حسن كتبي.. الأديب والسياسي السعودي المخضرم

في المئة عام التي عاشها الأديب والسياسي السعودي حسن كتبي قدم لنا شهادته على العصر الذي عاشه، طوال مسيرته الأدبية كتب الكثير من المؤلفات التي وثقت أحداثًا وفترات هامة مرت على المملكة العربية السعودية، وما ساعده أكثر على التوثيق الدقيق هو قربه من الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله حينما اختاره ممثلًا للمملكة في الاتحاد العالمي لمكافحة الإلحاد والشيوعية.

لم يكن كتبي مجرد أديب شغل مناصب سياسية هامة فحسب، بل أيضًا كان مفكرًا يملك فكرًا إسلاميًا نقي، وسعى إلى نشر هذا الفكر طوال حياته بكتاباته ولقاءاته، ودعا إلى أمة إسلامية موحدة.

من هو حسين كتبي؟

حسن محمد كتبي هو أديب وكاتب ومفكر وسياسي سعودي في عام 1911 في الطائف وهو يعد من أهم مفكرين وأدباء العصر في المملكة وشاهد على الكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية التي طرأت على البلاد.

نشأ كتبي في عائلة متدينة وعريقة تنحدر من الدوحة النبوية الشريفة، وقد تلقى تعليمًا جيدًا ورعاية كبيرة من الوالد.

عمل كتبي في مجال البنوك، فهو مؤسس فرع البنك الأهلي السعودي في القاهرة وكان أول مدير له، كما أنه شغل منصب وزير الحج والأوقاف في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز.

عُرف كتبي بكتاباته المميزة وأعماله البارزة، وقد كتب نحو 12 كتابًا في الأدب والفكر الإسلامي والسياسية والسيرة الذاتية وعُرف بآرائه الإسلامية. عاش كتبي حياة طويلة زادت عن 100 عام عاصر فيها أحداثًا وملوكًا وقد لخص تجربته في كتاب.

انذوى كتبي عن نفسه وابتعد عن الأضواء لأكثر من 25 عامًا وتفرغ للعبادة، وتنقل بين مكة وجدة والمدينة المنورة حتى توفي عام 2012 عن عمر 102 تقريبًا.

نشأته وتعليمه

نشأ حسن كتبي في مكة المكرمة في عائلة محبة للعلم ومتدينة، وقد حفظ القرآن الكريم منذ صغره، وكان طفلًا نابغًا وذكيًا، حتى إنه كان يؤم المصلين في صلاة التراويح في المسجد الحرام عقب الصلاة الرسمية كتدريب له مع زملائه.

تلقى كتبي العلوم الدينية على يد كبار العلماء في مكة المكرمة، وقد أتم دراسته الأولى في مكة ثم غادر إلى الهند حيث تلقى تعليمه الديني والعلمي في مدارس الفلاح في مومباي بعد أن حصل على منحة من مؤسس المدرسة الحاج محمد علي زينل، وكانت فتحت له هذه التجربة آفاقًا جديدة.

خلال دراسته في الهند فتح عينه على الأدب الهندي والعالمي، كما اطلع على الصحف العربية والأجنبية مثل صحف مصر وإنجلترا وفرنسا والهند، وكان حريصًا على التزود والتثقف منها والاطلاع على مجريات العالم من أحداث سياسية واجتماعية وفكرية كذلك.

وفي مدرسة الفلاح تلقى علوما لحساب والعلوم الشرعية والحساب واللغة العربية وأكمل دراسته وعاد إلى مكة عام 1930، وبعد عودته عمل معلمًا للقضاء الشرعي في المعهد العلمي السعودي.

تأسيس فرع البنك الأهلي السعودي في القاهرة

عمل الأديب حسن كتبي في التدريس في المعهد العلمي السعودي لسنوات، ثم انتقل بعدها للعمل في وزارة المالية، وهي المهنة التي جعلته يسافر إلى مصر وهناك أسس فرع البنك الأهلي السعودي في القاهرة، وكان أول مدير للبنك بعد تأسيسه.

عاش كتبي في القاهرة لعدة سنوات وأسس فيها شركتين سعوديتين للتجارة، ثم عاد إلى مكة وبدأ تجارته بنفسه، ثم بدأ شغفه نحو الكتابة فألف العديد من الكتب عن القضايا الوطنية والسياسية والإسلامية كذلك.

علاقته بالملك فيصل

كان الأديب حسن كتبي على علاقة قوية ومقربة من الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله، حيث اختاره الملك لأن يكون ممثلًا للمملكة في الاتحاد العالمي لمكافحة الإلحاد والشيوعية.

