ما بين الاتهام بالإلحاد وإثارة الجدل برز الكاتب والروائي السوري الشهير حيدر حيدر بأعمال روائية حققت نجاحًا كبيرًا، لكنها سببت جدلًا واسعًا في الأوساط الأدبية، ورغم حبه للعزلة والابتعاد عن الأضواء، إلا أن أعماله الأدبية ظلت بارزة تنم عن كاتب وروائي عبقري أحدث تغييرًا واضحًا في أسلوب الرواية السورية، تعرف أكثر على مسيرته الأدبية وحياته في هذا المقال.
من هو حيدر حيدر؟
هو كاتب وروائي سوري ولد في عام 1936 في قرية حصين البحر في طرطوس السورية، ويعد من أبرز وأهم رواد الرواية العربية في القرن العشرين، وترك خلال مسيرته الأدبية إرثًا أدبيًا غنيًا يجسد إبداعه وعبقريته.
تميزت مسيرة حيدر الأدبية بالإبداع والتجديد، وقد ابتكر أسلوبًا فنيًا خاصًا به مزج فيه بين الواقعية والسريالية، فيما ركزت رواياته على تصوير هموم المجتمع السوري والعربي، والتعبير عن معاناة الإنسان العربي في ظل الصراعات والظلم.
اهتم حيدر في رواياته أيضًا بالقضايا الإنسانية العامة، مثل الحرية، والكرامة الإنسانية، ورغم شهرة أعماله، إلا أنها سببت جدلًا واسعًا، بل إنه اتهم بالإلحاد بسبب واحدة من هذه الروايات، وهي رواية "وليمة لأعشاب البحر" والتي أصبحت مرادفًا لاسمه.
ساهمت روايات الكاتب السوري حيدر في تطوير وإثراء الرواية العربية، وبرحيله في عام 2023 ترك فراغًا كبيرًا في الساحة الأدبية، إلا أن عبقريته ستظل خالدة في ذاكرة عشاق الأدب.
نشأته وتعليمه
ولد الكاتب السوري حيدر حيدر في قرية حصين البحر في طرطوس، وقد تلقى تعليمه الابتدائي في قريته، ثم أتم دراسته الإعدادية في مدينة طرطوس، لينتسب بعدها إلى معهد المعلمين التربوي في مدينة حلب، وتخرج فيها عام 1957.
خلال سنته الثانية في المعهد اكتشف حيدر ميوله الأدبية، وحبه للرواية والأدب، وقد تلقى تشجيعًا من مدرس اللغة العربية، الذي لمس فيه الموهبة، وبتشجيع من معلمه، ومن بعض أصدقائه بدأ كتابة مجموعته القصصية الأولى بعنوان "مدارا" لتتوالى التجارب الأدبية الناجحة فيما بعد.
مسيرته الأدبية
بعد التخرج من المعهد مارس الكاتب السوري حيدر حيدر مهنة التدريس لعدة سنوات، وانتقل بعدها إلى مدينة دمشق، التي وجد فيها مناخًا أدبيًا يساعده على تطوير موهبته الأدبية وإبرازها، وذلك بسبب موجود الكتاب والمثقفين والحركة الثقافية بوفرة هناك.
وفي دمشق بدأ حيدر في كتابة قصص قصيرة نشرها في الدوريات والمجلات اليومية والشهرية، وكانت مجلة "الآداب" اللبنانية من أبرز وأهم المجلات التي حققت لحيدر شهرة كبيرة، والتي نشرت أولى قصصه أيضًا.
في عام 1968 نشر حيدر أول مجموعة أدبية له بعنوان "حكايا النورس المهاجر"، وفي العام نفسه شارك في تأسيس اتحاد الكتاب العرب في دمشق، وفي عام 1970 نشر مجموعته الثانية "الومض" وكان من أولى إصدارات الاتحاد.
سافر حيدر بعدها إلى الجزائر عام 1970 خلال ثورة التعريب، وعمل مدرسًا في مدينة عنّابة الجزائرية، ولكنه لم يتوقف عن الكتابة، فواصل نشر قصص في المجلات العربية المختلفة، وخلال هذه الفترة عكف على كتابة أولى رواياته "الزمن الموحش" والتي صدرت عن دار العودة في لبنان عام 1973.
