جورج هيغل.. فيلسوف المثالية الألمانية

يعتبر الفيلسوف جورج هيغل واحد من أبرز المفكرين في تاريخ الفلسفة، وقد شكلت أفكاره الجذرية حول الجدلية والتاريخ والروح منعطفًا واضحًا في مسار الفلسفة الغربية، لذا فهو يعد واحد من أبرز الشخصيات تأثيرًا في المثالية الألمانية، في هذا المقال نسلط الضوء على فلسفته وأهم أفكاره.

من هو جورج هيجل؟

جورج فيلهلم فريدريش هيجل هو فيلسوف ألماني، ولد في 27 أغسطس عام 1770 في شتوتغارت في ألمانيا، ويعتبر واحد من أهم الفلاسفة في التاريخ الغربي، كما أنه واحد من أبرز المؤسسين للفلسفة المثالية الألمانية.

كان لهيجل العديد من المساهمات الفلسفية، وأبرزها فكرة "الديالكتيك" والتي تعتمد على جدلية ثلاثية، ألا وهي الأطروحة، والنقيض، والتركيب، وهذا المنهج أصبح محورًا أساسيًا في فلسفته.

عمل هيجل طوال حياته على تصحيح الثنائيات الإشكالية في الفلسفة الحديثة، كما عرف برؤيته المعقدة للدولة والمجتمع، واعتبر أن الدولة تعبير عن الروح المطلقة، ووسيلة لتحقيق الحرية الفردية.

آمن هيجل كذلك بأن التاريخ يتبع مسارًا عقليًا، وأن الفكر البشري يتطور من خلال الصراعات الجدلية لتحقيق الحرية، وقد ألف العديد من الكتب والمؤلفات التي عرض فيها أفكاره الفلسفية.

أثرت أفكار جورج هيغل بشكل كبير على تطور الفلسفة والفكر الغربية، وقد كان له تأثير على العديد من المفكرين والفلاسفة من بعده، ومنهم مارتن هايدغر، وفريدريك نيتشه.

نشأته وتعليمه

ولد جورج هيغل في شتوتغارت، والده كان يعمل سكرتيراً لمكتب الإيرادات في بلاط دوق فورتمبيرغ، أما والدته كانت ابنة محام في محكمة العدل العليا، وقد توفيت عندما كان يبلغ من العمر 13 عامًا بسبب الحمى، ومرض والده بنفس المرض، إلا أنه نجا بأعجوبة.

لدى هيغل أخت اسمها كريستيان لويز، كانت شديدة التعلق به، وانتحرت بعد وفاته ب3 أشهر، وشقيقه اسمه جورج لودفيج  الذي توفي خلال حملة نابليون في روسيا عام 19812.

التحق هيجل بالمدرسة الألمانية في سن الثالثة، وبعدها التحق بالمدرسة اللاتينية، ثم التحق بدرسية إيبرهارد لودفيج الثانوية، وكان قارئًا نهمًا قرأ مؤلفات العديد من الكتاب والشعراء منهم كريستيان جارف، وفريدريش جوتليب كلوبستوك وغيرهم.

التحق هيجل في سن الثامنة عشرة بمدرسة تابعة لجامعة توبينجن، وكان من بين زملائه في السكن الشاعر فريدريش هولدرالين والفيلسوف فريدريش شيلينج، وقد تأثر الأصدقاء الثلاثة بأفكار بعضهم البعض، وقد درس اللغة الألمانية والتاريخ والفلسفة والرياضيات، وتخرج في عام 1790. التحق هيغل بعدها بمعهد توبنغن اللاهوتي، وحصل على شهادة لاهوتية عام 1793.

ما هي ديانة هيجل؟

درس جورج هيجل في اللاهوت في معهد توبنغن اللاهوتي، ولكن كان لديه نفور عميق من دراسة اللاهوت الأرثوذكسي، كما كان ناقدًا للدين المسيحي بشدة، لذا من الصعب أن يتم اعتباره فيلسوفًا دينيًا بالمعنى التقليدي.

نشأ هيجل في عصر كانت الكنيسة المسيحية لها نفوذا كبيراً، إلا أنه كوّن فكره الفلسفي الخاص، ورأى أن الدين أحد مظاهر الروح المطلقة في العالم، ورغم احترامه للدين، إلا أنه انتقد جوانب الدين التقليدي، وخاصة تلك التي اعتمدت على الطقوس والإيمان الأعمى.

حياته الشخصية

كان جورج هيجل على علاقة غير شرعية بزوجة صاحب الفندق الذي كان يمكث فيه، وهي كريستينا بوبارد، وقد رزق منها بطفل غير شرعي عام 1807، اسمه جورج لودويغ فريدريك فيشر.

في عام 1811 تزوج من ماريا هيلينا سوزانا، وهي ابنة سيناتور، وأنجبت له طفلين، وهما كارل وإيمانويل، وقد ربت زوجته ماريا طفله الأول غير الشرعي جورج لودويغ كطفلها.

مسيرته المهنية

عمل جورج هيغل كمعلم لعائلة أرستقراطية في برن من عام 1793 إلى عام 1796، وخلال تلك الفترة بتأليف أول كتبه بعنوان "حياة يسوع"، وكانت مؤلفاته تنتقد المسيحية الأرثوذكسية بشكل حاد.