ازداد قرب كتبي من الملك فيصل وقد أعجب الملك به بسبب رجاحة فكره، لذا قرر أن يختاره وزيرًا للحج والأوقاف في عام 1390 هـ، وكانت من مسؤوليته الاهتمام بالشؤون الدينية في العالم الإسلامي أيضًا.

وعن الملك فيصل يقول كتبي: "كان أبرز نجم سياسي ليس في المملكة والبلدان العربية فحسب، بل كان أبرز نجم سياسي لامع في أوروبا أيضا، تشعر وأنت في حضرته بأنك أمام عالم جديد تماما غير متوقع، ورؤية سياسية للأمور لم يسبق أن عرفتها بأي قائد".

أثر حسن كتبي خلال فترة وزارته للحج والأوقاف بصمات إنسانية بارزة، خاصة في تحسين رواتب الأئمة والمؤذنين، وتطوير أنظمة مؤسسات الطوافة والأدلاء.

كان معروفًا بكرمه وترحابه، وكان يستقبل بمؤانسة وودّ كل من يزوره ويحتاج إلى تكريمه. تم تخليد ذكراه بإطلاق شارع باسمه في مدينة جدة كتعبير عن الاعتراف والتقدير لهذا الرجل الذي أثر بصورة إيجابية في مجتمعه.

مؤلفات حسن كتبي

مارس الأديب حسن كتبي نشاطه الكتابي والأدبي في سن مبكرة، وقد كان يكتب مقالات فكرية في صحيفتي أم القرى وصوت الحجاز، وقد عملًا رئيسًا لتحريرهما عام 1352 هـ، ونشر العديد من المقالات التي عرض فيها قضايا فكرية وأدبية ونقدية.

وبفضل كتاباته المختلفة والمتتابعة في الصحف قرر الاتجاه إلى تأليف الكتب والتصنيف فأخرج العديد من الأعمال التي تنوعت بين الأدب والفكر والسياسة، وكانت له مواقف مناهضة للشيوعية خلال فترة توهجها، بالإضافة إلى دراساته الفلسفية في الإسلامية. بدأ حياته العملية بإصدار "موسوعة التربية" المخصصة للأطفال.

من مؤلفاته أيضًا "الأدب الفني"، و"أشخاص في حياتي"، و"ملامح من شخصية البلاد المقدسة"، و"سياستنا وأهدافنا"، و"السياسة علم وفن وأدب"، و"دورنا في زحمة الأحداث"، و"نظرات ومواقف"، و"في مركبة الحياة.. ماضينا وحاضرنا"، فضلًا عن كتاب "السياسة الإسلامية" يعود تاريخ مخطوطه إلى عام 1353هـ / 1934م ولم يطبع حتى الآن.

تكريمات وجوائز

حظي الأستاذ حسن كتبي بتقدير واحترام كبيرين من الأوساط الأدبية والسياسية العربية والدولية، حيث منحته جمهورية الصين شهادة دكتوراه فخرية في الفلسفة، ومنحته أيضًا الوشاح الأعظم من درجة النجم اللامع.

كما منحته جمهورية كوريا الجنوبية درجة الدكتوراه الفخرية في الأدب من جامعة سيؤول، كما وتوج مشواره الثقافي بحصوله على وشاح الملك عبدالعزيز من الطبقة الثانية.

حصل كذلك  على وسام حكومة ماليزيا من الدرجة الأولى تقديرًا لجهوده في خدمة حجاج بيت الله، كما حصل على وسام من حكومة ولاية صباح في ماليزيا، وحصل على الدكتوراه في القوانين من بشاور في باكستان بسبب جهوده في خدمة المسلمين.

آخر حياته ووفاته

ابتعد الأديب حسن كتبي عن الأضواء والمنتديات والندوات أكثر من 25 عامًا، فلم يشارك فلم يحضر في أي جمعية ثقافية ولم يطلب أي ناد أدبي تكريمه أو الاحتفاء به.

قرر كتبي الابتعاد عن الناس والانقطاع من أجل العبادة والذكر في المدينة المنورة أو في منزله في جدة، وفي آخر حياته قرر البقاء في جدة نظرًا لأن ظروفه صحية تتطبي منه أن يكون قريبًا من الجو البحري.

رحل عن عالمنا الأديب حسين كتبي بصمت وهدوء تام في يوم الخميس الموافق 8 مارس عام 2012 عن عمر ناهز الـ102 عامًا.