يعد الأديب الجزائري بوعلام صنصال من الأسماء الأدبية البارزة التي يُثار حولها الكثير من الجدل والانتقادات، وذلك بسبب كتاباته النقدية وآرائه الغريبة والمختلفة، إلا أنه استطاع لفت الأنظار بفضل أعمال الأدبية التي جمع فيها بين استكشاف الهوية الوطنية، وتسليط الضوء على التحديات التي تواجه الجزائر، تعرف أكثر على مسيرته وأعماله في هذا المقال.
من هو بوعلام صنصال؟
هو كاتب وأديب جزائري، ولد في 15 أكتوبر عام 1949 في ولاية بومرداس في الجزائر، وهو من الكتاب المعروفين بمعارضتهم للنظام الجزائري، وانتقاده للأصولية الدينية والتطرف الإسلاموي.
بدأ صنصال مسيرته المهنية مهندسًا واقتصاديًا، ثم انتقل إلى عالم الأدب، وأصبح واحد من أبرز الروائيين الجزائريين المعاصرين، وقد تحول إلى الكتابة، واستخدمها للتعبير عن قضايا المجتمع الجزائري.
أصدر صنصال العديد من الروايات الناجحة، ومنها رواية "قسم البرابرة"، والتي حكى فيها مآسي بلده الجزائر، وقد لاقى العمل اهتمامًا واسعًا، وأثار الكثير من الجدل بسبب ما حمله من نقد للسياسات الجزائرية.
تميزت أعمال صنصال الجمع بين الحكي الأدبي والرسائل العميقة، وقد واصل تقديم روايات عززت من مكانته كأديب عالمي، وزادت من سخط وانتقادات البعض، وقد حاز خلال مسيرته على العديد من الجوائز الدولية والأدبية.
نشأته وتعليمه
ولد الأديب بوعلام صنصال في منطقة جبال الونشريس في ولاية بومرداس في الجزائر لأب من أصول مغربية، أم تلقت تعليمًا فرنسيًا، وقد عايش في مراهقته وشبابه استقلال الجزائر عام 1962، حيث كان يبلغ من العمر 13 عامًا، وكانت تلك الأجواء المشحونة بالحماس والوطنية تأثيراً كبيرا على فكره فيما بعد.
ورغم حماسة الثورة، والطوق إلى الحرية والديمقراطية، عاش بوعلام في فترة شهدت صراعات وخلافات داخلية على السلطة بين جهات مختلفة. درس بوعلام في المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات في الجزائر، حيث درس الهندسة التطبيقية، كما درس في المدرسة العليا للاتصالات في باريس، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد.
مسيرته الأدبية
بعد التخرج، عمل بوعلام صنصال مهندسًا ودكتورًا في الاقتصاد الصناعي، وشغل مناصب رفيعة في وزارة الصناعة حتى عام 2003، وخلال تلك الفترة، كان شاهدًا على تغلغل الفساد والمحسوبية في كل مؤسسات الدولية، والعديد من مشاريع البنى التحتية الوهمية.
قرر صنصال دخول عالم الأدب بعد بلوغه سن الخمسين، حيث أصدر روايته الأولى "يمين البرابرة" عام 1999، وهي الرواية التي لاقت إشادة واسعة، ولكنها أثارت سخط السلطة والنظام عليه.
جمع صنصال في روايته بين السياسة والتأمل الذاتي، وكشفت عن آلام ومآسي الشعب الجزائري التي تحطمت بعد الاستقلال، وهاجم العسكريين هجومًا شديدا، ووصفهم بأنهم "مجرمون" وأنهم "يصنعون التاريخ ويدنسونه".
وقد تطرق صنصال في روايته الأولى حول قضية "البوليساريو"، وهي الجبهة التي تدعوا إلى تحرير الحصراء الغربية، وقد دعى في روايته الأولى ترحيل هذه الجبهة من بلده الجزائر.
لاقت روايته الأولى اهتمامًا واسعًا، وعززت من مكانته على الساحة الأدبية، وحصل على لعديد من الجوائز، منها جائزة Prix du Premier Roman الفرنسية، إلا أنه في المقابل، تسببت تلك الرواية في إنهاء مسيرته المهنية كمسؤول رفيع في الدولة، حيث اعتبرت السلطات كتابه "غير مقبول".
لم يتسبب الفصل في التوقف عن الانتقاد والمعارضة، فجعل صنصال كتاباته وسيلة للمقاومة، وبرز كناقد ومعارض للسلطات الاستبدادية في بلده.
في عام 2006، كتب مقالًا بالفرنسية بعنوان "رسالة غضب وأمل إلى أبناء وطني"، والتي دعا فيها شعبه إلى التمرد، وكسر القيود المفروضة عليهم. وبعد نشر هذا المقال، حظرت السلطات الجزائرية كتبه من النشر والتوزيع في بلده. من رواياته الأخرى "طفل الشجرة الفارغة المجنون"، و"قل لي الجنة"، و"حراقة".
ومن مؤلفات الكاتب الجزائري بوعلام صنصال رواية "2084: نهاية العالم"، وفيه انتقد النظام العسكري، وتحدث فيه عن عالم قمعي وقاتم يتحول فيه الشعب إلى مجرد دمى محرومين من حرية التفكير، وقد انتقد في الكتاب النظام في بلاده، وحصلت الرواية على الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية عام 2015.
رواية "قرية الألماني"
في عام 2008، أصدر بوعلام روايته الثانية بعنوان "قرية الألماني" والتي قدّم فيها مقارنة بين النازية، والتي ترمز إلى السلطة العسكرية في الجزائر، وبين الإسلاموية المتطرفة، وصور الجزائر بأنها "القرية الألمانية".
في روايته الثانية، تناول قصة شقيقين لرجل نازي سابق يكتشفان الماضي المروع لوالدهما، ودوره في قتل الكثير من اليهود في الهولوكوست، ومن خلال تلك الرواية، يندد صنصال بجرائم الجيش في بلده. كانت تلك الرواية أول رواية له تترجم إلى الإنجليزية، ونشرت في المملكة المتحدة وأمريكا. وقد حصلت الرواية على جائزة نسيم حبيب من الأكاديمية الملكية واللغة والأدب الفرنسي في بلجيكا.
إلا أن صنصال واجه انتقادات حادة، حيث زار إسرائيل كضيف شرف في معرضها للكتاب، وروح لروايته "قرية الألمانية" باللغة الفرنسية عام 2008، وقد سببت له هذه الزيارة المزيد من السخط والانتقادات، ووصفه بعض النقاد بأنه من بين "زناة التاريخ" الذين نسوا جرائم المحتل ووقفوا بصفه، وتنكروا لتضحيات أبناء بلاده لنيل الاستقلال.
آراء بوعلام صنصال وتصريحاته المثيرة للجدل
عُرف بوعلام صنصال بآرائه المثيرة للجدل التي سببت غضب الكثير من الجهات حوله، منها النظام الجزائري، والنقاد والمؤرخون كذلك. ولعل أشهر تصريحاته التي سببت له مشكلات عده، هو موقفه من قضية الصحراء، فهو معروف بوقوفه بجانب المغرب، وأن الصحراء الشرقية ومدن تلمسان ووهران ومعسكر مدن مغربية قبل استعمار فرنسا للجزائر.
انتقد صنصال كذلك دعم النظام العسكري الجزائري للبوليساريو، ووصفها بأنه "مأساة"، كما اتهم الجيش الجزائري بأنها "مافيا" تستحوذ على ثروات البلاد" وأن النظام العسكري اخترع لضرب استقرار المغرب.
تلقى صنصال المزيد من الانتقادات بعدما زار إسرائيل أكثر من مرة، مرة للترويج لروايته هناك عام 2008، والمرة الثانية لتسلمه جائزة أدبية عام 2014.
اعتقال بوعلام صنصال
في شهر نوفمبر 2024، اعتقلت السلطات الجزائرية الأديب بوعلام صنصال في المطار، حيث كان قادمًا من فرنسا لزيارة الجزائر، ويواجه عقوبة السجن بسبب تصريحات قالها في فرنسا تخص الجزائر والمغرب والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا.
وبعد اعتقاله، تصدر اسمه عناوين الصحف والأخبار في فرنسا، فيما عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه من مصير الكاتب الجزائري.