ديفيد روكفلر.. قطب مالي صاحب النفوذ والتأثير الكبير

يعد رجل الأعمال الأمريكي ديفيد روكفلر واحد من أهم رجال الأعمال في القرن العشرين، فقد شغل منصب رئيس شركة "تشايس مانهاتن بنك" لسنوات وساعد في تحويها إلى واحد من أكبر المؤسسات المالية في العالم، كما أنه اشتهر بحبه للخير ودعمه للقضايا الإنسانية والثقافية، تعرف أكثر على مسيرته المهنية وإنجازاته في هذا المقال.

من هو ديفيد روكفلر؟

هو رجل أعمال واقتصادي ومصرفي ومستثمر أمريكي ناجح ولد في 12 يونيو عام 1915 في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية ونشأ في عائلة ثرية، فوالده هو الممول الأمريكي الشهير جون دافيسون روكفيلر جونيور.

شغل روكفلر لسنوات منصب رئيس بنك تشايس مانهاتن والتي تعد واحدة من أكبر المؤسسات المالية في العالم، وقد عمل خلال حياته لعدد من الشركات التابعة للعائلة وتميزت مسيرته المهنية بالنجاح والأفكار المالية الرائدة.

كان روفكلر من الشخصيات البارزة في عالم الأعمال الدولي، فقد نجح في تعزيز التجارة والاستثمارات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من بلدان العالم.

عرف روكفلر بسخائه وكرمه ودعمه للقضايا الإنسانية والثقافية، وخلال حياته تبرع بملايين الدولارات للمنظمات المختلفة منها الجامعات والمتاحف والمؤسسات الطبية، كما أنه كان راعيًا للفنون وموّل العديد من المشروعات الفنية والثقافية.

عائلة روكفلر

تعد عائلة روكفلر واحدة من أشهر عائلات المال والأعمال في العالم، فقد برزت في مجالات الأعمال والسياسة والأعمال الخيرية وتمكنوا من ترك بصمة مهمة وواضحة في التاريخ الأمريكي والعالمي أيضًا.

تأسست العائلة على يد جون دافيسون روكفلر الأب، الذي ولد في عام 1839 وتوفي عام 1937 وقد اشتهر بكونه أغنى رجل أعمال في بداية القرن العشرين، وقد أسس روكفلر الأب شركة ستاندرد أويل وهي أكبر شركات النفط في العالم.

استخدم روكفلر الأب أساليب تجارية ذكية إلا أنه واجه انتقادات حادة بسبب أسلوبه التجاري المتشدد. واصلت العائلة مسيرتها الناجحة في عالم المال والأعمال بفضل أبنائه، فقد أنجب روكفلر الأب 5 أبناء ولعب كل واحد منهم دور مهم في توسيع ثروة العائلة وزيادة نفوذها في أمريكا.

ومن بين الأبناء الذين برزوا هو جون دافيسون روكفلر جونيور، الذي ولد عام 1874 وتوفي عام 1960، والذي أصبح رئيس شركة ستاندرد أويل، والذي أنجب عدة أبناء أكملوا مسيرة الجد والأب، ومنهم ديفيد وشقيقه نيلسون روكفلر، ولد عام 1908 وتوفي عام 1979، فقد شغل منصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

لم تقتصر إنجازات العائلة على مجال الأعمال فقط، بل برزوا في مجالات مختلفة منها السياسية والثقافة والخير، وأسست العائلة عددًا من المؤسسات التعليمية والثقافية منها جامعة روكفلر ومتحف الفن الحديث في مدينة نيويورك.

روكفلر هو الطفل الأصغر بين 6 أطفال لوالده رجل الأعمال جون دافيسون روكفلر جونيور ووالدته أبيجيل جريت ألدريتش والتي كانت شخصية اجتماعية بارزة، كما أن والده اكان عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي، وقد كان والده هو المؤسس المشارك لشركة ستاندرد أويل والذي شغل منصب الرئيس في الشركة فيما بعد.

عائلة ديفيد روكفلر مكونة من 6 أطفال، وهم شقيقته آبي روكفلر، وهي فاعلة خير أمريكية، وجون الثالث، ونيلسون روكفلر وهو رجل أعمال شغل منصب النائب الحادي والأربعين لرئيس الولايات المتحدة الأمريكي في عهد الرئيس جيرالد فورد، ولورانس وهو رجل أعمال ومدافع عن البيئة في أمريكا والابن الأخير وينثروب روكفلر هو سياسي ورجل أعمال أمريكي.

