يعد رجل الأعمال الأمريكي جيه بول جيتي واحد من أبرز وأغنى رجال الأعمال في العالم في القرن العشرين، فقد نجح في تأسيس إمبراطورية تجارية في صناعة النفط، واشتهر بثورته وأسلوبه حياته الفخم، إلا أنه في المقابل اشتهر ببخله الشديد، فلقب بالملياردير الأبخل في العالم، تعرف أكثر على حياته ومسيرته في هذا المقال.
من هو جيه بول جيتي؟
جان بول جيتي الأب هو رجل أعمال وملياردير بريطاني، ولد في مينابوليس مينيسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأسس إمبراطورية جيتي التجارية التي تخصصت في صناعة النفط، وقد اشتهر بثروته الضخمة، وأسلوب حياته الفخم.
بدأ جيتي حياته المهنية في صناعة النفط، بالعمل مع والده في الشركة، وقد قام بأول استثمار ناجح له في مجال النفط في عام 1914، حيث اشترى حصة من حقل نفطي في أوكلاهوما.
خلال الثلاثينات والأربعينات، وسّع جيتي أعماله من خلال الاستثمار في حقول النفط حول العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط، لتصبح شركته واحدة من أكبر شركات النفط في العالم.
وبحلول الخمسينيات أصبح جيتي واحد من أغنى رجال الأعمال في الأعمال، إلا أنه اشتهر ببخله الشديد، حتى إنه وضع هاتفًا عمومياً في قصره، حتى لا يدفع ضيوفه نفقات المكالمات الهاتفية.
أما أكبر حادثة لفتت الأنظار إلى بخله الشديد، حادثة اختطاف حفيده جون بول جيتي الثالث في إيطاليا، حيث رفض دفع الفدية للمختطفين، ووافق بعد فترة طويلة، عندما أصبح الأمر جديًا.
بجانب اهتمامه باستثمارات النفط، كان جيتي مهتمًا ومتحمسًا للفنون، وقد أسس متحفًا باسمه في لوس أنجلوس، ويعد واحد من أغنى المؤسسات الفنية في العالم، حيث يضم المتحف مجموعة فنية واسعة.
أثارت شخصية جيتي وأسلوب حياته الكثير من الاهتمام الإعلامي والثقافي، وقد تم تصوير قصة حياته في العديد من الكتب والأفلام، بما في ذلك فيلم All the Money in the World الذي يتناول حادثة اختطاف حفيده.
طفولة صعبة وتربية صارمة
ولد جيه بول جيتي في مينيابوليس في ولاية مينيسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية في 15 ديسمبر عام 1892، والدته اسمها سارة كاثرين ماكفيرسون، أما والده هو رجل الأعمال والمحامي ورائد مجال النفط الأمريكي جورج جيتي.
نشأ جيتي نشأة صارمة للغاية، فقد توفي شقيقه الأكبر منه بسبب المرض، لذا اتخذ والديه نهجًا صارمًا في تربيته، ونقلوا له صراحة أنهم لا يحبونه كثيرًا، لأنهم خائفون من أن يتألموا إذا مات مثل شقيقه الأكبر.
منعت والدته ابنها من التواصل مع أقرانه، حيث خافت عليه من أن يصاب بالعدوى مثل شقيقه، وقد عاش طفولة غريبة أثرت فيما بعد على حياته وشخصيته.
عائلة جيتي كانت متدينة جدًا، فقد كان والده مسيحيًا متدينًا يتبع المذهب الميثودي، وكلاهما امتنعا عن شرب الكحوليات، وقد كانت عائلته من أصول اسكتلندية.
في البداية عاش جيتي في بارتليسفيل في ولاية أوكلاهوما، حيث اشترى والده هناك حقوق التعدين وآلاف الفدادين، والتحق بمدرسة جارفيلد، وأنشأ والده فيما بعد آبارًا على الأرض تنتج مئات الآلاف من براميل النفط الخام شهريًا.
دراسته
أصبحت عائلة جيتي بسبب النفط من أصحاب الملايين، لذا انتقلت العائلة إلى لوس أنجلوس، إلا أن جيتي ظل في أوكلاهوما، حيث التحق بمدرسة هارفارد العسكرية لمدة عام، وبعدها درس في مدرسة بوليتكنيك الثانوية، وفي المدرسة حصل على لقب "القاموس" بسبب عشقه للقراءة.
في المدرسة الجديدة تعلم جيتي عدة لغات، منها الفرنسية، والألمانية، والإيطالية، كما تحدث الإسبانية، واليونانية، والعربية والروسية، وبسبب حبه لقراءة الكلاسيكيات أتقن القراءة باللغة اللاتينية واللغة اليونانية القديمة.
التحق جيه بول جيتي بعدها بجامعة كاليفورنيا بيركلي، إلا أنه لم يكمل دراسته، وبعدها التحق بجامعة أكسفورد في عام 1912، حيث أعجب بأوروبا بعد أن سافر إلى الخارج مع والديه في عام 1910.
وفي بريطانيا، تمكن جيتي من الحصول على تعليم مستقل مع مدرسين في كلية ماجدالين في جامعة أكسفورد، وقد كوّن علاقاته مع العديد من الطلاب الأرستقراطيين في الجامعة، بما فيهم أمير ويلز، والملك المستقبلي إدوارد الثامن ملك المملكة المتحدة.
في إنجلترا حصل جيتي على دبلومة في الاقتصاد والعلوم السياسية من أكسفورد عام 1913، وبعدها سافر في جميع أنحاء أوروبا، ومصر، ثم قابل والديه في باريس، وعاد معهما إلى الولايات المتحدة عام 1914.
عُرف بأنه زير نساء
عُرف عن رجل الأعمال جيه بول جيتي بأنه زير نساء سيئ السمعة، وقد أثار هذا الأمر حفيظة والديه المتدينين المحافظين ورعبهم كذلك، فقد كانت لديه علاقات مع عدد كبير من النساء، ورزق بأطفال غير شرعيين من علاقاته تلك.
في عام 1917، وعندما كان يبلغ من العمر 25 عامًا، رفعت عليه سيدة دعوى نسب في لوس أنجلوس، حيث ادعت أن جيتي والد ابنتها باولا، كما اتهمته بأنه عاشرها وهي في حالة سكر، وقد وافق جيتي بعد هذه الفضيحة على تسوية بقيمة 10 آلاف دولار، وغادرت السيدة المدينة مع طفلتها.
ورغم زيجاته المتعددة، إلا أنه ظل يقيم علاقات مع نساء خارج نطاق الزواج، حتى عندما بلغ الثمانين من عمره.
عاش الفشل العاطفي
تزوج جيتي أكثر من مرة، وكان له 5 أبناء من 4 زوجات مختلفات. زوجته الأولى اسمها جانيت جيمونت تزوجها عام 1923، وانفصلا بعدها ب3 سنوات فقط، ورزق منها بابنه الأول اسمه جورج إف جيتي الثاني.
تزوج للمرة الثانية من ألين آشبي عام 1926، واستمر الزواج لمدة عامين فقط، ولم يثمر عن أي أطفال. التقى جيتي بألين عندما كانت تبلغ من العمر 17 عامًا، وهي ابنة مرب ماشية في تكساس، وتعرف عليها خلال دراسته اللغة الإسبانية والإشراف على مصالح عائلته التجارية.
هرب جيتي مع زوجته الثانية، وتزوجا في المكسيك، وانفصلا أيضًا عندما كانا لا يزالان في المكسيك.
كانت زوجته الثالثة اسمها أدولفين هيلمل، وتزوجها عام 1928، ولديه منها ابن واحد اسمه جان رونالد جيتي. كانت أدولفين تبلغ من العمر 17 عامًا عندما التقى بها في فيينا، وهي ابنة طبيب ألماني بارز.
