يعد الشاعر السوري خليل مردم بك من أشهر الشعراء السوريين على الإطلاق، فبجانب أعماله ودواوينه الشعر اشتهر بشكل أكبر بتأليفه النشيد الوطني السوري فضلًا عن عمله في المجال السياسي، تعرف أكثر على مسيرته وحياته.
من هو خليل مردم بك؟
خليل أحمد مختار مردم بك هو شاعر وسياسي سوري ولد في دمشق في عام 1895 لعائلة تعد من أعرق العائلات الدمشقية وأكثرها علمًا ونسبًا.
درس مردم في الكٌتاب كما درس الحديث والصرف والنحو وبدأ في كتابة الشعر في سن مبكرة، وقد تعلم اللغة التركية وعمل في وظيفة حكومية لسنوات.
يعد خليل من أبرز الشخصيات الثقافية والأدبية في التاريخ الحديث لسوريا، فهو من الأسماء التي ساهمت في تأسيس "جمعية الرابطة الأدبية" وتم اختياره نقيبًا لها، كما أنه كان من أبرز شعراء الثورة السورية الكبرى فأخذ يكتب قصائد وطنية تشعل حماس الشعب للاستمرار في الثورة.
أصدر مردم بك العديد من المؤلفات التي تنوعت بين الشعر والتراث والمؤلفات الأدبية، وقد شغل منصب رئيس المجمع العلمي العربي خلال الوحدة بين مصر وسوريا، كما شغل عدة مناصب وزارية منها وزارة الخارجية ووزارة المعارف، إلا أن السياسية والأعمال الدبلوماسية لم تشغله عن الشعر والتأليف.
كان خليل شاعرًا قوميًا بامتياز فاهتم بالقضايا القومية والإنسانية ودعا إلى الوحدة العربية، كما أنه اشتهر بسبب تأليفه النشيد الوطني السوري.
نشأته وتعليم
ولد الشاعر خليل مردم بك في العاصمة السورية دمشق، وهو ينحدر من عائلة "مردم بك" التي تعد من أعرق العائلات الدمشقية والتي تعود نسبها إلى فاتح قبرص العثماني "لالا مصطفى باشا".
والده هو أحمد مختار مردم بك، ووالدته فاطمة محمود الحمزاوي، وهي ابنة مفتي دمشق وقتها. نشأ مردم بك في عائلة كبيرة وكان الابن الذكر الوحيدة وله 5 شقيقات.
درس خليل في الكُتاب عندما كان في السابعة من عمره، ثم التحق بمدرسة الملك الظاهر الابتدائية الرسمية في سن العاشرة ودرس فيها لمدة 3 سنوات ثم درس في المدرسة الإعدادية الرسمية ودرس فيها لمدة سنة تقريبًا.
درس خليل الحديث والفقه والنحو والصرف على يد كبار علماء دمشق منهم الشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ عطا الكسم، وعبد القادر الإسكندراني، وقد تأثر بهم كثيرًا وظهر هذا التأثير في أعماله الشعرية.
بدأ خليل كتابة الشعر قبل بلوغه سن الخامسة عشرة وقد أظهر منذ صغره نبوغًا شعريًا. عاش خليل حياته يتيمًا فقد توفي والده عندما كان يبلغ من العمر 15 عامًا ثم توفيت أمه بعد 4 سنوات، وقد أصبح منعزلًا ومنطويًا على نفسه بسبب هذا الحادث ولازمه هذا الأمر طوال حياته.
في عام 1931 سافر خليل إلى لندن لدراسة الأدب الإنجليزي في بريطانيا وحصل على شهادة عالية تعادل شهادة الدكتوراه.
مسيرته المهنية
في عام 1981 بدأ خليل مردم بك مسيرته المهنية بالعمل في الحكومة العربية بعد جلاء الأتراك عن دمشق، وفي هذا العام عمل مميزًا في ديوان الرسائل العام، وبعدها بعام عمل مدرسًا في مدرسة الكتاب والمنشئين.
بعد استقلال سوريا شغل منصب معاون لمدير ديوان الوزراء، إلا أنه خرج من العمل الحكومي بعد دخول الجيش الفرنسي مدينة دمشق وغادر دمشق عدة سنوات وعاش في لبنان ثم الإسكندرية وبعدها لندن.
عاد بعدها إلى دمشق عام 1929 وعمل مساعدًا لرئيس الأدب العربي في الكلية العلمية الوطنية وظل يشغل هذا المنصب لمدة 9 سنوات حتى عام 1938، وخلال هذه الفترة اهتم بالتأليف ونظم الشعر وحقق شهرة كبيرة بسبب دواوينه.
بعد تحقيق شهرة واسعة تم انتخابه عضوًا في مجمع اللغة العربية في مصر عام 1948، والمجمع العلمي في العراق عام 1949، كما أصبح عضوًا في مدرسة الدراسات الشرقية في لندن عام 1951.
كان مردم بك أيضًا عضوًا في دارة المعارف الإسلامية عام 1951، ومجمع البحر المتوسط في إيطاليا عام 1952، وعضوًا في المجمع العلمي السوفييتي عام 1958.
مناصب سياسية شغلها
شغل خليل مردم بك عددًا من المناصب السياسية والدبلوماسية، ففي عام 1951 تم تعيينه وزيرًا مفوضًا في السفارة السورية في مدينة بغداد، وقد استمرت جهوده الأدبية والشعرية خلال السنوات الثلاث التي قضاها في بغداد.
عاد إلى دمشق مرة أخرى وتم تعيينه وزيرا للخارجية ووزيرًا للمعارف، وخلال الوقت نفسه تم انتخابه رئيسًا للمجمع العلمي العربي، وبعد سنوات قرر اعتزال السياسة من أجل التفرغ للعمل الأدبي الذي انشغل به حتى وفاته.
مسيرته الأدبية
بدأ الشاعر خليل مردم بك في كتابة الشعر في سن مبكرة، فقد تعلم فنون الشعر والنحو والصرف منذ صغره واستغل هذا العلم في كتابة الشعر. في عام 1921 أسس مردم بك جمعية الرابطة الأدبية في سوريا مع عدد من الشعراء والأدباء في سوريا ومنهم حليم موس وفبلان الرياشي وماري عجمي وغيرهم، وقد عقد أول اجتماع لها في العام نفسه وتم اختياره رئيسًا للجمعية.
تأثر الشاعر بالأحداث الوطنية والقومية في بلاده وأهمها الثورة السورية الكبرى فكتب عنها أعظم القصائد الوطنية التي أثارت حماسة الشعب السوري لرفع الظلم عنهم، وكان هذا سببًا في مطاردته من السلطات الفرنسية فسافر إلى لبنان وعاش في قرية المروج لفترة، ثم علم الفرنسيون بمكانه فسافر إلى الإسكندرية ومنها إلى لندن.
عاد بعدها إلى دمشق عام 1929 وألف العديد من القصائد الرائعة، كما أنه لم ينسى الشعر ولم تتوقف أعماله الأدبية خلال فراره من دمشق.
مؤلفات خليل مردم بك
ألف خليل مردم بك ما يصل إلى 23 كتابًا بين مؤلف ومحقق ونشر منها في حياته كتاب "شعراء الشام في القرن الثالث الهجري"، وسلسلة "أئمة الأدب".
ألف كذلك دواوين عدة منها "ابن عنين"، و"ابن الجهيم"، و"ابن حيوس"، و"ابن الخياط" وقام بتحقيق هذه الدواوين. وبعد وفاته نشر نجله الوحيد عدنان مؤلفاته الأخرى تباعًا، وأولها ديوان خليل مردم بك الذي صدر عن المجمع العلمي العربي في دمشق عام 1960، وكتاب "جمهرة المغنين"، و"الأعرابيات".
أصدر نجله عدنان أيضًا عددًا من مؤلفاته على نفقته الخاصة منها "رسائل الخليل الدبلوماسية"، و"شعراء الأعراب"، و"أعيان القرن الثالث عشر"، و"الشاعر ابن الرومي"، و"الشاعر أبو نواس"، و"يوميات الخليل"، و"محاضرات الخليل في الإنشاء العربي"، و"دمشق في العشرينات".
قصائد خليل مردم بك
اهتم الشاعر خليل مردم بك في قصائده بالقضايا الوطنية والقومية في بلاده والوطن العربي، فتغنى بالثورة ودافع عنها وتعرض بسببها إلى الطرد من بلده دمشق لعدة سنوات.
