بطي بن بشر.. من الرعيل الأول للإمارات وسكرتير الشيخ زايد

كان معالي بطي بن بشر من الشخصيات البارزة  الذين ساهموا في وضع اللبنات الأولى لنهضة دولة الإمارات وكان مرافقًا وقريبًا من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان فعمل مع سموه بتفان وإخلاص من أجل الكيان الاتحادي، تعرف أكثر على حياته وإنجازاته في المقال التالي.

من هو بطي بن بشر؟

بطي بن حميد بن راشد بن مصبح بن بشر المري الياسي هو من الرعيل الأول من أبناء الإمارات الذين ساهموا مع القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله في تأسيس دولة الإمارات.

وقد ساهم المغفور له بطي في وضع اللبنات الأولى للنهضة الشاملة في الإمارات وسعى بكل جد واجتهاد وبما وصل إليه من علم ومعرفة من أجل رفعة بلاده، لذا كرمه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بمنحه جائزة رئيس الدولة التقديرية تقديرًا لجهوده وما قدمه من خدمات جليلة من أجل بلده الإمارات.

كان بطي من أوائل الذين تعلموا تعليمًا نظاميًا في الإمارات، وقد برز في العديد من المجالات وعُرف بتنوع مواهبه وهواياته وقدرته على التحدث بأكثر من لغة، وتدرج في حياته في عدة مناصب حتى شغل منصب سكرتير خاص للشيخ زايد رحمه الله.

عُين بطي كذلك في مناصب حكومية أخرى منها وكيلًا لوزارة الأشغال، كما كان عضوًا في المجلس الوطني وعضوًا في غرفة تجارة دبي، بجانب أيضًا التفرغ لأجل أعماله الخاصة.

عائلة بطي بن بشر

بطي بن بشر نشأ في عائلة مرموقة ومؤثرة تلعب دوراً بارزاً في تاريخ تطور إمارة دبي. والده، حميد بن بشر، كان من الشخصيات المقربة للشيخ سعيد بن مكتوم خلال الحرب العالمية الثانية، حيث شغل منصب مدير جمارك دبي.

أما جده، راشد بن مصبح، فكان يعمل ملازمًا للشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم، حاكم دبي في الفترة ما بين عامي ١٩٠٦ و١٩١٢، وكذلك كان رفيقًا للشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، الذي حكم دبي من عام ١٩١٢ حتى وفاته في عام ١٩٥٨. كما شغل جده أيضًا مواقع مهمة كمصلح ومحكم في فض النزاعات بين القبائل المختلفة.

ويعتبر جد بطي الأكبر، بشر المري الياسي، شخصية بارزة في تاريخ إمارة دبي، وتُنسب إليه دوغة بشر المعروفة التي تقع على ساحل أبوظبي بالقرب من منطقة حصيان وغناطة.

وأخوه غير الشقيق من الأم هو علي بن حمد بو جسيم المري، وأبناء عمته هم خليفة وخالد حمد أحمد بن سليمان آل مالك.

نشأة بطي بن بشر وسنواته الأولى

ولد بطي بن بشر في 18 مايو عام 1941 في منطقة الرأس في دبي، وقد نشأ رحمه الله في بيت أخواله من آل الصيري من منطقة السندغة، وتعلم تعليمه الأولي في الكتاتيب، والتي كانت أمرًا تقليديًا في ذلك الوقت.

كان بشر من أوائل أبناء الإمارة الذين تلقوا تعليمًا نظاميًا في مدارسها، فقد درس في المدرسة الأحمدية، وهي من أول المدارس شبه النظامية في دبي، وسُميت على اسم مؤسسها الشيخ أحمد بن دلموك الفلاسي.

وفي هذه المدرسة كان بن بشر صديقًا وزميلًا للشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، وتعلم فيه الكتابة والقراءة والنحو والخط والصرف، كما حفظ بعض سور القرآن الكريم مع التجويد، وفي المدرسة تعرف على فن المسرح، حيث كان يتم تنظيم احتفاليات وفعاليات ثقافية في ختام السنة الدراسية.

عُرف بطي منذ صغره بحبه للعلم والمعرفة، فلم يكتفِ بما كان يتلقاه من علم في مدرسته وراح ينهل من العلوم المختلفة مثل الرياضيات والفارسية والإنجليزية والأردية والنحو والبلاغة بنفسه، كما قصد بيوت كل من له علم ومعرفة بهذه العلوم المختلفة.

وقد ذكر بطي رحمه الله أنه كان يحرص على زيارة متجر حسن بن علي القاسمي في منطقة الرأس حتى يتعلم منه النحو والإعراب الذي أحبهما وكان شديد الاستعداد لتعلمهما.

في عام 1949 انتقل بطي مع والده إلى الدمام في السعودية حيث كان يعمل هناك ولكنه عاد إلى دبي سريعًا وبدأ بطي تعليمه النظامي الذي درس فيه لسنوات، ثم حصل على أول وظيفة له في البنك البريطاني الذي تعلم فيها أصول اللغة الإنجليزية والحسابات والقواعد الأساسية للتجارة.

وفي عام 1953 انتقل بطي من جديد مع والده إلى الهند، وكان هذه أول زيارة خارجية له، وهناك انبهر بما رآه من تمدن وحراك ثقافي، كما قابل الكثير من تجار الخليج المقيمين في الهند، والكثير من مثقفي الخليج كذلك، ومنهم رجل الأعمال العماني عبد المنعم الزواوي والشاعر أحمد بن سليم وغيرهم.

رحلة كفاح في السعودية

رغب بطي بن بشر أن يكمل مسيرة الكفاح ويتعلم أكثر ويحسن من ظروفه المعيشية، فقرر السفر إلى السعودية في عام 1954، وتحديدًا في المنطقة الشرقية، حيث نصحه والده البقاء فيها بسبب وفرة فرص العمل في الشركات الكبرى العالمية في مجال النفط.

وعن هذه الفترة من حياته يقول بن بشر أنه عمل في البداية وكانت أجرته 5 ريالات يوميًا، ثم مع أحد المقاولين اسمه عبد الله فؤاد، ولأنه يعرف القراءة والكتابة وبعض الإنجليزية طلب منه المقاول العمل معه بأجر 300 ريال.

كان بشر حريصًا على عمله الجديد أشد الحرص لدرجة أنه كان ينام في موقع العمل، وتمكن من أن يصل راتبه بفضل جده واجتهاده إلى 36 ريالًا يوميًا بعد 8 أشهر.

العودة إلى دبي وتأسيس نادي الشباب العربي

لم تدم رحلة بطي بن بشر في السعودية كثيرًا فسرعان ما عاد إلى دبي بعد عدة أشهر من المكوث في السعودية، وقرر استثمار ما ادخره من أمواله أثناء عمله في السعودية، فاشترى سيارة لنقل الركاب بين عمان والعين وأبوظبي.

ولإنجاح مشروعه الأول كان بن بشر يحرص على السفر إلى عدن لشراء قطع غيار مستعملة ويبيعها إلى أصحاب السيارات في دبي.

بجانب اهتمامه بتجارته الجديدة، حرص بن بنشر كذلك على الجانب الثقافي والفني في إمارة دبي، فساهم مع أخيه غير الشقيق، علي بن محمد بو جسيم المري، في تأسيس نادي الشباب العربي في منطقة سوق الذهب، وكان هذا النادي بمثابة ملتقى لممارسة الأنشطة الثقافية والفنية، والرياضية.

وكانت الأنشطة الرياضية في هذا الوقت تُمارس في النادي الأهلي، والذي أصبح اسمه نادي النصر الآن، أما نادي الشباب العربي حرص بن بشر على جمع المواطنين والطلبة فيه بعد صلاة المغرب من أجل أن يكون ملتقى لتعليمهم علوماً مختلفة ودفعهم لممارسة أنشطة متنوعة.

وقد لعب نادي الشباب العربي مباراة كرة قدم أنان نادي فريق العربي الكويتي، وكان نادي الشباب لا يملك مبالغ مالية لشراء ملابس رياضية للفريق، فاضطر النادي لاستعارة الملابس من الكويتيين.

وفي مسرح نادي الشباب اهتم بطي بالفن والمسرح، فقد أول مسرحية جماهيرية عرضت في دبي بعنوان "الإسلام وبدو الإمارات" كما قدم مسرحية "سامحيني" وشارك فيها كممثل عام 1963.

الاغتراب في البحرين

كان نادي الشباب العربي أيضًا ملتقى سياسيا مهما، فخلال العدوان الثلاثي على بورسعيد عام 1956 تحول إلى بؤرة لدعم مصر والتنديد ببريطانيا، ولهذا السبب تم ترحيل بطي بن بشر إلى البحرين.

وفي البحرين عمل بن بشر سائقًا لإحدى الرافعات في ميناء سلمان، ولكنه في الوقت نفسه كان يدرس في مدرسة عبد الرسول التاجر في المنامة، وكانت مدرسة أهلية تعلم فيها الكتابة على الآلة الكاتبة كما أنهى تعليمه الثانوية، وكان يلعب كرة القدم في نادي المحرق في مركز حراسة المرمى، ليصبح بذلك أول إماراتي يحترف بالخارج.

لم تدم فترة اغتراب بن بشر في البحرين إلا 3 سنوات، فقد عاد من البحرين وقد تعلم فيها الكثير وحصل على شهادته الثانوية فبدأ مسيرته المهنية في العمل الحكومي بسبب قدرته على الكتابة على الآلة الكاتبة.

عمل بن بشر موظفًا في دائرة المحاكم، وكان راتبه آنذاك 250 روبية شهريًا، وظل يعمل فيها حتى عام 1964. تم تعيينه بعدها مديرًا لفرع بنك عمان في مدينة العين، وأصبح اسم البنك فيما بعد بنك المشرق، وذلك لأنه من القليلين الذين تعلموا اللغة الإنجليزية وسبق لهم العمل في البنك البريطاني.

عمله مع الشيخ زايد رحمه الله

كان عام 1966 عامًا محوريًا في حياة بطي بن بشر، ففي هذا العام اختاره الشيخ زايد بن سلطان للعمل معه، فقد تعززت علاقتهما خلال عمل بن بشر في العين كمدير تجاري لمصرف عمان.

التحق بن بشر لعمل مع الشيخ زايد في سنوات حكمه الأولى لإمارة أبوظبي، وتدرج في المناصب الإدارية المختلفة، وكان أولها عمله مساعدًا للشيخ حمدان بن محمد آل نهيان في شؤون التعليم والتخطيط في أبوظبي.

شغل بعد ذلك منصب السكرتير الخاص للشيخ زايد ولازم سموه في رحلاته في الداخل وسفارته الخاص والرسمية وغير الرسمية في الخارج، وقد ظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1976.

شغل بن بشر بعدها منصب وكيل وزارة الأشغال الاتحادية، وخلال شغله هذا المنصب أشرف على عدد من مشروعات البنية التحتية، وأهمها مشروع الطرق السريعة بين الإمارات السبع مثل طريق الشارقة الفجيرة.

في عام 1979 قرر بطي بن بشر ترك العمل الحكومي من أجل التفرغ لمشاريعه وأعماله الخاصة، وبسبب إسهاماته من أجل الدولة تم اختياره عضوًا في المجلس الوطني الاتحادي عام 1981.

أبناء بطي بن بشر

تزوج بطي بن بشر من السيدة آمنة خليفة عبد الله مطر محمد صقر الصيري القمزي، ولديه منها 7 أبناء، وهم راشد بن بشر، وحميد بن بشر، وهدى بن بشر، وبشر بن بشر، وعائشة بن بشر، وشيخة بن بشر، وسلامة بن بشر.

وفاة بطي بن بشر

رحل عن عالمنا بطي بن بشر في 1 يوليو عام 2011 عن عمر 70 عامًا، وفي عام 2013 كرمه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بمنحه جائزة رئيس الدولة التقديرية.

ذكريات بن بشر مع الشيخ زايد رحمه الله

قبل وفاة بطي بن بشر بعدة أشهر أجرى حوارًا صحفيًا تحدث فيه بعض من ذكرياته مع الشيخ زايد في العين، حيث قال عنه إنه كان يبدأ يومه من الفجر وينتظر إقامة صلاة الصبح، وبعد أن يصليها يتوجه إلى مجلسه ويقابل أصحابه المقربين، ويتوافد إليه الوافدون إلى مدينة العين للسلام عليه وطلب حاجياتهم.

ويقول بن بشر عن الشيخ زايد رحمه الله: "كان يتمتع بقدرة استثنائية على التعرف على الأشخاص وتقدير قدراتهم ومواهبهم، وكان يمنح كل شخصٍ ما يستحقه وفقًا لمهاراته وإمكانياته. كان يثق بقدراتهم ويكلفهم بالمهام المناسبة والملائمة لمواهبهم، وكان هذا النهج سرَّ نجاحه وتفوقه في اختيار الأفراد والمحيطين به من رجال القبائل والمسؤولين البارزين".

وقال أيضًا عنه: "كان يتميز بالقدرة على فهم شخصيات الأفراد من خلال كلامهم وأسلوبهم في التعبير، فقد كان يدرك مواهبهم ويقدر طريقة تفكيرهم وتعبيرهم قبل أن يتخذ أي قرار. فعندما يلتقي بشخص للمرة الأولى، يتمكن من فحصه وتقييمه بناءً على كلامه وطريقة حديثه".

ومن الذكريات المهمة مع الشيخ زايد رحمه الله ذكرياته قبل تأسيس ميناء جبل علي العملاق الذي نقل دبي نقلة نوعية.

ويقول بطي إنه كان يستيقظ كل يوم فيجد الشيخ زايد في مكانه المعروف دائمًا، حيث كان يجلس على كثيب رملي يتأمل البحر على جبل علي، ولم يكن يعرف أحد ما يفكر به وقتها.

ثم بعدها سمع الناس عن مشروع ميناء جبل علي العملاق، فعرف بن بشر حينها أن الشيخ زايد كان ذكيا وأصيلًا لأعلى حد، وكان يتمتع بنظرة ثاقبة مكنته من تأسيس مشروعات تأسيسية وتنموية رائدة.

ويقول بن بشر إنه وكل من تعامل مع الشيخ زايد يحمدون الله أنه لم يكن جامعيًا ولم يدخل المدارس قط، فقد كانت أحلامه وطموحاته عالية جدًا وكانت أفكاره ومشروعاته سابقة لعصره فماذا كان سيحل بهم لو كان خريج إحدى الجامعات.