حكى حيدر في روايته عن تجربته وحياته في مدينة دمشق لمدة 7 سنوات، وكيف انخرط في المناخ السياسي والثقافي في المدينة، ليعود عام 1974 إلى دمشق مجددًا بعد أن أنهى عمله في الجزائر.
بعد عودته إلى دمشق استقال من مهنة التدريس، وهاجر إلى لبنان، حيث عمل مراجعًا ومصححًا لغويًا في إحدى دور النشر هناك، وواصل كتابة العديد من القصص الناجحة، ومنها "الفيضان" التي نشرها اتحاد الكتاب الفلسطينيين.
التحاقه بالمقاومة الفلسطينية
لطالما تأثر الكاتب السوري حيدر حيدر بالأجواء المضطربة في سوريا والوطن العربي، وخاصة وسط مناخ سياسي مضطرب به العديد من الاتجاهات الفكرية والتنظيمات، والحركات السياسية الناشئة.
وقد كان حيدر من بين الكتاب الذين اختاروا التيار العروبي الوحدوي، والوقوف مع القضية الفلسطينية، لذا التحق بالمقاومة الفلسطينية مع بداية الحرب اللبناني، وذلك في إطار الإعلام الفلسطيني الموحد.
وخلال الحرب نشرت له عدة أعماله، فقد أعيد نشر روايته الأولى "الزمن الموحش"، ورواية "الفهد" التي كانت جزءًا من مجموعته القصصية "حكايا النورس المهاجر"، كما أعيد نشر مجموعتيه "حكايا النورٍ"، و"الومض" مرة ثانية.
انتقل الكاتب حيدر حيدر إلى قبرص، حيث عمل في مجلة "الموقف العربي" الأسبوعية، وكان مسؤولًا عن القسم الثقافي فيها، واستمر فيها لمدة عامين، ثم عاد إلى لبنان مرة أخرى.
في عام 1982، وبعد رحيل المقاومة الفلسطينية من بيروت عاد إلى قبرص مرة أخرى للعمل في مجلة "صوت البلاد" الفلسطينية، وفي عام 1984، كتب رواية "وليمة لأعشاب البحر" بطبعتها الأولى في قبرص.
عاد حيدر إلى سوريا، وتفرغ للعمل الأدبي، وخلال مسيرته أشرف على عدة رسائل جامعية في دول عربية مختلفة، منها مصر، وسوريا، والأردن، والمغرب، وتونس، كما ترجمت العديد من قصصه وروايته إلى لغات أجنبية، فيما حصل على درع غسان كنفاني للرواية العربية عام 2022 من وزارة الثقافة الفلسطينية.
ما قصة حيدر حيدر مع رواية "وليمة لأعشاب البحر"؟
في عام 1983 أصدر الكاتب السوري حيدر حيدر روايته الشهيرة "وليمة لأعشاب البحر" والتي تعد أعظم وأشهر رواياته، وأكثرها إثارة للجدل والمشكلات، وقد استغرقه 9 سنوات لكتابة هذه الرواية، حيث بدأ في كتابتها منذ عام 1974.
تدور أحداث الرواية بشكل رئيسي في الجزائر، وتحديداً حول مناضل شيوعي عراقي لجأ إلى الجزائر، حيث يلجأ سياسيين عراقيين، ويقيمان علاقات متوترة وعاطفية مع نساء من المدينة. يواجهان هناك خيبة الأمل في الثورة الوطنية الجزائرية التي انتهت إلى مقاولين أثرياء وموظفين مرتشين وفقر مدقع".
أثارت الرواية جدلاً كبيراً في مصر، وبدأ الجدل بمقال نقدي يرفض التطاول على الدين وتشويه صورة الجزائر، كانت هذه الضجة دينية وسياسية أكثر منها أدبية، وكادت تتحول إلى معركة من شارع إلى شارع، ومن بيت إلى بيت".
وفاة حيدر حيدر
توفي الكاتب السوري حيدر حيدر في 5 مايو عام 2023 عن عمر 87 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا خالدًا، وبعد وفاته نعته وزارة الثقافة الفلسطينية، وقالت: "كان حيدر من الكُتاب القوميين الذين نذروا أنفسهم دفاعا عن قضايا الأمة، وخاصة القضية الفلسطينية، حيث شارك بالمقاومة الفلسطينية من خلال دوره في الإعلام الفلسطيني الموحد واتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت".