تحليل: دائرة الفقر تتسع رغم الازدهار والثروة في ألمانيا

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: الإثنين، 16 سبتمبر 2019
تحليل: دائرة الفقر تتسع رغم الازدهار والثروة في ألمانيا

إذا تعلق الأمر بتعريف الفقر، فليس أكثر من التعاريف التي تتحدث عن أوجهه القبيحة المنتشرة التي يزداد انتشارها في طول العالم وعرضه لأسباب عدة من أبرزها استقطاب الثروة المتزايد لصالح الفئات الغنية. أكثر التعاريف شهرة هي التي يعتمدها البنك الدولي تجاه الدول النامية، والتي تقول حاليا ان الفقر المدقع ينطبق على الشخص الذي يكسب أقل من دولارين في اليوم. وإذا ما أخذ المرء بعين الاعتبار أن الحياة بدون فقر تعني تغذية جيدة وسكن صحي وتأمين الطبابة والتعليم والعمل، فإن المرء يحتاج إلى أضعاف هذا المبلغ حتى في هذا الدول حتى يتم تصنيفه في عداد الناس الذين يعيشون حياة كريمة. وفي دول صناعية غنية مثل ألمانيا يحتاج المرء إلى دخل أعلى بكثير من نظيره في الدول النامية لتأمين متطلبات حياته اليومية الضرورية بسبب ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة. وتعرّف الدوائر الرسمية الألمانية حسب احصائيات عام 2015 الفقير بأنه الشخص الذي يكسب أقل من 1064 يورو شهريا. لكن وتجاوزا للتعاريف الكثيرة والمضللة يمكن القول أن الفقر سواء في ألمانيا أو الدول الفقيرة ينطبق على كل شخص لا يستطيع توفير مقومات عيشه الضرورية المذكورة أعلاه بالاعتماد على دخله الخاص. وهنا سيعتقد الكثيرون أنه لا يوجد في ألمانيا أعداد تذكر من هؤلاء! غير أن الواقع يدل على غير ذلك.

الفقر لا يشمل المتقاعدين وحسب

في أحد البرامج التلفزيونية لمحطة التلفزيون الأولى الألمانية مؤخرا تروي سيدة ألمانية متقدمة في السن أنها دفعت في صندوق التقاعد لمدة 35 سنة لتحصل في النهاية على راتب تقاعدي بحدود 935 يورو شهريا. وإذا ما اخذ المرء بعين الاعتبار أن أجرة شقتها تصل إلى نحو 570 يورو، فإنها لا تستطيع العيش دون مساعدة الدولة الاجتماعية اللازمة للوفاء بكافة متطلبات حياتها الضرورية اليومية من طعام وشراب وأدوية وتكاليف كهرباء وتدفئة وهاتف وغيرها. أمثال هذه السيدة ليسوا قلة سواء من المتقاعدين أو العاملين في قطاعات مختلفة وخاصة في قطاعي النقل والبناء والخدمات الطبية ومبيعات التجزئة وخدمات النظافة والنقل والاتصالات. ويصل عدد الذين يحصلون على مساعدات الدولة في ألمانيا لتوفير أو لاستكمال توفير مستلزمات حياتهم الأساسية إلى نحو 8 ملايين شخص، أي حوالي 10 بالمائة من عدد السكان. ويشكل عدد المهاجرين واللاجئين نسبة عالية بينهم، لأن القسم الأكبر منهم لا يتقاضى رواتب عالية بسبب قيامهم بأعمال لا تتطلب مستويات تأهيل عالية من جهة أو عدم إيجاد فرصة عمل من جهة أخرى مما يحتم عليه الاعتماد على المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة.

المتقاعدون في مقدمة الفئات التي تعاني الفقر

ولا يبدو الأمر ورديا في المستقبل المنظور بالنسبة للمحتاجين في ألمانيا على ضوء المخاوف المتزايدة من انكماش اقتصادي يلوح في الأفق بسبب تراجع معدل نمو الاقتصاد الألماني مؤخرا وحرب الرسوم الجمركية التي يشنها الرئيس الأمريكيترامب ضد الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى. وحتى لو استمر النمو والازدهار كما هو عليه الحال خلال السنوات العشر الماضية، فإن الفقر سيطال أكثر من خمس المتقاعدين، حوالي 22 بالمائة بحلول عام 2029 مقابل أقل من 17 بالمائة في الوقت الحالي، حسب دارسة أعدها معهد الاقتصاد الألماني DIW بتكليف من جمعية بيرتلسمان للنفع العام. ويصل عدد المتقاعدين في ألمانيا، الذي يعاني مجتمعها من الشيخوخة، إلى أكثر من 20 مليون متقاعد في الوقت الحالي. وفي حال دخل الاقتصاد في مرحلة الركود فإن عدد العاطلين عن العمل سيرتفع ومعه ستقل دخولهم ورواتبهم التقاعدية. هذا ويهدد الفقر أيضا حسب الدراسة العاملين دون تأهيل جيد والذين يعيشون بمفردهم وخاصة في صفوف النساء اللواتي يتقاضين أجورا أقل من الرجال حتى في نفس مجال التشغيل.

حكومات ميركل تفشل في إيجاد حل

منذ سنوات تناقش حكومة ميركل الحالية وحكوماتها السابقة سبل حل مشكلة الفقراء والمهددين بالفقر وخاصة في صفوف المتقاعدين. وبنتيجة ذلك تم اتخاذ أكثر من خطوة لتحسين مستوى دخل أصحاب الأجور المتدنية. ومن أبرزها رفع الحد الأدنى للأجر بشكل تدريجي ليصل إلى أكثر من 9 يورو لساعة العمل في الوقت الحالي بعدما كان دون 6 يورو في عام 2015. وفيما يتعلق بالمتقاعدين تم رفع مرتباتهم بمعدل وسطي زاد على 8 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية. غير أن النقاش الذي لا ينتهي منذ سنوات طويلة ما يزال يدور حول كيفية اعتماد راتب تقاعدي شامل يمنع انتشار الفقر في سن التقاعد. آخر المقترحات بهذا الخصوص تقول بزيادة تصل إلى 10 بالمائة أو أكثر على رواتب وتعويضات الذين دفعوا لصندوق الضمان التقاعدي لمدة لا تقل على 35 سنة ومع ذلك لا يكفي دخلهم لتغطية متطلبات حياتهم الضرورية. غير أن هذا المقترح يواجه انتقادات كثيرة، لاسيما وأنه لا يشمل سوى جزء من المتقاعدين. من ناحية أخرى يبدو تطبيقه صعبا في ظل الخلافات لمصالح انتخابية حول التفاصيل بين طرفي التحالف الحكومي الحالي بقيادة المستشارة ميركل التي تنتهي ولايتها الحالية والأخيرة في خريف 2021.

الآمال معلقة على الاقتصاد

على ضوء ذلك تبقى الآمال معلقة في الوقت الحالي على الاقتصاد ودور الحكومة في ضخ الاستثمارات الكافية لتحديث بنيته التحتية بهدف منع الركود وتراجع نسبة العاطلين عن العمل ومعها عدد الفقراء. ويطالب معهد الاقتصاد الألماني على لسان رئيسه مارسيل فراتسشير حكومة ميركل وحكومات الولايات الألمانية بضخ 30 مليار يورو سنويا على مدى السنوات العشر أو الخمسة عشر سنة القادمة لتحديث الطرق ومؤسسات التعليم والاتصالات وقطاع السكن. وفيما عدا ذلك فإن دائرة البطالة ستتسع مع وفرص زيادة الدخل ستنخفض ومعهما زيادة نسبة الفقراء أيضا بشكل عام وفي صفوف المهاجرين واللاجئين بصفة خاصة. وسيكون لذلك تبعات من بينها زيادة الانقسام المجتمعي لصالح حزب البديل اليميني الشعبوي الذي يستغل مشاكل الفقر والهجرة لكسب المزيد من الأصوات والوصول إلى السلطة أو التحكم بمفاتيحها في الولايات وعلى مستوى الحكومة الاتحادية.

ابراهيم محمد

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة