يعد الشاعر والأديب اللبناني جورج جرداق من الأسماء الأدبية اللبنانية التي تركت بصمة فريدة في مجالات الشعر والنقد والكتابة، فقد أثرى المكتبة العربية بكتابات فلسفية وإنسانية، ودافع عن قيم الحق والجمال، واشتهر بحبه للإمام علي بن أبي طالب، كما اشتهر بتأليفه أغنية "هذه ليلتي" لأم كلثوم، ليصبح أحد أعلام الفكر والأدب العربي، تعرف أكثر على مسيرته الأدبية وحياته.
من هو جورج جرداق؟
جورج سجعان جرداق هو شاعر وأديب وكاتب لبناني، ولد في قرية مرجعيون في محافظة النبطية، وهو واحد من أشهر الأدباء والشعراء في لبنان.
بدأ جورج مسيرته الأدبية في سن مبكرة بفضل شغفه بالقراءة والكتابة، وقد تلقى تعليمه الأساسي في مدارس جنوب لبنان، وظهرت مواهبه الأدبية خلال سنوات دراسته الأولى.
نشر جرداق المقالات الأدبية والفكرية في الصحف اللبنانية، كما ألف الشعر، ولفت أنظار العالم إليه، وقد ألف سلسلة كتب "الإمام علي صوت العدالة الإنسانية" والتي تعد تحفة فكرية تناول فيها شخصية الإمام علي بن أبي طالب من منظور إنساني.
لم تقتصر إسهامات جرداق على الكتابة الفكرية فحسب، بل كان شاعرًا مرهف الحس، وعبرت قصائده عن قضايا الإنسان والحب والجمال، كما ساهم في إثراء المشهد الثقافي في لبنان، وألقى العديد من المحاضرات، وشارك في ندوات أدبية.
نشأته وتعليمه
ولد الشاعر والأديب اللبناني جورج جرداق في قرية مرجعيون عام 1931، ودرس فيها حتى المرحلة التكميلية، ثم انتقل إلى العاصمة اللبنانية بيروت عام 1949، وأكمل دراسته في الكلية البطريركية، وهي المدرسة التي درس فيها جهابذة اللغة والأدب منهم إبراهيم اليازجي.
كان جرداق محظوظًا بأن تتلمذ على يد الأديب رئيف خوري، والعالم اللغوي فؤاد أفرام البستاني، مؤسس الجامعة اللبنانية، كما درس اللغة الفرنسية على يد ميشال فريد غريب، وتخرج من المدرسة عام 1953.
بعد تخرجه من المدرسة، درس الأدب العربي والفلسفة، وبدأ عمله في الكتابة الصحفية مبكرًا، كما أنه كانت له إسهامات أدبية مبكرة، فقد حاول تأليف أول مسرحية له وعمره 13 عامًا، وكتب أول قصة له وهو في الـ17 من عمره.
مسيرة أدبية مبكرة
عُرف عن الشاعر جورج جرداق أنه صاحب ملكة شعرية ورؤية أدبية منذ سن مبكرة، فقد بدأ بالكتابة والتأليف منذ سن مبكرة، وتنوعت كتاباته بين الشعر والقصة والمسرحية، كما أنه ألف أعمال نقدية، وأولها وعمره 18 عامًا بعنوان "فاغنر والمرأة" والتي تناول فيها حياة الموسيقي والفيلسوف الألماني فاغنر.
حقق الكتاب شهرة واسعة، ولفت أنظار الأدباء والمثقفين في الوطن العربي إليه، ومنهم عميد الأدب العربي طه حسين، الذي قرر إدراج الكتاب ضمن لائحة الكتب التي يجب على طلاب الدكتوراه في الأدب قراءتها، كما ترجم المستشرقون الألمان الكتاب إلى اللغة الألمانية.
واصل جرداق كتابة العديد من الكتب الأدبية، ومنها "نجوم الظهر"، و"عبقرية العربية"، و"قصور وأكواخ"، و"صبايا ومرايا"، كما ألف عدة مسرحيات، وقدم برنامج إذاعي "على طريقتي" في إذاعة صوت لبنان خلال 15 عامًا.
عمل جرداق كاتبًا صحفيًا في العديد من الصحف في لبنان، ومنها مجلة الجمهور الجديدة، والشبكة، والأنوار، ودار الصياد، وقد استهل عمله الصحفي في مجلة "الحرية". عمل جرداق في تدريس الأدب العربي والفلسفة في عدد من المدارس.
ماذا كتب جورج جرداق لأم كلثوم؟
تعد قصيدة "هذه ليلتي" من أعظم القصائد التي غنتها كوكب الشرق أم كلثوم، ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب، وهي الأغنية التي ألفها الشاعر اللبناني جورج جرداق.
كان الموسيقار محمد عبد الوهاب معجبًا جدًا بأشعار جرداق، وطلب منه أن يؤلف أغنية لأم كلثوم، لذا ألف جرداق قصيدة "هذه ليلتي" والتي يقول في مقدمتها: "هذه ليلتي وهذا العود، بثّ فيه من سحره داوود" إلا أن أم كلثوم طلبت منه تغيير مطلع القصيدة، فغيّر المطلع إلى "هذه ليلتي وحلم حياتي بين ماض من الزمان وآت".
غنت أم كلثوم هذه القصيدة لأول مرة عام 1968 حيث أحيت حفلين على مسرح قلعة بعلبك، وخصصت حصيلة الحفلتين للمجهود الحربي، وخلال الحفلة الأولى أعلنت أنها ستغني أغنية لشاعر لبناني من ألحان محمد عبد الوهاب، ولكنها لم تذكر اسم جرداق أو اسم القصيدة.
أصبح جرداق بعدها الشاعر الوحيد الباقي على قيد الحياة ممن غنت لهم أم كلثوم حتى وفاته في عام 2015 عن عمر 83 عامًا.
جورج جرداق والإمام علي
عُرف الشاعر جورج جرداق بشغفه بالإمام علي بن أبي طالب، وقد بدأ هذا الشغف في سن مبكرة، حيث كان يهرب من المدرسة من أجل القراءة التي وجد فيها متعته في طفولته وسنوات المراهقة.
وبسبب قربه للأدب وحبه للقراءة، شجعه شقيقه فؤاد على قراءة كتاب "نهج البلاغة"، ومن ذلك الوقت وقع جرداق في حب الإمام علي، وقضى سنوات من حياته في القراءة والتأليف عنه.
حفظ جرداق أكثر من 70% من كتاب نهج البلاغة، وبدأ في التفكير في مشروع عالمي حول الإمام علي بن أبي طالب، يقدم فيها شخصيته بطريقة مختلفة، وقد أعاد قراءة كتاب نهج البلاغة أكثر من 40 مرة.
من هو مؤلف كتاب صوت العدالة الإنسانية؟
ألف الشاعر والأديب اللبناني جورج جرداق موسوعة "الإمام علي صوت العدالة الإنسانية" والمكونة من 5 أجزاء وملحق، وقد تناول في هذه الموسوعة حياة علي بن أبي طالب، ومواقف مهمة في حياته، كما أظهر القيم الإنسانية التي تحلى بها الإمام علي من الكمة والشجاعة والإنصاف والقيادة.
بيع من الموسوعة أكثر من 5 ملايين نسخة، وترجمت إلى العديد منا للغات الأجنبية، منها الفارسية والأردية والإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وقد تلقى جرداق إشادة وتكريمًا حول العالم بفضل هذه الموسوعة.
تلقت موسوعته إشادة من عد دمن علماء الشيعة، مثل عبد الحسين شرف الدين، ومجمد جواد مغنية، ومحسن الحكيم، فيما أشاد الأديب اللبناني ميخائيل نعمة بهذا الكتاب ووصفه "بالنفيس". حصل الكتاب على جائزة أحسن من كتب عن الإمام علي، كما حصل على جائزة عبد العزيز سعود البابطين.
ماذا قال جورج جرداق عن علي بن أبي طالب؟
ومن أقوال جورج جرداق عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "هل عرفت صاحب سلطان تمرد على سلطانه لإقامة الحق في الشعب، وصاحب ثروة أنكر منها إلا القرص الذي يمسك عليه الحياة، وما الحياة لديه إلا نفع إخوانه في الخلق؟ أما الدنيا فلتغر سواه".
وقال أيضًا: "أما العدل في الرعية، العدل الذي هو أساس الملك، فهو ينعكس من الجالس على العرش. وقد عرفت أرباب العروش الأموية، وفيهم العاجز والسفيه والخليع والسكير والظالم، ولا نغفل عن أسلوب بني أمية المستهجن في شتم علي بن أبي طالب وبنيه على منابر الأمصار".
وفاة جورج جرداق
توفي الشاعر اللبناني جورج جرداق في 5 نوفمبر عام 2014 عن عمر 83 عامًا، وأقيمت مراسم الجنازة في كاتدرائية مار نقولا للروم الأرثوذكس في الأشرفية، ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه في مرجعيون، حيث دفن في مدافن العائلة.