يعد المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي من أبرز المخرجين الفلسطينيين وأكثرهم تأثيرًا في الساحة السينمائية العربية والدولية، فقد نشأ في مخيمات اللاجئين في غزة، وقد شكلت نشأته تلك وعيه السينمائي، وألهمته لتقديم أعمال سلطت الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني اليومية وآماله في التحرر، وحول المأساة الفلسطينية إلى فن يعكس القضية الوطنية، وهو ما جعله رمزًا للمقاومة الثقافية الفلسطينية، تعرف أكثر على أعماله وإنجازاته.
من هو رشيد مشهراوي؟
هو مخرج فلسطيني ولد في مخيم الشاطئ في قطاع غزة في عام 1962، وقد نشأ لعائلة مهجرة من يافا في الداخل المحتل، ويعد من أبرز المخرجين السينمائيين الذين تحدثوا عن المأساة الفلسطينية في كل أعماله.
بدأ مشهراوي مسيرته المهنية في منتصف الثمانينات كمصور ومخرج أفلام وثائقية، وقد اتسمت أعماله منذ بدايته على تقديم قصص مستوحاة من الواقع الفلسطيني، مبرزًا التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني يوميًا.
خلال مسيرته الفنية، أخرج رشيد العديد من الأعمال التي عرضت في مهرجانات عربية ودولية، ومنها حتى إشعار آخر، وعيد ميلاد ليلى، وحيفا، وفلسطين ستريو، ورسائل من اليرموك، وكتابة على الثلج، ومن المسافة صفر، وأحلام عابرة.
وقد واجه رشيد مشهراوي خلال مسيرته العديد من الصعوبات نتيجة القيود المفروضة على التصوير، وقد صور أفلامه في عدة دول عربية وأجنبية، منها العراق وسوريا والأردن، وساهمت أفلامه تلك في تعريف العالم بالقضية الفلسطينية. أسس رشيد كذلك عدة مبادرات لدعم السينما الفلسطينية، ودعم المخرجين الشباب في بلده فلسطين.
نشأته وتعليمه
ولد رشيد مشهراوي في مخيم الشاطئ في قطاع غزة، وقد نشأ على سماع قصص عائلته التي هجرت من منزلها في يافا، وعاشت في مخيم للاجئين في قطاع غزة، وقد أثرت تلك القصص والحكايات، فضلًا عن تجربته بالعيش في سجن كبير؛ بسبب الاحتلال على أعماله السينمائية والوثائقية فيما بعد.
في سن الرابعة عشرة من عمره، مرض والد رشيد، فاضطر الشاب الصغير للعمل من أجل المساعدة في إعالة عائلته. لم يدرس مشهراوي السينما، بل تمكن من الوصول إليها من خلال تجاربه بالفن التشكيلي.
تجربته السينمائية
بدأ المخرج رشيد مشهراوي تجربته السينمائية عام 1986 من خلال فيلمه القصير "جواز السفر" والذي يتحدث عن زوجين علقا في المعبر الحدودي بين إسرائيل والأردن؛ لأن الزوج أضاع جواز سفره، والفيلم مدته 20 دقيقة.
كانت تجربته السينمائية الثانية هو الفيلم الروائي القصير "الملجأ" عام 1989، ومدته 30 دقيقة، ثم أخرج عدة أفلام أخرى منها فيلم "دار ودور" عام 1990، وفيلم "أيام طويلة في غزة" في العام نفسه.
أسس مشهراوي بعدها شركة "أيلول للإنتاج السينمائي والتلفزيوني" وأنجز فيها أول فيلم روائي طويل له عام 1993 بعنوان "حتى إشعار آخر" ومدته 57 دقيقة، ويعد هذا الفيلم من أشهر أفلام رشيد مشهراوي التي ساعدته في الوصول إلى السينما العاملية.
حصد الفيلم العديد من الجوائز، وعرض في مهرجانات سينمائية عدة، وحصل الفيلم على جائزة الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ويعتبر هذا الفيلم أول فيلم فلسطيني حقيقي؛ لأنه أول فيلم يتم إنتاجه في الأراضي الفلسطينية المحتلة بواسطة طاقم فلسطيني.
إنتاج الأفلام الفلسطينية
في عام 1996، أسس مشهراوي مركز الإنتاج السينمائي في رام الله، وقد نظم هذا المركز ورشات تدريب على الإخراج والتصوير، كما أسس مهرجان سينما الطفل، والسينما المتنقلة في فلسطين.
أنتج مشهراوي العديد من الأفلام التي نقلت القضية الفلسطينية، وتناولت معاناة وتحديات الشعب الفلسطيني، ومن تلك الأفلام "رباب"، و"توتر"، و"خلف الأسوار"، و"غباش"، و"موسم حب"، و"مقلوبة"، و"من فلسطين بث مباشر".
أنتج رشيد مشهراوي فيلمه الروائي الطويل الثالث "تذكرة إلى القدس" عام 2002، والذي يسرد وقائع يعايشها الشعب الفلسطيني خلال محاولتهم الوصول إلى القدس المحتلة.
أنجز رشيد بعض الأعمال التجريبية، منها قمر واحد، وحمص العيد وشهرزاد، وفي عام 2003، أصدر فيلمه الروائي الطويل الرابع "انتظار"، وفي عام 2005، أخرج وأنتج الفيلم الوثائقي الطويل "أخي عرفات".
في عام 2008، أخرج فيلمه الروائي الطويل الخامس "عيد ميلاد ليلى" ومدته 71 دقيقة، والعمل من بطولة الفنان محمد بكري، الذي يلعب فيه دور والد الطفلة ليلى، ويعمل سائق تاكسي، ويحكي الفيلم عن محاولته العودة مبكرة للمنزل من أجل الاحتفال بعيد ميلاد ابنته ليلى.
في عام 2009، أخرج رشيد وألف أفلام وثائقية بعنوان "الأجنحة الصغيرة"، وقد تصوير تلك الأفلام في مصر وفلسطين والمغرب والعراق، وفي عام 2011 أخرج فيلم وثائقي بعنوان "رجل وطن ومدينة" عن القائد الفلسطيني فيصل الحسيني.
في عام 2013، أخرج وأنتج الفيلم الوثائقي "أرض الحكاية"، ثم أخرج فيلمه الروائي السادس "رسائل من اليرموك" والذي يتحدث عن حصار المخيمات الفلسطينية في دمشق، وعرض الفيلم في مهرجانات دولية وعربية عدة.
فيلم حيفا لرشيد مشهراوي
في عام 1996، أخرج رشيد مشهراوي ثاني فيلم روائي طويل له بعنوان "حيفا" وهو أول فيلم فلسطيني يعرض بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي منذ تأسيسه. الفيلم من بطولة محمد بكري، وهيام عباس وعرين عمري، وقد حاز الفيلم على عدة جوائز عالمية منها جائزة مهرجان البندقية السينمائي عام 1997.
تدور أحداث الفيلم في مخيم فلسطيني في الضفة الغربية بعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
فيلم أحلام عابرة
في عام 2023، أخرج رشيد مشهراوي فيلمه الجديد أحلام عابرة، والذي تم اختياره فيلم الافتتاح في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ45. الفيلم يتحدث عن قصة طفل يفقد طائره، ويقرر أن يبحث عنه، وهو ما يضعه في مأزق.
يغادر سامي مخيم قلنديا في شمال القدس، ويتجه إلى بيت لحم حاملًا معه قفصًا وطعام الطائر، وخلال رحلته يواجه تجارب مختلفة، ويقابل شخصيات ويتنقل بين الأحياء الفلسطينية لينقل واقع الفلسطينيين في الداخل المحتل.
من المسافة صفر رشيد مشهراوي
من المسافة صفر هو مشروع توثيقي سينمائي للمخرج رشيد مشهراوي، ويضم الفيلم 22 فيلمًا قصيرًا تم إنتاجهم عام 2024، ومدة عرضهم 100 دقيقة. الفيلم يعد تجربة سينمائية جديدة يخوضها رشيد، فهو في هذا العمل ليس المخرج، ولكن الشباب في قطاع غزة هم المخرجون الذين يعيشون الأحداث عن قرب، ويسردوا حكاياتهم ويوثقونها من بعد أحداث السابع من أكتوبر من خلال أفلام قصيرة.
تم تنفيذ الفيلم بالكامل خلال الحرب، وقد تم وثق الفيلم القصف والتهجير والحرب والجوع الذي عاشه الشعب الفلسطيني خلال الحرب، ويعكس تجارب حقيقية بين طوابير انتظار المياه والطعام وشحن الهواتف والخبز.
عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان عمان السينمائي الدولي، وسيعرض في مهرجان تورنتو السينما، كما أنه عرض في مهرجان القاهرة السينمائي، ورشح الفيلم للمنافسة في جائزة أوسكار أفضل فيلم دولي في الدورة السابعة والتسعين.