بعد زواجه من زوجته الثالثة فقد اهتمامه بها، لذا أقنعها والدها بالعودة إلى ألمانيا مع ابنهما، وبعد معركة طويلة ومثيرة للجدل، تم الانتهاء من طلاقهما عام 132، وتلقت مبلغًا ضخمًا كتعويضات عقابية، ولحضانة ابنهما رونالد.
زوجته الرابعة اسمها آن روروك، وتزوجها عام 1932، ولديه منها ولدان وهما جون بول جيتي الابن، وجوردون بيتر جيتي. تعرف جيتي على زوجته الرابعة عندما كانت تبلغ من العمر 14 عامًا، ولكنه أصبح على علاقة رومانسية معها عندما أصبحت 21 عامًا 1930.
طلبت زوجته الرابعة آن الطلاق منه عام 1936، وزعمت بأنها تعرضت لإساءة عاطفية وإهمالا منه، وقد حكمت المحكمة بأن تحصل على 2500 دولار كنفقة شهرية، بالإضافة إلى ألف دولار نفقة لطفليها.
زوجته الخامسة والأخيرة اسمها لويز دودلي لنيش، وتزوجها عام 1939 ولديه منها ابن واحد اسمه تيموثي وير جيتي، وقد انفصلت عنه بعد وفاة ابنهما تيمي؛ بسبب ورم في المخ، وقد توفيت عام 2017 عن عمر 103 عامًا.
كان جيتي ناجحًا في أعماله وتجارته، إلا أنه كان فاشلًا في علاقاته وكل زيجاته، وقد نقل عنه مقولة قال فيها: "إن العلاقة الدائمة مع امرأة لا يمكن أن تدوم إلا إذا كنت فاشلاً في عملك، وأكره أن أكون فاشلاً. وأكره وأشعر بالندم على فشل زيجاتي. وسأكون سعيدًا بالتضحية بكل ملاييني من أجل نجاح زواج دائم واحد فقط".
وبّخ زوجته بسبب نفقات علاج ابنه!
عُرف عن جيه بول جيتي بأنه شديد البخل، وقد انتشرت العديد من القصص التي تدل على بخله، وإحدى هذه القصص روتها زوجته الأخيرة لويز دودلي لينش عام 2013، حيث نشرت مذكراتها، وروت أن جيتي وبخها بشدة؛ لأنها أنفقت الكثير من الأموال في الخمسينيات على علاج ابنهما تيمي، الذي كان يبلغ من العمر حينها 6 سنوات فقط.
أصبح ابنها تيمي أعمى بسبب ورم في المخ، وتوفي وعمره 12 عامًا، ورغم وفاة ابنه، إلا أنه لم يحضر جنازته، وبسبب ذلك طلبت زوجته الخامسة الطلاق.
رفض دفع فدية لحفيده
من أشهر القصص التي تدل على بخل جيه بول جيتي الشديد حادثة اختطاف حفيده جون بول جيتي الثالث في روما في 10 يوليو عام 1973، حيث اختطفت عاصمة مافيا في إيطاليا الحفيد البالغ من العمر 16 عامًا، وطالبوا عائلته بدفع فدية قيمتها 17 مليون دولار، أي ما يعادل 117 مليون دولار الآن.
اشتبهت عائلته بأن الحفيد دبّر هذه الخطة من أجل انتزاع المال من جده الحفيد، وطلب جون بول جيتي الابن من والده المال، ولكنه رفض، وذلك بحجة أن أحفاده الثلاث عشر الآخرين يمكنهم أن يصبحوا أهدافًا سهلة للاختطاف إذا دفع للعصابة في إيطاليا.
في نوفمبر عام 1973، أرسلت العصابة إلى العائلة ظرفًا يحتوي على خصلة شعر وأذن بشرية، وكانت أذن حفيده، وهددت العصابة بتشويه بول أكثر إذا لم يدفعوا 3.2 مليون دولار إذا لم يتم الدفع في غضون 10 أيام.
عندما خفّض الخاطفون الفدية إلى 3 ملايين دولار، وافق جيتي على دفع 2.2 مليون دولار فقط، فيما أقرض ابنه المبلغ المتبقي بفائدة 4%، وبعده الدفع تم العثور على الحفيد في إيطاليا بعد وقت قصير من دفع الفدية.
