاجئين النازيين ومراقبة الغارات الجوية خلال الحرب العالمية الثانية.
خلال عملها في الجمعية اكتشفت فرانكلين مسامية الفخم وققد ساعدها ذلك الاكتشافات على تنصيف الفحم والتنبؤ بقدرته لأغراض الوقود وإنتاج أدوات الحرب مثل أقنعة الغاز، وكان هذا البحث هو أطروحتها للدكتوراه بعنوان "الكيمياء الفيزيائية للغرويات العضوية الصلبة مع إشارة خاصة إلى الفحم" وقد حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج عام 1945.
الانتقال إلى فرنسا
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قررت فرانكلين الانتقال إلى فرنسا للعمل في المركز الوطني للبحث العلمي، وهي من أهم المختبرات التي تدعمها الحكومة الفرنسية وعملت مع العالم الفرنسي جاك ميرينغ.
في المختبر الفرنسي تخصصت روزاليند في الأشعة لسينية وطورت مهارات هائلة في الأبحاث التحليلية بالأشعة السينية، وأصبحت خبيرة في تحليل صور الأشعة السينية للمواد البلورية واللابلورية الذي ساعد في البحث في الجزئيات الحيوية في الكربون.
روزاليند فرانكلين والحمض النووي
في عام 1950 طلبها السير جون راندال، مدير كلية كينجز، للعمل كباحثة مشاركة من أجل أبحاث الدنا في المعمل حيث كانت هي الوحيدة صاحبة الخبر في مجال الحيود التجريبي.
عملت روزاليند فرانكلين مع باحث الحمض النووي مريس ويلكنز وريموند جوسلينج ليكون مساعدها، وكان العالمان واطسون وكريك يجريان أبحاثا في نفس المجال في الوقت نفسه.
إلا أن روزاليند اكتشفت اكتشافًا غيّر العالم، حيث تمكنت من إثبات أن جزيء الدنا يمكنه أن يظهر في شكلين بناء على كمية الماء التي يمتصها.
وقد قسمت شكلي الدنا إلى "أ"، و"ب"، وأوضحت أن نسبة الرطوبة 75% تؤدي إلى الشكل "أ"، بينما نسبة الرطوبة 95% تؤدي إلى الشكل "ب".
وصفت روزاليند كذلك كل شكل بالتحديد وتمكنت في أبحاثها في المعمل أن تغير الجزيئات من شكل آخر من خلال تغيير نسبة الرطوبة، كما توصلت إلى عدة استنتاجات منها مكونات فوسفات السكر في الدنا واكتشفت أن الفوسفات موجودة خارج كل سلسلة.
اكتشفت كذلك أن القواعد العضوية في الدنا موجودة في الداخل لتكوين درجات السلم إلا أنها لم تكن تعرف عدد السلاسل في كل جزيء.
في عام 1952 تمكنت روزاليند من تصوير الشكل "ب" من الدنا بالأشعة السينية وقد تبين لها نمط على شكل X، كما أنها أجرت المزيد من الدراسات على شكل "أ" وتمكنت بفضل ذلك معرفة الكثير من البيانات عن الشكل "ب".
سرقة تجربة روزاليند فرانكلين
خلال فترة تجربة فرانكلين لDNA، أصبح زميلها في المختبر ويلكنز صديقًا مقربًا للعالم الأمريكي جيمس واتسون، وفي عام 1953 عرض ويلكنز صورة الأشعة السينية للدنا لواتسون دون إذن من فرانكلين ودون أن يخبرها بذلك.
كانت هذه الصورة تقدم دليلًا على نظيرًا واتسون كريك التي بدأا البحث فيها في جامعة كامبريدج، وبعد أسابيع قليل تلقى المعمل في كامبريدج تقريرًا به كل المعلومات من بحث فرانكلين دون تصريح منها أو من رئيس المعمل في كلية كينجز.
أعطيت هذه المعلومات إلى كريك ونسب الفضل فيما بعد إلى واتسون وكريك ولم يتم ذكر روزاليند فرانكلين في هذا الإنجاز ولم يتم الاعتراف بعملها وجهدها.
في هذا الوقت، وتحديدًا في عام 1953، كانت روزاليند توقفت عن العمل في الدنا وانتقلت للعمل في كلية بيركبك وركزت أبحاثها على الفيروسات المسببة لشلل الأطفال وتمكنت من إثبات أن حامل الصفات الوراثية للفيروس RNA كروي مثل DNA، كما تمكنت من عرض نموذج لتركيب الفيروس في معرض بروكسل العالمي عام 1957.
قصة روزاليند فرانكلين مع التحيز الجنسي
تعرض روزاليند فرانكلين البطلة المظلومة إلى سلسلة من الاضطهاد والتحيز الجنسي كونها امرأة تزاحم الرجال في مجال البحث العلمي، وهو المجال الذي ندر فيه وجود السيدات.
كان الاضطهاد الأول الذي تعرضت له هو سرقة أبحاثها في مجال الحمض النووي ونُسب الفضل إلى العالمين واتسون وكريك.
في عام 1963 حصل واتسون وكريك على جائزة نوبل بسبب أبحاثهما في تركيب الدنا، وخلال محاضرات نوبل تحدثها عن 98 مرجعًا للنتائج التي توصلا إليها ولم يكن من هذه المراجع فرانكلين.
تعرضت للاضطهاد مرة أخرى عندما كانت تعمل في كلية بيركبك، حيث توصلت لنتائج مذهلة وتمكنت في الفترة بين عامي 1953 و1958 إلى نشر 17 منشورًا عن الفيروسات كما وضعت الأساس في علم الفيروسات التركيبي.
كل هذه الأبحاث لم يشفع لها، ففي عام 1956 تم سحب منحتها العلمية وذلك لأن مقدم المنحة رفض أن ينفق أمواله على مشروع تديره امرأة، فبدأت الحصول على تمويل من إدارة الصحة العامة الأمريكية.
أهم اكتشافاتها العلمية
توصلت روزاليند فرانكلين إلى العديد من الاكتشافات العلمية خلال حياتها، ولعل أهم هذه الاكتشافات هي قدرتها على التقاط صورة للحمض النووي باستخدام الأشعة السينية والتي أظهرت نمطًا متكررًا يشير إلى بنية حلزونية مزدوجة للحمض النووي.
لم تنسب هذه الصورة إلى فرانكلين في البداية وتم استخدام هذا الاكتشاف من قبل العالم جيمس واتسون وفرانسيس كريك دون إذنها وقدما نموذجًا لبنية الحمض النووي بناءً على الاكتشافات التي توصلت إليها روزاليند إلا أنه تم الاعتراف لاحقًا بجهودها.
ساعدت روزاليند أيضًا في فهم بنية الحمض النووي من خلال أبحاثها في علم البلورات، وقد تمكنت من استخدام تقنية اسمها "التبلور بالأشعة السينية" التي استخدمتها من أجل معرفة بينة الحمض النووي، وقد ساعدت هذه النتائج العالمي واتسون وكريك لبناء نموذجهما لبنية الحمض النووي.
درست روزاليند كذلك بنية فيروس الفسيسفاء التبغنية الذي يؤدي إلى شلل الأطفال وذلك باستخدام التبلور بالأشعة السينية وتوصلت إلى فهم تكوين الفيروسات وكيف تتكرر وصورت شكل الفيروس بالأشعة السينية، وكانت أبحاثها في مجال علم الفيروسات.
من أبحاثها المبكرة أيضًا فحص الفخم باستخدام الأشعة السينية وقد ساعدت في فهم بنية الفحم وكيفية استخدامه من أجل تصنيع أدوات الحرب، كما ساعدت في تطور علم البلورات واكتشفت تقنيات جديدة وتمكنت من فهم بنية العديد من المواد منها المعادن والفيروسات والبروتينات.
كيف ماتت روزاليند فرانكلين؟
في عام 1956 كانت فرانكلين تعمل في الولايات المتحدة الأمريكية وفي هذا الوقت عانت من مشكلات صحية شديدة، حيث كانت بطنها منتفخة بشكل شديد وشك من حولها أنها حامل.
نحها الأطباء في أمريكا بالعودة إلى لندن لتلقي العلاج وهناك اكتشفت إصابتها بسرطان المبيض وأجريت عملية جراحية في العام نفسه بإزالة الورم من المبيض ثم أكملت فترة العلاج في المستشفى.
رفضت فرانكلين بعد الخروج من المستشفى البقاء مع والديها لأن والدتها كانت حزينة عليها بشدة، ورغم مرضها واصلت فرانكلين العمل وقدمت عدد من الأوراق البحثية خلال مرضها كما حصلت على ترقية إلى باحث مشارك في الفيزياء الحيوية قبل وفاتها بشهر.
توفيت روزاليند فرانكلين في 16 أبريل عام 1958 في لندن بسبب سرطان المبيض وسرطان الثانوي والالتهاب الرئوي القصبي وكان عمرها 37 عامًا فقط.