نشأته وتعليمه

ولد ديفيد روكفلر في مدينة نيوروك وقد عاش طفولة ثرية ومرفهة وعاش في واحدة من أضخم وأكبر البيوت على الإطلاق في مدينة نيويورك، فقد كان منزله مكونًا من 8 طوابق، وكان يصنف وقتها من أطول المساكن الخاصة التي تم بناؤها على الإطلاق في المدينة.

درس روكفلر في مدرسة لينكولن الابتدائية، وهي المدرسة التي تم إنشاؤها بدعم من مؤسسة روكفلر التعليمية الخيرية، ثم التحق بعدها بجامعة هارفارد وتخرج في عام 1936 ليبدأ مسيرته المهنية كمحرر في مجلة هارفارد.

درس روفكلر كذلك الاقتصاد لمدة عام في كلية لندن للاقتصاد، وخلال فترة دراسته في لندن عمل لفترة وجيزة في بنك تشيس مانهاتن في لندن. بعد عودته إلى الولايات المتحدة أكمل الدراسات العليا وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة شيكاغو عام 1940.

زوجة ديفيد روكفلر

تزوج رجل الأعمال الأمريكي ديفيد روكفلر من مارغريت ماكغراث روكفلر عام 1940، وهي سيدة أعمال أمريكية كانت عضوة مؤسسة لمنظمتين للحفاظ على الأراضي وشغلت طوال حياتها عضوة في مجلس إدارة العديد من المنظمات المعنية بالحفاظ على البيئة. توفيت زوجته عام 1996 عن عمر يناهز 80 عامًا، وقد أنجبت له 6 أبناء.

أبناء ديفيد روكفلر

لدى ديفيد روكفلر أبناء وهم ديفيد روكفلر جونيور ولد في عام  1941 ويشغل نائب رئيس مجلس إدارة شركة عائلة روكفلر، كما أنه رئيس مجلس إدارة روكفلر للخدمات المالية، وكان سابقًا رئيس صندوق Rockefeller Brothers Fund، وغيرها من المؤسسات العائلية الأخرى.

ابنته آبي روكفلر من مواليد عام 1943 وهي عالمة بيئة ونسوية وعرفت بشخصيتها المتمردة، وقد كانت ماركسية ومن أكبر المعجبين بفيدل كاسترو، كما أنها كانت ناشطة نسوية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين وانضمت إلى عدة منظمات نسوية منها منظمة تحرير الإناث، فضلا عن كونها ناشطة بيئية.

الابنة الثالثة نيفيا روفكلر ولدت عام 1944 وهي خبيرة اقتصادية وتشغل منصب مديرة المعهد العالمي للتنمية والبيئة، كما أنها نائب رئيس صندوق Rockefeller Brothers Fund.

الابنة الرابعة مارغريت روفكلر من مواليد عام 1947 وهي مؤسسة معهد سينيرجوس عام 1986، كما أنها عضوة في مجلس إدارة العلاقات الخارجية كما كانت تعمل في اللجنة الاستشارية لمركز ديفيد روكفلر لدراسات أمريكا اللاتينية في جامعة هارفارد.

الابن الخامس هو ريتشارد روكفلر من مواليد عام 1949 وتوفي عام 2014 عن عمر 65 عامًا، وكان طبيب وشغل منصب رئيس المجلس الاستشاري للولايات المتحدة لمجموعة المساعدة الدولية أطباء بلا حدود.

الابنة السادسة هي إيلين روكفلر من مواليد عام 1952 وهي الرئيسة المؤسسة لشركة Rockefeller Philanthropy Advisors وقد تأسست عام 2002 في نيويورك.

ما هي ديانة روكفلر؟

عائلة ديفيد روكفلر مسيحية بروتستانتية، وقد تربى شأنه شأن باقي أفراد العائلة على الدين المسيحي، ورغم أن عائلته كانت متدينة إلا أنه لم يكن متدينًا مثل والده، ولكنه شارك في بعض الأنشطة الدينية وتبرع للكنائس والمؤسسات الخيرية الدينية.