وقد تنوعت الأغراض الشعرية للشاعر خليل بك ما بين الحماسي والثوري والوطني والرومانسي والرثاء وغيرها، وقد جمع العديد من الأغراض الشعرية في قصيدته "ذكرى يوسف" التي بكى فيها على الشهداء، ويقول فيها:
أعكف على جدث في عدوة الوادي بميسلون سقاه الرائح الغادي
وطأطئ الرأس إجلالاً لمرقد من قضى له الله تخليداً بأمجاد
في فتية نفروا للموت حين بدا جريدة من زرافات وآحاد
صلى الإله عليهم من مجندلة أشلاؤهم بين أغوار وأنجاد
ومن قصائده الأخرى عن الثورة السورية:
بني العروبة كم من صيحة ذهبت أو يستثار بها الموتى إذن ثاروا
يا ليت شعري ماذا يستفزكم حمى مباح وإذلال وإفقار
أرى الحجارة أحمى من أنوفكم كم أرسلت شرراً بالقدح أحجار
وفي شعره دعا مردم بك إلى الوحدة الوطنية، ونجد ذلك في أحد أشعاره التي يقول فيها:
فكيف ترجي جمع قيس ويعرب وشملك يا هذا شتيت مفرق
وكيف ترجي وحدة عربية ومن دون راشيا حدود وبيرق
اهتم كذلك بالموضوعات الاجتماعية فكان من أول الداعين إلى الإصلاح الاجتماعي وانتقد العادات والتقاليد الفاسدة، كما نادى بالأخذ بالقيم الصالحة في المجتمعات والحضارة الغربية، ونجد ذلك في قصيدته الشهيرة "شهيدة الطوى" التي يقول فيها:
هل من يعين على التجلد ساعة فمع الدموع تجلدي قد سالا
طفل بجوف الليل يبكي عارياً نال الضنى من جسمه ما نالا
ما راعه إلا دنوي نحوه كالفرخ ريع لكاسر قد صالا
مؤلف النشيد الوطني
اشتهر الشاعر خليل مردم بك بتأليف النشيد الوطني السوري، وقد تم اختياره قصيدته "حماة الديار" لتصبح النشيد الوطني ويقول فيها:
حُمــاة الدّيــارِ عليكم سلام أبت أن تذِلَّ النّفــوسُ الكرام
عرين العـــروبة بيتٌ حَرام وعرش الشّموسِ حِمىً لا يُضام
ربوع الشــّـآمِ بروجُ العُـلا تُحاكي السّماءَ بعـــالي السَّنا
فأرضٌ زهتْ بالشّموسِ الوِضا سماءٌ لَعَمْـــرِكَ أو كالسَـما
رفيفُ الأماني وخَفقُ الفــؤادْ على علَمٍ ضـمَّ شَمْلَ البــلادْ
أما فيهٍ منْ كُلِّ عينٍ ســـوادْ ومن دمِ كُلِّ شَــهيدٍ مِــداد؟
في عام 1938، أُعلنت مسابقة من قبل الحكومة السورية لاختيار لحن لـ "حماة الديار". شُكّلت لجنة خاصة لهذا الغرض وتقدم لهذه المسابقة عدد كبير من الملحنين، يُقدّر بنحو ستين ملحناً. من بين المتقدمين كان الأخوان أحمد ومحمد فليفل من بيروت، إلا أن اللجنة رفضت اختيارهما.
أمام رفض اللجنة لاستقبالهما، توجّه الأخوان فليفل إلى السيد فارس الخوري، رئيس مجلس النواب السوري آنذاك. استمع الخوري لشكواهما وللحن الذي أبدى إعجابه به.
عوضًا عن التدخل في قرار اللجنة، طلب منهما تعليم اللحن لأطفال المدارس كنشيد وطني عادي، وليس كنشيد رسمي. بهذه الطريقة انتشر النشيد واللحن بين الناس، وظل الأمر كذلك حتى اجتماع سان فرانسيسكو الذي بحث استقلال سورية.
في ذلك الاجتماع، مثّل فارس الخوري سورية وتم إقرار حقها في الاستقلال. في هذا السياق، أعلن الخوري أن النشيد الوطني الرسمي لسورية سيكون "حماة الديار" بلحن الأخوين فليفل. وفي احتفال الجلاء لجيش سوريا عام 1946، تم بث النشيد بلحن الأخوين فليفل من مكبرات الصوت.
وفاة خليل مردم بك
توفي الشاعر السوري خليل مردم بك في 21 يوليو عام 1959 عن عمر 64 عامًا في العاصمة السورية دمشق بعد أن عانى من الأمراض، وقد دفن في مقبرة الباب الصغير، وبعد وفاته أطلق اسمه على أحد شوارع مدينة دمشق تكريمًا له.
بعد وفاته تحول منزله في سوق البورص إلى دار للثقافة والفنون وذلك عام 2014، وقد أشرف على تحويل منزله إلى متحف أحفاده أبناء ابنه الوحيد عدنان وهم قتيبة ووضاح وحسانة.