في عام 1801 انتقل إلى يينا، وهناك شغل منصب أستاذ في جامعة يينا، وقد كان عملًا بدون راتب، وانتقل للعمل في هذه الجامعة بتشجيع من صديقه الفيلسوف شيلينغ الذي كان أستاذًا في هذه الجامعة.

حاضر الفيلسوف جورج هيغل في الميتافيزيقا والمنطق، وفي عام 1805 تمت ترقيته إلى منصب أستاذ بدون راتب، ثم بدأ بالحصول على راتب بعد عام من تعيينه، وقد أثرت أفكاره وفلسفته على طلابه.

في عام 1808، عمل هيغل مديرًا لصالة الألعاب الرياضية في نورمبرغ، إلا أنه طمح لشغل منصب أكاديمي يليق بشهرته كمؤلف وفيلسوف، وتمكن من تحقيق ذلك عام 1818، حيث حصل على منصب الأستاذية في جامعة برلين.

شغل هيغل بعدها منصب كرسي الفلسفة في الجامعة، وقد حصل على شعبية كبيرة في الجامعة، وأصبح الطلاب يأتون من أنحاء أوروبا لحضور دروسه، وقد اشتهر بقدرته على تقديم أفكار أكثر شمولية بعد كانت.

بعد سنوات من العمل كمحاضر في جامعة برلين، أصبح جورج هيجل عميدًا للجامعة عام 1830، وفي العام التالي حصل على وسام ويليام فريدريك الثالث.

ما هي فلسفة هيغل؟

تعد فلسفة هيغل واحدة من أعقد وأعمق الفلسفات في تاريخ الفلسفة الغربية، وقد تركزت فلسفته بشكل أساسي على المثالية والجدلية والروح المطلقة.

اعتمدت فلسفة هيجل على المنهج الجدلي، والذي يُعرف أيضًا باسم "الديالكتيك"، فقد نظر إلى تطوير الفكر والواقع على أنها سلسلة من الصراعات بين الأفكار، أو "الأطروحات"، ونقيض تلك الأفكار، وبالتالي تكوين أفكار جديدة تتجاوز الصراعات السابق.

وهذا التطور الجدلي لا يعتبرها مجرد عملية فكرية، بل تعكس أيضًا تطوير التاريخ والواقع. جادل هيجل بأن كل شيء في الوجود هو تعبير عن الروح المطلقة، والتي تتطور تدريجيًا إلى وعي ذاتي من خلال الفكر، والتاريخ، والثقافة.

يرى هيغل أن تطوراً في الوعي هو الذي يعطي معنى للعالم، والوجود، كما يرى أن الروح المطلقة تحقق نفسها من خلال العالم.

ما هي المثالية المطلقة عند هيغل؟

اشتهر جورج هيغل بأفكاره الفلسفة عن المثالية، ولكن مثاليته اختلفت عن مثالية كانت، فقد فصل كانط بين "الشيء في ذاته"، و"الظاهرة"، ولكن هيغل ذهب إلى أبعد من ذلك، وقال إن الواقع هو نتاج الفكر، أي أن الواقع والوعي مرتبطان، ولا يمكن فصلهما.

فلسفة هيغل المثالية تعتمد بشكل أساسي على فكرة أن الفكر هو ما يحدد الواقع، وأن كل ما يوجد في العالم هو تجل لفكرة ما، لذا رفض ثنائية كانط بين الفكر والواقع، وآمن بوحدة الفكر والوجود.

مفهوم الوجود عند هيجل

نظرية هيغل فيما يتعلق بالوجود تتعلق بتطور الروح المطلقة، والتي تأتي من خلال مراحل مختلفة من الوعي والوجود، حيث يعتقد أن الوجود ليس شيئًا ثابتًا، ولكنه عملية ديناميكية تتطور بمرور الزمن من خلال الصراع والجدل.

يعتبر هيغل أن الوجود أو الوجود المباشر هي مرحلة أساسية تتمثل في الوجود البسيط دون أي خصائص، ثم تتبعها مرحلة "العدم" أي أن الوجود الخالص غير محدد، ويتلاشى إلى العدم.

يتولد بعد ذلك مفهوم جديد اسمه "الصيرورة" الذي يتم من خلال عملية جدلية بين الوجود والعدم، ويتمثل الانتقال بينهما، ويكون الوجود فيها أكثر تعقيدًا.

ملخص فلسفة هيجل تعتمد على الروح المطلقة، والتي تعتبر فكرة مركزية وأساسية في فلسفته، وليست كيانًا فرديًا، بل هي روح عامة تتجلى في العالم، وتكتسب بمرور الوقت وعيًا ذاتيًا من خلال تطور التاريخ والفكر والفلسفة.

يرى هيغل أن كل ما يحدث في التاريخ هو تعبير عن تطور هذه الروح لتحقيق وعيها الذاتي، وتتجلى الروح المطلقة في 3 مجالات أساسية، وهي الفن، والتي تمثل التعبير الحسي، والدين، والتي تمثيل التعبير الرمزي، والفلسفة، والتي تحقق الفكرة المطلقة وعيها بكامل بذاتها.