بداية مسيرته المهنية

عمل ديفيد روكفلر في بداية حياته في بنك تشيس مانهاتن حينما كان يدرس في لندن، وبعد أن أنهى دراسته العليا في جامعة شيكاغو أصبح سكرتيرًا لعمدة نيويورك وقتها فيوريلو لاغوارديا واستمر في هذا المنصب لمدة 18 شهرًا تقريبًا.

في الفترة من عام 1941 إلى 1942 شغل منصب مساعد المدير الإقليمي لمكتب الولايات المتحدة لخدمات الدفاع والصحة والرعاية الاجتماعية، وبعدها التحق بالجيش الأمريكية وتمت ترقيته إلى رتبة نقيب عام 1945 وشارك في الحرب العالمية الثانية حيث خدم في شمال أفريقيا وفرنسا كونه يتقن اللغة الفرنسية.

خلال عمله في الاستخبارات العسكرية أنشأ روكفلر وحدات استخبارية سياسية واقتصادية، وقد عمل لمدة 7 أشهر في منصب مساعد الملحق العسكري في السفارة الأمريكية في باريس، كما قدمت شركة العائلة للنفط مساعدات عديدة للجيش الأمريكي.

عمله المصرفي

بعد انتهاء الحرب العالمية عاد إلى بنك تشيس الوطني عام 1946، وكان عمه هو رئيس مجلس الإدارة وقتها، وكان البنك وقتها عبارة عن بنك جملة ويتعامل مع مؤسسات مالية بارزة، كما ارتبطت أعماله بصناعة النفط وتمويل هذه الصناعة، وفي عام 1955 تحول بنك تشيس الوطني إلى بنك تشيس مانهاتن.

في عام 1969 شغل منصب رئيس مؤسسة تشيس مانهاتن المصرفية وظل يشغل المنصب حتى عام 1981، وخلال هذه الفترة أنشأ شبكة علاقات وثيقة مع الحكومات والشركات متعددة الجنسيات، مما دفع المراقبين إلى القول بأن البنك أصبح يمتلك سياسته الخارجية الخاصة به.

خلال فترة عمله كرئيس تنفيذي، توسع بنك تشيس عالميًا وأصبح عنصرًا أساسيًا في النظام المالي العالمي بفضل شبكته الواسعة من البنوك المراسلة، التي أصبحت الأكبر في العالم.

في عام 1973، أنشأ تشيس أول فرع لبنك أمريكي في موسكو، التي كانت حينذاك جزءًا من الاتحاد السوفيتي. في نفس العام، زار روكفلر الصين، مما جعل بنك تشيس أول بنك أمريكي يصبح مراسلًا للبنك الوطني الصيني.

توسعت نفوذ تشيس مانهاتن وشملت العديد من الشركات غير المالية، وأصبحت واحدة من أكبر المؤسسات التي تتمتع بأكبر قدر من السيطرة على الشركات الأخرى.

كان وجود روكفلر في مؤسسة تشيس سببًا في ارتفاع قيمة الشركة بسبب سياساته المالية والاقتصادية، فعندما انضم إلى المؤسسة ارتفعت قيمتها من 4.8 مليار دولار إلى 76.2 مليار دولار، وعندما تنحى عن منصب الرئيس تراجع موقع الشركة إلى ثالث أكبر بنك في العالم، ثم تم بيع الشركة عام 1996 إلى شركة كيميكال بنك أوف نيويورك.

تجربته السياسية

عرف ديفيد روكفلر على نطاق واسع من أنه واحد من أهم المصرفيين السياسيين في أمريكا، فقد سافر إلى عدة بلدان حول العالم والتقى برؤساء عدد من الدول، كما أنه عمل كمبعوث غير رسمي لأعمال رفيعة المستوى.

خلال حياته التقى روكفلر بعدد من الرؤساء منهم صدام حسين وميخائيل جورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفييتي، وفيدل كاستور الزعيم الكوبي وغيره، ورغم علاقاته السياسية الجيدة إلا أنه رفض عرض شقيقه نيلسون بدخول مجلس الشيوخ بعد اغتيال كينيدي عام 1968. رفض روكفلر كذلك منصب وزير خزانة الولايات المتحدة خلال عهد جيمي كارتر.

