يعد جورج إيستمان أحد رواد التصوير الفوتوغرافي وصناعة الأفلام، فقد أحدثت ابتكاراته ثروة حقيقية في عالم التصوير، وأسس شركة "كوداك" التي غيرت مسار الصناعة، وجعلت الكاميرات وأدوات التصوير متاحة للشخص العادي، وأدخلت فكرة التصوير الشخصي التي أصبحت جزءًا من حياة الأفراد، تعرف أكثر على مسيرته وإنجازاته.
من هو جورج إيستمان؟
هو رجل أعمال ومخترع أمريكي، ولد في 12 يوليو عام 1854 في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو مؤسس شركة كوداك، التي تعد واحدة من أكبر شركات التصوير الفوتوغرافي في العالم.
بدأ جورج إيستمان مسيرته في مجال التصوير الفوتوغرافي بدافع شخصي، حيث كان يبحث عن وسائل لجعل عملية التصوير أبسط وأقل تكلفة، في وقت كانت الكاميرات الفوتوغرافية معقدة، وتتطلب إعدادات احترافية ومكونة من ألواح زجاجية ثقيلة، وهو ما كان يعوق وصول التصوير لعام الناس.
قدم إيستمان عام 1888 أول كاميرا كوداك التي تتميز بالبساطة في الاستخدام وخفيفة الوزن، وأرفق عليها شعار شركته الشهير "اضغط الزر ونحن نقوم بالباقي"، وقد أدى ابتكاره هذا ثروة في الصناعة، حيث أصبحت الكاميرات في متناول الجميع، وتشجع الناس لتوثيق لحظاتهم الشخصية بها.
أسس إيتسمان بعدها شركة إيستمان كوداك التي واصلت تطوير تقنيات التصوير، وساهمت في تطور صناعة الأفلام السينمائي، والأفلام الملونة، وبفضل إسهاماته تمكن ن جعل التصوير جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس اليومية.
نشأته وتعليمه
ولد جورج إيستمان في عائلة ثرية، وهو الطفل الأصغر بين 3 أطفال، وقد عاش مع عائلته في مزرعة مساحتها 10 أفدنة. تلقى إيستمان تعليمًا ذاتيًا إلى حد كبير، رغم أنه التحق بمدرسة خاصة في روتشستر بعد سن الثامنة.
في أوائل أربعينيات القرن التاسع عشر، أسس والده مدرسة تجارية أطلق عليها "كلية إيستمان التجارية" والتي أصبحت مشهورة، وساهمت في جعل مدينة روتشستر واحدة من المدن المزدهرة في الولايات المتحدة.
لم تستمر الأوضاع المالية للعائلة جيدة لفترة طويلة، بسبب الاعتماد على التصنيع، لم تتمكن العائلة من تحقيق أرباح من الزراعة، كما أن وفاة والده بسبب اضطراب في المخ عام 1862، أجبرت العائلة على تحويل البيت إلى فندق لاستقبال النزلاء.
في سن الـ15 من عمره، اضطر جورج ترك المدرسة مبكرًا، وبدأ العمل للمساعدة في إعالة عائلته، حيث عمل في مهن مختلفة، ثم بدأ بالعمل كموظف في البنك في سبعينيات القرن التاسع عشر.
علاقاته وحياته الشخصية
اختار جورج إيستمان العيش بدون زواج طوال حياته، فقد كان مقربًا من والدته وشقيقته إلين ماريا وعائلتها، أما أخته الثانية كاتي، فقد أصيبت بشلل الأطفال، وتوفيت وهي صغيرة.
كان إيستمان مقربًا مع المغنية جوزفين ديكمان، زوجة شريكه التجاري جورج ديكمان، وكانت له علاقة أفلاطونية طويلة معها، وقد أصبح مقربًا منها أكثر بعد وفاة والدته عام 1907.
كان إيستمان متعلقًا بوالدته تعلقًا شديدًا، وتأثرت حالته النفسية بشكل كبير بوفاتها، حتى إنه كان غير قادر على التحكم في مشاعره بحضور أصدقائه، وكان كثير البكاء عليها، وقد حاول تكريمها طوال حياتها بسبب جهودها لتربيته هو وأخته، وبعد وفاتها استمر في تكريمها، وافتتح مسرحًا لها.
تأسيس شركة كوداك
عمل جورج إيستمان كموظف في البنك في سبعينيات القرن التاسع عشر، وخلال عمله في البنك طور اهتمامًا شخصيًا بالكاميرات والتصوير الفوتوغرافي، وتلقى تدريبًا على صناعة واستخدام الكاميرات.