بعد إطلاق سراح الحفيد، اتصل على جده لشكره، إلا أنه رفض الرد على الهاتف، وقد تأثر جيتي الثالث بسبب هذه الحادثة، وأصبح مدمنا على المخدرات، وأصيب بسكتة دماغية بسبب الإدمان، وأصبح عاجزًا عن الكلام، وعاش مشلولًا بشكل جزئي لبقية حياته، حتى توفي عام 2011.
تأسيس إمبراطورية غيتي
استثمر جيه بول جيتي مبلغًا بقيمة 10 آلاف دولار عام 1914، منحه إياه والده، بهدف توسيع ممتلكات الأسرة من حقول النفط في أوكلاهوما، وقد اشترى قطعة أرض بها بئر نفط في أوكلاهوما، وكانت هذه التجارة سببًا في نجاحه المالي المبكر.
اكتشف جيتي النفط في البئر عام 1915، وبحلول الصيف أصبح مليونيرًا بسبب الإتاوات التي حصل عليها من البئر. خلال العشرينيات من القرن الماضي تمكن جيتي من إضافة حوالي 3 ملايين دولار إلى ممتلكاته.
وبسبب تعدد زيجاته قرر والده جوج جيتي أن يمنح ابنه 500 ألف دولار فقط، من ثروة قدرها 10 ملايين دولار تركها والده عند وفاته عام 1930، فيما ترك له ثلث أسهم الشركة، بينما حصلت والدته على الثلثين المتبقيين.
خلال فترة الكساد العظيم، استحوذت شركة جيتي على عدة شركات نفط، والتي زادت من ثروته، وفي نهاية التسعينات، وجه تجارته إلى الشرق الأوسط، حيث دفع لابن سعود 9.5 مليون دولار نقدًا مقابل امتياز المنطقة المحايدة في المملكة العربية السعودية، وقد تم اكتشاف النفط أخيرًا في المنطقة عام 1953، وأصبحت تنتج 16 مليون برميل سنويًا، وساهم ذلك في جعله من أغنى الرجال في العالم.
كان جيتي يتحدث اللغة العربية، وقد تمكن بفضل ذلك من توسيع استثماراته في الشرق الأوسط، فقد امتلك حصة مسيطرة في حوالي 200 شركة في الشرق الأوسط، وحول العالم، واشترى العديد من الشركات والقصور، منها قصر يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر في روما، وقصر آخر اسمه سوتون بليس مكون من 72 غرفة في إنجلترا.
متحف جيه بول جيتي
عُرف عن جيه بول جيتي بعشقه لجمع التحف والأعمال الفنية، وقد بدأت محاولاته في جمع التحف في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، حيث بدأ في شراء الأثاث، وقد اشتراها في البداية بأسعار مخفضة؛ بسبب سوق الفن المتدهور، كما كتب العديد من الكتب عن جمع التحف.
ورغم عشقه للتحف، إلا أن بخله منعه من شراء العديد من اللوحات الرائعة، ومع ذلك، وفي وقت وفاته كان يمتلك أكثر من 600 عمل تقدر قيمتها بحوالي 4 ملايين دولار. وبسبب بخله أيضًا تردد في التبرع بأعمال فنية مختلفة. بعد وفاته تم تحويل مجموعته الفنية إلى متحف في لوس أنجلوس، وأصبحت أغنى مؤسسة فنية في العالم.
وفاة جيه بول جيتي
توفي رجل الأعمال جيه بول جيتي في 6 يونيو عام 1976؛ بسبب قصور في القلب عن عمر 83 عامًا، وبعد وفاته أصبحت شخصية مادة للعديد من الأفلام والمسلسلات، ففي عام 1991 تم تجسيد شخصيته في الفيلم الكوميدي الأمريكي Life Stinks
في عام 2017 تم تصوير مسلسل يتحدث عن عملية اختطاف حفيده بعنوان All the Money in the World، وقدم شخصيته الممثل كيفن سبيسي.