خلال مسيرته السياسية كان روكفلر على علاقة جيدة مع العديد من المستبدين حول العالم وقد تعرض لانتقادات حادة بسبب هذه العلاقات، وقد أشارت الصحف الأمريكية حينها أنه عقد صفقات مربحة مع الديكتاتوريين أثرياء النفط وزعماء الحزب السوفيتي ومرتكبي الثورة الثقافية في الصين.

واجه روكفلر انتقادات عديدة من اليمين بسبب دعواته المستمرة لتحرير التجارة مع الصين والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. وقد أسس روكفلر لجنة ثلاثية لتحسين العلاقات بين أمريكا الشمالية واليابان وغرب أوروبا عام 1973، وأصبحت هذه اللجنة هدفًا منتظمًا لليمين المتطرف ونظريات المؤامرة، حيث زعموا أنها تسعى إلى إقامة حكومة عالمية.

أعماله الخيرية

اشتهر رجل الأعمال الأمريكي ديفيد روكفلر بسخائه وأعماله الخيرية ودعمه للقضايا الإنسانية والثقافية، فخلال حياته تبرع بنحو ملياري دولار أمريكي لمختلف المنظمات والمؤسسات.

اهتم روكفلر بالفنون والثقافة فساهم في دعم العديد من المتاحف والمعارض الفنية والبرامج الثقافية، كما أنه كان عضوًا في مجلس إدارة متحف الفن الحديث في نيويورك لأكثر من 6 عقود ومول العديد من المشروعات المهمة للمتحف، دعم أيضًا مؤسسات أخرى منها مكتبة نيويورك العامة وأوركسترا نيويورك.

اهتم كذلك بالتعليم ودعم عدد من الجامعات والكليات، فقد تبرع بمبالغ ضخمة إلى جامعة هارفرد وجامعة روكفلر، ومنح العديد من المنح الدراسية ورعى الكثير من برامج تبادل الطلاب.

اهتم كذلك بالصحة ودعم العديد من المنظمات الطبية والمستشفيات منها مستشفى نيويورك-برسبيتريان، كما أسس مركز باسمه للبحوث الطبية. كان كذلك من دعاة حماية البيئة ودعم العديد من المنظمات البيئية، كما ساعد في تأسيس منتزه مونتانا آوستي الوطني ودعم برامج مختلفة لحماية البيئة.

ورث روكفلر حبه للأعمال الخيرية من جده جون روكفلر، الذي خصص جزءًا كبيرًا من ثروته لأعمال خيرية متنوعة وواسعة النطاق.

كتب ديفيد روكفلر

ألف روكفلر عددًا من الكتب خلال حياته ومنها "مذكرات ديفيد روكفلر" التي صدرت عام 2003 وروى فيه قصة حياته ونشأته في العائلة الثرية ومسيرته المهنية الناجحة كرجل أعمال.

كتب كذلك كتاب آخر بعنوان "ملف روكفلر" عام 1975 والذي تحدث فيه عن الاتهامات التي واجهها بشأن المؤامرة الدولية التي تسعى إلى تقويض مصالح الولايات المتحدة وتعزيز نظام عالمي موحد.

في أي عام مات ديفيد روكفلر؟

توفي ديفيد روكفلر في 20 مارس عام 2017 عن عمر 101 عامًا في منزله في نيويورك بسبب قصور في القلب، وعند وفاته كان من أكبر أثرياء العالم من حيث السن.

ثروة ديفيد روفكلر

بعد موت ديفيد روكفلر قدرت مجلة فوربس صافي ثروته بنحو 3.3 مليار دولار وتأتي معظم ثروته من صناديق الائتمان العالمية التي أنشأها والده والتي تدار من الغرفة 5600 وبنك تشيس، كما أنه كان شريكًا في منتجع بمساعدة 16 كيلو متر والعديد من العقارات في دول حول العالم.

كان المصدر الآخر لثروته هو مجموعته الفنية الضخمة التي تضم أعمالًا لحركات فنية مختلفة مثل الانطباعية وما بعد الحداثة، وقد تم بيع مجموعته بمئات ملايين الدولارات في مزاد علني عام 2018 وذهبت العائدات إلى منظمات ربحية مختلفة.