في عام 1879، طور آلة لطلاء الألواح الجافة المستخدمة في الكاميرا، وفي عام 1881 أسس شركة إيستمان للألواح الجافة لبيع الألواح، وفي الوقت نفسه بدأ في تطوير بكرة فيلم يمكنها أن تحل محل الألواح في الكاميرا، وحصل على براءة اختراع لهذا الإنجاز عام 1885.
أطلق كوداك شركته "كوداك" عام 1888، وتمكنت الشركة من تحقيق مبيعات كبيرة، وزادت الطلبات على الكاميرات التي ينتجها.
الاهتمام بصناعة الأفلام
بعد تأسيس شركة إيستمان كوداك، أدرك جورج إيستمان أن معظم إيرادات تأتي من بكرات الأفلام، وليست من مبيعات الكاميرات، لذا قرر أن يوجه تركيزه نحو إنتاج الأفلام من خلال تطوير بكرات أفلام عالية الجودة، وبأسعار معقولة يمكن لمصنعي الكاميرات الأخرى استخدامها.
برع إيستمان في تحويل المنافسين له في السوق إلى شركاء الأعمال، وقد تمكن من الحصول على براءة اختراع عام 1889 لتطوير بكرة الأفلام باستخدام مركب "النيتروسيليوز"، إلا أنه واجه دعاوى قضائية عدة بسبب انتهاكات براءات الاختراع، وقد خسرت شركة كوداك الدعوى أمام شركة أنسكو، وكلفت الدعاوى الشركة حوالي 5 ملايين دولار على مدار عقد من الزمان.
سعى إيستمان إلى احتكار صناعة الأفلام في أمريكا من خلال الاستحواذ على الشركات وبراءات الاختراع، وبحلول عام 1896، أصبحت كوداك المورد الرئيسي لبكرات الأفلام دوليًا، وبحلول عام 1915، أصبحت شركته من أكبر الشركات في روتشستر بأكثر من 8 آلاف موظف، وأرباح سنوية بلغت 15.7 مليون دولار.
وبسبب أعمال إيستمان وإجراءاته الاحتكارية لمجال صناعة الأفلام، بدأ الحكومة الفيدرالية تحقيقًا لمكافحة الاحتكار عام 1911، ورفعت ضد الشركة دعوى قضائية، وأمرت في النهاية كوداك في النهاية بالتوقع عن تحديد الأسعار وبيع العديد من حصصها.
ورغم ذلك، واصلت الشركة ابتكاراتها، فقد ابتكرت المزيد من الكاميرات، ومنها كاميرا "براوني"، كما أنه إيستمان اهتم بالتصوير الملون، ومول التجارب في إنتاج الأفلام الملونة.
خلال الحرب العالمية الأولى، أسس إيستمان مدرسة للتصوير الفوتوغرافي لتدريب الطيارين على الاستطلاع الجوي باستخدام الكاميرات.
أعماله الخيرية
يُعرف جورج إيستمان بأنه واحد من أكبر رجال الأعمال الذين قدموا تبرعات في حياتهم، فخلال حياته تبرع بمبلغ 100 مليون دولار لمنظمات مختلفة، وذهبت أغلب تبرعاته إلى جامعة روتشستر، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وكان يفضل أن تذهب معظم تبرعاته في السر دون الكشف عن هويته، حيث قدم تبرعاته تحت الاسم المستعار "السيد سميث".
أنشأ إيستمان بأمواله مدرسة للموسيقى، ومدرسة للطب وطب الأسنان، وأوركسترا روتشستر، كما أنشأ مستوصف لطب الأسنان، وقدم تبرعات ضخمة لمؤسسات مختلفة، كما شارك في تمويل معهد إيستمان لرعاية أسنان الأطفال في السويد.
ورغم أعماله الخيرية، إلا أنه عرف بكونه مؤيدًا لقوانين الفصل العنصري، فلم توظف شركته أي موظف أسود خلال حياته، كما رفضت صيدليته للأسنان المتقدمين السود.
معاناة أفضت إلى الانتحار
في آخر عامين من حياته عانى جورج إيستمان من آلام شديدة؛ بسبب اضطراب أثر على عموده الفقري، فقد كان غير قادر على الوقوف والمشي، وقد عانى من اكتئاب حاد بسبب آلامه وعدم قدرته على العمل، وخاصة أنه عاش معاناة والدته مع المرض قبل وفاتها.
وفي 14 مارس عام 1932، قرر جورج إيستمان إنهاء محنته وآلامه بالانتحار برصاصة واحدة اخترقت قلبه، وكتب في رسالة انتحاره "إلى أصدقائي، لقد انتهيت من عملي. لماذا علي الانتظار؟"، ليرحل عن عمر 77 عامًا. بعد وفاته، تم توريث تركته بالكامل لجامعة روتشستر، نظرًا لأنه لم يتزوج وليس لديه أبناء.