رغم أنه كان قاضيا إلا أن أسلوبه لم يكن محايدا أو عادلا مع الآخرين حتى تم وصف أساليب الإرهاب الثقافي وتخويف المعارضين على اسمه "المكارثية"، إنه جوزيف مكارثي المولود يوم 14 نوفمبر عام 1908 والذي كان قاضيا وعضوا بمجلس الشيوخ الأمريكي.
ولد جوزيف مكارثي وتربي في مزرعة في ويسكنسن لأسرة من المزارعين وكان له 8 أشقاء وبعد الانتهاء من المدرسة الابتدائية عمل كمزارع دجاج ثم عاد إلى التعليم وأكمل الدراسة الثانوية والتحق بجامعة ماركويت لمدة عامين ودرس الهندسة ثم الحقوق.
وأصبح محاميا في عام 1935، وتم انتخابه كقاضي في محكمة استئناف عام 1939 ليصبح أصغر قاضي يتم انتخابه بالولاية، وعندما بلغ 33 عاما تطوع للخدمة في قوات مشاة البحرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية.
وخلال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي اتخذ مكارثي نهجا معاديا للشيوعيين حيث كان نائبا عن الحزب الجمهوري الأمريكي من ولاية ويسكنسن في الفترة من عام 1947 إلى عام 1957.
بعد التخرج عمل مكارثي محاميا بولاية ويسكونسن ومع منتصف الثلاثينيات، بدأ الاهتمام بالسياسة ولم ينجح خلال فترة وجوده بالحزب الديمقراطي وانتقل إلى الحزب الجمهوري، ورشح لمنصب قاضي وعندما بلغ 29 عاما.
كان قد أصبح أصغر قاضٍ في ولاية ويسكونسن، وخلال حملاته السياسية بدأت الجماهير تميز أسلوبه الذي اعتمد على الادعاءات وإلقاء التهم على المنافسين.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية قرر التطوع في سلاح مشاة البحرية الأمريكي في المحيط الهادئ، وشغل منصب ضابط مخابرات في وحدة طيران، ومراقب على الطائرات المقاتلة، وبعد الحرب قام بتضخيم دوره وادعى أنه كان أحد الأفراد الأساسيين علي الطائرات المقاتلة.
بدأت محاولاته المبكرة للانضمام إلى عضوية مجلس الشيوخ الأمريكي حيث تم وضع اسمه على بطاقة الاقتراع في سباق ولاية ويسكونسن لعضوية المجلس في عام 1944، رغم أنه كان ما زال خارج الولايات المتحدة وخسر الانتخابات.
وفي عام 1945 تم انتخابه مرة أخرى كقاض في ولاية ويسكونسن، وفي العام التالي ترشح مجددا لعضوية مجلس الشيوخ الأمريكي، ولم يكن ذو تأثير يذكر حتى قرر تغيير مساره السياسي في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.
عندما وجد نفسه بدون بريق داخل ساحة مجلس الشيوخ الأمريكي قرر اتباع نهج جديد للفت الأنظار والحصول علي الشهرة التي كان يسعى إليها دائما منذ قرر الانخراط في العمل العام ودخول مجال السياسة، وخلال أحد احتفالات الحزب الجمهوري ألقي خطابا قال فيه إن لديه قائمة تضم نحو 205 من الموظفين بوزارة الخارجية الأمريكية مدعيا أنهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي.
وفي ذلك الوقت انطلقت حملة مطاردة في الولايات المتحدة نتج عنها اعتقال آلاف الشيوعيين أو من توجد شكوك في توجهاتهم الشيوعية وأحيلوا إلى القضاء بتهمة محاولة الإطاحة بالحكم بالقوة أو العنف، وتم سجن نحو 200 فرد وطرح نحو 10 آلاف آخرين من وظائفهم.
هذه الاتهامات لاقت صدى واسعاً في المجتمع السياسي الأمريكي وتناقلتها وسائل الإعلام بكثافة وقرر الاستمرار في حملته واستغلال الضجة التي أحدثها وكتب خطابا إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان، يطالبه فيه بعزل العشرات من موظفي وزارة الخارجية.
ولكن الإدارة الأمريكية أبدت شكوكا حول قائمة مكارثي كما أن الاتهامات التي أطلقها بدون دليل أدت إلى ضعف مصداقيته وتعنيفه رسمياً بواسطة مجلس الشيوخ الأمريكي، حتى إن الكاتب راي برادبري كتب روايته "فهرنهايت 451" ردا عليه.
خلال هذه الفترة كانت الاتهامات بالشيوعية رائجة في الولايات المتحدة حيث عقدت لجنة الأنشطة غير الأمريكية التابعة لمجلس النواب جلسات استماع واتهمت الأمريكيين بالتعاطف مع الشيوعية.
وذلك بالتزامن مع حملة المكارثية حيث كان الاتحاد السوفيتي قد سيطر على أوروبا الشرقية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدأت القوات الأمريكية القتال ضد القوات الشيوعية في كوريا خلال عام 1950.
الشعبية التي حصل عليها بسبب هجومه على الشيوعيين أدت إلى ارتفاع الثقة في اختياراته السياسية وعلى سبيل المثال خلال انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ دعم قائمة من المرشحين الجمهوريين وفازوا في الانتخابات بسبب الدعاية التي قام بها لصالحهم.
وانتشر اسمه بكثافة في وسائل الإعلام واتبع نهج البلطجة في تخويف المعارضين حتى إن دوايت أيزنهاور الذي أصبح رئيسا للولايات المتحدة تجنب مواجهته، وبعدها تم تعيينه في إحدى لجان مجلس الشيوخ الأمريكي وهي لجنة العمليات الحكومية كما أصبح رئيسا للجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات، ومن خلالها عقد جلسات استماع وقام بتهديد الشهود.
حتى إن حملته ضد الشيوعية لم تقتصر على المجتمع الأمريكي بل قام بإرسال وفد إلى الدول الأوروبية لوضع الكتاب اليساريين والشيوعيين في قائمة سوداء، كما أجبر وزارة الخارجية الأمريكية على منع دخول كتب نحو 400 كاتب وصحفي وأستاذ جامعي أوروبي.
الهجوم على الجيش
نجاح حملة جوزيف مكارثي في تخويف المدنيين دفعته إلى محاولة التأثير على الجيش الأمريكي حيث ادعى بوجود شيوعيين في صفوف الجيش ولكن قام الجيش بالاستعانة بالمحامي جوزيف ولش، الذي تصدي خلال جلسات الاستماع التليفزيونية لمحاولات مكارثي إثبات التواجد الشيوعي في الجيش الأمريكي، وعندما فشل بدأ نجمه في الخفوت وانفض التأييد من حوله.
عقاب من الشيوخ
بسبب تراجع شعبيته وظهور كذب ادعاءاته قام مجلس الشيوخ الأمريكي بتشكيل لجنة خاصة لتقييم قرار للرقابة على مكارثي، وفي ديسمبر 1954، تم توجيه اللوم رسمياً له بعد تصويت أعضاء المجلس.
استمرت عضويته في مجلس الشيوخ الأمريكي ولكنه أصبح بلا نفوذ يذكر ولجأ إلى الإكثار من شرب الخمر حتى توفي في مستشفى بيثيسدا البحري خلال شهر مايو 1957، وكان السبب الرسمي للوفاة هو التهاب الكبد الفيروسي ولكن ظهرت أقاويل بأنه توفي نتيجة إدمان الخمر.
تم تعريف المكارثية في الأدبيات السياسية بأنها سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة نسبة إلى جوزيف مكارثي الذي قال إن "الشيوعية دين يريد القضاء على المسيحية".
ولكن مع كذب ادعاءاته وعدم قدرته على إثبات وجود الشيوعيين في الخارجية أو الجيش الأمريكي انتهت حياته السياسية ولكن بقي المذهب المكارثي قائما لوصف من يمارسون الإرهاب الفكري والثقافي ضد المختلفين معهم.